مرت ثلاثة أشهر تقريباً على انطلاق حملة اقتحام مدينة الباب السورية من قبل الجيش التركي وقوات “درع الفرات”، ولم تحقق الحملة أهدافها وسط معارك كر وفر بين درع الفرات و”داعش”، مع تقدم ملحوظ حققته الحملة مؤخراً عبر السيطرة على جبل الشيخ عقيل والتقدم باتجاه أحياء المدينة وخوض حرب شوارع في الجهة الغربية منها. في حين حقق الجيش السوري مؤخراً تقدماً في قرى جنوب الباب ( ديرقاق – طومان -عران – بيرة الباب – عويشية )، والسيطرة على تلة العويشية من قبل الجيش السوري تعني إحكامه القبضة نارياً على المنفذ الوحيد المتبقي لداعش جنوب شرق المدينة في قرية الشامي، والتي تقع بين العمية (تحت سيطرة درع الفرات) والعويشية (تحت سيطرة الجيش السوري).
فسيطرة الجيش السوري على تلة العويشة قطعت عملياً الطريق الوحيد المتبقي لـ”داعش” للانسحاب، وبالتالي قطع الطريق أمام أي اتفاق بين القوات التي تدعمها تركيا و”داعش”، وأصبح التنظيم الإرهابي لا يملك إلا خيار القتال وبالتالي استنزافه وتركيا ودرع الفرات في معركة غالية الأثمان. سياسياً، دخلت روسيا بقوة على خط الاستهداف السياسي للسياسة التركية في سورية، وعمليات “درع الفرات” كرد متوقع على التوقعات بتراجع تركية عن استدارتها باتجاه روسيا و إيران والعودة إلى دورها الوظيفي في حلف الناتو بزعامة واشنطن، إثر المكالمة الهاتفية التي طال انتظارها بين الرئيس الأمريكي ترامب والتركي أردوغان.
الرد الروسي بدأه مدير القسم الأوروبي في وزارة الخارجية الروسية ألكسندر بوتسان قائلاً إن”تركيا تسعى لتحقيق أهداف خاصة بها في سوريا”، وأتبعه مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بتصريح قال فيه “إن التطورات الأخيرة في سورية تجاوزت فكرة إنشاء ما يُسمى المناطق الآمنة”، مؤكداً أن البدء بتنظيم نوع من المناطق الآمنة وحتى لو كان بصورة صحيحة من وجهة نظر القانون الدولي ومن خلال مشاورات مع الحكومة السورية، سيصرف الانتباه والجهد والمال عن المهمات المهمة المتعلقة بعودة المهجرين إلى منازلهم وبتوفير حياة طبيعية لهم، إن عودة المهجرين يمكن أن تشكل دفعاً إضافياً لعملية تسوية سياسية للازمة في سورية.
كل ما سبق يعطي انطباعاً أن موضوع مدينة الباب لم يحسم بعد وما دخول “درع الفرات” لقرية بزاعة على تخوم الباب، ومن ثم عودة “داعش” للسيطرة عليها في سيناريو تكرر لأربع مرات، إلا دلالة واضحة على تردد تركي في موضوع اقتحام المدينة، وخشية حكومة حزب العدالة والتنمية من القيام بإجراء أحادي دون تغطية روسية أو أمريكية قد يكلفها الكثير. عقدة مدينة الباب تكمن في أن جميع اللاعبين يريدون أن يدخلوا بأجنداتهم و مخططاتهم من الباب، لذا نتوقع أننا سنعود للحديث عن مدينة الباب مراراً، وتبقى الأمور بخواتيمها. من سيمتلك مفتاح الباب سيمتلك مفاتيح قوة على الأرض وهي الأهم في الأزمة السورية.
المصدر: موقع المنار