نتنياهو يحترق. فشله العسكري في غزة يحرقه كثيراً. ضغوطات حلفائه في ائتلاف اليمين تحرقه ايضاً، من جهة ثانية تحرقه أصوات الالاف من المعتصمين المطالبين بإعادة ابنائهم الأسرى الذين مع كل يوم إضافي لهذه الحرب يصبح مصيرهم مجهولاً، وأصوات أكثر من ستين ألف نازحاً من شمال وجنوب الكيان.
يحترق نتنياهو، بالفوضى العارمة في جيشه ومؤسسته الأمنية التي تتسع وتتفاقم منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر، تاريخ النكبة الكبرى لتاريخه السياسي، هو بي بي آخر جنرالات ما يُسمى العصر الذهبي للكيان الغاصب.
يحترق نتنياهو كمستوطناته الشمالية، كوقع الصواريخ والمسيرات الايرانية التي احتاج إلى دعم فرنسي وبريطاني واميركي لصدّها، كدبابات جنوده في شرقي رفح ومخيم جباليا والمغازي وبيت حانون وغيرها وغيرها.
كم هو صعب ومعقد حاله، لهذا يراوغ ويسوّف ويعرقل المسار التفاوضي، الذي كيفما عالج تداعياته فهو ليس لصالح مستقبله السياسي الذي تنتظر قضبان السجن عقب الحرب الاطباق عليه بشكل نهائي. عالقٌ نتنياهو في وهم الوقت الذي سيداوي الصدع الكبير في بنية ردع كيانه، لكنه كلما مرّ يزداد الأخير تصدعاً. هو فقط ثورٌ هائج ماض في القتل والقتل. مجرم حرب بجيش متفوق عسكرياً وتكنولوجياً يدعمه “العالم الحديث” كله، خسر رغم ذلك المعركة أمام مقاومة في قطاع صغير محاصر. فكيف لا يحترق نتنياهو؟
أزمة بي بي… “لقد استسلم للسنوار”
من الواضح، أنه بالرغم من عدم الثقة بجدية مضمون الاقتراح التفاوضي الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي جو بايدن منذ أيام، وهو الذي عكسته ردود الفعل الصادرة عن فصائل المقاومة في غزة تجاهه، إلا أن العديد من الأوساط وجدت في خطوة بايدن، تطوراً لافتاً، ضغطاً مختلفاً عما سبقه تجاه رئيس الحكومة ومجلس حربه، إذ إنه وللمرة الأولى يتم الاعلان بوضوح عن “مقترح تفاوضي” بأنه “مقترح اسرائيلي”، حيث أن المقترحات السابقة التي أفشلها العدو أو لم توافق عليها المقاومة بما أنها تخالف ثوابتها، كلها كانت تحاك في كواليس الوسطاء وتعرض على طرفي التفاوض.
تلقف نتنياهو محرجاً هذا الضغط، محاولاً في الوقت نفسه استدراك تحذيرات ائتلافه، تحديداً وزير المالية بتسلئيل سموتريتش و ما يُسمى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذين هددا بحلّ الحكومة. وفي هذا السياق، توضح مصادر إعلامية أن رئيس الحكومة “يجد نفسه أسير خوفه على مستقبله بالدرجة الأولى، وعلى ائتلافه الذي لا يبدو أن الظروف السياسية في الكيان ستسمح بتشكيله مرة أخرى بعد انتخابات جديدة، بالدرجة الثانية، علماً أن الأمرين مرتبطان إلى حدّ بعيد؛ فبقاء نتنياهو رهن بقاء الائتلاف، والعكس بالعكس”. وهذا ما يشرح الهدف من ترداد الأخير مؤخراً أن “بايدن لم يقل كل شيء بخصوص المقترح، وأن ما قاله ليس دقيقاً بشكل كامل، وأن “إسرائيل” لن تتخلى عن أهداف حربها، ولن تنهيها قبل تحقيق النصر الشامل”، حسب زعمه.
وبالرغم من كل ذلك فإن تطمينات نتنياهو لم تقنع سموتريتش، وبن غفير الذين اتهماه بالكذب وإخفاء المقترح، وبـ”الاستسلام ليحيى السنوار”.
في مقابل تهديدات بعض أعضاء الائتلاف، هناك من يُقال إنه يدفع بنتنياهو إلى اتمام الصفقة وإعادة الأسرى، زاعمين أن “بإمكان الجيش استئناف الحرب لاحقاً”.
هؤلاء هم بشكل أساسي عضوي “كابينت الحرب”، بني غانتس وغادي آيزنكوت، اللذين يلوحان بالاستقالة من “الكابينت” هذا الأسبوع، إذا لم يُحرز تقدم كبير في المفاوضات. بدوره، انضم حزب “شاس” الحريدي لكتلة “يهدوت هتوراه” أكد دعم الحريديين في معسكر نتنياهو “الكامل للمقترح الإسرائيلي لصفقة الأسرى”، معلناً في بيان رسمي بعد ظهر اليوم الثلاثاء، أنه قرر دعم الصفقة في أعقاب اجتماع لكتلة الحزب في الكنيست أمس.
وانطلاقاً من ذلك، كشفت “الإذاعة العامة الإسرائيلية” أن “نتنياهو شرع بسلسلة من اللقاءات المكثفة مع وزراء وأعضاء كنيست وقيادات في الليكود، في محاولة لإقناعهم بدعم مقترح اتفاق تبادل الأسرى مع حركة حماس”، على حد قول الإذاعة.
الشياطين
في ما يتعلق بالمفاوضات المرتبطة بالعدوان على غزة، فإن شياطين تفاصيلها كانت دوماً برعاية اسرائيلية-أميركية. المقاومة تتحرك وفقاً لثوابت واضحة، كثباتها في الميدان، أما الاحتلال فهو لم يحقق أياً من أهدافه، ولهذا فإن ملعب السياسة سبيله الوحيد ربما لبعض المكتسبات.
وفي هذا السياق يأتي ما ذكرته وسائل إعلام عبرية عن أن مستشار اتصالات الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، وجد نفسه مضطراً لتفنيد ادّعاءات نتنياهو، إذ قال كيربي إن “المقترح الإسرائيلي الحالي هو نتاج جهود دبلوماسية مكثّفة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل””، مضيفاً أنه “لا علم لديه بوجود فجوات بين الولايات المتحدة و”إسرائيل””.
وأعاد التأكيد أن “المرحلة الثانية ستشمل إطلاق بقية الأسرى والمحتجزين، وبعدها يتحوّل وقف إطلاق النار المؤقت إلى وقف دائم للأعمال العدائية”، وهو ما كان قد أكّده بايدن، ويُعتقد أن نتنياهو يتحدث عنه عندما يقول: “كلام غير دقيق”.
استقالة هاليفي
هذا وطالب ضباط برتبة لواء في جيش العدو، وبرتب أدنى أيضاً، رئيس الأركان، هيرتسي هليفي، والجنرالات المسؤولين “شخصياً” عن إخفاق الحرب على غزة، بأن “يطبقوا مسؤوليتهم عن الإخفاق والتي أعلنوا عنها في أعقاب هجوم “طوفان الأقصى”، بالاستقالة من مناصبهم والخروج من صفوف الجيش”، وفق ما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الثلاثاء.
ووصفت الصحيفة الانتقادات الموجهة إلى هليفي وجنرالات آخرين بأنها “موضوعية للغاية ومهنية وشرعية”، وأن الأخطر من ذلك هو تجاهلها من جانب قيادة الجيش.
وفي السياق، أشارت الصحيفة إلى “صدام مباشر” بين هليفي وبين عضو هيئة الأركان العامة وقائد الفيلق الشمالي، الجنرال ساعار تسور، في أعقاب قرار هليفي بإنهاء مهامه وتسريحه من الجيش، وأن يخلفه في المنصب قائد الفرقة 98، دان غولدفوس، وهو ضابط برتبة عميد.
ورأى ضباط في هيئة الأركان العامة أن تسريح تسور، “في ظل احتمال اتساع الحرب مقابل حزب الله، ليس فكرة جيدة”، وأن قسماً من هؤلاء الضباط يقولون إن “تسور يستحق الترقية من خلال قيادة ذراع البرية”، وفق تعبيرهم.
يُذكر أن تسور تساءل خلال لقاء هليفي، “هل أنا الذي أخفق وعليّ أن أنصرف؟ فهناك مسؤولون عن الإخفاق لا يزالون في مناصبهم”. ردّ هليفي “إن رئيس شعبة الاستخبارات استقال”، لكن تسور أجابه “وماذا بالنسبة للبقية؟”.
المصدر: موقع المنار+مواقع إخبارية