ترامب وزيلينسكي.. ماذا بعد المشادة الكلامية؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

ترامب وزيلينسكي.. ماذا بعد المشادة الكلامية؟

ترامب و زيلينسكي - المشادة الكلامية

سلّطت المشادة الكلامية العلنية بين دونالد ترامب وفولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، الجمعة، الضوء على الخلاف المتنامي بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، وأثارت تساؤلات بشأن المرحلة المقبلة، تحت أنظار روسيا المتفائلة والأوروبيين المذهولين.

بدأت نبرة التخاطب ترتفع بين الرئيس الأميركي ونظيره الأوكراني منذ أسابيع، لا سيما مع وصف ترامب لزيلينسكي بـ”ديكتاتور”، قبل أن يقلّل من شأن تعليقه دون أن يتراجع عنه.

توتّرت العلاقة بينهما بعد المكالمة الهاتفية في 12 شباط/فبراير بين الرئيس الأميركي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي لا يخفي ترامب إعجابه به.

ويخشى زيلينسكي، كما حلفاؤه الأوروبيون، من دفع ثمن التقارب المتسارع بين واشنطن وموسكو، بينما يسعى بشدّة للحصول على ضمانات أمنية في حال وقف الأعمال العدائية، وهو ما ترفض الولايات المتحدة منحه إياه حتى الآن.

تزايدت هذه المخاوف بشكل خاص بعد الاجتماع الذي عُقد في الرياض بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي، وكان غير مسبوق منذ بدء غزو موسكو لأوكرانيا قبل ثلاثة أعوام. وكان اللقاء إشارة إلى بدء مباحثات لإنهاء الحرب من دون دعوة كييف أو الأوروبيين.

وتملك إدارة ترامب شعورًا بأن أوكرانيا ليست “ممتنّة” للولايات المتحدة التي قدّمت لها مساعدات عسكرية ضخمة في مواجهة روسيا، في عهد الرئيس السابق الديمقراطي جو بايدن.

وجاء اللوم الذي أطلقه نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس بهذا الشأن خلال اللقاء الذي جرى الجمعة في المكتب البيضاوي ليُشعل فتيل النقاش المحتدم أمام وسائل الإعلام. وبعد خروج الصحافيين من المكتب، أكد ترامب عبر منصته “تروث سوشيل” أنّ الرئيس الأوكراني يمكنه أن يعود “عندما يكون مستعدًا للسلام”.

من جانبه، دعا وزير الخارجية ماركو روبيو زيلينسكي إلى “الاعتذار”.

وأكد براين فينوكين من مجموعة الأزمات الدولية أنّ “أداء الرئيس ونائب الرئيس في المكتب البيضاوي غير مسبوق، لكنّه ليس مفاجئًا تمامًا بالنظر إلى مواقف الرئيس ترامب المعروفة بشأن الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا والسردية التي روّج لها للحرب الروسية على أوكرانيا”. ويرفض الرئيس الأميركي تحميل موسكو مسؤولية هذا النزاع.

استنفار أوروبي

بدوره، رأى المحلّل السياسي الأوكراني فولوديمير فيسنكو، مدير مركز بينتا للأبحاث، أنّ “الطريقة التي مارس من خلالها الأميركيون ضغوطًا علينا، والمصطلحات التي استخدموها للتحدّث عن زيلينسكي وأوكرانيا قبل أسبوع، وموقفهم من المفاوضات، وتقييمهم للحرب الروسية-الأوكرانية… كلّ ما تقدّم يظهر أنّ هذا الانقسام وهذا الانفجار كان سيحصل عاجلًا أم آجلًا”.

بدوره، قال فينوكين إنّ “ما سيحدث لاحقًا غير واضح”، متحدثًا عن مؤشرات من الإدارة الأميركية بأنها “قد تخفض شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا التي لا تزال قيد الإعداد”، بعدما وافقت عليها إدارة بايدن.

وفي مقابلة على شبكة “فوكس نيوز”، أقر زيلينسكي بأنّه سيكون “من الصعب” على أوكرانيا مواجهة روسيا من دون مساعدة أميركية، مؤكدًا أن علاقته بترامب يمكن “بالطبع” إصلاحها.

أوروبا تقف إلى جانب زيلينسكي

من جانبهم، سارع الحلفاء الأوروبيون لكييف للوقوف صفًا واحدًا وراء زيلينسكي. وأكد المستشار أولاف شولتس أنّ “يمكن لأوكرانيا الاعتماد على ألمانيا وأوروبا”، بينما دعت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني إلى عقد قمة “بدون تأخير” بين واشنطن وأوروبا وحلفائهما بشأن كييف.

وتعهدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس بالوقوف إلى جانب أوكرانيا، مشكّكةً بزعامة الولايات المتحدة للعالم الغربي.

وكتبت على وسائل التواصل الاجتماعي: “اليوم، أصبح واضحًا أن العالم الحر يحتاج إلى زعيم جديد. الأمر يعود لنا نحن الأوروبيين لقبول هذا التحدي”، مضيفة “أوكرانيا هي أوروبا! نحن نقف إلى جانب أوكرانيا”.

أمّا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فشدّد على وجود “معتدٍ هو روسيا وشعب معتدى عليه هو أوكرانيا”. وأكد أنه “إذا كان هناك من يلعب على وتر حرب عالمية ثالثة، فهو فلاديمير بوتين” وليس زيلينسكي، خلافًا لما اتهم به ترامب الرئيس الأوكراني خلال اللقاء.

ومن المقرّر أن يجتمع زعماء أوروبيون في لندن الأحد بدعوة من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الذي التقى ترامب في واشنطن الخميس، بعد أيام من زيارة مماثلة قام بها الرئيس الفرنسي إلى العاصمة الأميركية.

كذلك، دعا رئيس المجلس الأوروبي أنتونيو كوستا إلى قمة أوروبية مخصّصة لأوكرانيا في السادس من آذار/مارس.

زيلينسكي يشكر الأوروبيين على دعمهم بعد المشادة الكلامية مع ترامب

وجّه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رسائل شكر للقادة الأوروبيين الذين سارعوا للإعراب عن دعمهم له بعد مشادة كلامية غير مسبوقة بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الجمعة في البيت الأبيض.

وفي مشهد تسبب بصدمة كبيرة على مستوى العالم، اتهم ترامب نظيره الأوكراني، الذي جاء لطلب دعم واشنطن بعد ثلاث سنوات على بدء الغزو الروسي لبلاده، بأنه “أظهر عدم احترام للولايات المتحدة” في المكتب البيضاوي. وبينما رأت موسكو أن المشادة بين الرئيسين “تاريخية”، ساند الحلفاء الأوروبيون زيلينسكي الذي ردّ بشكرهم.

ووجّه زيلينسكي رسائل الشكر للحلفاء عبر منصات التواصل الاجتماعي. وعبر “إكس”، أعاد الحساب الرسمي للرئيس الأوكراني السبت وليل الجمعة، نشر الرسائل الداعمة له مع تعليق “شكرًا على دعمكم” على كلّ منها.

وعلى رغم المشادة، كان زيلينسكي قد كتب في منشور على إكس ليل الجمعة: “شكرًا أميركا، شكرًا على الدعم، شكرًا على هذه الزيارة. شكرًا للرئيس والكونغرس والشعب الأميركي”. وأضاف: “أوكرانيا بحاجة إلى سلام عادل ودائم ونحن نعمل على ذلك”.

كذلك، وجه وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيا “الشكر” إلى نظرائه الأوروبيين الذين ساندوا كييف.

من المصافحة إلى المشادة.. تفاصيل اللقاء المتشنج بين ترامب وزيلينسكي

سار كل شيء على ما يرام عندما خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستقبال نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، لكن في الداخل، ساءت الأمور بشكل مفاجئ وبسرعة مذهلة.

خلال دقائق معدودة، تحوّل الاستقبال التقليدي للصحافيين لالتقاط الصور وطرح بعض الأسئلة في المكتب البيضاوي قبيل اجتماع كان يفترض أن يكون خطوة على طريق السلام بين أوكرانيا وروسيا، إلى مشادة حادة تركت مصير كييف معلقًا.

لكن ترامب وزيلينسكي، اللذين كان كل منهما شخصية تلفزيونية خلال مسيرته، يعرفان كيفية التلاعب بالكاميرا. عند مدخل البيت الأبيض، تصافحا، وأدلى ترامب، النجم السابق لتلفزيون الواقع، بتعليق ساخر لكن بلطف على ملابس زيلينسكي الذي يعتمد زيًا شبه عسكري منذ بداية الحرب.

أما زيلينسكي، الكوميدي السابق الذي كان يزور واشنطن لتوقيع اتفاق تستثمر بموجبه واشنطن المعادن النادرة في بلاده، والحفاظ على دعمها في مواجهة موسكو، أبقى النبرة هادئة أثناء تلقي الأسئلة جلوسًا في مكتب نظيره.

لكن اللقاء تبدّل جذريًا وسريعًا، وتحّول إلى مشهد لم يعتده المكتب البيضاوي على امتداد تاريخ استضافة الرؤساء الأميركيين للقادة الأجانب.

“لا تقل لنا”

أشعل نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس الجالس إلى يسار ترامب الشرارة. ومع تنامي دوره كرأس حربة ترامب في مهاجمة الخصوم والحلفاء على السواء، اتهم فانس زيلينسكي بعدم “الامتنان” للدعم الأميركي عندما شكك الزعيم الأوكراني في دعواته لاعتماد “الدبلوماسية” مع موسكو لإنهاء الحرب.

وقال فانس: “أرى أنه من غير اللائق من جانبك أن تأتي إلى المكتب البيضاوي وتحاول المجادلة بهذا الأمر أمام وسائل الإعلام في الولايات المتحدة”. ومع احتدام النقاش، سأل زيلينسكي فانس عما إذا كان قد زار أوكرانيا سابقًا، ما دفع الأخير لاتهامه بغضب بتنظيم “جولات دعاية” في بلاده. بعد ذلك، تدخّل ترامب في النقاش.

وعندما قال زيلينسكي إنه على الرغم من أن محيطًا يفصل بين الولايات المتحدة وأوروبا، فإن واشنطن “ستشعر” في المستقبل بما تعانيه كييف حاليًا، ردّ ترامب بغضب وبصوت مرتفع: “لا تعرف ذلك. لا تقل لنا ما الذي سنشعر به… لا تقل لنا ما الذي سنشعر به”. بعد ذلك، خرجت الأمور عن السيطرة.

فكل التوترات المتراكمة منذ تحدث ترامب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 12 شباط/فبراير طفت إلى السطح، وليس خلف أبواب موصدة، بل في وضح النهار وأمام وسائل الإعلام، بما في ذلك وكالة فرانس برس.

وقال ترامب لزيلينسكي: “أنت تجازف بحياة ملايين الأشخاص، تجازف بحرب عالمية ثالثة، وما تقوم به ينم عن عدم احترام لهذا البلد”، في إشارة إلى الولايات المتحدة التي جعلها الرئيس الجمهوري أولوية في سياسته.

وبينما بدت معالم الغضب واضحة على وجهه، رفع ترامب إصبعه في وجه زيلينسكي تزامنًا مع ارتفاع صوت الرئيس الأميركي وزيادة حدة نبرته. وفي لحظة معينة، قام بإزاحة ذراع زيلينسكي برفق بينما كان يوضح له إحدى النقاط التي يدلي بها.

وجد زيلينسكي نفسه في ما يشبه المكمن، وواصل محاولة التعبير عن وجهات نظره بينما كان ترامب ينتقده. وتوجه الرئيس الأوكراني إلى نائب الرئيس بالقول: “تظن أنه لو تحدثت بصوت عالٍ عن الحرب…”، ليسارع ترامب إلى التدخل قائلًا: “هو لا يتكلم بصوت عالٍ”.

وعندما سأل زيلينسكي مضيفه إذا ما كان في إمكانه الرد على ما يقولانه، رد ترامب: “كلا، كلا، لقد تكلمت كثيرًا. بلادك في مأزق كبير”. ثم شرع ترامب في الإدلاء بسلسلة من الملاحظات على الدعم الأميركي لأوكرانيا، والذي سبق له أن انتقده في عهد سلفه الديمقراطي جو بايدن. ووصل به الأمر إلى حد الإعراب عن تضامنه مع الرئيس الروسي.

وقال ترامب لزيلينسكي: “دعني أخبرك، بوتين مرّ بالكثير معي، لقد عانى من مطاردة مزيفة”، في إشارة إلى تحقيق خلال ولايته الأولى بشأن التواطؤ مع روسيا في حملته للانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016.

ومع تواصل المشادة لنحو خمس دقائق، قام المصوّرون بالتقاط الصور والفيديو من دون توقف، بينما قام المراسلون الصحافيون بالكتابة على هواتفهم وأجهزتهم بشكل محموم، في حين لم تجد دبلوماسية أوكرانية في واشنطن مفرًا سوى في تغطية وجهها بيدها.

وقال ترامب لزيلينسكي: “لكن عليك أن تتوصل إلى اتفاق وإلا سننسحب”، مضيفًا: “لا تملك أي أوراق للمساومة”، قبل أن يطلب وقف اللقاء وإخراج الصحافيين. بعد قرابة ساعة، غادر زيلينسكي البيت الأبيض، بينما تمّ إلغاء توقيع اتفاق المعادن والمؤتمر الصحافي الذي عادة ما يعقد بعد اللقاء.

ولقيت المشادة صداها في موسكو، حيث أشادت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بتحلّي ترامب بـ”ضبط النفس” بعدم ضرب زيلينسكي. لكن ترامب المعروف بأسلوبه السياسي الاستعراضي، كان يفكر بأمر آخر، إذ قال مع إخراج الصحافيين من المكتب: “لحظة تلفزيونية جيدة. ما رأيك؟”.

المصدر: أ ف ب