يحلّ شهر رمضان المبارك على الضفة الغربية المحتلة هذا العام في ظلّ أوضاع معيشية وإنسانية بالغة الصعوبة، إذ يواجه الفلسطينيون تحديات قاسية، تبدأ بفقدان الأحبة، وتمرّ عبر الحواجز العسكرية الخانقة، ولا تنتهي عند ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
ويستقبل الفلسطينيون الشهر الفضيل وسط استمرار العدوان الإسرائيلي على مدينة جنين ومخيمها، ومدينة طولكرم ومخيميها، طولكرم ونور شمس. ومع تصاعد الحملة العسكرية الإسرائيلية، التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية، يجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة محنة جديدة، إلا أنهم يبذلون جهدًا استثنائيًا لاستقبال رمضان بروح الصمود والتحدي.
في جنين، التي ترزح منذ قرابة خمسين يومًا تحت وطأة عدوان أسفر عن استشهاد 30 فلسطينيًا، وهدم مئات المنازل والمنشآت، وتهجير أكثر من 60% من سكانها، لا تزال المعاناة قائمة. تعيش كثير من العائلات دون مأوى وسط ظروف إنسانية خانقة، في حين تواصل قوات الاحتلال فرض حصار مشدّد يجعل التنقل بين أحياء المدينة شبه مستحيل.
ورغم هذه الظروف، يؤكد أبناء جنين أنهم لا يعرفون الاستسلام. فمع دخول رمضان، خرجوا إلى الأسواق لشراء مستلزمات الشهر الفضيل، رغم المخاطر المحدقة بهم جرّاء الانتشار المكثف لقوات الاحتلال في الشوارع والميادين العامة. كما غصّت المساجد بالمصلّين خلال أول صلاة تراويح، في مشهد يعكس تمسّكهم بالحياة والإيمان رغم المحن.
طولكرم.. معاناة متجددة
أما طولكرم، فلم تكن أفضل حالًا، إذ تواجه هي الأخرى اعتداءات إسرائيلية متواصلة. فقد تصاعدت عمليات الهدم والتجريف للبنية التحتية، مما عمّق معاناة سكان المدينة ومخيميها.
وتزداد الأوضاع سوءًا، إذ أقدمت قوات الاحتلال، مساء الجمعة، على طرد المواطنين من منازلهم في مخيم نور شمس، شرق المدينة، وسط حصار مشدّد مفروض عليه منذ 21 يومًا متواصلة. كما أضرمت النيران في بعض المنازل داخل حارة المنشية، مخلفة دمارًا واسعًا في الطرق والممتلكات العامة والخاصة.
وجاءت هذه الانتهاكات عشية رمضان، حيث يتعمّد الاحتلال تصعيد جرائمه خلال الأعياد والمناسبات الإسلامية، في محاولة لكسر إرادة الفلسطينيين.
ورغم كل شيء، لا يزال الأهالي متمسّكين بإحياء روح رمضان. فقد حرصت عائلات كثيرة في طولكرم على شراء فانوس رمضان وتعليق الزينة على نوافذ منازلها.
جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني – دائرة الشباب والمتطوعين فرع عنبتا تنظم موكب قطار العودة في عنبتا لضيوفهم النازحين من مخيمي نور شمس وطولكرم استقبالاً لشهر رمضان المبارك . pic.twitter.com/v3ZO1IjEYV
— طولكرم الاخبارية (@tulkareemnews) February 28, 2025
لليوم الـ34.. الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم ومخيميها وسط تهجير قسري وحرق منازل
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ34 على التوالي، وعلى مخيم نور شمس لليوم الـ21، تزامنًا مع دخول شهر رمضان المبارك، وصعّدت من عمليات التهجير القسري للمواطنين، بعد إجبارهم على ترك منازلهم تحت تهديد السلاح.
وأجبرت قوات الاحتلال الليلة الماضية الأهالي على إخلاء منازلهم في حارة جبل النصر بمخيم نور شمس شرق طولكرم، وسط مداهمات وتخريب للمنازل، وتحويل بعضها إلى ثكنات عسكرية واستخدامها مواقع للقناصة والمراقبة.
وشوهد عدد من المواطنين من الرجال والنساء والأطفال يحملون بعض حاجياتهم وهم يغادرون المخيم مشيًا على الأقدام في أجواء البرد القارس، بينما أطلق جنود الاحتلال الأعيرة النارية بكثافة لإرهابهم.
قبيل ساعات من بدء #رمضان.. قوات الاحتلال تطرد عائلات جديدة من منازلها بمخيم نور شمس في طولكرم. pic.twitter.com/Nfih7vUkfZ
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) February 28, 2025
كما أحرقت قوات الاحتلال منازل في حارة المنشية، ما أدى إلى اشتعال النيران داخلها، وسط دمار واسع في البنية التحتية، وتخريب الطرق والممتلكات العامة والخاصة.
وشهد المخيم، منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، حركة نزوح كبيرة بين سكانه من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، تركزت في حارات المنشية، والمسلخ، وجبلي النصر والصالحين، حيث فاق عدد النازحين 5500 شخص، لجأوا إلى مراكز إيواء أو منازل أقاربهم في المدينة وضواحيها وريفها.
وكانت قوات الاحتلال قد أخطرت قبل أيام بهدم 11 منزلًا في مخيم نور شمس، بذريعة شق طريق تبدأ من ساحة المخيم باتجاه حارة المنشية.
وفي السياق ذاته، دفعت قوات الاحتلال بتعزيزات عسكرية إلى المدينة وباتجاه مخيمي طولكرم ونور شمس، وجابت الشوارع والأحياء، وتمركزت على طول شارع نابلس الرابط بين المخيمين، وما زالت تستولي على مبانٍ سكنية هناك، محوّلة إياها إلى ثكنات عسكرية، مع نشر القناصة داخلها.
ولا يزال الاحتلال يفرض حصارًا مشدّدًا على المخيمين، ويمنع الدخول إليهما أو الخروج منهما، وينشر فرق المشاة في محيطهما وداخل الحارات والأزقة، مع استمرار حملات المداهمة والتخريب، وتدمير المنازل وإخضاع سكانها للاستجواب.
وخلال العدوان المتواصل، ألحقت قوات الاحتلال دمارًا واسعًا بالبنية التحتية، ما أدى إلى انقطاع الخدمات الأساسية عن كامل المخيمين، وفاقم معاناة السكان المحاصرين.
كما خلفت الجرافات العسكرية دمارًا غير مسبوق في الطرق والأحياء السكنية، إضافة إلى تدمير عشرات المنازل والمحال التجارية بشكل كامل أو جزئي، وكان آخرها هدم 26 بناية سكنية في مخيم طولكرم، فيما استشهد 13 مواطنًا، بينهم طفل وسيدتان، إحداهما حامل في شهرها الثامن.
وفي ظل استمرار الحصار، تتواصل مناشدات المواطنين الذين ما زالوا في منازلهم، لتأمين وصول المستلزمات الأساسية من طعام وماء وأدوية وحليب أطفال، وإصلاح شبكتي المياه والكهرباء، في وقت يعيق فيه الاحتلال عمل فرق الإغاثة ويمنعها من إيصال المواد الضرورية.
وفجر اليوم، اعتقلت قوات الاحتلال الشابين تيسير محمود الحجار بعد مداهمة منزله في الحي الشرقي لمدينة طولكرم وتخريب محتوياته، وأحمد القاروط من منزله في الحي الغربي للمدينة.
كما تواصل قوات الاحتلال إغلاق بوابة حاجز جبارة عند المدخل الجنوبي لمدينة طولكرم، لليوم الـ22 على التوالي، مما أدى إلى عزل المدينة عن قرى وبلدات الكفريات، وباقي محافظات الضفة الغربية.
المصدر: قدس برس + وكالة وقا