قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير نشرته اليوم الاربعاء، إن استخدام الفسفور الأبيض من قبل الجيش الإسرائيلس على نطاق واسع في جنوب لبنان يعرض المدنيين لخطر جسيم ويساهم في تهجير المدنيين.
وتحققت هيومن رايتس ووتش من استخدام القوات الإسرائيلية ذخائر الفسفور الأبيض في 17 بلدة على الأقل في جنوب لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، خمس منها استُخدمت فيها الذخائر المتفجرة جوا بشكل غير قانوني فوق مناطق سكنية مأهولة.
وقال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: “استخدام إسرائيل قذائف الفسفور الأبيض المتفجرة جوا في المناطق المأهولة بالسكان يُضر بالمدنيين بشكل عشوائي ويدفع كثيرين إلى مغادرة منازلهم. على القوات الإسرائيلية التوقف فورا عن استخدام ذخائر الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة، لا سيما عندما تكون البدائل الأقل ضررا متاحة بسهولة”.
وقابلت هيومن رايتس ووتش أيضا ثمانية من سكان جنوب لبنان وتحققت من 47 صورة وفيديو من جنوب لبنان تشير إلى استخدام ذخائر الفسفور الأبيض، منشورة في وسائل التواصل الاجتماعي أو تمت مشاركتها مباشرة مع الباحثين، وحددت موقعها الجغرافي. في خمس بلدات، تُظهر الصور ذخائر تنفجر جوا تحتوي على فسفور أبيض يهبط فوق أسطح المباني السكنية في قرى كفر كلا، وميس الجبل، والبستان، ومركبا، وعيتا الشعب الحدودية في جنوب لبنان.
قال رئيس بلدية البستان إن شخصين من البلدة نُقلا على عجل إلى المستشفى نتيجة اختناقهما بسبب استنشاق دخان الفسفور الأبيض عقب هجوم 15 أكتوبر/تشرين الأول. قال رئيس البلدية: “إنهما مدنيان، وكانا في منزليهما. أحدهما عضو في البلدية والآخر مزارع”.
وقال المواطنون لـ هيومن رايتس ووتش إن استخدام الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان في جنوب لبنان ساهم في تهجير السكان من عدة قرى على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. وقالت وزارة الصحة العامة اللبنانية إنه حتى 28 مايو/أيار، أدى التعرض للفسفور الأبيض إلى إصابة 173 شخصا على الأقل منذ أكتوبر/تشرين الأول.
قالت الدكتورة ثروت زهران، أخصائية علم السموم والأستاذة المساعدة في طب الطوارئ في “الجامعة الأمريكية في بيروت”: “التأثيرات الأكثر خطورة للفسفور الأبيض هي الجلدية، والتي قد تشمل حروقا من الدرجة الثانية والثالثة يمكن أن تؤدي إلى حروق كبيرة جدا وعميقة ونخرية وكاملة السماكة. يمكن أن يؤدي التعرض لدخان الفسفور الأبيض [أيضا] إلى أضرار حادة في الجهاز التنفسي العلوي، بما فيه ضيق التنفس، والتنفس السريع، والسعال، ولكن يمكن أن يكون له أيضا آثار متأخرة، [بما فيها] الالتهاب الرئوي الكيميائي، الذي قد يتطلب دخول المستشفى ودعم الجهاز التنفسي بجهاز”.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن استخدام الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض على نطاق واسع في جنوب لبنان يُبرز الحاجة إلى قانون دولي أقوى بشأن الأسلحة الحارقة. “البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية” هو الصك الوحيد الملزم قانونا والمخصص تحديدا للأسلحة الحارقة. لبنان طرف في البروتوكول الثالث، لكن إسرائيل ليست طرفا فيه.
وقال قيس: “هناك حاجة إلى معايير دولية أقوى ضد استخدام الفسفور الأبيض لضمان عدم استمرار هذه الأسلحة في تعريض المدنيين للخطر. استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض في لبنان مؤخرا ينبغي أن يحفز الدول الأخرى على اتخاذ إجراءات فورية لتحقيق هذا الهدف”.
في ميس الجبل، قال رئيس البلدية عبد المنعم شقير، إن “نحو 25 شخصا، جميعهم مدنيون، أُرسلوا إلى المستشفيات بسبب الفسفور الأبيض خلال الأشهر الأولى من الحرب”. تحققت هيومن رايتس ووتش من صور وفيديوهات تُظهر استخدام ذخائر الفسفور الأبيض في ميس الجبل، في فيديوهات وصور نُشرت في وسائل التواصل الاجتماعي في 12 نوفمبر/تشرين الثاني و5 ديسمبر/كانون الأول.
وقال شقير: “استخدام ذخائر الفسفور الأبيض في ميس الجبل دفع الناس إلى الخروج من القرية وتحويلها إلى منطقة عسكرية”.
قال رئيس بلدية كفركلا إنه يقدر أنه وقت الهجوم بالفسفور الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني، كان نحو 50 إلى 70% من السكان ما يزالون يعيشون هناك. قال: “بقي الناس في منازلهم، رغم أنهم كانوا يغادرونها لبعض الوقت ثم يعودون. لكن منذ يناير/كانون الثاني، بدأت القرية تفرغ من سكانها. استخدام الفسفور الأبيض، وكذلك الضربات المباشرة على المنازل السكنية، هو ما دفع الناس إلى المغادرة”.
تحققت هيومن رايتس ووتش من صور وفيديوهات تُظهر استخدام ذخائر الفسفور الأبيض في كفركلا، في صور وفيديوهات شاركتها وكالات الأنباء أو نُشرت في وسائل التواصل الاجتماعي في 17 أكتوبر/تشرين الأول، و12 نوفمبر/تشرين الثاني، و14 يناير/كانون الثاني، و31 يناير/كانون الثاني، و2 مارس/آذار.
وقال مصور إنه بعد استنشاق الدخان المنبعث من ذخائر الفسفور الأبيض المستخدمة في هجوم على كفركلا، بقي في السرير نائما ليومين: “حتى يومنا هذا، تخبرني زوجتي أنني ما زلت أسعل”.
قال رامز دله، وهو مصور من جنوب لبنان شارك لقطات التقطها لهجمات الفسفور الأبيض على قرية شبعا وتحققت منها هيومن رايتس ووتش، إنه بعد هجوم في ديسمبر/كانون الأول، غطى الدخان المتصاعد من القذائف أجزاءً من وادي شبعا والقرية نفسها.
قالت الدكتورة زهران، أخصائية السموم، إن الأطباء وجدوا في بعض الحالات أن “الأشخاص الذين ذهبوا لتفقد منازلهم تعرضوا ثانويا حيث ظهرت عليهم أعراض تنفسية بسبب استنشاق الفسفور الأبيض الذي كان لا يزال مشتعلا وموجودا في المنطقة المتضررة”.
المصدر: منظمة هيومن رايتس ووتش