لم تحمل أولى اجتماعات الجولة التفاوضية الجديدة في العاصمة القطرية الدوحة جديداً، بل إن الأخيرة بدت متعثرة انطلاقاً من ما سُرّب عن قيام رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو “بتضييق نطاق صلاحيات وفد التفاوض الإسرائيلي ووضع خطوط حمراء أمام ما يمكنهم قبوله”.
أما بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، فقد قالت كلمتها منذ ما قبل انطلاق الجولة الجديدة من خلال الرد على جولة “باريس 2″، الرد الذي كررت فيه الأخيرة ثوابتها منطلقة من صمودها الأسطوري بوجه آلة القتل المستمرة. أما العدو وعلى رأسه نتنياهو فهو لا زال يماطل في محاولة للانقلاب على واقع التخبط والهزيمة، وكما الجولات السابقة فهو يمارس العرقلة وزرع العقد والتلويح من جديد بالمضي قدماً في عملية عسكرية في رفح، حذر المتحدث باسم الخارجية القطرية من أنها “ستؤثر سلباً على المحادثات”.
وفي التفاصيل، فقد كانت القناة 13 الإسرائيلية ذكرت أن “خلافات نشبت بين المسؤول بالجيش عن ملف الأسرى الإسرائيليين المحتجزين بغزة ووزراء في الحكومة لمطالبته بتوسيع صلاحيات وفد التفاوض، بعد تقارير عن توجه وفد إسرائيلي إلى الدوحة للرد على مقترح حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بشأن صفقة تبادل جديدة”.
وقالت صحيفة “إسرائيل اليوم” إن “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرر استبعاد عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس من اتخاذ القرار في مفاوضات إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة التي تُجرى الآن”. وأفادت الصحيفة بأن نتنياهو أبلغ أعضاء مجلس الوزراء المصغر (الكابينت) في اجتماع جرى أمس الاثنين بأن التوجيهات لوفد المفاوضات سيحددها هو ووزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت.
وأشارت إلى أن مقربين من غانتس مستاؤون من قرار نتنياهو ولا يتوقعون انسحاب حزبه من مجلس الحرب حالياً. وقالت إن العلاقة بين نتنياهو وغانتس خلال الأيام الأخيرة تعد الأسوأ منذ بداية الحرب في7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ووفق موقع “واللا” العبري، فإن “بعض أعضاء فريق التفاوض، يخشون من أن الخطوط الحمر التي وضعها نتنياهو، ستجعل من الصعب التوصّل إلى اتفاق، لكنّ آخرين يعتقدون أن التفويض واسع بما يكفي لإجراء المفاوضات والتوصّل إلى اتفاق”. وبحسب ما نقلته “جيروزاليم بوست” عن مسؤولين إسرائيليين، فإن الخطوط الحمر الصارمة تركّزت حول “قائمة الأسرى الفلسطينيين في الصفقة”، والذين تطالب “حماس” بإطلاق سراحهم.
بدورها، نقلت “القناة 13” عن مصادر مطّلعة، حديثاً عن جود “خلافات بين مسؤول ملف الرهائن في الجيش ووزراء، لمطالبته بتوسيع صلاحيات وفد التفاوض”. وأضافت أن “مسؤول ملف الرهائن في الجيش يقول إن القيادة السياسية قلّصت بشكل مُفرط صلاحيات الوفد”، مشيرة إلى أن “المفاوضات ستفشل من دون صلاحيات واسعة”.
وقال موقع “بوليتيكو” الأميركي إن رئيس وزراء العدو الأسبق إيهود أولمرت شكر زعيم الديمقراطيين بمجلس الشيوخ تشاك تشومر على “شجاعته في تصريحاته ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”. وأكد أولمرت في رسالته إلى تشومر، أن “نتنياهو لا يستحق المسؤوليات الملقاة على عاتقه”.
الجولة التفاوضية في الدوحة تتزامن مع ما قالته وزارة الخارجية الأميركية بأن الوزير أنتوني بلينكن سيزور السعودية ومصر لبحث وقف إطلاق نار في غزة وإدخال مساعدات الإنسانية. وأكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، أن بلينكن سيجري مباحثات مع القادة السعوديين في جدة غداً الأربعاء قبل أن ينتقل إلى القاهرة الخميس للقاء المسؤولين المصريين.
وفي السياق، قال وزير الخارجية الأميركي إن “الجولة في الشرق الأوسط ستتطرق إلى أمور عدة، من بينها التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة”، حسب زعمه. وأضاف أنه “يتعين على “إسرائيل” إعطاء الأولوية لحماية المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية لمن هم في أمس الحاجة إليها”، على حد تعبيره، مشيراً إلى أنه “ما زلنا نواجه وضعا إنسانيا مروعا للأطفال والنساء والرجال في غزة”.
هذا ونقل متحدث باسم البيت الأبيض عن الرئيس الأميركي جو بايدن قوله إن الأخير “كرر قلقه العميق بشأن احتمال شنّ “إسرائيل” عملية برية كبيرة في رفح”. وأن بايدن شدد على “ضرورة زيادة تدفق المساعدات إلى المحتاجين في جميع أنحاء غزة مع التركيز على الشمال”، حسب قول المتحدث. وبحث بايدن بحث مع رئيس وزراء العدو الإسرائيلي “المفاوضات الجارية في قطر بشأن الرهائن”، لافتاً إلى أن “الرئيس الأميركي جو بايدن طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إرسال فريق إلى واشنطن لبحث سبل استهداف حركة حماس من دون القيام بعملية برية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة”، على حد زعمه.
وأضاف بايدن أنه أكد خلال اتصال هاتفي مع نتنياهو على “أهمية الاتفاق على وقف فوري لإطلاق النار في غزة يستمر لأسابيع كجزء من اتفاق لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين”. وهذا ما رفضته المقاومة التي أكدت على الوقف الدائم لاطلاق النار وانسحاب الاحتلال وعودة النازحين إلى الشمال وادخال المساعدات إلى القطاع كشروط أساسية لأي عملية تبادل.
يُذكر أن المراوغة الأميركية تظهر جلياً حتى الآن من خلال الفجوة الكبيرة بين تصريحات المسؤولين والأداء على أرض الواقع. إذ إن واشنطن حالت أكثر من مرة دون إقرار قرار بوقف اطلاق النار في مجلس الأمن، وهي وبعد مضي ستة أشهر على الحرب وارتفاع حصيلة الشهداء إلى أكثر من 31 ألفاً، إضافة إلى سياسة التجويع المعتمدة من العدو بحق أهل القطاع إلا أنه لم يطرأ أي تغيير على ما تقدمه من دعم عسكري ولوجستي وسياسي للعدو.
الخارجية القطرية تتحدث عن “تفاؤل حذر”
من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري اليوم الثلاثاء، خلال مؤتمر صحفي، إنه “تم استئناف المفاوضات غير المباشرة بين وفدي “إسرائيل” وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الدوحة”، معبرا عن “تفاؤل حذر”.
وأضاف الأنصاري أنه “تم استئناف المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والانتقال إلى مرحلة الاجتماعات التقنية”، موضحاً أن “الوقت لا يزال مبكرا للحديث عن تفاصيل المفاوضات”.
وحول المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى، قال الأنصاري إنها “استؤنفت بكافة مساراتها”، مشيراً إلى أن اجتماع أمس “جاء لنقل الردود بين الطرفين وشمل الاستجابة الإسرائيلية على رد حركة حماس”.
وأضاف أن محادثات الدوحة “تركز على ضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتحقيق وقف مؤقت لإطلاق النار”. وشدد الأنصاري على أن “أي هجوم على رفح جنوبي قطاع غزة سيؤدي إلى كارثة إنسانية، وسيؤثر سلبا على التوصل إلى اتفاق في المفاوضات الجارية”.
وتُجرى المفاوضات غير المباشرة بين العدو والمقاومة بوساطة قطرية ومصرية وبمشاركة الولايات المتحدة، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وأمس الاثنين، وصل إلى الدوحة الوفد الإسرائيلي المكون من مسؤولين في الموساد والاستخبارات العسكرية وما يسمى جهاز الأمن العام بعد الحصول على تفويض بصلاحيات محدودة من مجلس الحرب الإسرائيلي لبحث تفاصيل القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات.
المصدر: موقع المنار