“البحث في حالة حزب الله ليس مسألة يسهل معها الإجابة عن سؤال علم الاجتماع، سيما الاجتماع السياسي الإسلامي”. هذا ما جاء في مطلع مقدمة الناشر “دار الأمير” لكتاب “التربية الحزبية الإسلامية (حزب الله نموذجاً)”، إلا إن صاحب الكتاب الدكتور حسين أبو رضا تمّكن من تجاوز هذه الصعوبة في بحث أكاديمي نال عليها درجة الدكتوراه من الجامعة اللبنانية، بفضل أدوات منهجية اتبع فيها مرجعيات علم الاجتماع الحديث في تثبيت أطروحته القائلة بأن حزب الله يمثّل نموذجاً يثبت فرادته بعد حوالي ثلاث عقود على تجربته.
زينب الطحان/ مجلة بقية الله
من هنا كان التوجه الأساسي في الاختلافات الجوهرية التي تكمن بين هاتيك الحركات، في رؤيتها لآليات العمل الميداني لإعادة المسلمين إلى عالم الإسلام الحركي، والذي نقصد به سلوكاً وممارسة في الأطر والتنظيمات الاجتماعية والثقافية والسياسية، فهي عملت على عملية الإحياء هذه من خلال إسقاط المقولات التراثية من الفقه الإسلامي وعلم الأصول والكلام وما يستتبعهم من أشكال تعبيرية عن ثقافة تجمدت منذ ذلك الزمان العتيد، ضاربة عرض الحائط كل الأحوال الحداثية التي كانت تفرض نفسها على العالم وما يصاحبها من تغييرات جذرية في طرائق التفكير وذهنية مغايرة في التعامل مع أسلوب الحياة المعاصر.
وأتى نموذج “حزب الله”، ليقدّم صورة لا تشبه في معاييرها ومنطلقاتها أية حركة إسلامية أخرى، يتوسل في آلياته العملاتية الحداثة المعاصرة، ويجدّد روحية الإسلام بما يتوافق وكل متغيرات الحياة المطردة باستمرار. وربما من هنا لم يعد يتوقف عند قولبات ثقافية كان يتمسك فيها عند انطلاقته الأولى، معتمداً آلية حركية ومرنة لا تنفّك تعطي ثمارها، وهي القيام بأعباء تربية حزبية إسلامية، لكل قطاعاته الاجتماعية ودائرة بيئته الإنسانية والإيديولوجية عموماً.
كتاب “التربية الحزبية الإسلامية (حزب الله نموذجاً)، يعرض هذه التجربة مشرّحاً تفاصيلها ومحاورها الأساسية في ثلاثة أبواب رئيسية : الباب الأول بحث فيه حول مقاربة في مفهوم التربية الحزبية العامة والإسلامية الخاصة، والباب الثاني تركز عن حزب الله، النشأة والعقيدة والتنظيم، أما الباب الثالث فكان عن “التربية الحزبية عند حزب الله”.
وقفة تاريخية عند “الحزبية الإسلامية”
يتوقف الكاتب عند ظهور الفرق الإسلامية، وتطور شكل الاجتماع السياسي لها وتجذّرها الديني، الذي يرجعه إلى اجتماع سقيفة بني ساعدة الذي وقع بعيد وفاة الرسول الأعظم(ص) للبحث في مسألة السلطة في الإسلام، ونتج عنها حراك سياسي واجتماعي في المجتمع الإسلامي، فمثّل الخلاف الأول على الإمارة والسلطة بين الأنصار والمهاجرين حزبية جديدة، وكان تخلف الإمام علي (ع) عن البيعة لأبي بكر تبشيراً بحزبية جديدة ستكون هي إحدى التيارات الحزبية الفاعلة في التاريخ العربي. ولم يخل عهد الخليفتين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان من وجود الحزبيات الوليدة، حيث كان لكل من القادة البارزين، كطلحة والزبير وعثمان بن عفان والإمام علي(ع) بطانته الخاصة به.
هذه الفرق أخذت بالتوسع مع مرور الحقب التاريخية حتى بلغت المئة، واختصرها محمد عمارة مقتفياً أراء المؤرخ الشهرستاني، في أربع فرق؛ الشيعة؛ المعتزلة؛ الخوارج، المرجئة. أما الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين فيرى أن الفرق الأساسية هي “الشيعة؛ الخوارج؛المعتزلة؛ المرجئة وأهل السنة”. وكثيرا ما تماهى الانقسام الحزبي مع الصيغ المستحدثة في الدولة الإسلامية، وظلت تتوالى هذه الانقسامات وتتفاعل منتجة حزبيات جديدة عبر التاريخ الطويل للأمة وللمجتمعات العربية والإسلامية حتى تاريخ سقوط أخر خلافة إسلامية، وهي الخلافة العثمانية في بدايات القرن العشربن. من هنا يثبت أن التاريخ العربي قد عرف أشكالاً مختلفة من الأحزاب وإن لم تستخدم اللفظة نفسها، ومنشأها لا يقف عند الإستيراد الغربي للمفهوم والتجربة. لكنها أخذت من مفهوم الحزبية الغربية بعضاً من مفرداتها وأدبياتها السياسية والتنظيمية، فامتزجت الحزبية القديمة بالجديدة القادمة من الغرب، فتوافق الشكلان أحياناً وتصارعا أحياناً أخرى. وطبعاً لا يفوت الكاتب في منهجيته العلمية أن يعود إلى المحاولات الأولى للأخذ عن الغرب أشكاله الحزبية، والتي بدأت مع الإصلاحيين في عهد الإمبراطور العثماني سليم الثالث مع، وفي عهد محمد علي في مصر، وكان من أبرز هولاء رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي.
ويبرع الكاتب في تبيان دور الحزب بصفته مؤسسة اجتماعية، منضوياً في نظريته تحت أسس العلم الاجتماعي المعاصر، ليبرهن على أن الحزب السياسي مؤسسة مجتمعية بامتياز، تؤدي دوراً أساسياً لنوع من التأطير والاستيعاب لدرجة ما من الوعي، ونتيجة حراك سياسي واجتماعي داخل هذا المجتمع. من هنا تعدّ التربية الحزبية مفهوماً واحداً وموحداّ، يقوم بدور وظيفة محددتين في نشاط العام، حيث تنتقلان لتمارسا التربية السياسية المؤسساتية، والتي هي نوع من التكوين الصارم، من خلال النشاط التربوي الموجّه للأعضاء المنضوين ضمن الحزب – المؤسسة- وتوثر تالياً على أداء وسلوك الأفراد فيه، كما تنعكس هذه التأثيرات، على الواقع العام في المجتمع. فالتربية ليست صفة تضاف إلى الحزب، بل هي المفهوم الأساسي للحزب وهي أهم أهدافه.
في ندوة لمناقشة كتاب التربية الحزبية الإسلامية حزب الله نموذجاولعل هذه النتيجة التي يبرهنها الكاتب تعدّ من أهم الخلاصات التي أتى بها، فالحالة الحزبية ليست مؤسسة ترفية تنجلي عن طبقات برجوازية تبحث عن تحقيق سلطة تضمن لها استمرارية تفوقها على بقية طبقات المجتمع، بل هي تأتي عن حاجة ملحة من طبقات تسعى إلى تثبيت وجودها وذاتها ورفع نير الظلم والحرمان عن أبنائها، وتؤدي تربية موجهّة في جوانبها التعليمية والروحية والفكرية والعقائدية والثقافية وحتى تدخل ميدان التربية الجسدية من خلال التشريعات التي تحمي من الانحراف والانزلاق في متاهات الفساد والجريمة. وهو في خضم هذا الإثبات يدخل باحثاُ في حركية أحزاب إسلامية عديدة، بدءأ من حركة الإخوان المسلمين في مصر، وتجربة الجماعة الإسلامية في لبنان، والحراك السياسي لشيعة العراق، ومن ثم لشيعة لبنان، وذلك من خلال معالجته للمشروعية الدينية للعمل الحزبي في الإسلام، مبيّناً المشروعية الدينية عند كل من السنّة والشيعة ومتحدثاً عن دور المرجعية والفقهاء، متوقفاً بشكل مسهب عن التجربة الحزبية الإسلامية في إيران مع الراحل الإمام الخميني (قده) مع لحاظ أن بعض العلماء رفضوا النظرية من أساسها، مثل الراحل الإمام محمد مهدي شمس الدين الذي رأى أن التجربة الشيعية امثال “حزب الدعوة” وغيرها لم تستطع أن تحقق لنفسها بعداً إسلامياً، والعمل الحزبي الإسلامي قديمه وحديثه لا يساعد الشيعة على الاندماج داخل مجتمعاتهم.
فهو كان يطلب من الشيعة تجنّب الحركات المطلبية المستقلة التي تميّزهم عن غيرهم، وأنها يجب أن تكون مطبوعة بالطابع الوطني. وبلغ به الرأى أن الحركة الإسلامية التنظيمية (سنية وشيعية) قد فشلت في مشروعها السياسي كونها اصطدمت بالمجتمع وليس بالنظام. ولكنه في مواطن أخرى لا ينفي أهمية قيام تنظيم حزبي لحل المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بيد لا ريب وقع في تناقض واضح، إلا إنه بلور رؤيته في كتابه الأخير “وصابا” في صوغ ملاحظات باتجاه الحركات الإسلامية.
“حزب الله” : التربية الإسلامية الأساس والقاعدة
نأتي هنا إلى التربية الحزبية عند “حزب الله”، والتي ساق لها المؤلف باباً مستقلاً مؤلفاُ من فصلين معززين بعناوين تزخر بالتفاصيل، بدءاً من النشأة مع الحرس الثوري الإيراني. ويأتي مسار من النغييرات ضمن تركيبة المجتمع اللبناني، ومن ضمنها الحركات الإسلامية، تقوم على دمج الإيديولوجيا بالواقع الموضوعي، ضمن خصوصية مجتمعية، هي نتاج التعدد والتنوع اللبنانيين، وقد حدد هذا التيار الدعوة والتبليغ الديني هدفا أولا، والتربية الحزبية الإسلامية وسيلته الفضلى، وكذلك شارك في العمل السياسي، من وجهة نظر إسلامية، ويعد “حزب الله” بناء على ما تقدم، أحد أهم هذه التيارات، حيث مارس تربيته الحزبية، ضمن اختلاطه بالمجتمع التعددي، وأوجد مدرسة خاصة بالعمل الحزبي الإسلامي فيه.
والحزب، بصفته التربوية الشمولية، يقوم على نوع من السلطة المعرفية، وتتحول من التربية الحزبية التلقينية إلى تربية مؤسساتية، فتصبح التربية الحزبية المؤسساتية السياسية، موجهّة نحو الهدف المرجو تحقيقه. لذلك يتم من خلالها استشراف الأبعاد السياسية والعقائدية للمؤسسات الحزبية والسياسية داخل المجتمع. من هنا تبلور تشكيل حزب الله في ظل الثورة الإسلامية الإيرانية وحوى الطائفة الشيعية تحت جناحه الحركي، وهو أمر كان ملحمي الالتصاق في بيئة تعجّ بالطوائف. وهو إلى جانب ذلك ميّز بأنه حزب يلتزم برسالة سماوية، وليس طائفياً من منطلق التركيز على البعد الديني والأخلاقي التي تؤمن بها كل الأديان. ولكنه مارس الطائفية السياسية اضطراراً، كونها مفروضة، بحكم طبيعة النظام السياسي اللبناني. ولكنه بشكل مغاير عن حكم الشيخ شمس الدين “حزب الله” دخل إلى بنية المجتمع وتفاعل معه تفاعلاً متيناً في أن كان عضداً مساعداً في نشله من الحرمان والاضطهاد وبنى له المؤسسات الاجتماعية الخدماتية وأخذ بيد الجيل الشاب نحو أبواب العلم والمعرفة، وإلى جانب ذلك أسس لنهضة ثقافية دينية قائمة على مدرسة الفكر الشيعي لأهل بيت النبي (ص) في حركة ارتدادية نحو الأصول من خلال إعادة الروح إلى الحوزات الدينية وإحياء حركة المساجد بالحلقات التثقفية الدينية.
وهو في ظل عملية البناء هذه كانت تقف ثقافة المقاومة والاستشهاد عاموداً فقرياً يشكّل ركيزة الانطلاق والدفع نحو المزيد من الاستمرارية الحيوية، لا بل كانت هي الصورة الأولى التي بنى عليها حزب الله أسسه البنيوية في المجتمع الشيعي اللبناني، والذي كان يعاني من الاحتلال ردحاً طويلاً. فكان “حزب الله” المنقذ الوفي لدماء الشهداء وكل التضحيات.
وتعدّ “ولاية الفقيه” من أبرز المفردات الكبرى في بنية “حزب الله”، التي رسمت له طريق العمل الحزبي بصورة واضحة وتصيغ له مجمل القرارات المركزية في القيادة والفعل الاجتماعي والثقافي. وليس هناك أوضح من تعبير الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله عندما قال في إحدى مقابلاته الإعلامية إن “إهمية وحدة القيادة المتمثلة بالاعتقاد بولاية الفقيه، هي التي أدت إلى نجاح حزب الله في العمل الحزبي، لأنها وحّدت حزب الله، وجعلته قوياً ومرتاحاً، وبعدها قام حزب الله بتوحيد الشيعة من حوله”.
عدّد المؤلف المفردات الأساسية التي تشكل الهيكلية الثقافية والإيديولوجية لحزب الله، شارحاً إياها كيف ترتبط عضوياً بالمشروع الإسلامي العالمي، وبالتحديد ثقافة الانتظار للإمام المهدي والوحدة الإسلامية ضمن رؤية ولاية الفقيه.
وحدد الكاتب خصائص المرتكزات التثقفية عند حزب الله، والتي تتمايز عن غيره من الحركات الإسلامية بمسافات واسعة. فقد أولى اهتماما عاليا لعملية إعداد العضو الحزبي، فكريا وسياسيا وإيدبولوجيا ضمن أطر وبرامج تربوية خاصة، تشكل مجتمعة، التربية الحزبية. وتفاعلت هذه الأطر في هيكلية تنظيمية مترابطة الحلقات ومتعددة المهام لرفد العملية التربوية السياسية والحزبية التي أرادها الحزب وحدد معالهما، ليمارسها كل من موقعه وبحسب أهليته وتخصصه.
“حزب الله” نحو مسارات تغييرية
وينتهي الكاتب في فصله الأخير حول التغييرات التي تدرجت في مسيرة حزب الله، ومنها التعديل في نظرته إلى تطبيق الأحكام الإسلامية في المناطق الخاضعة لنفوذه، حيث لا يفرض تطبيق الأحكام الشريعية على الناس، وقد يكون ذلك بسبب الواقعية السياسية التي انتهجها، والتي ألزمته في سياق تربيته الحزبية، بالعمل على احتضان الناس واستيعابهم، بدلا من المواقف المتصلبة تجاه بعض المخالفين للتعاليم الإسلامية. فلقد توصل من أخطائه السابقة حتماً إلى نتيجة مفادها أن فرض الأحكام الإسلامية على الناس لن تؤدي إلا إلى ابتعادهم عنه. ولكنه إلى جانب ذلك قام بانشاء أساليب إعلامية تسانده في دعوته الإسلامية من جهة وتكون صوتاً خير ممثل للمقاومة.
مجتمع حزب اللهويمكن أن نعدّ عملية النقد الذاتي، والتي هي غريبة عن مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، وأحزابها السياسية، من أكثر الأدوات اعتماداً عند القيادة الحزبية لتصيحيح المسار وتقويم الأداء وتوجيه العمل نحو الأفضل. فحزب الله تمكّن من الفصل بين الدين بصفته معتقداً وإيديولوجية حزبية، وبين التنظيم كونها جسماً بشرياً، ذلك أن الخلط بينهما يجعل من نقد التنظيم غير مقبول، لأنه نقد للدين، وهنا مكمن الخطورة فالدفاع عن التنظيم أصبح عند الحزبيين، أهم من الدفاع عن الدين، وهذه ظاهرة موجودة عند بعض عناصر العمل الإسلامي الحركي. ويدعم هذه العملية النقدية عند حزب الله جملة قواعد مستمدة من وحي الشريعة الإسلامية ومنها الشعور بثقل المسؤولية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقران القول بالفعل وجهاد النفس والتحزب لله والإيثار وغيرها..
وبجرأة غير معهودة يعدّد الكاتب جملة عوارض من الفساد والتراجع اعترت القواعد الشعبية لحزب الله بعد التحرير العام 2000، فبرزت ظاهرة رجال الأعمال الذين يستفيدون من بعض الخدمات، التي تؤمّنها لهم علاقتهم الخاصة بمقربين من الحزب. ويعدّل الدكتور حسين أبو رضا هذا الرأي، في معرض كلمة له ألقاها في حفل مناقشة لكتابه، بأن مظاهر الفساد قد تراجعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بفعل التحديات الجديدة التي فرضتها الحالة التكفيرية في الوطن العربي، ويمكننا أن نقول إن الروح الإيمانية الأولى التي تميّز بها حزب الله قد عادت بقوة. وقال :” الآن عدنا إلى الكثير من الإيديولوجيا والقليل من السياسة”.
الكتاب مرجعية علمية
بعد دراسات عديدة تعرّضت لمسيرة حزب الله وخطه السياسي، إلا إن كتاب “التربية الإسلامية الحزبية (حزل الله نموذجاً) للدكتور حسين أبو رضا يشكّل المرجع الأكبر والأشمل والأكثر مصدقية كونه صادراً عن واحد من أبناء هذا الحزب، الذي عايشه منذ اليوم الأول لتأسيسه وعمل في الميدان الحركي، فانتقلت معه، أن كُتبت النظرية بعد صنع التجربة بشكل عملي بذلت فيه الدماء والأرواح. فكان أن سجّل بذلك أن حزب الله بدأ يؤرخ لتجربته الفريدة، وإن لم يكن بشكل رسمي تنظيمي، كما أوضح صاحب الكتاب. فهو نوع من مؤلف داخل الحزب يرى إلى تجربته برؤية فيها البحث المنطقي والتحيّز العلمي في الإيديولوجية ولم يرجّح واحدة على أخرى. وفي الكتاب تأكيد على التربية الإسلامية الحزبية تستمد تعاليمها من رب العباد وشرعيته، وليس رؤى سياسية مستوردة من هنا أو هناك وهذا بعد عرفاني كبير في الانتماء لحزب الله، وفي انعقاد الصلة الوثيقة بين الرب والعبد.
ونتفق مع الكاتب في أن الكتاب محاولة لسد ثغرة معرفية في المكتبة الثقافية العربية عموماً حول التجربة الإسلامية الحزبية، من خلال طرح نموذج حزب الله. وأنه كان من الصعب التوسع في العديد من الأفكار التي طرحت في الكتاب، مما كان سيجعل البحث الأكاديمي يخرج عن سياقه الخاص، خصوصا أنه حاول ترسيخ فكرة أنه ليس هناك تربية وهناك حزبية بل هناك تربية حزبية إسلامية.
ملاحظات لا بد منها
بيد أن وفرة المعلومات والقدرة العالية على التحقق من مصادرها الواقعية، أنجحا الكاتب في أن ينجز بحثاً عميقاً سيصبح حتماً من مراجع الباحثين في الدراسات الإنسانية عموماً، إلا إن هاتين الخاصيتن أيضاً أوقعتا الكاتب في “فوضى” منهجية، أفضت إلى تكرار بعض المعلومات في العديد من المناحي البحثية، لعدم ترتيب الوحدات المعرفية في شكل تسلسلي من المفترض أن يؤدي الأول إلى الثاني. فعلى سبيل المثال، من الجدير أن يبدأ البحث في الباب الذي يخصصه لحزب الله مفصلاً هيكليته البنيوية بتعريف الهوية، نراه يوردها في الفصل الثاني، من الباب الثالث، بعد تعداد أكثر من عنوان قبلها. ففي الدراسات الحديثة تعدّ الهوية وتعريفها والوقوف عند تداعياتها من أولى خطوات البحث العلمي حول أي وحدة جماعية إنسانية.
إلى جانب ذلك، هو في بحث الهوية يمر سريعاً، مع أنه من أعقد الجوانب المتعلقة بمسيرة حزب الله تحديداً، كونه لا يزال متهماً إلى اليوم أنه فصيل تابع للإيرانيين، يعيش على أرض لبنانية. ولم يكن كافياً منه أن يتلو علينا مقطعاً طويلاً وحيداً حول إن إسلامية حزب الله هي أحد أبعاد هويته السياسية..فهو حزب إسلامي وعربي ووطني، وإسلاميته لا تلغي مضمونها الوطني، باعتبار أن الإسلام يحمل ضمنياً البعد الوطني. ثلاثة أبعاد من الهوية أوردها دفعة واحدة دون تبيان التقاطع فيما بينها وكيفية تشكلاتها ومنطلقاتها، وكيف يتمكن حزب الله بفرادته أن يجمع بين هذه الأبعاد ؟!.. وعداك عن ذلك يغرقنا في بداية حديثه عن الهوية في جملة تعريفات فلسفية، لا تفضي بنا إلى نتيجة ودون ربط بينها وبين مسار حزب الله وهويته.
ومن الصعوبة بمكان أن نقتنع معه بقوله “الهوية لا تكتسب معناها من نفسها، ولا تعني ذاتها من خلال ذاتها، ولا تنظر إلى نفسها في مرآة نفسها فقط، بكلمة واحدة هي ليست معطاة لنا على نحو العلم الحضوري، بل من خلال الافتقار إلى الآخر”. والتحديد الذي يقتبسه من المفكر علي حرب يقول فيه إن الوعي بالذات يمرّ بالآخر، هو مصيب ولم يقل يفتقر إلى الأخر، ذلك أن الهوية بالأصل تبنى في حد الإنسان الوجودي المتمايز عن الآخر، ثم يعود إلى انتمائه المرجعي لكي يبنى نظرته إلى ذاته وإلى الآخر؛ إذ من دون الانتماء المرجعي لا تتوفر له النظرة العامة إلى الإنسان والمجتمع والكون. وهذه النظرة تكون منفتحة حين يتجادل المرجعي تكاملياً مع الانتماءات الأخرى.
يبقى أن نطرح تساؤلاً محدداً على الدكتور حسين أبو رضا حول المرأة والتجربة الحزبية في “حزب الله”، فهو يعترف أن مشاركتها القيادية داخل الحزب ضعيفة نسبياً قياسا بدور الرجل وحجم مشاركته وفعاليته، وذلك بسبب ما أسماه “الواقع الموضوعي” الذي لا يزال يختزن بداخله العديد من الأفكار والعادات والرؤى التقليدية تجاه المرأة ودورها المجتمعي، ولكنه لم يحدّثنا عما يفعله حزب الله إزاء هذا الواقع الموضوعي، هل هو مستسلم له بكل سلبياته ؟!! وهل تكفي “الهيئات النسائية في حزب الله”، المختصة بالعمل الإنساني والاجتماعي، أن تخرّج لنا قيادات نسائية مثلما يعمل حزب الله على تخريجه قياداته “الرجالية”..؟! .. وهل يكفي سعيه إلى تكوين وعي سياسي وفكري وثقافي عند المرأة ؟!! خاصة أنه يلفت أن العمل على تكوين هذا الوعي هدفه دفع النساء للمشاركة في التبليغ الديني والعمل الحزبي.. هل تتضمن رفع مستواهن ليصبحن رائدات ضمن هذا الهدف؟!.. لم يخبرنا شيئاً عن ذلك..!!.
المصدر: موقع المنار