ثلاث مفاجآت حملتها الانتخابات التشريعية الفرنسية للعام 2024. خسارة مدوية لليمين المتطرف او اقصى اليمين المتمثل بحزب (التجمع الوطني) بعد ان حل في المرتبة الاولى في الانتخابات الاوروبية كما في الدورة الأولى للانتخابات التشريعية بينما كل الاستطلاعات كانت تشير الي فوزه الحتمي.
رئيسة تحرير موقع المنار الفرنسي ليلى مزبودي:
للمرة الاولى في التاريخ الفرنسي الحديث، و لكن كما في الحالات السابقة التي كان يسجل فيها احتلاله لحالة متقدمة في الاستطلاعات، ادى هذا الأمر الى استنفار الناخبين الفرنسيين حتى لا يربح مرة اخرى. استنفرت الأحزاب السياسية اليسارية على وجه الخصوص من اجل ذلك حيث كانت الدوائر الانتخابية تشهد منافسة بين ثلاث مرشحين، كان مرشح اليسار الثالث ينسحب لصالح المرشح الوسط الماكروني الذي حل اولا او ثانيا. وقد حصل العكس.
و بالتالي يمكن اعتبار نجاح تحالف ماكرون Ensemble (معا) وهو المفاجأة الثانية قد حصل بفضل الناخبين الموالين لليسار. كان هو الخاسر الأكبر في الدورة الأولى علما ان حزبه خسر 100 مقعد في الجمعية الوطنية الا انه حل في المرتبة الثانية. و هذا الدليل انه فاز بفضل اصوات الناخبين اليساريين و هو وزن لا يستهان به ويضاف الى انجاز اليسار الذي حل في المرتبة الاولى و هو المفاجأة الأكبر في هذا الاستحقاق. كان احتل المرتبة الثانية في الانتخابات الاوروبية كما في الدورة الاولى من الانتخابات النيابية.
من بين 185 مقعدا التي فازت بها (الجبهة الشعبية الجديدة)، (فرنسا الابية) حصدت العدد الأكبر من المقاعد مع 75. يليه الحزب الاشتراكي 62. الخ…
العلم الفلسطيني في ساحة الجمهورية
كل الاعلام الفرنسي اعترف بانه كان متفاجئا من هذه الحقائق التي افرزتها هذه الانتخابات. كل الإعلام الفرنسي و معه مراكز الاستطلاع كان تتوقع فوز اليمين الأقصى. مع اعلان النتائج كانت الكلمة الاولى لزعيم فرنسا الابية (جان لوك ميلانشون) مضمونها كان متعلقا بالمطالب المتعلقة بالمطالب الاقتصادية و المعيشية الداخلية.
لاحقا بدأت تتوالى التصريحات المتعلقة بالقضية الفلسطينية: “بعد اسبوعين سوف نعترف بالدولة الفلسطينية”، قالت ماتيلدا بانو رئيسة الكتلة السابقة في الجمعية الوطنية ومن ثم تصريح ميلانشون: “علينا الإعتراف بالدولة الفلسطينية لأنه من بين الوسائل المتاحة لنا للضغط”.
البرنامج الذي تم الاتفاق عليه مع تشكيل تحالف اليسار (الجبهة الشعبية الجديدة) بعد الانتخابات الاوروربية ينص فيما ينص على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، على قطع العلاقة مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، على منع بيع الأسلحة الفرنسية الى الكيان، على المطالبة بوقف اطلاق النار في غزة و اطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين ، اي الأسرى كما اطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين…
و مع اجتماع انصار اليسار في ساحة (الجمهورية) ارتفع العلم الفلسطيني الى جانب العلم الفرنسي.
التعمية على الموضوع الفلسطيني في الإعلام الفرنسي
بينما كنت اتابع في التلفزيون الفرنسي فرانس 24 هذه التغطية، كانت مداخلة لمراسلها الى ساحة الجمهورية. الكاميرا لم تثبت الى حيث يمكن رؤية العلم الفلسطيني و المراسل تحدث فقط عن رفرفة العلم الفرنسي. هذه الصورة من موقع التلفزيون الفرنسي Franceinfo Tv
لاحقا خلال هذا التجمع نشر اطول علم فلسطيني كما نرى في هذه المشاهد مع النشيد الطنى الفرنسي La Marseillaise
واضحة هي السياسية التحريرية للوسائل الاعلامية الفرنسية التقليدية. من الواضح ان هناك تعميم عليها: التعمية في تناول الجانب المتعلق بفلسطين و بما يحصل في غزة. هذا الموضوع كان حاضر بشدة خلال الانتخابات الاوروبية. فرنسا الابية ادرجت هذا الموضوع ضمن برنامجها السياسي الخاص بها. وقد اوصلت الى البرلمان الاوروبي القانونية الفرنسية الفلسطينية ريما الحسن.
ولكن موضوع فلسطين و غزة كان شبه غائب في الحملات الانتخابية للتشريعية الفرنسية. حتى (فرنسا الابية) لم تركز عليه بشدة. و لكنها ما لبثت ان خصصت له تصريحات متميزة بعد صدور النتائج النهائية.
اللوبي الصهيوني الخائف
فوز اليسار يخيف اليهود الصهيانية المضطلعون بدور الدفاع عن الكيان.منهم (برنارد هنري ليفي) الذي يوصف بالفيلسوف و المفكر كتب على منصة (ايكس) : “لقد وقع اليسار مرة أخرى فريسة لميلانشون سيئ السمعة، ويحيط به الآن بعض الوجوه الجديدة لمعاداة السامية، إنها لحظة تقشعر لها الأبدان بالفعل، وليس أمامنا الآن سوى المثابرة في النضال ضد هؤلاء الأفراد”.
الموقع الإسرائيلي (اسرائيل اليوم) نقل عنه قوله: “بالنسبة للديمقراطيين، هناك الآن خصم أساسي: حزب فرنسا الأبية.. دعونا نأمل أن يمتنع الرئيس إيمانويل ماكرون عن التواصل مع ميلانشون. يجب أن نحث الديمقراطيين الاشتراكيين على قطع العلاقات مع ميلانشون وعلى إدانته بشكل مستمر وجماعته الذين يجلبون العار على الجمهورية”.
اللوبي يعمل على شق صفوف اليسار
اللعبة التي يستعد اللوبي الاسرئيلي ان يلعبها الآن هي العمل على بث الخلافات داخل (الجبهة الشعبية الجديدة) وبالتحديد عبر الحزب الإشتراكي الذي لديه علاقات صهيونية قديمة ويمكن التأثير عليه.
بحيث يسمي الرئيس الفرنسي رئيس الوزراء من الحزب الاشتراكي و ليس ميلانشون.
و قد ابدى (ستيفان سيغورن) زعيم حزب ماكرون، إنه منفتح على العمل مع الأحزاب الرئيسية، لكنه استبعد أي اتفاق مع حزب ميلانشون. هل يقبل ميلانشون ذلك. مع غياب اغلبية مطلقة لاي من هذه الكتل الثلاثة ( 289 مقعد) السؤال مفتوح. من الواضح ان فرنسا مقبلة على مرحلة من التوتر السياسي. بين الأحزاب السياسية. لم يعد بيد الناخبين. لا بد من تحالفات
التحالف الذي يتحدث عنه جهابذة اللوبي في فرنسا هو الذي يجمع حزب ماكرون مع احزاب اليمين و الوسط و الجناح اليميني للحزب الاشتراكي . بحسب ما نقل الموقع الفرنسي (تايمز اوف اسرايل). هل يقبل حزب فرنسا الابية. هل يقبل ذلك الحزب الاشتراكي.
موقف الحزب الإشتراكي من الحرب في غزة
ما هو موقف الحزب الإشتراكي ابان 7 اوكتوبر. ظهر في شباط فبراير 2024. دان بشدة عملية الطوفان الاقصى: لا شيء يبررها. حماس منظمة ارهابية هدفها ليس السلام ولا التعايش بين دولتين. قتلت الناس في الكيبوتزات فقط لانهم يهود. حماس لا تمثل المقاومة الفلسطينية و لكنها تشارك في مأساة الشعب الفلسطيني. الحزب الإشتراكي يطالب باطلاق سراح كافة الرهائن الإسرائيليين ولا يقبل بفكرة ان اعتقالهم يشكل رافعة في ميزان القوى لصالح حماس. لا شية عن السياق و عن الأسرى الفلسطينيين.
بالنسبة الى الحرب على غزة يقول: لا شيء يسمح بالمجزرة العمياء للفلسطينيين في غزة على حساب القانون الدولي. و ما هي النتائج؟ لم يحرر اغلبية الرهائن لم يتم اضعاف حماس، الضحايا الفلسطينيين بالآلاف. الحزب الإشتراكي يدين مجددا حكومة نتنياهو و يطالب مجددا بوقف اطلاق النار.
تطرق البيان الى تسرع الاستيطان في الضفة الغربية وتصاعد العنف و ان الحزب الاشتراكي سيدعم العقوبات على المستوطنين الاسرائيليين المتهمين في الاعتداء على الفلسطينيين. لا شيء على قرارت الحكومة زيادة المستوطنات. لا شيء حيال الجيش الإسرائيلي الذي يهاجم البدات الفلسطينية و يقتل الفلسطينيين. تحييد المؤسسات الرسمية الاسرائيلية على غرار الموقف الأميركي.
كما يطالب الحزب الإشتراكي بنشر قوة دولية في رفح تحت اشراف الأمم المتحدة، و يطالب بفرض حصار على كافة الأسلحة والذخائر التي تستعمل في غزة حيال كل الأطراف المتحاربة. كما يؤكد تأييده لحل الدولتين و يذكر: ” نحن لا ننسى ان الدولة الاسرائيلية كانت مطلبا للإشتراكيين وللعماليين الذي كانت تحركهم مبادئ العدالة والحرية وليس من قبل انصار التفوق الديني لليمين المتطرف” بالاشارة الى الاحزاب اليمينة الاسرائيلية الدينية الصهيونية.
يدعم اية مبادرة من شأنها الاعلان والإعتراف بالدولة الفلسطينية. لا يقول بأنه يعترف. يشجع اية مباردة. قريب من الموقف الفرنسي الرسمي الضبابي. نص الحزب الإشتراكي ليس على غرار نص حزب (فرنسا الأبية)
ميير حبيب يخسر للمرة الاولى منذ 30 عاما
من الأمور الملفتة في هذه الإنتخابات التشريعية ان رجل نتنياهو في فرنسا، النائب الفرنسي الإسرائيلي (ميير حبيب) من حزب (الجمهوريون) قد خسر في هذه الإنتخابات امام مرشحة التحالف الوسطي الماكروني (معا) (كارولين يدان) . علما انه كان قد حاز الرقم الأعلى في الدورة الأولى في الدائرة الثامنة التي تضم فرنسيين من الخارج. منهم في اسرائيل و دول اوروبية متوسطية اخرى (اليونان، ايطاليا، مالطا، قبرص، الفاتيكان، سانت ماران و تركيا) وحيث الناخب الفرنسي الإسرائيلي هو الأكثر عددا بأشواط.
خسر بعد ان كان مكث في الجمعية الوطنية 30 عاما.
تشير صحيفة لوموند ان نسبة الإقتراع كانت جدا متدنية. أكثر من 75% من الامتناع عن التصويت. بعكس المشهد في الأراضي الفرنسية والذي شهد اعلى نسبة مشاركة منذ 40 عاما. ولكنها أعلى من نسبة المشاركة في الاستحقاقت السابقة. بحسب (لوموند)
من هم الناخبون الذي اسقطوه: هل هم الفرنسيون الاسرائيليون ام هم من الدول الاخرى. هل هم من الأتراك؟ اتهم حبيب مرشحة ماكرون بانها “تحالفت مع اقصى اليسار المعادي للسامية”
و السيدة يدان اتهمته بأنه حاز على اصوات اليمين الأقصى الذي امتنع عن ترشيح احد انصاره في هذه الدائرة لكي يأخذ اصواتهم، علما انه كان يتبجح بقربه من (ايريك سيوتي) الذي كان من الذين تركوا صفوف (الجمهوريون) للالتحاق بحزب مارين لوبن.
لا شك ان هناك تحالف ضمني بين اليمين المتطرف الإسرائيلي واليمين المتطرف الفرنسي. هذا الموضوع من اهم ما اظهرته الاستحقاق التشريعي الفرنسي. فيما اظهرت نتائج الانتخابات انهما كلاهما خسروا.
غزة باريس معك
احببت ان انهي هذه الفقرة بهذا الفيديو الذي نشر عبر مواقع التواصل والذي لن نراه في وسائل الاعلام الفرنسية التقليدية بعد الانتخابات. المتظاهرون ينشدون: غزة غزة باريس هي معك …
المصدر: موقع المنار