أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون انه “من غير الجائز ان تستمر الحالة الراهنة في الدول العربية لانها مدمرة للجميع” داعيا الى انهائها، مشيرا الى “ما يعانيه لبنان نتيجة هذه الحروب لا سيما النزوح الكثيف في اتجاهه والذي اثر سلبا على اقتصاده وأمنه، كما ترك احيانا تداعيات سياسية”.
ووصف زيارته الى القاهرة التي تبدأ غدا، في حديث اجرته معه محطة “CBC” الفضائية المصرية، “بأنها فرصة لتبادل الرأي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول مختلف المواضيع التي تهم البلدين، ومن بينها الاوضاع الراهنة في العالم العربي”، لافتا الى “ان ملف الارهاب سيعطى حيزا اساسيا في البحث، اذ علينا ان ندرس امكانية المساعدة لوقف المسار الارهابي في كل دول المنطقة”.
ولفت الى “ان زيارته المرتقبة للازهر الشريف والكنيسة القبطية، لها رمزية خاصة تضيء على التعايش بين الطوائف الذي ميز لبنان ومصر اللذين شكلا نموذجا للتعددية الثقافية والمعتقدات، ومصدر غنى للشعوب يمكن ان يتحول الى مصدر دمار اذا ما انقسمت على نفسها وتحاربت مع بعضها البعض”.
وأشار الى “ان جامعة الدول العربية وازاء بداية الاحداث في المنطقة، لم تستطع اتخاذ موقف من شأنه تجميد وعدم تطور هذه المشاكل في الدول العربية (من تونس الى ليبيا ومصر حيث سيطرت عليها سريعا انما تركت آثارها، والعراق وسوريا واليمن، كما تأثرت الدول العربية الاخرى بالنتائج، لذلك كلنا معنيون اليوم، وخصوصا الذين يمكنهم ان يفكروا ب”رأس بارد” كما يقال، بطرح المبادرات التي يمكن ان تساعد على حل المشاكل”.
وعن الوضع في سوريا، قال الرئيس عون: “اننا جميعا حريصون على وحدة سوريا ارضا وشعبا، والتفكير يقوم على ايجاد تسوية ضمن هذا الاطار، ولا يمكن ان تنتهي الحرب السورية دون تسوية سياسية. ولا شك ان هذه الحرب ادت الى اهتزاز العلاقة بين الدول العربية، واذا اجتمعت الدول العربية على كلمة سواء في جامعة الدول العربية خلال القمة المقبلة الشهر المقبل في الاردن، قد يكون من الممكن الوصول الى موقف يساعد على الحل في سوريا وليبيا وكل الدول العربية الواقعة تحت وزر الحروب فيها. ولكن ما يزيد من تعقيد المشكلة هو تزايد الاطراف التي تتدخل في الحل، لانه يعني حكما زيادة المصالح لهذه الاطراف، لذلك على الدول العربية المبادرة الى طرح حل ما، وهو ما يوجب حوارا مع المتنازعين سياسيا او عسكريا لتحديد عناصر الخلاف ويكون الحل نتيجة هذا الحوار”.
واضاف ردا على سؤال: “الدول المشاركة حاليا في مؤتمر استانة، اعترفت ببقاء الرئيس السوري بشار الاسد في الحكم، وبغياب الجيش السوري كونه قوة عسكرية مركزية، لن يتم حفظ الامن في سوريا وستعيش حالا من الفوضى، وقد ظهر الخلاف جليا بين القوى المسلحة المعارضة للنظام التي اختلفت في ما بينها سياسيا حول التمثيل في مؤتمر استانة، وعسكريا حول السيطرة على مناطق محددة، وبالتالي تعاني هذه المعارضة من وجود عدة محاور داخلها ما يجعلها غير قادرة على النجاح او حتى الدخول في مفاوضات سلام”.
وفي ما خص مسألة اللاجئين في لبنان والوعود لمساعدته قال عون: “ان المساعدات لم تصل للدولة اللبنانية بل كانت مباشرة للنازحين فيه وهي غير كافية لأن الحاجات اكبر بكثير من المساعدات التي وصلت، وخصوصا ان آخر احصاء اظهر ان عدد النازحين يتراوح بين مليون و500 ألف ومليون و700 ألف نازح وهو رقم كبير جدا كونه يشكل ثلث عدد الشعب اللبناني”.
وردا على سؤال عن كيفية تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية، اعتبر عون “ان الدول العربية شقيقة، وبالتالي عند اندلاع اي خلاف، لا يحق لنا الوقوف مع احد الافرقاء لان الخلاف اخوي الطابع، ويجب وضع الامكانات في سبيل اصلاح ذات البين. بهذا المعنى نكون حياديين، وليس بالمعنى السلبي للكلمة اي الاكتفاء بمراقبة الاحداث دون اتخاذ اي مبادرة، واذا طلب منا القيام بأي مهمة تعود بالفائدة على الدول الشقيقة والسعي من اجل السلام، فسنقوم بها بكل سرور”.
واضاف: “ان الرؤية الخارجية للبنان تقوم على وجود صراع بين ابنائه بسبب الصراع الاقليمي الدائر، اما الرؤية اللبنانية فهي ان اللبنانيين يتعاونون ضمن الميثاق اللبناني، فحياة اللبنانيين تحكمها مواثيق ثابتة ولا تتغير وفق الاحداث التي تندلع في جوارنا. بعد فترة من الخلاف في وجهات النظر، عاد التوازن الى الحياة السياسية اللبنانية بعد انتخاب رئيس للجمهورية وقد تشكلت حكومة وحدة وطنية ونتوخى مصلحة الشعب اللبناني، ولا خلاف اقتصاديا او ماليا او على صعيد الحياة المشتركة، اما الخلاف السياسي فقد تم تحييده ولن ندعه يؤثر على السلوك الداخلي. وبالنسبة الى اللبنانيين، فالتعايش المسيحي – الاسلامي طبيعي منذ الدعوة الاسلامية، فالمشاكل اتت من الخارج والا لانتفى الخلاف الداخلي بين المسيحي والمسلم في لبنان، وجوهر الخلاف سياسي فقط وليس دينيا، فالجميع يحترم المعتقد الديني للآخر، ولا ندع اي مشكلة خارجية تدخل لضرب استقرار وامن لبنان، ونحن مع لبنان الذي يجب ان يعاد اعماره ويشهد استقرارا وينعم بالامن”.
وتابع: “الوضع الحالي في لبنان قائم على حفظ الامن والحدود لما فيه مصلحة جميع اللبنانيين، وهذه مسؤولية الدولة، وكان هناك صراع سياسي يتعلق بالمنطقة وليس في الداخل اللبناني، وقد لعبت اسرائيل دورا في ذلك.
وردا على سؤال حول استعادة الثقة مع الافرقاء اللبنانيين بعد خصومة سياسية وما قيل ان الفراغ الرئاسي سببه عدم القبول بوصول مرشح “حزب الله” الى الرئاسة، شدد عون على “ان تعطيل الانتخابات الرئاسية في لبنان لم يكن للاتيان برئيس كالذين سبقوا وكنا نعتبر ان هناك جزءا من الفراغ في ادارتهم لشؤون البلاد، فقد اوقفنا الفراغ في السلطة وهذا هو الموضوع. اما بالنسبة الى استعادة الثقة مع الافرقاء، فيجب توجيه السؤال الى رئيس “تيار المستقبل” والمعارضين الآخرين وهم قادرين على الاجابة. ان الخصومة السياسية ليست عداء، بل تنافس وحتى استعمال كلمة خصومة قد تكون اكبر من الواقع، والقتال الذي حصل في السابق تم تجاوزه، فحتى المانيا وفرنسا التي اوقعت الحرب بينهما آلاف القتلى اتى الحل من خلال الوفاق وهو اساس العلاقة بين البشر وليس القتال، فكم بالحري اذا كان الموضوع يتعلق بأبناء الوطن الواحد؟ وفي لبنان، يمكننا ان نصنع السلام في ما بيننا بعد ان تم استبعاد الامور الوهمية ووقف التدخلات الخارجية، وتفاهمنا مباشرة فتم حل المشكلة”.
وحول قانون الانتخاب وما تردد عن تهديد للرئيس عون بالفراغ في حال عدم التوافق على قانون جديد، اوضح رئيس الجمهورية انه “لم يهدد بفراغ تشريعي وان من يعرقل التوصل الى قانون انتخابي جديد هو الذي يوصل البلد الى الفراغ، فأنا لا اريد الفراغ بل ارغب بقانون عادل يسمح بتمثيل جميع شرائح المجتمع اللبناني. وانا واثق بأننا سنصل الى قانون جديد سيعتمد في الانتخابات المقبلة من خلال الحوار القائم، ولا احد يتضامن مع من يعرقل الوصول الى قانون انتخابي جديد”.
وردا على سؤال حول مستقبل سلاح “حزب الله”، قال عون: “طالما هناك ارض تحتلها اسرائيل التي تطمع ايضا بالثروات الطبيعية اللبنانية، وطالما ان الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة اسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود هذا السلاح لانه مكمل لعمل الجيش ولا يتعارض معه، بدليل عدم وجود مقاومة مسلحة في الحياة الداخلية. ومن المهم الاشارة الى ان “حزب الله” هو سكان الجنوب واهل الارض الذين يدافعون عن انفسهم عندما تهددهم او تحاول اسرائيل اجتياحهم، فهم ليسوا بالجيش المستورد، ولا يمكن مطالبة مواطن لبناني بتسليم سلاحه وارضه قد احتلت اكثر من مرة منذ العام 1978، ولم تنسحب اسرائيل من معظم الاراضي اللبنانية الا بضغط المقاومة. وفي العام 2006، شنت اسرائيل حربا جنونية واستهدف السلاح الاسرائيلي في حينه مناطق لا تواجد لحزب الله فيها. وبالتالي، سلاح “حزب الله” لا يتناقض مع مشروع الدولة الذي ادعمه واعمل لاجله، والا لا يمكن التعايش معه، فهو جزء اساسي من الدفاع عن لبنان، وعدم استعمال السلاح في الداخل اللبناني هو حقيقة قائمة وليس فقط ضمانة تعطى، لان الحزب يعلم حدود استعمال السلاح، ونحن لدينا ثقة بذلك كما اننا لن نرضى ان تتطور القضية الى المس بالامن في لبنان”.
واوضح ردا على سؤال “ان وجود حزب الله في سوريا هو ضد المنظمات الارهابية كجبهة “النصرة” و”داعش”، ولا يدخل في الصراع الاقليمي، فمصر تحارب التطرف ايضا وكل الدول العربية اتحدت لمواجهة الارهاب، وحتى السعودية شكلت تحالفا لمحاربة الارهاب، ولم يتدخل حزب الله في سوريا الا بعد ان عانى لبنان من مشاكل مع الارهاب الذي تسلل الى اراض لبنانية ومنها عرسال ووادي خالد، فهناك مستودع ارهابي في سوريا يورد الارهابيين الى لبنان، وبعد تحرير القلمون، انخفض منسوب الخطر الارهابي على لبنان، ويعمل الجيش اللبناني على مواجهة الارهابيين في الاراضي اللبنانية. وليس صحيحا ان مشاركة حزب الله في الحرب السورية ادت الى استقدام الارهاب الى لبنان، ففرنسا واميركا وبلجيكا وغيرها من الدول تعاني من ضربات ارهابية علما انها لم تحارب الارهابيين في سوريا، وبالتالي هناك سياسة للمنظمات الارهابية تتخطى الحدود وتقوم على أسلمة العالم وفق مفهومهم الخاص للاسلام وليس وفق المفهوم الصحيح”.
وعن عروبة لبنان، اكد عون “اننا لسنا بحاجة لتأكيد عروبة لبنان، وان مصر خاصة تدرك ذلك منذ النهضة العربية حتى اليوم، ولكن هناك شوائب لحقت بالعلاقات اللبنانية – السعودية وقد ازلناها وعادت العلاقات طبيعية تماما ولم يكن هناك من حظر سعودي، وستجرى محادثات في وقت قريب بين الوزراء المختصين في البلدين حول المساعدات العسكرية للجيش اللبناني”.
وعن وضع المسيحيين في المنطقة، شدد الرئيس عون على انهم “يعيشون الخطر وقد هاجر قسم كبير منهم وهذا ما حصل في العراق حيث نزح قرابة نصف المواطنين المسيحيين، وفي سوريا نزح عدد كبير ايضا، فانخفض العدد من نحو خمسة ملايين الى نحو مليونين فقط. وبالتالي، يجب ان يستفيق الضمير العالمي ويضع حدا لهذا الامر، فنحن حضارة اساسية في الشرق فهل يمكن مثلا تصور القدس من دون المعالم المسيحية والاسلامية؟ فأين مسيحيو فلسطين؟ هذا الامر جزء من المشكلة التي شكلت اساسا لكل المشاكل الاخرى”.
وكشف ان لا مانع لديه من زيارة طهران ودمشق، فيما اوضح ردا على سؤال حول وجود خطر من المشروع الايراني على المسيحيين، “ان الاحداث لم تبرز اي خطر ايراني على المسيحيين في المنطقة، فأعمال العنف اتت من الارهاب التكفيري الذي يستهدف المسلمين ايضا وليس فقط المسيحيين وكل من لا يشاركهم فكرهم”.
وتحدث عن عودته الى لبنان من المنفى في باريس، حيث اكد انه “لم يتخل يوما عن فكرة العودة الى لبنان، بل عمل من اجلها وبالتالي لم تكن هذه العودة صدفة والعلم السياسي يقود الى الوصول الى السلطة والا لا معنى له، وعملنا كسياسيين من اجل هذا الهدف لانه لا يمكن الاصلاح او القيام بأي عمل سياسي اذا لم يكن الانسان في السلطة، وهو امر طبيعي في الحياة السياسية”.
وختم عون بالقول”كان لدي ماض كتب عنه، وهناك مستقبل يكتب منذ 31 تشرين الاول 2016. وغايتي الاولى هي الامن والاستقرار لانها الاساس الذي يبنى عليه، اما المشاريع فتطال كل قطاعات الدولة”.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام