اعتبر السيد علي فضل الله، في خطبتي صلاة الجمعة، ان “الحرب الاهلية اللبنانية التي مر عليها 41 سنة، واكتوى اللبنانيون بنيرانها، لم تنته آثارها على العديد من الصعد، حيث لا يزال مصير عدد كبير ممن خطفوا أثناءها مجهولا، رغم أن أغلب رجالات الحرب هم الذين يحكمون البلد”.
واضاف “نحن عندما نستذكر هذه الحرب، فإننا لا نستذكرها لنكء الجراح أو لإعادة فتح ملفاتها السوداء، وإن كنا نتمنى لو أن الذين أداروا الحرب وارتكبوا ما ارتكبوه خلالها، لم يكافأوا، بحيث يتصدرون المواقع العليا في طوائفهم أو على مستوى الوطن، إننا نستذكرها حتى نعي تلك الصفحات السوداء، لكي نعتبر منها، وكي لا تتكرر بأشكال جديدة، وحتى يكون لدينا المناعة، فلا نكون ضحايا لحروب الآخرين على أرضنا، وحتى لا يلدغ المرء من جحر مرتين فيما كنا نعتقد أنها حرب مقدسة، حيث اعتقد الأفرقاء الذين دخلوا في الصراع آنذاك، أن كلا منهم قادر على أن يحدث تغييرا في البلد لمصلحته أو لمصلحة طائفته، وأن يمسك بقرار البلد إلى حيث يريد، من خلال استقوائه بهذا البلد الإقليمي أو ذاك، أو هذا المحور الدولي أو ذاك، ولكن سرعان ما كشفت الأيام أنهم جميعا لم يكونوا سوى أدوات في صراع المحاور الإقليمية والدولية، التي كانت تقدم الدعم لمواصلة الحرب، لا لسواد عيون هذه الطائفة أو تلك، أو هذا الموقع السياسي أو ذاك، بل لتصفية حساباتها ولتمرير مشاريع كانت ترسم للمنطقة، وعلى رأسها تصفية القضية الفلسطينية، وبعد أن صفيت الحسابات، وتحققت الأهداف المرجوة من هذه الحروب، ومن دون النظر إلى كل آلام الناس وجراحهم، وآهات المعذبين فيها، جلس القادة اللبنانيون بكل طوائفهم في الطائف، وبنده الوحيد كان إخماد نار الحرب التي أكلت أخضر لبنان ويابسه، واكتشف الجميع أنهم خدعوا لأنهم استكانوا للخوف الذي زرع فيهم، أو لأحلام التغيير التي منوا أنفسهم بها، وأنهم لم يكونوا سوى وقود لحرب الآخرين على أرضهم”.
وتابع “إننا نخشى كثيرا أن تتكرر هذه التجربة مجددا بصور وأشكال أخرى، في ظل تنامي الاحتقان الطائفي والمذهبي والسياسي والتخويف، حيث يعمل البعض على تخويف المسلمين من المسيحيين، والمسيحيين من المسلمين، وتخويف السنة من الشيعة، والشيعة من السنة، وتخويف المواقع السياسية من بعضها البعض، ووسط احتدام الصراع الإقليمي والدولي في المنطقة الذي يشكل البيئة الخصبة لإدارة الصراع الداخلي وفق مصالح الكبار، التي قد تقتضي التصعيد تارة والتبريد تارة أخرى”.
ولفت السيد فضل الله الى ان “الأمان القائم في لبنان قد يفقد، والغطاء الإقليمي والدولي الموجود فيه قد يثقب، فيجد اللبنانيون أنفسهم أمام دمار الحجر والبشر، ويكررون أخطاء الماضي، وحتى لا نكرر المأساة مجددا، علينا أن نصغي إلى لغة العقل، وأن نعزز لغة الحوار الهادئ ولغة التواصل، وأن نبرد الخوف المصطنع، ونبني دولة الإنسان لا دولة الطوائف؛ الدولة القوية العادلة البعيدة عن الاستئثار والمحاصصة والفساد، فالفساد والغبن والاستئثار والهيمنة هي مشاريع حرب ولن تصنع سلاما”.
وتابع “في هذا الوقت، تأتي القمة الإسلامية وسط احتدام الصراع الذي يجري بين العديد من دولها، وفي ظل تنامي المشاعر المذهبية وبروز المنطق التكفيري، الذي أفسح المجال واسعا للتدخلات الدولية التي باتت شبه متحكمة بمسار الحرب الدائرة في المنطقة”.
واوضح “إننا في الوقت الذي نأمل أن تساهم هذه القمة في فتح قنوات الحوار بين الدول المتصارعة، ومد الجسور في ما بينها، والمساهمة في تبريد الجبهات المشتعلة في أكثر من بلد، وتوحيد الطاقات لمواجهة الإرهاب، نخشى أن تساهم في زيادة الشرخ، وتعميق الصراعات، وإذكاء النيران في القلوب والنفوس”.
ورأى السيد فضل الله انه “آن الأوان للعالم الإسلامي أن يعي أن مشكلته ليست في هذا البلد العربي أو الإسلامي أو ذاك، بقدر ما هي في الذين قرروا استنزافه في الصراعات الدائمة، حتى يبقى بقرة حلوبا لمصانع أسلحتهم، ولتعزيز ثرواتهم، وليكون الكيان الصهيوني هو الأقوى، لقد وجدت منظمة التعاون الإسلامي كنتيجة لإقدام الكيان الصهيوني على إحراق المسجد الأقصى، لتشكل قوة رادعة لهذا العدو ولكل أعداء الأمة الإسلامية، فهل تؤدي هذا الدور أو أصبحنا كالذين تحدث عنهم القرآن الكريم: {بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى}؟! فلا يمكن لمؤتمر منطلقه فلسطين إلا أن يكون حريصا على أولئك الذين وقفوا في وجه كيان العدو الصهيوني، وسجلوا نصرا عزيزا، وشكلوا نموذجا يحتذى به، ولا يمكن لمؤتمر عنوانه الوحدة والتضامن، إلا أن يمد جسور التواصل في ما بين المسلمين، وهذا هو الضمان لقوة هذا العالم العربي والإسلامي، الذي لا يقوى بتجمع الضعفاء، بل بتجمع الأقوياء”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام