أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا قراراً يقضي بإلزام الحكومة ببدء تجنيد الحريديين من طلاب المعاهد التوراتية ووقف تحويل الميزانيات للمؤسسات الحريدية، في قرار أثار استهجان الائتلاف الحكومي الذي يسعى إلى سنّ قانون لتسوية هذه القضية منعاً لتفاقم الأزمة الداخلية مع الحريديين.
وألزمت المحكمة العليا الإسرائيلية حكومة بنيامين نتنياهو، ببدء تجنيد الحريديين في أعقاب انتهاء مدة القانون الذي يعفيهم من الخدمة العسكرية في صفوف الجيش الإسرائيلي، وقضت بوقف تحويل الميزانيات إلى المعاهد التوراتية، في قرار صدر بإجماع الهيئة القضائية، الأمر الذي قد يصعد من الأزمة الداخلية في الائتلاف.
وقضت المحكمة العليا بالإجماع أنه “في الوقت الحالي لا يوجد إطار قانوني يسمح بالتمييز بين طلاب المدارس الدينية وغيرهم من المرشحين للخدمة العسكرية. وبناءً على ذلك، لا تملك الدولة صلاحية إلغاء تجنيدهم بشكل كامل، ويجب عليها التصرف وفقًا لأحكام قانون الخدمة الأمنية لعام 1986”.
وجاء في القرار الصادر عن هيئة من 9 قضاة ترأسها القائم بأعمال رئيس المحكمة العليا، القاضي عوزي فوغلمان، أنه “كما تقرر أنه في ظل غياب إطار دستوري للإعفاء من التجنيد، لا يمكن الاستمرار في تحويل أموال الدعم إلى المدارس والمعاهد الدينية للطلاب الذين لم يحصلوا على إعفاء أو لم يتم تأجيل خدمتهم العسكرية”.
واعتبر القضاة أن “الإشكالية في موقف الحكومة تزداد حدة في ظل الحرب في غزة والجبهة الشمالية، المتواصلة منذ أكثر من 8 أشهر”، وأضافوا أنه “الموقف الحالي للأجهزة الأمنية هو أن هناك حاجة ملموسة وعاجلة لتجنيد قوات إضافية”، فيما يسعى الائتلاف إلى سن قانون لضمان مواصلة تمويل المعاهد الدينية وإعفاء الحريديين من الخدمة العسكرية.
ورأى القضاة أنه “في خضم حرب ضروس، فإن الضغوط الناتجة عن عدم المساواة في توزيع العبء تصبح أكثر حدة من أي وقت مضى، وسط حاجة ملحة لتعزيز حل مستدام لهذه القضية”؛ واعتبرت المحكمة أن الحكومة أضرت بـ”سلطة القانون”؛ في حين اعترضت الأحزاب الحريدية قرار المحكمة.
وفي حين وجهت الأحزاب الحريدية انتقادات حادة لقضاة المحكمة العليا وعبرت عن استيائها للقرار، لفتت هيئة البث الإسرائيلية (“كان 11”) إلى “حالة من الرضا” في الأوساط الحريدية على ضوء امتناع المحكمة عن “لا تحدد ولا تفرض طريقة لتنفيذ الحكم، وتحيل الموضوع إلى الجيش”.
وفي أعقاب القرار، سيعمل الائتلاف على سن قانون لضمان تحويل الميزانيات للمؤسسات والمعاهد الحريدية، وتسوية إعفاء الحريديين من الخدمة العسكرية، مع فرض التجنيد على نحو 3 آلاف طالب على أن يتم زيادة العدد تدريجيا على مدار السنوات المقبلة، وبذلك يتم ترحيل الأزمة إلى عام 2025.
وفي تعقيبه على قرار المحكمة، اعتبر وزير شؤون القدس في الحكومة، مئير بروش، إن “حكم المحكمة العليا سيؤدي حتما (إلى تقسيم الدولة) إلى دولتين. الأولى، هي الدولة التي تُدار كما هي الآن. ودولة أخرى سيواصل فيه أعضاء المعاهد الدينية دراسة التوراة كما اعتادوا في الدولة التي أعلن عنها بن غوريون. لا توجد قوة في العالم يمكنها أن تجبر من تتوق روحه إلى دراسة التوراة، على الامتناع عن ذلك”.
وانتقد رئيس حزب “شاس”، أرييه درعي، قرار المحكمة، وقال إن “الشعب اليهودي نجا من الاضطهاد والمذابح والحروب فقط بفضل الحفاظ على تميزه – التوراة والفرائض. هذا هو سلاحنا السري ضد كل الأعداء، كما وعد خالق العالم. وحتى هنا، في الدولة اليهودية، إلى جانب محاربينا الأعزاء الذين يضحون بأرواحهم في مواجهة الأعداء، سنواصل الحفاظ والحرص على دارسي التوراة الذين يحافظون عليها رغم الضائقة”.
وتابع “هؤلاء هم الذين يحافظون على قوتنا الخاصة ويصنعون المعجزات في المعركة”، وأضاف “لا توجد قوة في العالم تمنع بني إسرائيل من دراسة التوراة، ومن جرب ذلك في الماضي فقد فشل فشلاً ذريعًا. لن يؤدي أي حكم تعسفي إلى إلغاء مجتمع طلاب التوراة في أرض إسرائيل، وهي الغصن الذي نجلس جميعًا عليه”.
بدروه، اعتبر رئيس كلتة “يهدوت هتوراه”، الوزير يتسحاق غولدكنوبف، أن قرار العليا “متوقع ومؤسف ومخيب للآمال للغاية. لقد أنشئت دولة إسرائيل لتكون موطنًا للشعب اليهودي الذي تعتبر توراته أساس وجوده. التوراة المقدسة سوف تنتصر”.
فيما اعتبر رئيس حزب “ديغل هتوراه”، عضو الكنيست موشيه غفني، أنه “لم يكن هناك أي حكم من قبل المحكمة العليا لصالح أعضاء المدارس الدينية ولصالح الجمهور الحريدي”، ووجه انتقادات حادة لقضاة المحكمة معتبرا أنه “لا يوجد قاضٍ واحد يفهم قيمة دراسة التوراة ومساهمتها لشعب إسرائيل عبر الأجيال”.
وصف رئيس حزب ما يُسمى “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان قرار المحكمة العليا بتجنيد الحريديم “بالخطوة المهمة على طريق التغيير التاريخي”. وقال ليبرمان إن جيش الاحتلال “يحتاج لقوة بشرية بعدما فقد لواءً كاملاً من الجنود سقطوا بالمعركة أو أصيبوا بجراح خطيرة”.
المصدر: عرب 48