تناولت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الخميس 28-3-2024 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
البناء:
نتنياهو يتراجع ويقرّر إعادة إرسال الوفد العسكري إلى واشنطن لبحث معركة رفح
75 % من المصوّتين في الحزب الديمقراطي يطالبون بايدن بخطوات لوقف الحرب
7 شهداء من الإسعاف في الهبارية.. والمقاومة تُشعل كريات شمونة بالصواريخ
وتحت هذا العنوان صحيفة اللبنانية ” تواصلت جرائم جيش الاحتلال في غزة، واستمرّت حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، ودارت مواجهات ضارية بين المقاومة وجيش الاحتلال، اعترف بنتيجتها بـ 24 إصابة في يوم واحد، بينما شهدت الضفة الغربية المزيد من المواجهات بين المقاومين، خصوصاً في جنين ونابلس وطولكرم وجيش الاحتلال. وجاءت استطلاعات الرأي في كيان الاحتلال تظهر تراجعاً جديداً في شعبية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فيما حملت صرخات مستوطني شمال فلسطين المحتلة تعبيراً عن تراجع الثقة بالجيش والمؤسسة الحاكمة، بينما تتسرب تصريحات لمسؤولين عسكريين تؤكد عدم الثقة بالقدرة على تحقيق إنجازات عسكريّة فيما لو ذهبت الأمور نحو معركة في رفح. وتحذر من كارثة في حال شنّ حرب على لبنان والمقاومة فيه. وفي قلب هذه المناخات قرّر بنيامين نتنياهو التراجع عن قراره عدم إرسال وفد عسكري الى واشنطن لمناقشة معركة رفح. وكشف مسؤولون أميركيون عن تلقيهم رسالة واضحة من نتنياهو أن وفداً يمثله سوف يصل الى واشنطن الأسبوع المقبل. وهو ما قرأته مصادر عسكرية اعترافاً بالعجز عن خوض معركة رفح دون دعم أميركي كامل من جهة، والاستفادة من التعنّت بالحديث عن نيّة الذهاب الى المعركة، وربط تأجيلها بالحرص على العلاقات الأميركية الإسرائيلية، فيكسب مرتين، مرة بالحفاظ على خطاب يرضي الشارع اليمينيّ في الكيان عبر رفع صيحات الحرب، ومرة بإرضاء الشارع المعارض عبر الحرص على العلاقة مع واشنطن.
في واشنطن نشر معهد غالوب للدراسات نتائج استطلاع للرأي يظهر تحولاً هاماً لصالح وقف الحرب، حيث أيّد 55% من الأميركيين مطالبة الرئيس جو بايدن باتخاذ خطوات عملية لإنهاء الحرب، بينما سجل 75% من المصوّتين في الحزب الديمقراطي تأييدهم لوقف الحرب، وكانت النسبة في آخر استطلاعات الرأي في نهاية شهر كانون الأول وفق استطلاع الرأي الذي أجرته شركة هاريسون وجامعة هارفارد، 68% يؤيّدون موقف بايدن برفض وقف الحرب واعتبار ذلك تحقيقاً لمكاسب لصالح حركة حماس. وتعتقد مصادر متابعة للمشهد الانتخابي الأميركي أن وضع بايدن الحرج رئاسيّاً سوف يفرض عليه الإصغاء لهذه الأصوات إذا أراد أن يعزّز فرصه بالفوز الرئاسي، كما اعتبرت أن تأييد نسبة 55% من الأميركيين لوقف الحرب، يعني أن على المرشح دونالد ترامب أن يأخذ ذلك بالاعتبار.
لبنانياً، كان الحدث في مجزرة الهبارية التي ارتقى فيها سبعة شهداء من الإسعاف اللبناني، ردّت عليه المقاومة بإطلاق عشرات الصواريخ على ثكنات ومباني كريات شمونة أشعلت العديد من الحرائق. واعترف جيش الاحتلال بسقوط قتيل وجريح بنتيجتها، بينما قال مستشفى صفد وحده أنه استقبل ستة جرحى. وكان الحدث موضع تعليقات ومواقف تنديداً بالعدوان الإجرامي لجيش الاحتلال، وإشادة بوحدة الدم الذي يتجسّد على أرض الجنوب، بينما كشف حزب الله أن كل ما قيل عن حكاية إطلاق صواريخ للمقاومة من بلدة رميش هو أكاذيب ملفقة.
تصدّر الجنوب المشهد المحلي مع استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي فجر الأربعاء مركز الطوارئ والإغاثة الإسلامية في بلدة الهبارية بغارة بالصواريخ، ما أسفر عن وقوع شهداء وجرحى. وسجل مساء أمس غارة على بلدة طيرحرفا استهدفت منزلاً بصاروخين أحدهما لم ينفجر، فيما الثاني دمّره بالكامل، وأفيد عن سقوط شهداء، بينهم عناصر من الهيئة الصحية الإسلامية. كما سقط عدد من الشهداء والجرحى في غارة شنها الطيران المعادي على مقهى في بلدة الناقورة.
وإثر ذلك، أعلن حزب الله أنه «وردًا على المجزرة التي ارتكبها العدو الصهيوني في بلدة الهبارية، انه قصف مستعمرة كريات شمونة وقيادة اللواء 769 في ثكنة كريات شمونة بعشرات الصواريخ». وأفادت معطيات صحافية عن مقتل مستوطن إسرائيلي جراء القصف الصاروخي على كريات شمونة، وعن إصابة 4 بينهم حالة حرجة في القصف على كريات شمونة. وأطلق جيش العدو الإسرائيلي نيران أسلحته الرشاشة من مواقعه المتاخمة لبلدة عيتا الشعب باتجاه أطراف البلدة وعلى الأحراج المجاورة. وسقطت قذيفتان مدفعيتان من مرابض الجيش الإسرائيلي بين بلدتي الطيبة وعديسة… في المقابل، أعلن حزب الله انه استهدف «انتشاراً لجنود العدو الإسرائيلي في محيط مستعمرة شتولا بالقذائف المدفعية». واستهدف «موقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة بقذائف المدفعية وأصابه إصابة مباشرة».
ونقلت صحيفة العدو «هآرتس» عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، قوله إنّ «عمق لبنان يتحوّل إلى منطقة حرب وحزب الله بدأ يخاطر». وأقرّ برنامج تدريب هذا العام ويركز على رفع جاهزية سلاح الجو لحرب على جبهة الشمال.
وقال قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي أوري غوردين، «إننا جاهزون من الليلة لـ»التصرّف» على الحدود اللبنانية»، مشيراً إلى «أننا نشهد حرباً منذ 6 أشهر على حدود لبنان». وزعم في تصريح مساء الأربعاء تنفيذ هجمات نوعيّة ضد حزب الله لتكبيده خسائر فادحة»، معتبراً «أننا عازمون على تغيير الوضع الأمني في المنطقة الشمالية مع لبنان».
ليس بعيداً، أودعت وزارة الخارجية والمغتربين الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بناء على مداولات الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء تاريخ 19 آذار 2024، نسخاً من الرسائل والشكاوى البالغ عددها 22 ضد «إسرائيل» الموجهة إلى أمين عام الأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي، عبر بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، منذ بدء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان في شهر تشرين الأول الماضي. وقد وثق لبنان عبر هذه الشكاوى، خروق «إسرائيل» لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، وحث أعضاء مجلس الأمن مجتمعين على إدانة هذه الاعتداءات، وطالبهم بلجم انتهاكات «إسرائيل» للسيادة اللبنانية والحؤول دون نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق. كما تضمّنت أيضاً بعض هذه الشكاوى ردود لبنان المفصلة على ادعاءات إسرائيلية تتهم فيها لبنان بخرق القرار 1701. كذلك طرح لبنان في رسائله الى مجلس الأمن الدولي خريطة طريق، وتصوّراً لتحقيق استقرار مستدام في الجنوب اللبناني من خلال التطبيق الشامل والمتكامل لقرار مجلس الأمن 1701.
وفي هذا الوقت وصلت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني الى لبنان لعقد سلسلة لقاءات وزيارة اليونيفيل جنوباً، واستقبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، رئيسة وزراء إيطاليا. وعبّر الرئيسان ميقاتي وميلوني عن ارتياحهما لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2728 القاضي بوقف إطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان، وأبديا تطلعهما الى أن يتم تطبيقه وأن يتحوّل الى وقف إطلاق نار مستدام.
كما تطرّق البحث الى قرارات مجلس الامن المتعلقة بالمنطقة ولبنان، حيث كرّر رئيس الحكومة التزام لبنان بالتطبيق الكامل لكافة القرارات الدولية الخاصة به، لا سيما القرار 1701، ووجوب أن تلتزم «إسرائيل» بتطبيقه كاملاً ووقف اعتداءاتها على سيادة لبنان براً وبحراً وجواً. وعبّر عن حزنه العميق وإدانته لاستشهاد سبعة مسعفين في جنوب لبنان جراء العدوان الإسرائيلي.
كما تطرّق البحث إلى ملف النازحين السوريين في لبنان والمهاجرين غير الشرعيين في منطقة البحر المتوسط.
واتفق الحانبان على ضرورة تضافر الجهود الدولية والتنسيق بين البلدين، ومع أوروبا عموماً، للحدّ من هذه الظاهرة واستكشاف الحلول التي تساعد على التوصل الى حل مستدام لقضية النازحين.
هذا وتسلّم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي دعوة من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة للمشاركة في اجتماع الدورة العادية الـ33 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، وذلك يوم الخميس 16 أيار 2024.
أما الهيئة السياسية للتيار الوطني الحر فدعت «المقاومة للقيام بكل ما يجب لتجنيب المدنيين في كل لبنان، وتحديداً في قرى الجنوب والبقاع الحدودية، خطر التعرّض للقصف الإسرائيلي، وطالب التيار الجيش والمقاومة وقوات الطوارئ بإجراء كل ما يلزم لطمأنة الأهالي مع التفهم لحقّهم في رفض أي استدراج للحرب يهدّد حياتهم وممتلكاتهم. وذكّر التيار أن الاحتضان الوطني والشعبي هو واجب بالدفاع عن لبنان، ولكنّه يبقى خياراً عندما يتعلّق الأمر بساحات أخرى». ورحّب التيار «بالمشاورات الجارية في بكركي وأمل بصدور وثيقة وطنية للحفاظ على لبنان ورسالته ونموذجه وميثاقه وصيغته ويعمل للاتفاق على إجراءات عملانية تتفق عليها القوى المجتمعة لضمان حماية وحدة لبنان واحترام الشراكة المتوازنة في الدولة، ولمواجهة خطر إقصاء المسيحيين وإظهار حجم الرفض لما يجري من مماطلة في انتخاب الرئيس وضرب صلاحياته وتغييب الشراكة في غيابه».
وشدد رئيس حزب القوات سمير جعجع على انه غير مقتنع بنتيجة لقاء بكركي ولا سيما انه لا يستشرف جدوى منه، ولكن تأتي مشاركة «القوات» لأسباب مختلفة وفي طليعتها «من أجل الكنيسة». وقال: وضعنا في بكركي النقاط على الحروف وفسحنا للنائب جبران باسيل المجال للتفكير، وأنا شبه أكيد انه في حال قبل «الحزب» بالتفاهم مع باسيل على رئيس ما للجمهورية غير رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية فسيجلس معه، لذا من المرجح ان تكون لقاءات بكركي وللأسف «طبخة بحص» ويبقى الأهم أننا بتنا نعرفه جيداً وندرك تماماً كيفية التعاطي معه.
الى ذلك أعلن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري أن نهاية آذار الحالي سيكون الموعد لإطلاق التعميم 166، والدفع سيكون بمفعول رجعي، عازياً السبب إلى أن تطبيق التعميم يتطلب وقتاً في المرحلة الأولى لأن هناك رفعاً للسرية المصرفية عن حجم معين من الحسابات وهناك مركزية المخاطر في مصرف لبنان”.
الأخبار:
العدو يكثّف ضغوطه في اتجاه رفح | نتنياهو يتراجع: ذاهبون إلى واشنطن
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة الأخبار اللبنانية “لم يدم طويلاً المشهد الدرامي الذي أراده رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من وراء إعلانه قراره عدم إرسال الوفد السياسي – الأمني إلى واشنطن، وفق ما كان قد اتّفقَ عليه شخصياً مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قبل أيام قليلة، وذلك رداً على عدم استخدام الولايات المتحدة «الفيتو» في مواجهة مشروع قرار موزمبيقي في «مجلس الأمن»، يطلب وقف إطلاق نار فوري في قطاع غزة خلال شهر رمضان، إذ أعلن «البيت الأبيض»، أمس، صراحةً، أن «مكتب نتنياهو وافق على إعادة جدولة زيارة الوفد الإسرائيلي لواشنطن لبحث عملية رفح»، مشيراً إلى «(أننا) نعمل على تحديد موعد للاجتماع مع الوفد الإسرائيلي». وبحسب ما نقله موقع «واللا» عن أربعة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، فإن «نتنياهو يعتزم إرسال أقرب مستشاريه، الوزير رون ديرمر ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، لإجراء محادثات في البيت الأبيض»، و«ربما يكون ذلك في وقت مبكّر من الأسبوع المقبل». كما نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول أميركي قوله إن «إلغاء زيارة الوفد الإسرائيلي كان دراما غير ضرورية من نتنياهو، وهو يحاول الآن البحث عن مخرج»، في حين قال مسؤول أميركي آخر، لشبكة «ABC»، إن «إعادة جدولة زيارة الوفد لواشنطن، جاءت بعد مناقشات بنّاءة مع وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت»، الذي كان في زيارة للعاصمة الأميركية دامت لأيام.وفي موازاة تشديد نتنياهو وقادة الاحتلال بشكل عام، على ضرورة تنفيذ عملية عسكرية في منطقة رفح، أضاف العدو مستوىً جديداً من الضغط، عبر إجراءات ميدانية مباشرة. وبحسب «القناة 12» العبرية، فقد «بدأ الجيش الإسرائيلي الاستعداد لشنّ عملية في رفح في حال انهيار المفاوضات»، كما بدأ «خطوات لعزل المدينة وإجلاء المدنيين». وأشارت القناة إلى أن «نتنياهو أمر بشراء 40 ألف خيمة من الصين لنصبها في غزة، تمهيداً للعملية البرية في رفح». وفي المقابل، أورد موقع «واللا» تقديرات لجيش العدو، بأن «خوض معارك بمحاذاة الحدود المصرية سيكون مساراً معقّداً»، وأن «عمليات إجلاء السكان من رفح ستكون معقّدة جدّاً». كذلك، أشارت «القناة 13» العبرية، نقلاً عن مصادر إسرائيلية، أن «الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل استقبال ضباط أميركيين للاطّلاع على مخططاتها بالنسبة إلى رفح»، وهو ما يشبه الذي حصل بداية الحرب، حين أرسلت واشنطن ضباطاً عسكريين إلى الكيان، للمساعدة في التخطيط للعملية العسكرية في غزة، والاطّلاع على الخطط الإسرائيلية بهذا الخصوص، وهو نوع من المساعدة والرقابة، تمارسه واشنطن، في آن واحد، تجاه إسرائيل.
وفي انتظار ما سيتكشّف في الساعات المقبلة بخصوص الإجراءات المتخذة في رفح، تحدّث نتنياهو أمام وفد من أعضاء «الكونغرس» الأميركي، من كلا الحزبين، في مكتب رئيس الوزراء في القدس المحتلة، قائلاً إنه «لا بديل عن النصر»، مؤكداً «(أننا) سندخل رفح، وهناك أماكن يمكن أن يذهب النازحون المدنيّون إليها». وتطرّق نتنياهو، خلال اللقاء، إلى أهمية دعم واشنطن لإسرائيل، وقال: «من المهمّ للغاية الحفاظ على دعم الحزبين في جميع الأوقات، وخاصة في هذه الأوقات الصعبة». أما عن قرار «مجلس الأمن»، فقد اعتبر أن «القرار الأميركي في مجلس الأمن كان خطوة سيئة للغاية، وشجّع حماس على اتخاذ موقف متشدّد»، مشيراً إلى أن قراره عدم إرسال الوفد إلى واشنطن «كان بمثابة رسالة إلى حماس، بأن لا يعوّلوا على هذه الضغوط. لن ينجح الأمر»، مضيفاً: «أتمنى أن يفهموا الرسالة».
على خط مواز، واصل غالانت، لليوم الثاني على التوالي، زيارته لواشنطن. حيث شدّد، في لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين، وعلى رأسهم وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، على أهمية العلاقات الأميركية الإسرائيلية، و«الحفاظ على التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة، بما في ذلك قدراتها الجوية». كما التقى غالانت مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، وناقش معه مسار الحرب على غزة، والعملية العسكرية المتوقّعة في رفح. وأعاد الأميركيون التأكيد أمام ضيفهم أنهم لا يدعمون عملية عسكرية واسعة النطاق في المدينة، وعرضوا بدائلهم عليه”.
«حرب المعادلات» بين المقاومة وجيش العدوّ
وتحت هذا العنوان كتبت الاخبار “لم تخرج الاعتداءات الإسرائيلية أخيراً، بما فيها في البقاع، عن «حرب المعادلات» بين حزب الله وجيش العدو. لكنها محاولة إسرائيلية محسوبة ومضبوطة لإحداث تعديل فيها، من دون التدهور نحو مواجهة واسعة.في المقابل، كان ردّ حزب الله مدروساً أيضاً لمنع العدو من فرض معادلة أحادية. وأُدخلت مستوطنات جديدة ضمن دائرة النار للمرة الأولى، رداً على تصعيد العدو في العمق والأهداف في سياق محاولة إنتاج معادلة ردّ.
تسليم العدو بمعادلات الردع التي أرساها حزب الله والحذر الشديد في محاولات خرقها، أتى بعد محطات وتحولات في وعي مؤسسات القرار السياسي والأمني في كيان العدو، وهو حصيلة سنوات من الصراع و«مغامرات محسوبة» ما كان لمعادلات الردع أن تتشكّل من دونها.
فمنذ أن سلَّم العدو بعجزه عن الحسم العسكري مع حزب الله، وجد نفسه مُلزماً باعتماد سياسة عملياتية أكثر حذراً. وبعد تعاظم قدرات المقاومة إلى مستويات تهدد عمقه الاستراتيجي، بعناصره العسكرية والصناعية ومنشآته، كان محكوماً بقيود يصعب تجاهلها، وأمام اعتبارات تتقدّمها حسابات الكلفة والجدوى.
هذه المعادلات وفّرت مظلة أمنية للبنان في أخطر المراحل التي مرت بها المنطقة، ونجح حزب الله في تثميرها بمواصلة تطوير قدراته استعداداً لمواجهة متغيّرات تنطوي على تهديدات استراتيجية ووجودية. وتجلّت قوة ردع الحزب الاستراتيجية والعملياتية في محطات مفصلية في لبنان والمنطقة، وبلغت مستوى قياسياً عندما فرض على العدو قواعد اشتباك، وثبت حتى الآن، أنه نجح في احتواء وكبح طوفان التداعيات التي توالت بعد طوفان الأقصى في الساحتين الإسرائيلية والإقليمية.
النتيجة المباشرة والتأسيسية التي حقّقها حزب الله في الحرب الحالية أنه فرض على العدو قواعد اشتباك ضمن نطاق جغرافي محدّد، التزم الطرف الآخر بمقتضياتها، وتبلورت في ظلها نتائج تشكل ضغطاً متواصلاً ومتصاعداً على قيادة العدو وجمهور المستوطنين.
في مواجهة هذا التهديد، كانت أمام قادة العدو مروحة خيارات رَاوحت بين الذهاب إلى خيار دراماتيكي (وصولاً إلى الحرب)، أو توسيع نطاق المواجهة العسكرية (من دون حرب)، أو اعتماد سياسة الاحتواء.
منذ الساعات الأولى، درست قيادة العدو استغلال طوفان الأقصى لشنّ حرب مفاجئة على حزب الله. لكنّ هذا الخيار سقط، كما أصبح معلوماً، بسبب مخاوف من تداعياته على الداخل الإسرائيلي وانقسام القيادة الإسرائيلية والموقف الأميركي. واستمر ارتداع العدو عن هذا الخيار طوال المعركة المستمرة منذ نحو ستة أشهر، وانعكس ذلك التزاماً صريحاً بقواعد اشتباك المقاومة.
التداعيات على العمق الإسرائيلي ساهمت أيضاً في استبعاد العدو خيار توسيع نطاق المعركة جغرافياً إلى مديات أوسع مما هي عليه، وانسحب ذلك على حدة النيران ووتيرتها وطبيعة الأهداف. وساهم الأداء العملياتي لحزب الله في توفير الظروف الملائمة لذلك، كبحاً وتأطيراً، إضافة إلى خشية العدو من التدحرج إلى السيناريو الأول الذي استبعده، وحرص الأميركي على تجنب التورط في حرب كبرى لن يبقى بعيداً عنها.
في الموازاة، يدرك قادة العدو أن الاكتفاء بسياسة الاحتواء بدرجاتها الدنيا، يساهم في تعميق مأزق الردع الذي تهشّم نتيجة طوفان الأقصى، وأن التزام خيار الاحتواء يوفّر لحزب الله هامشاً أوسع في رفع مستوى الضغوط الميدانية.
أمام هذه الخيارات، والقيود التي تواجه كلاً منها، عمد العدو إلى الرمي بثقله التكنولوجي والاستخباري والعملياتي، لتعزيز الضغوط الميدانية على حزب الله لثنيه عن مواصلة عملياته وفي الوقت نفسه تجنب التدحرج إلى مواجهة عسكرية كبرى. بعبارة أخرى، استغل العدو مجموعة مزايا تتسم بها هذه المعركة، أهمها أن حزب الله في موقع المبادر ابتداءً، وحرصه على تنفيذ عملياته من خارج القرى، ما يعرّض مجموعاته للكشف، فيما العدو مُحصَّن ويتمتع بتفوق تكنولوجي وجوي… والأهم أن حزب الله حريص على إبقاء نطاق المعركة جغرافياً ضيقاً، علماً أن اتساعها يمنح المقاومة هامشاً أوسع ويوفّر لها حصانة كبرى… لكنه فضّل تقديم التضحيات لتقليص الأضرار على المدنيين.
مع ذلك، لم ينجح العدو في التأثير على إرادة حزب الله وقراره بإسناد غزة، وعلى مواصلة العمليات ضد قوات الاحتلال، رغم التضحيات الكبيرة. فاستنجد بالإدارة الأميركية التي وجّهت رسائل تهويل وتهديد وقدّمت إغراءات، وانتدبت للمهمة مبعوثها عاموس هوكشتين… إلا أن كل المحاولات فشلت بفعل التمسك بثابتة مفادها أنْ لا وقف للعمليات قبل وقف الحرب على غزة، وبعدها يتم الحديث عن الأمور المتصلة بجنوب الليطاني.
نتيجة ذلك، تفاقمت الضغوط الداخلية في كيان العدو، وتحوّلت جبهة لبنان إلى جبهة استنزاف على كلّ المستويات، وفشلت المسارات السياسية والردعية. وبدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أي رهانات لدى قادة العدو وفي واشنطن، مع إعلانه بأن الجبهة ستبقى مفتوحة مهما طال الوقت إسناداً لغزة.
في ضوء هذه السياقات والقيود، ارتقى العدو إلى مرحلة جديدة لفرض معادلة رد يهدف من خلالها إلى تعزيز الأثمان التي يجبيها من حزب الله، على أمل ردعه وتقويض إرادته على مواصلة العمليات. إلا أنه لجأ إلى هذا الخيار من موقع الرد وليس الخيار الابتدائي، إدراكاً منه لمخاطر التوسيع الابتدائي للمعركة.
في المقابل، من الواضح أن رسائل حزب الله الميدانية والسياسية، أظهرت أيضاً لقيادة العدو فشل رهاناته حتى الآن، وأثبت حزب الله أيضاً أن حرصه على تجنب الحرب، لا يقيّده عن الرد بما يعزز معادلة حماية لبنان وعمق المقاومة، على قاعدة «بتوسّع بنوسّع». ويعني ذلك أن مواصلة العدو هذه السياسة ستُقابل أيضاً بتوسيع مدروس وهادف… في معادلة محكمة تساهم في محاصرة العدو بمراوحة ميدانية ضاغطة عليه من الشمال في أكثر من اتجاه، وتصبّ في نهاية المطاف إسناداً لغزة وتعزيزاً لموقع لبنان والمقاومة في معادلة ما بعد الحرب”.
المصدر: الصحف اللبنانية