لم تكن خطوات باراك اوباما وهو ينزل على سلم طائرته الرئاسية في مطار الرياض أمس الاربعاء شبيهة بزيارات اسلافه ولا حتى بزياراته هو السابقة الى السعودية منذ دخوله الى البيت الابيض.
فأوباما ومن سبقه من الرؤساء الاميركيين إعتادوا على إستقبالات حافلة من السعوديين ، حيث كانوا يؤخذون بأحضان اعضاء العائلة الحاكمة ، وتُقام لهم “الافراح والليالي المِلاح” فضلاً عن عراضات الرقص ، كما حصل قبل سنوات قليلة مع الملك سلمان بن عبد العزيز حين كان أميراً للرياض عند استقباله جورج دبليو بوش ، الذي يبدو انه نال اعجاب حكام السعودية لاجتياحه العراق وتهديده سوريا وايران واعطائه الضوء الاخضر للإعتداءات الصهيونية على لبنان (عدوان تموز 2006 ) وغزة .
اوباما شق طريقه الى قاعة الاستقبال السعودية حيث انتظره الملك سلمان بدلاً من استقباله عند نهاية سلم الطائرة كما فعل الاخير مع نظرائه الخليجيين ، وبدا ان علاقات واشنطن والرياض تمر بفترة فتور غير مسبوقة ، منذ ان نسج الملك المؤسس للسعودية عبد العزيز ال سعود والرئيس الاميركي روزفلت في اربعينيات القرن الماضي تحالفاً استراتيجياً، والذي قام على الامن الاميركي للرياض مقابل النفط والمال السعودي لواشنطن.
معادلة ظلت قائمة لعشرات السنين وهي تجذرت وتماهت سياسات المملكة الخارجية والنفطية مع متطلبات الادارة الاميركية التي حصدت الاف المليارات من الدولارات السعودية لشركاتها ومصارفها ، كما فُتحت ابواب الخليج لاساطيل واشنطن تحت عنوان توفير الامن وحماية الممالك والامراء وتحديداً حكم آل سعود.
لذلك كان الطبيعي ان تزداد القواسم المشتركة بين الرياض وواشنطن ، خاصة حيال الملفات الشائكة والمتعددة في الشرق الاوسط ، وعمد الطرفان الى خوض حروب غير مباشرة مع مصر ايام حكم الراحل جمال عبد الناصر ، وبعده الجمهورية الاسلامية الايرانية منذ انتصار ثورتها (1979) ، كما ضيق الطرفان على سوريا لوقوفها الى جانب حركات المقاومة وصولاً الى تسعير نيران الحرب الاهلية في هذا البلد ، اما الكيان الصهيوني فتمتع برعاية امنية ومالية وتسليحية اميركية ، قريبة من تلك التي توفرها واشنطن للعائلة الحاكمة في السعودية ، التي غيبت مواجهة كيان العدو عن اجندتها بل تحدثت تقارير اسرائيلية قبل اسابيع عن تقارب سري بين تل ابيب والرياض وتوحدهما ضد ايران وحركات المقاومة.
لهذه الاسباب كان من الطبيعي ان تتعمق علاقات السعودية بأمريكا طيلة نحو ثمانين عاماً الى ان بدأ التباين يطفو على السطح وتحديداً في عهد ادارة باراك اوباما التي عملت على ابرام اتفاق نووي مع ايران بدلاً من ضربها عسكرياً ، ولم توفر الدعم الكافي (بحسب السعوديين) لحسني مبارك للاستمرار بالسلطة، كذلك لم تزج واشنطن بقواتها للاطاحة بنظام الرئيس بشار الاسد ، وفق رغبات الرياض.
طبعاً الادارة الاميركية الحالية لم تنفذ رغبات السعودية محبة في السلم والامن الدوليين بل نتيجة الخشية من التورط اكثر من الشرق الاوسط ، وهي لا تزال تدفع الى الان ضريبة غزو العراق وافغانستان.
هذا الامر اغضب السعوديين ، وما زاد من حردهم تداول مشروع قرار في اروقة الكونغرس الاميركي حول تورط امراء سعوديين في دعم اشخاص على علاقة بهجمات الحادي عشر من ايلول سبتمبر عام 2001 ، ما دفع الرياض الى التهديد ببيع اصولها في المصارف ، وفق ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا عن وزير الخارجية عادل الجبير.
في ظل هذا التباعد يأتي انعقاد القمة الاميركية – الخليجية اليوم (الخميس) ، ويقول تركي الفيصل الرئيس الأسبق للمخابرات السعودية لشبكة سي ان ان الاميركية انه “سوف يكون بين السعودية ودول مجلس التعاون إعادة تقييم لعلاقتنا مع الولايات المتحدة، فإلى أي مدى يمكننا أن نذهب في اعتمادنا على أمريكا، وكم يمكننا أن نعتمد على ثبات توجهات القيادة الأمريكية، وما الذي يمكن أن يجعل مصالحنا المشتركة تلتقي معاً، هذه الأمور علينا أن نعيد تقييمها، ولا أعتقد أنه علينا أن نتوقع من أي رئيس جديد لأمريكا العودة كما قلت إلى الأيام الخوالي حيث كانت الأمور مختلفة”.
بدوره يرى سايمون هندرسون (مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن) انه “من المؤكد أن الرئيس الأمريكي لم ينوي السفر إلى الرياض للتوقيع على شهادة وفاة العلاقات بين البلدين. ومع ذلك، ربما بشرت إدارة أوباما بقيام عهد جديد في العلاقات بين واشنطن والرياض – يكون أكثر بعداً ويشوبه الشك مقارنة بما كان عليه الوضع في السنوات الماضية. وبطريقة أو بأخرى، كانت هذه رحلة تاريخية”.
ورغم ذلك يؤكد خبراء اميركيون وغربيون ان “الفتور لا القطيعة” هو الذي يسيطر على العلاقات الاميركية – السعودية في هذا الوقت. فالطرفان بحاجة الى بعضهما البعض وهما لن ينفصلا رغم كل الاختلافات كما يؤكد بروس ريدل الخبير في معهد “بروكنغز” للأبحاث والمسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
المصدر: موقع المنار