جولة مفاوضات جديدة لوقف إطلاق النار في غزة، انطلقت يوم الخميس الماضي في العاصمة القطرية. جولة سرعان ما حضّر لها الطرف الأميركي الأرضية وسارع في انعقادها بعيد توعد كلا من ايران و”حزب الله”، الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية والقائد الجهادي الكبير فؤاد شكر.
عُمل إعلامياً على تظهير هذه الجولة بأنها حاسمة وأشيع حولها وأثناء انعقادها أجواء من التفاءل قادها الأميركي ايضاً، فكنا أمام عبارة مكررة بأن هناك “تقدم ملحوظ”. لنصل في نهاية المطاف الى إعلان “حماس” فشل هذه الجولة،بعد ادخال الطرف الإسرائيلي شروطاً جديدة ورفضه الإنسحاب الكامل من قطاع غزة. وعلى الرغم من فشل المفاوضات الا أن الطرف الأميركي أصرّ على الإستمرار في التفاءل، مع تصريح جو بايدن الرئيس الأميركي بأن “إطلاق النار في غزة ما زال ممكناً” مع ترقب انعقاد اجتماع بين الأطراف المفاوضة في القاهرة قبل نهاية الأسبوع المقبل.
الاعلامية زينب حاوي:
تزييف الحقائق:
كان البارز في التغطية الإعلامية العربية لمسار المفاوضات، التصويب على “حماس” ودعم بنيامين نتنياهو والسير أمامه وتبرير شروطه في هذه المفاوضات. لعل النقطة البارزة في هذه الجولة، والتي شكلت النقطة الأبرز في إفشال المفاوضات: تعنّت الإحتلال للإنسحاب من محور “فيلادلفيا”، او المماطلة في تنفيذ هذا المطلب من خلال المراوغة وطرح تقليل أعداد الجنود على معبر “رفح” بدل الإنسحاب الكامل. هذه المشهدية كانت مغيبّة تماماً، في هذا الإعلام، إذ كان لافتاً تغطية “الحدث/العربية” لهذه النقطة، وعنونتها في 18 الحالي :”مفاوضات متأرجحة بشأن هدنة غزة..ونتنياهو يكافح لفرض شروطه”. في التغطية اتكاء على المصادر الإسرائيلية من خلال تزييف الحقائق واللعب على المصطلحات. تظهّر هذا الأمر من خلال الإدعاء بأن الإحتلال لن يبقى “بشكل مستمر” على طول حدود غزة، وفي وسطها لمنع “مقاتلي حماس” من العودة.
المساواة بين الجلاد والضحية:
معلوم أن الإحتلال وتحديداً نتنياهو من يقوم بعرقلة المفاوضات في كل مرة، لكن طبعاً تظهير هذه الحقيقة مغيّب بدوره على الإعلام العربي. نرى على سبيل المثال، شبكة “العربية” وفي تقرير لها في 17 الحالي، تحت عنوان :” وول ستريت جورنال تكشف أسباب تعثر مباحثات وقف الحرب في غزة: مطالب نتنياهو والسنوار”. تنقل عن الإعلام الغربي مضامين تساوي بين الجلاد والضحية. تقرير يساوي بين نتنياهو ويحي السنوار، ويتهمهما بعرقلة المفاوضات وإحباط كل من الفلسطينيين والإسرائيليين. يصوّب التقرير على السنوار ومن خلفه على “حماس” التي رفضت هذه المرة المشاركة في المفاوضات بأنه يشكل “تحدياً” لها من خلال تمسكه بالإنسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة.
الدعم الإعلامي المطلق للمواقف الأميركية:
حشدت واشنطن جلّ جهدها في الجولة الأخيرة في المفاوضات التي جرت في الدوحة وحتى ارسلت وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الى كيان الإحتلال للدفع قدماً بهذه المفاوضات. جهود واكبها الإعلام العربي والناطق بالعربية، وروج لها باطراد. نتوقف هنا، عند شبكة بي.بي.سي عربي الناطقة بالعربية التي عنونت في 16 الجاري، اي يوم بدء جولة المفاوضات:”بيان مصري قطري أمريكي مشترك:واشنطن قدمت مقترحاً يقلص فجوات المفاوضات بين اسرائيل وحماس”. من العنوان نستشف التحشيد الإعلامي لواشنطن، و في المضمون ترويج لكلام بايدن عن ان اتفاق حول هدنة في غزة “أقرب من اي وقت مضى”،ولمستشار الأمن القومي الأميركي جون كيربي الذي قال بأن “بايدن منخرط شخصياً في جهود التوصل الى وقف لإطلاق النار في غزة”. يسوق المقال كذلك لزيارة بلينكن الى كيان الإحتلال “لممارسة الضغوط للتوصل الى هذا الإتفاق”، وينقل هنا تعليق وزارة الخارجية الأميركية على هذه الزيارة ويعتبرها ضمن إطار محاولات الولايات المتحدة “سد الفجوات في المحادثات”.
ربط نجاح المفاوضات بثني إيران عن الرد!
كان واضحاً مسارعة واشنطن لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات أطلق عليها “مفاوضات الفرصة الأخيرة” محاولة احتواء رد كلا من ايران والمقاومة في لبنان على كيان الإحتلال. ربط ظهّر أكثر في الإعلام العربي من بوابة واشنطن ووضع ثقلها في هذه الجولة. سنشاهد جزئية من تقرير لشبكة “الحدث” السعودية، عن هذا الربط والترويج لاحتمال تراجع ايران عن الرد ضمن ما نقلت عن وكالة “رويترز” وكلام لمسؤولين ايرانيين بأن بلادهم يمكن ان ترجىء الرد في حال التوصل الى وقف إطلاق النار في غزة.
المصدر: موقع المنار