22 دولة هو عدد الدول العربية التي تمتد من المحيط الاطلسي غربا الى المحيط الهندي شرقا وما بينهما من دول فيها الكثير من الخيرات والقدرات واكثر من 400 مليون إنسان. تجمع هذه الشعوب والدول اهتمامات مشتركة وقضايا لها تشعباتها من جهة وتفصل بينها مسائل اخرى لا يجري الاتفاق عليها، ولكن من الناحية النظرية بالحد الادنى، ربما تكون فلسطين هي إحدى هذه القضايا المشتركة التي تجمع المستويين الرسمي والشعبي، مع الكثير من التفصيل والتساؤل حول هذه النقطة.
فماذا يفعل العرب لفلسطين في الوقت الراهن في ظل العدوان الاسرائيلي المستمر منذ ما يقارب الـ11 شهرا؟ وماذا قدمت بعض الدول العربية للشعب الفلسطيني وقضيته؟ وهل بإمكان هذه الدول بأنظمتها وشعوبها وجامعتها التي نأمل ان تواكب ما يجري في غزة والضفة والقدس المحتلة، ان يقدموا شيئا مفيدا لفلسطين وشعبها؟
وهل هناك فعلا إرادة حقيقية عربية رسمية وشعبية لتقديم شيء نافع لفلسطين؟ وهل كل الدول العربية هي على مستوى واحد في هذا الإطار؟ وهل ما تريده الشعوب لفلسطين هو نفسه ما تسعى إليه الانظمة؟ وهل كل الانظمة توضع في خانة واحدة بالنسبة للقضية الفلسطينية؟
تساؤلات كثيرة في هذا المجال تطرح في دنيا الواقع ومنذ عشرات السنين، ولعلها من جهة تساؤلات عميقة، من جهة ثانية قد لا تحتاج الى كثير من الدرس والتحليل وإضاعة الوقت فيما لو نظرنا لطريقة العمل العربية مع فلسطين منذ احتلالها وحتى اليوم، ولكن يبقى السؤال الافتراضي المطروح، ماذا لو تحرك العرب فعليا لخدمة القضية الفلسطينية؟ هل بإمكانهم تقديم تحريرها هدية لشعبها بشكل سريع وفعال أم ان الامر يحتاج الى كثير من العمل والبذل والتضحيات؟ وهل العرب حاضرون لتقديم مثل تلك التقديمات؟
لا شك ان العرب لو وقفوا تاريخيا بشكل فعلي “وقفة رجل واحد” بمواجهة المخططات الغربية الاميركية البريطانية الصهيونية لما وصلت فلسطين الى ما هي عليه اليوم، ولا حتى وصل كيان العدو الاسرائيلي الى ما هو عليه، وأيضا كان تغير وجه المنطقة كلها والأمة بأسرها.
لكن يبدو ان الانظمة العربية وعلى رأسها الأنظمة الخليجية الغنية كانت غائبة سواء عن قصد او غير قصد عن احتلال فلسطين، فإما انها تواطأت وتخلت عنها بحثا عن مصالحها ومصالح حكامها مع الغرب وبريطانيا ومن ثم مع أميركا وضمنا مع “إسرائيل” أو انها كانت غارقة بهمومها ولا تفكر خارج حدود همومها الخاصة وما تعانيه من مشاكل داخلية، وفي الحالين نصل الى نفس النتيجة، التخلي عن فلسطين وتركها وحيدة تواجه مصيرها امام غزاة قتلة لا يمكن تخيل حدود إجرامهم وما يجري في غزة اليوم خير دليل على ذلك.
ولكن مع مرور الوقت ومع توغل العدو الاسرائيلي اكثر فأكثر وتوجيه الاعتداءات باتجاه دول محددة في المنطقة دون غيرها، وازدهار أنظمة على حساب غيرها، نعود لنطرح التساؤلات البديهية: لماذا هناك أنظمة عربية وخليجية تهادن تاريخيا “إسرائيل” علنا او ضمنا وتسكت عن إجرامها ولا تتحرك للدفاع عن فلسطين ولا تجرؤ على الوقوف بوجه هذا الكيان الغاصب.
بالمقابل كان يتم ضرب مصالح كل دولة ترفع الصوت بوجه المخططات الاميركية والاسرائيلية في المنطقة، وهنا من البديهي التذكير بمعادلة الرياضيات الثابتة ان: “صديق عدوك عدوك وصديق صديقك صديقك”، وانطلاقا من ذلك يمكن فهم بعض العلاقات لبعض الانظمة العربية الآسيوية والافريقية من هذا المنظور وكيف أنهم بنوا أفضل العلاقات وسلموا رقابهم ومصالحهم وبلدانهم وخيراتها لاصدقاء “إسرائيل” وعلى رأسهم الولايات المتحدة الاميركية.
ومن هنا يمكن إدراك كل هذا التخاذل الذي قد يبدو لوهلة انه غير مقصود ولكن مع التعمق اكثر فأكثر وما نشاهده من تخلي يومي عن حقوق الشعب الفلسطيني يمكن فهم ان لا شيء يحصل بالصدفة وبشكل غير مقصود في العلاقات بين الدول والبحث عن مصالحها في اللعبة السياسية الدولية بل كل شيء يكون مدروسا ويطبق وفق أجندات محددة لتصل الدول الكبرى لتنفيذ مشاريعها في مختلف مناطق العالم.
ومع كل ذلك ورغم كل التخاذل والتواطؤ والانبطاح والتآمر على شعوب المنطقة وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني ومقاومته وحقوقه ومقدساته التي هي حقوق ومقدسات ومقاومة الامة كلها، لو افترضنا (وفرض المحال ليس بمحال) ان هذه الدول العربية بأنظمتها وشعوبها تحركت لنصرة فلسطين اليوم ودعمت غزة ووقفت بوجه الاميركي والغربي والاسرائيلي وقالت لهم كفى قتلا وحرب إبادة في القطاع المحاصر، وحرّكت جيوشها ومنعت النفط والغاز والمال عن الغرب وعن الادارة الاميركية وواجهت المخططات التي ستعد لها للايقاع بها وبقيادتها ورؤسائها وملوكها وامرائها وشيوخها وجيوشها وشعوبها (وبالتأكيد هناك مخططات جاهزة للتطبيق في مثل هذه الحالات)، أليس النتائج ستكون أكثر تشريفا وفخرا لكل هذه الدول على مختلف الصعد، أليس تحرير القدس والمسجد الاقصى وبقية الارض المحتلة سيصبح واقعا قريب التحقيق؟ أليس طرد المحتلين وإنهاء “إسرائيل” من الوجود سيكون مسألة أسهل من المتوقع؟ أليس وقف الانتهاكات اليومية بحق الشعب الفلسطيني سيكون مسألة فورية لا يجرؤ أي مجرم اسرائيلي على توجيه رصاصة لطفل او إهانة لامرأة؟
بالطبع كل ما ذكر سيكون صحيحا لو فعلا تحرك العرب والمسلمون ومعهم أحرار العالم لوقف هذا الفجور والجور المستشري الذي ما عاد يطاق جراء الغطرسة اللامتنهاية للصهاينة ومن يقف خلفهم في هذا العالم، وهذا واقعا هو ما يفرضه الواجب الانساني والاخلاقي والديني والعروبي على الدول العربية التي يجب ان تتحرك بهذا الاتجاه وبشكل فوري، لكن بظل كل هذا التخاذل العربي يبقى الامل معقودا على أحرار الامة من المقاومين في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا واليمن وايران وغيرهم من الشرفاء، بانتظار الفجر المشرق لإزالة الظلم والطغيان ونصرة المستضعفين المظلومين في المنطقة والعالم.
وهنا لا بد من التذكير بكلام للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في “لقاء منبر القدس” بمناسبة يوم القدس العالمي يوم 26-4-2022 حيث قال “… من أجل القدس تبنى اليوم جيوش حقيقية وقوى ومقاتلون أولوا بأس شديد، عقولهم وعيونهم وقلوبهم وأرواحهم شاخصة إلى القدس ومشدودة إليها..”.
المصدر: موقع المنار