تُعدّ تجربة حزب الله في العمل السياسي والحكومي واحدة من التجارب الفريدة في لبنان، حيث استطاع الحزب أن يبرهن على نجاحه الكبير في إدارة الأزمات وتقديم نموذج عمل حكومي يركز على المصلحة العامة بعيدًا عن المصالح الشخصية أو الطائفية.
وقد وصف الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، هذه التجربة بـ “التجربة الرائدة”، نظرًا لتميزها في تقديم حلول إدارية فعّالة ومستدامة في وقت عصيب على لبنان والمنطقة.
منذ تأسيسه، حرص حزب الله على تطوير نموذج سياسي وإداري قائم على القيم الإسلامية والمبادئ الإنسانية، مع التأكيد على أهمية خدمة المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية. وتجلّت هذه الرؤية بشكل واضح في عمل الحزب داخل المؤسسات الحكومية، حيث استطاع أن يُحدث تغييرًا ملموسًا في طريقة إدارة الوزارات التي تولى مسؤوليتها، ويُظهر انحيازه الكامل للمصلحة الوطنية من خلال تقديم سياسات تتسم بالشفافية والمساءلة.
كانت وزارات الصحة والعمل والأشغال أحد أبرز الأمثلة على نجاح هذه التجربة، حيث عمل حزب الله على تطوير هذه الوزارات بشكل يتماشى مع المعايير الدولية في الحوكمة الرشيدة، وابتكار حلول تكنولوجية متقدمة، مثل التحول الرقمي، مما جعل هذه الوزارات تتبنى نهجًا عصريًا يتماشى مع احتياجات المواطنين في لبنان. فضلاً عن ذلك، ساهم الحزب في بناء جسور من الثقة بين المواطنين والدولة، حيث كان يولي أهمية كبيرة لتعزيز الخدمات العامة وتوفير بيئة إدارية تضمن الحقوق وتحترم الكرامة الإنسانية.
إلى جانب ذلك، استطاع حزب الله أن يُثبت كفاءته في التعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية، مما جعله يحظى بشعبية كبيرة في أوساط اللبنانيين، بالإضافة إلى إشادة حتى من خصومه السياسيين بنجاحاته في إدارة الأزمات وتحقيق العدالة الاجتماعية.
كل هذه العوامل جعلت من تجربة حزب الله في العمل الحكومي نموذجًا يُحتذى به، وأكدت على قدرة الحزب على قيادة العمل السياسي والحكومي من خلال مبادئ توازن بين السياسة والمصلحة العامة، مع الحفاظ على نزاهة الشفافية والإدارة السليمة.
حول تفاصيل تجربة حزب الله في الحكومة اللبنانية، التي وصفها الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بـ “الرائدة”، أكّد الوزير السابق الدكتور حمد حسن لموقع المنار أن حزب الله، ومن خلال تفاعله مع وزارة الصحة العامة ودعمه لها، ينظر إلى العمل الحكومي على أنه وسيلة لخدمة الناس، وهذا ما يشهد عليه الجميع، حيث كان وزراء حزب الله يتعاملون مع جميع فئات المجتمع اللبناني، في مختلف المناطق والأقضية والمحافظات، دون أي تمييز، معتبرين أن مسؤوليتهم تشمل الجميع دون استثناء.
وأضاف حسن: “كانت أبواب وزارة الصحة العامة مفتوحة للجميع، ويمكنني أن أقدم مثالًا واضحًا على ذلك. فقد تم خلال فترة عملي في الوزارة منح تراخيص لإنشاء مصانع للأدوية، وهو أمر كان في السابق محصورًا بفئات معينة من رجال الأعمال والشركات التي تتمتع بنفوذ واسع. ولكن أول شخص حصل على ترخيص لإنشاء مصنع للأدوية خلال ولاية وزير الصحة من حزب الله كان رجل أعمال من منطقة عكار، بغض النظر عن انتمائه الحزبي أو الطائفي.”
الناس تميز وزراء حزب الله عن باقي الوزراء
وتابع الوزير حسن أن هذا النهج كان واضحًا في مختلف محطات العمل، حيث لاحظ أثناء جولاته ولقاءاته مع الناس أن المواطنين كانوا يتساءلون دائمًا: “هل أنتم وزراء حزب الله؟”، وقال إنهم “لمسوا الصدق والشفافية في الأداء، إلى جانب البُعد الوطني والأخلاقي والإنساني الذي كان يوجه عملنا. وكانت هذه هي المهمة الأساسية التي كُلفنا بها في الوزارات ذات الصلة”.
المجاهد الوزير الدكتور حمد حسن
شكراً لك على جهودِك#تحية_لحمد_حسن pic.twitter.com/C3U3unlGXP— roukaya ashaal (@roukayaashaal1) October 21, 2020
وأردف حسن: “وأود أن أستذكر هنا تجربة مواجهة جائحة كورونا، حيث طلب أحد السياسيين، وهو ليس من التيار السياسي الذي ننتمي إليه، بل وليس من الحلفاء السياسيين، أن تتبنى الدولة مشروع تصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي من خلال شركته، بالتعاون مع الجامعة اللبنانية وخبراء من الجامعة الأمريكية ومستشفى أوتيل ديو وغيرهم. وقد صرح هذا السياسي بشكل واضح أن حصوله على الموافقة والدعم لم يكن ليصبح ممكنًا لولا أن وزارتي الصحة والصناعة كانتا بيد وزراء من حزب الله، وهو ما كان بمثابة حلم بعيد المنال في ظل وزارات أخرى.”
تطوير عمل الوزارة
فيما يخص تطوير عمل وزارة الصحة، أشار حسن إلى أن أداء الوزير، بغض النظر عن إمكانياته الشخصية وخبراته، خاصة إذا كان وزيرًا تكنوقراطًا متخصصًا في مجاله، كان يحظى بدعم مستمر من حزب الله. فقد حرص الحزب على توفير فريق عمل متكامل للوزير، يضم مكتبًا متخصصًا في مختلف جوانب النشاطات الوزارية.
وأعطى مثالًا على ذلك مختصين في إدارة المستشفيات، وأخرى في صناعة الأدوية، إلى جانب خبراء في المجالات القانونية والقضائية، بهدف تقديم الدعم اللازم، كما تضمن الفريق أفرادًا معنيين بمساعدة المواطنين في الحصول على الأدوية والخدمات الصحية، فضلًا عن مختصين في تطوير الرؤية الإدارية ونهج العمل داخل الوزارة.
” اللي كان حريص على صحتك , لازم تعطيه صوتك ”
الوزير الدكتور #حمد_حسن @Hamad_hassan20رابط الحلقة كاملة:https://t.co/jaXsHYVrzR pic.twitter.com/CHhpYPNiZE
— بلاغ – Balagh (@balaghmedialb) May 1, 2022
ومن أبرز الجوانب التي جرى التركيز عليها من قبل حزب الله هو إشراك جميع الموظفين، بدءًا من العاملين العاديين وصولًا إلى رؤساء الدوائر والمصالح والإدارات، في مختلف النشاطات والسياسات المعتمدة داخل الوزارة. وقد سعى هذا النهج إلى ضمان استمرارية الخطط والسياسات المعتمدة، بما يحقق المصلحة العامة، سواء على مستوى المواطنين أو الوطن ككل.
ولفت الوزير حسن أنه فيما يتعلق بالعمل الحكومي، كان هناك لقاء مستمر في ذلك الوقت مع سماحة الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام آنذاك، والمسؤول عن ملف العمل الحكومي في تلك الفترة.
مستشفى التركي في صيدا
من جهته، أوضح وزير العمل السابق مصطفى بيرم أن الحكومة اللبنانية تُعتبر السلطة التنفيذية الرئيسية في البلاد، وهي المسؤولة عن وضع السياسات الأساسية لإدارة شؤون الدولة واتخاذ الإجراءات العملية التي تهم المواطنين. وأضاف بيرم أن المشاركة في الحكومة ليست مجرد حق بل هي واجب على حزب الله كتمثيل لشريحة واسعة من اللبنانيين. وأكد أن الحزب لا ينظر إلى مشاركته في الحكومة كامتياز سياسي فحسب، بل كأمانة تتطلب منه المساهمة الفاعلة في رسم السياسات العامة واتخاذ القرارات التي تخدم المصلحة الوطنية.
أشار بيرم إلى أن الحزب يمتلك قوة تمثيلية واسعة في البرلمان اللبناني، وهذا يقتضي التنسيق بين دوره التشريعي ودوره في الحكومة لضمان تناغم بينهما وتفادي أي تعارض في القرارات الحكومية.
الوزير مصطفى بيرم للمنار: سنوسس على صمود الميدان والموقف المتوازن من الدولة و #الجيش_اللبناني والتضامن الوطني حوارا وطنيا لنبني بلداً أضفنا عليه صفة الاقتدار pic.twitter.com/34QRGaieBb
— قناة المنار (@TVManar1) November 26, 2024
وأكد أن حزب الله يحرص على أن تكون قرارات الحكومة متوافقة مع رؤيته السياسية ومنسجمة مع الشرعية الدستورية والقانونية. وقال إن التنوع السياسي في لبنان يجعل مشاركة الحزب في الحكومة أمرًا أساسيًا لتجنب أي قرارات حكومية قد تخرج عن هذا السياق أو تتعارض مع مصالح الشعب اللبناني.
مساهمة حزب الله في تطوير العمل الوزاري في وزارة العمل
يتعاطى حزب الله مع المناصب الوزارية من منظور المسؤولية الكبرى التي يتطلبها المنصب، وليس كوسيلة لتحقيق المكاسب الشخصية، كما أن الحزب يلتزم بمبادئ الإسلام التي تدعو إلى العدل والمساواة في التعامل مع المواطنين. وفي هذا السياق أكد الوزير بيرم أن حزب الله لا يعتبر وجوده في الحكومة فرصة للتفاخر، بل هو مسؤولية تتطلب تقديم نموذج إداري فعال ومرتكز على قيم الشفافية والمساءلة.
وفيما يتعلق بوزارة العمل، قال بيرم إن هذه الوزارة تُعتبر وزارة خدمية تمس حياة المواطنين مباشرة، وبالتالي كانت هناك ضرورة كبيرة لتقديم نموذج إداري يعكس التزام الحزب بالدولة والمؤسسات، ويسهم في استعادة ثقة المواطن في هذه المؤسسات. وأشار إلى أن الحزب عمل على تعزيز الحوكمة الرشيدة من خلال تطوير السياسات الإدارية وتنفيذ مشاريع تساهم في تحسين أوضاع المواطنين.
أضاف بيرم أن وزارة العمل تحت إشراف حزب الله تبنت نهج التحول الرقمي، مما جعلها أول وزارة في لبنان تعتمد هذا الأسلوب في العمل. وقال إن التحول الرقمي ساهم في تعزيز الشفافية، حيث أصبح من الممكن لأي مواطن التدقيق في أعمال الوزارة ومتابعة تقدم الإجراءات بسهولة. كما أكد بيرم أن الوزارة تحت إشراف الحزب قامت بتطوير الإدارة البشرية، وتعزيز قدرة الموظفين على التعامل مع تحديات العصر، بما في ذلك استخدام التقنيات الحديثة في العمل الإداري.
ونجح حزب الله في إدارة الوزارات التي تسلمها خلال الأزمة الاقتصادية التي أثرت على البلاد، خصوصا خلال جائحة كورونا والأزمة المالية، حيث أنه وفي ظل تلك التحديات، كان الحزب ملتزمًا بضمان استمرارية المرافق العامة وحماية حقوق الموظفين، واعتمد نهج “الإدارة بالأهداف” الذي يركز على الجوهر الإداري بعيدًا عن الشكليات. وقد مكن هذا النهج الوزارات من الاستمرار في تقديم خدماتها في ظل ظروف صعبة، مما أدى إلى إشادة من مختلف الأطراف السياسية، بما في ذلك خصوم الحزب.
لماذا تُعدّ تجربة حزب الله رائدة في العمل الحكومي؟
أكد الوزير بيرم أن تجربة حزب الله في العمل الحكومي تعتبر رائدة لعدة أسباب، أهمها أن الحزب ينظر إلى العمل الوزاري كأمانة ومسؤولية أمام الله وأمام المواطنين. وقال بيرم إن الحزب يحرص على تقديم نموذج إداري شفاف ونزيه في إطار من المساءلة، حيث يتطلع إلى تقديم خدمة مهنية ومؤسساتية بعيدًا عن المصالح السياسية والشخصية.
ويعتمد حزب الله يعتمد في عمله الوزاري على ثقافة الإدارة السياسية المبنية على المؤسساتية بدلاً من المصالح الشخصية أو الطائفية، وهذا ما يجعله يضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار سياسي أو حزبي. وفي الإطار نفسه، أوضح الوزير بيرم أن حزب الله يسعى إلى بناء دولة مؤسساتية حقيقية من خلال عمله الوزاري، حيث يسعى إلى تجنب المحسوبيات السياسية والتمسك بالشفافية في جميع الإجراءات.
وقال الوزير بيرم إن الحزب لا يعتمد على صناعة الشخصيات بل على بناء المؤسسات التي تضمن استمرارية العمل الحكومي وتقديم الخدمات للجميع بشكل عادل.
لم يقتصر دور حزب الله لم يقتصر على تقديم الحلول في الوزارات التي تولى مسؤوليتها، بل سعى إلى ضمان أن تظل هذه الحلول مستدامة وأن تستمر حتى بعد تعاقب الحكومات، مما يضمن للمواطنين الحصول على خدمات مستمرة وعادلة بغض النظر عن تغيرات الوضع السياسي في لبنان
المصدر: موقع المنار