عقب ساعات على المؤتمر الصحافي الشهير أو بتوصيف آخر “مطالعة فيلادلفيا” لرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، التي أوضح فيها الأخير لرأيه العام مزاعمه وحججه للبقاء في هذا المحور ولو على حساب مقتل كل الأسرى الصهاينة في قطاع غزة، وبالتالي إفشال كل الجهود لاتمام صفقة تبادل ووقف لاطلاق النار، عقب ذلك، خرجت الولايات المتحدة الأميركية لتعلن، يا للمصادفة، عن “اقتراح جديد”، قيل إن أحد بنوده “نشر قوات فلسطينية بتدريب أميركي على الحدود الفلسطينية-المصرية”، وأنه “سيكون العرض الأخير الذي تقدمه في إطار جهود الوساطة التي تبذلها بالتعاون مع قطر ومصر”، حسبما صرّح أحد المسؤولين الصهاينة.
وفي وقت قال فيه هذا المسؤول إنه “من غير المتوقع أن يحتوي المقترح الأميركي الجدي على تغييرات جوهرية مقارنة بالمقترح الأخير”، أي وبالتالي لا يمكن التعويل عليه كثيراً لإحداث خرق جوهري على مستوى المفاوضات، لذا فإن الأمر يبدو أنه يقتصر على عدم تجميد المحادثات بشكل كامل، استناداً إلى مصالحة أميركية، وترك الساحة بالكامل للتصعيد العسكري.
وفي سياق التطورات، فقد أبلغ رئيس الموساد، دافيد برنياع، الوسطاء في مفاوضات تبادل الأسرى أن الكيان “يوافق على الانسحاب الكامل من محور فيلادلفيا في إطار المرحلة الثانية من الاتفاق المحتمل مع حركة حماس”، وذلك خلافاً للموقف العلني الذي عرضه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. ولم ينفِ مكتب رئيس الحكومة هذا التقرير، ولكنه أشار إلى أن “الكابينيت لم يُطلب منه حتى الآن مناقشة أي جزء من المرحلة الثانية من الصفقة”، بحسب هيئة البث العام الاسرائيلية “كان 11”.
لكن، وبحسب “كان 11″، فإن “الولايات المتحدة، ومصر، وقطر تجري محادثات مكثفة في الأيام الأخيرة بهدف صياغة مقترح تسوية لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى”، ورجحت أن يتم الإعلان عن المقترح بواسطة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بحلول يوم الجمعة المقبل.
وذكرت المصادر نفسها أن الزيارة التي أجراها رئيس الموساد إلى الدوحة، الإثنين، جاءت في هذا السياق، وأضافت أنه “من المحتمل أن تستمر المحادثات هناك في الأيام المقبلة” لحين وضع اللمسات الأخيرة على المقترح الأميركي الجديد.
من جهة ثانية، نقلت مصادر مطلعة عن مسؤول في حركة حماس قوله إن “واشنطن لوّحت بالانسحاب من مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين الحركة و”إسرائيل”، إذا لم يجر التوصل إلى اتفاق خلال أسبوعين”.
الخدعة الفعالة
وتجدر الإشارة إلى أن من الواضح أن لا نية لدى نتنياهو حتى اللحظة لوقف الحرب، وهو الذي لم يحقق صورة نصر يؤسس عليها للحؤول دون نهاية حياته السياسية، وفي هذا الاطار جاء ما نقلته “صحيفة هآرتس” عن مصدر في الائتلاف الحاكم قوله إن “قرار رئيس الحكومة ضد الصفقة كان منذ أسابيع”، موضحاً أنه “اكتشف أن محور فيلادلفيا خدعة فعالة”. أما وزارة الخارجية المصرية، وهي وسيط دائم في المحادثات، فقد أكدت أن تصريحات نتنياهو الأخيرة تهدف إلى “تشتيت انتباه الرأي العام الإسرائيلي، وعرقلة التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والمحتجزين”.
وفي هذا الاطار، جاء تصريح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، الذي لفت إلى أن “صفقة وقف إطلاق النار التي قدمتها “إسرائيل” في أيار/ مايو الماضي تتضمن انسحاب الجيش من محور فيلادلفيا”، وهذا يتقاطع مع تصريحات المصدر في الائتلاف لـ “هآرتس” والذي قال إن “نتنياهو وافق منذ فترة طويلة على الانسحاب الكامل من محور فيلادلفيا والإخلاء الكامل للقوات”، وأن “كل ما حدث خلال اليومين الماضيين يشكل ضررًا كبيرًا للمفاوضات، ولو لم تظهر هذه المطالب فجأة، لكانت الصفقة قد أُبرمت منذ وقت طويل”.
في المقابل، زعم المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، مساء أمس أن بلاده “تعارض وجوداً طويل الأمد لقوات من الجيش الإسرائيلي في غزة”، قائلاً إن التسوية الأخيرة التي “قبلتها الحكومة الإسرائيلية”، تنص على “انسحاب” جيش الاحتلال “من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، بما في ذلك محور فيلادلفيا”.
وقال “الآن، هناك عدد من التفاصيل التي تتطلّب مفاوضات إضافية للتوصل إلى كيفية وفاء الطرفين بالتزاماتهما بموجب الاتفاق”. وأكد ميلر أن “إنجاز اتفاق يتطلب من الطرفين إظهار مرونة، يجب على الطرفين البحث عن الأسباب التي تدفعهما إلى القول نعم عوضاً عن تلك التي تدفعهما إلى قول لا”.
وهنا لا بد من الإشارة إلى تصريحات القيادي في حركة “حماس”، أسامة حمدان، الذي أكد أنه “لا شيء جديداً بشأن الصفقة، ونتعامل فقط مع ما نتلقّاه من الوسطاء”، لافتاً إلى أن “الولايات المتحدة لم تضغط بشكل مناسب على نتنياهو وحكومته ولم تقم بما هو مطلوب منها”.
غانتس وآيزنكوت: إنها كذبة
وفي سياق الحملة المضادة المتصاعدة التي يواجهها نتنياهو مؤخراً، قال العضوان السابقان في “كابينيت الحرب”، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، من حزب “المعسكر الوطني”، في مؤتمر صحافي عقداه مساء أمس، إن “محور فيلادلفيا ليس تهديداً وجودياً لدولة “إسرائيل” كما يدعي رئيس الحكومة”، متهمين الأخير بأنه “يعرقل التوصل إلى صفقة تبادل أسرى لدوافع سياسية”.
وفي التفاصيل، قال غانتس إنه “في حين أن المحور مهم لمنع حماس من تهريب الأسلحة إلى غزة، إلا أن الجنود سيكونون هدفاً سهلاً ولن يمنعوا نشاط الأنفاق”. كما رفض تأكيد نتنياهو بأن “الانسحاب الإسرائيلي من فيلادلفيا سيؤدي إلى ضغوط دولية تجعل العودة أمراً صعباً”.
وتابع غانتس “نتنياهو يعلم أن هناك خطة دفعت بها وزارة الأمن لإنشاء حاجز تحت الأرض للأنفاق، وهو الحل الحقيقي للمحور، بما في ذلك المشاركة الإسرائيلية في ذلك، لكن نتنياهو لا يدفع بها على المستوى الأمني والسياسي، ولا يجتمع مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. نتنياهو لا يقدم حلاً لمعبر رفح، حيث تمر المواد ذات الاستخدام المزدوج”.
وبحسب غانتس، فإن نتنياهو “لم ينظر في أعين الجمهور ليقول الحقيقة: أنه لن يعيد الرهائن أحياءً، وأنه لن يحمي الحدود الجنوبية بشكل فعلي، وأنه لن يعيد سكان الشمال إلى منازلهم، وأنه لن يمنع إيران من الحصول على سلاح نووي”.
وتابع “هذا لم يفاجئني، لأننا خلال الفترة التي كنا نجلس فيها في كابينيت الحرب، كان نتنياهو يعيق بانتظام القدرة على التقدم في صفقات الرهائن”، موضحاً أنه
“منذ بداية الحرب، عندما طلبنا توسيع الضغط العسكري ليشمل خانيونس، وبعدها إلى رفح، كان نتنياهو مترددًا ومعارضا. حتى عندما أردنا بناء ممر في محور “موراج” (شمال رفح – على اسم مستوطنة إسرائيلية سابقة في الطرف الجنوبي الغربي من قطاع غزة) للتعامل بشكل سريع مع الجبهة الجنوبية، دون التحديات السياسية المرتبطة بمحور فيلادلفيا، رفض نتنياهو ذلك”.
وقدم رئيس “المعسكر الوطني” رؤيته لما يجب أن تعمل الحكومة على إنجازه، قائلاً “إعادة الرهائن حتى لو كان الثمن باهظاً للغاية؛ وإغلاق غزة من الجنوب لمنع تكرار السابع من تشرين الأول/ أكتوبر؛ والعودة إلى محور فيلادلفيا عندما يكون ذلك ضروريًا”؛ ونقل العمليات العسكرية إلى الشمال” (في مواجهة حزب الله)”.
بدوره، قال آيزنكوت “لم نحقق أيًا من أهداف الحرب، نتنياهو لا ينجح في تحويل المكاسب التكتيكية إلى نجاح إستراتيجي”، مضيفاً أن “الوضع الإستراتيجي لـ”إسرائيل” لن يتأثر بمحور فيلادلفيا”.
لبيد: الحرب ستستمر ما دامت هذه الحكومة موجودة
هذا وجدد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد هجومه على حكومة نتنياهو اليوم، قائلاً “ما دامت هذه الحكومة موجودة فإن الحرب ستستمر”، موضحاً أن “إنهاء الحرب يصبّ في مصلحة “إسرائيل” أمنياً واقتصادياً وسياسياً”.
وأضاف لبيد أن “”إسرائيل” تحتاج إلى إنهاء هذه الحرب بشروطها الخاصة وإتمام صفقة المختطفين وإغلاقها”، وفق تعبيره.
المصدر: مواقع إخبارية