تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الجمعة 22-12-2023 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
الاخبار:
مفاوضات القاهرة: تسوية أم مخرج للعدو؟
المقاومة أكثر تمسّكاً بمطالبها: إنهاء العدوان… ثم التبادل
لا يبدو طريق التفاوض بين العدو الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، سهلاً أو سالكاً حتى الآن، إذ ترفع المقاومة من شروطها، وتحدّد عنواناً أوّلَ لأي صفقة: وقف الحرب، بينما يقدّم العدو العرض تلو الآخر، مع تعديلات بسيطة، يحاول فيها إغراء المقاومة، ودفعها إلى التفاوض. كذلك، يعاون الأميركيون حلفاءهم في تل أبيب، فيدفعون «الوسطاء»، في الدوحة والقاهرة، إلى تولّي النقاش مع قيادات المقاومة، لإقناعهم بالقبول بالخوض في التفاصيل، على الأقلّ، إن لم يكن القبول بالعروض الإسرائيلية المطروحة حالياً. وفي هذا السياق، يتردّد أن هناك موفداً إسرائيلياً وصل إلى قطر خلال الساعات الماضية، كما أن المصريّين يسألون عن المقترح الفلسطيني القابل للتطبيق في قطاع غزة. في المقابل، وبحسب مصادر «الأخبار»، فإن «القيادة السياسية لحماس، أبلغت القطريّين أننا غير مفوّضين بالبحث إلا في وقف إطلاق النار»، في ظل اعتقاد بأن إسرائيل كانت تميل الى أن الجناح العسكري للحركة، «قد أُنهك»، وأن إشارات وصلتها بأن الحركة باتت على استعداد لتسوية ما.ومع سير التفاوض، يبذل العدو جهوداً حثيثة للإيحاء بأنه يحقّق «إنجازات» كبرى في عمليته العسكرية، ويدعو سكّان المستوطنات البعيدة عن غزة 4 كم للعودة إلى بيوتهم. لكنّ الصورة التي يحاول الاحتلال رسمها، تخرقها الاشتباكات المستمرّة بين قواته والمقاومين، في كل منطقة أعلن إتمام سيطرته عليها، من بيت حانون في أقصى الشمال الشرقي، إلى جباليا ومخيمها والأحياء الغربية من مدينة غزة، وحيّ الشجاعية شرقي المدينة، والذي أعلن السيطرة عليه أمس. ورغم أن العدو شرع في تنفيذ حملة تدمير كامل لكل المنشآت المبنيّة والبنى التحتية المدنية، على طول حدود القطاع، على مسافة 2 كم تقريباً داخله، في ما يبدو منطقة «عازلة» يعمل على إنشائها تحت ستار الحرب، إلا أن ذلك لم يبدُ كافياً للمستوطنين للعودة إلى مستوطناتهم، حتى تلك البعيدة 4 كم وما فوق.
ودفع ذلك سلطات العدو إلى الإعلان عن «جائزة مالية»، لكل من يعود إلى منزله في مستوطنات الغلاف ضمن المسافة المذكورة. وفي هذا السياق، قالت «القناة 12» العبرية، إن «إسرائيل تعتزم إقامة خطوط دفاعية قرب مستوطنات غلاف غزة لمنع تكرار اقتحام المستوطنات». كما أُعلن، أمس، سحب «لواء غولاني» من القطاع، بعد 60 يوماً من القتال تكبّد فيها خسائر كبيرة، بهدف «إعادة تنظيم صفوفه»، بحسب التقارير الإعلامية، علماً أن هذا اللواء، هو من تولّى القتال في حي الشجاعية بشكل خاص. كذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي «إصابة 40 جندياً وضابطاً إسرائيلياً في معارك القطاع خلال الـ24 ساعة الأخيرة».
في المقابل، ردّت المقاومة على مزاعم العدو تحقيق شيء من «الأمن» لغلاف غزة، وإنجازات جدّية في الميدان، عبر قصف منطقة الوسط في الكيان، برشقة صاروخية كبيرة، وصلت إلى أكثر من 30 صاروخاً. ودوّت صفارات الإنذار في تل أبيب ورعنانا وهرتسليا وحولون وريشون ليتسون وعسقلان وكفار سابا وبلماحيم. وعلّقت «القناة 12» العبرية على هذه الدفعة الصاروخية «بأننا لم نرَ مثلها في الأيام الأولى من الحرب»، فيما أظهرت مقاطع فيديو سقوط صاروخ على مبنى بشكل مباشر، في منطقة تل أبيب.
تحاول القاهرة أخذ نقاش «حماس» مع الفصائل الفلسطينية، إلى نقاش مع السلطة في رام الله
على الأرض، تحافظ المقاومة على حالة اشتباك مستمرّة لا تنقطع مع قوات العدو في كلّ محاور القتال، وخصوصاً في الشمال، حيث دارت أمس اشتباكات وخصوصاً في مناطق اليرموك وشارع الجلاء والشيخ رضوان والرمال. أما في جباليا ومخيمها، فاستمرّت الاشتباكات أيضاً، بالرشاشات الثقيلة في الأطراف الشرقية لحي الشجاعية، في وقت يستميت فيه العدو للسيطرة على المنطقة، ويدفع في سبيل ذلك بمزيد من القوّات، وسط موجات قصف جوي ومدفعي عنيفة ومستمرّة. أيضاً، وفي عملية مشتركة بين «سرايا القدس؛ و«كتائب القسام»، تمكّن المقاومون من تفجير عبوة أرضية ناسفة بدبابة ميركافا في منطقة المغراقة وسط قطاع غزة.
وفي خضمّ ذلك، أكّد الناطق العسكري باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، أن «مجاهدينا على الأرض يستمرون في تدمير الآليات وإيقاع الجنود في معارك مع الاحتلال تتصاعد وتتزايد خسائره فيها»، مشيراً إلى استهداف «740 آلية متنوّعة للاحتلال منذ بداية العدوان». كما أعلن أن «القسام» نفّذت «خلال الأسبوع الأخير أكثر من 15 عملية قنص و12 اشتباكاً مباشراً»، مشيراً إلى أن «ما يسعى له الاحتلال هو البحث عن صورة من الإنجاز، فتراه يحتفل بالعثور على راجمة خارجة عن الخدمة، أو نفق قديم». وفي ما يتعلّق بالأسرى، قال أبو عبيدة إن «محاولات الاحتلال استعادة أسراه، أثبتت أنّ هذا المسار لا يوجد له إلا طريقان، وإن أراد الاحتلال أسراه فعليه القبول بشروط المقاومة». ووجّه «التحية إلى شعبنا في الضفة والقدس»، وحيّا «مقاتلي أمّتنا الذين يربكون العدو وخصوصاً في جبهتَي اليمن ولبنان». كما عرضت «كتائب القسّام»، مقطع فيديو، تحت عنوان «رغم حرصنا على الحفاظ على حياتهم، لا يزال نتنياهو يصرُّ على قتلهم»، ظهر فيه الأسرى الإسرائيليون الثلاثة: رون شيرمان وإيليا توليدانو ونيك بيزر، وهم أحياء، قبل أن يُكتب في الفيديو أنهم قُتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي.
وفي القاهرة، واصل وفد حركة «حماس» لقاءاته مع المسؤولين المصريين في اجتماعات مطوّلة وموسّعة تناولت موضوعات عدّة، وسط ترقّب لزيارة وفد حركة «الجهاد الإسلامي» مطلع الأسبوع المقبل، في حين جاء البيان الصادر عن «الفصائل الوطنية الفلسطينية»، والذي أعلن «رفض التفاوض على هدنة إنسانية مرة أخرى»، معبّراً عن مضمون ما دار في هذه اللقاءات. وبحسب مصادر «الأخبار»، فإن «المصريين سألوا الفلسطينيين عن المقترح القابل للتطبيق»، فكان الجواب هو أن «لا يتمّ إعلان وقف إطلاق النار، بل تعليق العمليات العسكرية»، على أن «يجري خلال ذلك إطلاق دفعة من الأسرى»، في موازاة «إطلاق النقاش حول الصفقة الشاملة التي تشتمل على إنهاء الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة»، وكذلك الاتفاق على الترتيبات التي تتعلّق بـ«آلية إدارة الوضع أمنياً في غزة، ومن يدير عملية إعادة الناس إلى بيوتهم»، إضافة إلى «صفقة التبادل الشاملة للأسرى»، علماً أن أعداد الأسرى الفلسطينيين حالياً باتت كالتالي: 5350 أسيراً قبل الحرب، و4650 أسيراً من الضفة الغربية، و1750 من غزة، منذ 7 أكتوبر.
وعلى صعيد متصل، علمت «الأخبار» أن القاهرة طالبت قيادة «حماس»، بـ«ضرورة التوافق والتنسيق مع باقي الفصائل الفلسطينية بشأن المطالب، والتأكيد على أن ما سيجري الاتفاق عليه لتحقيق وقف كامل لإطلاق النار، سيكون مُلزماً للجميع خلال الأسابيع المقبلة، وذلك بهدف تجنّب أي استفزازات إسرائيلية تعيد الحرب مجدداً». كما أشارت المصادر إلى أن «القاهرة تحاول أخذ النقاش مع الفصائل الفلسطينية، إلى نقاش مع السلطة في رام الله، للوصول إلى خارطة طريق للمرحلة المقبلة في قطاع غزة والضفة الغربية، ودور الفصائل فيها إلى جانب السلطة، خصوصاً مع توقّع خروج شخصيات قيادية بارزة من فتح، مثل مروان البرغوثي، من السجن في أي صفقة مقبلة».
ضابط ميداني في المقاومة يروي يوميّات الجبهة الجنوبية: لا قدرة للعدوّ على شن حرب… ونتفوّق عليه استخبارياً
على رأس طاولة كبيرة، في قاعة واسعة في أحد المراكز التابعة للمقاومة الإسلامية، في إحدى مناطق جنوب لبنان، جلس الرجل الخمسيني، بثياب مدنية، منتظراً أن يفرغ الشاب الثلاثيني من تجهيز الـ«لابتوب» لبدء عرض الـ«باوربوينت». هدوء الخمسيني لا يوحي بأنه ضابط ميداني كبير، وواحد من مجموعة ضيقة مسؤولة عن قيادة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان، وأنه يتولى إدارة قسم كبير من الجبهة التي تشغل وتشاغل قسماً كبيراً من جيش العدو على الحدود مع لبنان، وأنه «مهجِّر» عشرات آلاف المستوطنين من سكان المستعمرات في شمال فلسطين المحتلة. فيما السترة الجلدية الـ«سبور» النبيذية والسروال الجينز اللذان يرتديهما الثلاثيني يوحيان بأنه مجرد «تقني» سيجهز الـ«لابتوب» وشاشة العرض ثم يغادر. يبدأ العرض بإعطاء الكلام لمن ظننته «تقنياً»، فيبدأ في «تشريح» الجيش الإسرائيلي من أعلى الهرم إلى أصغر فصيل: أسماء الفرق والألوية والسرايا والكتائب والفصائل، مقارّ القيادة، وضعية انتشار العدو وخطوطه، تقسيمات الجبهة، العديد والآليات… حتى تكاد تخاله مقيماً على الجانب الآخر من الحدود!«المبادرة لا تزال بدرجة أعلى بيد المقاومة»، بعد 77 يوماً على اشتعال الجبهة مع العدو، يؤكد الضابط الميداني، ويضيف: «حتى الآن لم تستخدم المقاومة سوى جزء يكاد لا يذكر ممّا في حوزتها. وحتى الأسلحة التي جرّبناها بشكل ضيق جداً لم نستخدم كل الأصناف التي نملكها منها. نحن في مرحلة تفوّق ولا نزال في موقع المبادر، ولسنا مضطرّين في الوضعية الحالية إلى كشف كل أوراقنا».
وللضابط تفسيره للسؤال الذي يردّده كثيرون حول «وجود عدد كبير من الشهداء في صفوف المقاومة»، إذ يشير إلى «أننا وجيش العدو في حركية دائمة، وكل طرف يغيّر تكتيكاته بناءً على مجريات الميدان. في المرحلة الأولى، سقط عدد من الشهداء مع اعتماد العدو تكتيكات سرعان ما وجدنا علاجات لها، ما أدى إلى تراجع العدد. وعندما يرتفع مجدداً فهذا يعني أنه وجد من جهته علاجات لتكتيكاتنا، ما يجعلنا نلجأ إلى تغييرها، وهكذا». أضف إلى ذلك أن وضعية «الحرب غير الكاملة التي نحن فيها الآن لا تفرض علينا الاختفاء تماماً. رغم ذلك، بعيداً عن بعض الأخطاء البشرية، وجدنا علاجات أدت إلى تقليص عدد الشهداء».
تهديدات العدو بشنّ حرب على لبنان في حال لم يسحب حزب الله قواته من جنوب الليطاني، يضعها الضابط الميداني في سياق «الحرب النفسية ومحاولة استيعاب غضب سكان المستعمرات الشمالية. بالطبع نحن جاهزون لذلك، ولكن، في العلم العسكري وبالمنطق، هناك استحالة بأن يكون العدو قادراً على فتح جبهتين معاً. صحيح أن عنصر المباغتة فُقد، إلا أن هذا ينطبق علينا وعلى العدو. ونحن أيضاً نستخلص الدروس مما يجري في غزة. وإذا كان الرهان على قوة التمهيد الناري لدى العدو وقدرته التدميرية، فإنه في المقابل يدرك حجم القدرة التدميرية لسلاح المقاومة. لذلك فإن أوضاع الجبهة تُزان بميزان الذهب في جبهة متحركة وفي ظل قواعد اشتباك متحركة أيضاً».
استعادت المقاومة نسبة 95% من وضعيّتها المعلوماتية والاستخبارية كما كانت قبل الحرب
إضافة إلى ذلك، يقول الضابط الميداني إن المعطيات حول طبيعة تشكيلات جيش الاحتلال على الحدود، تشير الى حالة دفاعية لانتشار المشاة والمدرعات والاستخبارات ومرابض المدفعية، رغم قيامه بتقسيمات جديدة لمناطق العمل واستقدامه تعزيزات ووجود ما يزيد على ثلاث فرق عسكرية، أي نحو 50 ألف جندي، على الجانب الآخر من الحدود. ويلفت إلى أن جزءاً من هذا الانتشار يهدف إلى تعويض تداعيات ما سمّاه الذباب الإلكتروني المعادي بـ«حرب العواميد» (استهداف المقاومة لأنظمة الرادار والمراقبة على طول الحدود). إذ إن العدو أقام سابقاً خطاً دفاعياً «من بين الأقوى في العالم لجهة الاستعلام الاستخباري براً وجواً، إلى جانب جدار اسمنتي وسياج تقني مع نظام تحسس لاسلكي». هذا الخط أصيب بـ«عمى تام» منذ اندلاع المواجهة، ما دفع العدو، بعدما كانت هذه التجهيزات توفّر عليه الاقتراب بشرياً من الحدود، الى محاولة الاستعاضة عنه بنشر ثلاثة خطوط دفاعية، الأول قرب مواقع الحافة الأمامية والمستعمرات الحدودية، والثاني حول المستعمرات على عمق كيلومترين، والثالث بعمق 7 كيلومترات. كما اضطر إلى اللجوء إلى تكتيكات جديدة كاعتماد غير مسبوق، والتنقل بسيارات مدنية، واستهداف مناطق الحافة بشكل متواصل ورمايات استباقية على المناطق التي يمكن أن تستخدم للرمي على قواته، والإطباق الاستخباري البشري على الحافة طوال الوقت، واللجوء إلى حملة إعلامية تهويلية بضرورة عدم استمرار الوضع على كان عليه سابقاً.
ويؤكد الضابط الميداني أن «حجم خسارة العدو على صعيد جمع المعلومات أكبر من حجم خسارة المقاومة التي تمكنت، خلال أسبوعين، من استعادة نسبة 95% من وضعيتها المعلوماتية والاستخبارية كما كانت قبل الحرب. كما أن الاستطلاع من جهتنا بالمسيّرات فوق أراضي العدو مستمر بشكل متواصل، وهناك مسيّرات كثيرة تذهب وتعود من دون أن يتمكن العدو من إسقاطها».
بالعودة إلى «حرب العواميد»، يلفت المصدر في المقاومة إلى أن ما نحن في صدده ليس كاميرات مراقبة من تلك التي تستخدم في المباني والمحالّ التجارية، بل «منظومة تجسس ومراقبة متكاملة وشبكة رادارات وهوائيات يكلّف كل منها مئات آلاف الدولارات. والأهم هو الفائدة الاستعلامية التي توفرها هذه المنظومات للعدو». والحديث هنا عن مراقبة لصيقة لكل منطقة الجنوب بعمق عشرة كيلومترات على الأقل، علماً أن مدى بعض هذه المنظومات يصل إلى 35 كيلومتراً بتغطية ذات جودة عالية، وبعضها الآخر عبارة عن «جهاز استخبارات متكامل»، قادر على جمع المعلومات ومقاطعتها وربطها والخروج بخلاصات وتحقيق اختراقات، وصولاً إلى تجنيد عملاء. ويلفت المصدر إلى أن لبعض هذه المواقع أهمية استراتيجية ترتبط بأعمال عسكرية واستخبارية على مستوى إقليمي، وصولاً إلى سوريا والعراق وربما أبعد من ذلك. ومن أبرزها موقع جل العلام، مثلاً، الذي يضمّ أجهزة هوائيات متطوّرة ومنظومة تشويش ضد المسيّرات ونظاماً بصرياً حرارياً يصل مدى رؤيته إلى عشرات الكيلومترات وراداراً جوّياً للأهداف البعيدة المدى.
هل تغيّر موقف باريس من حزب الله؟
حزب الله، في نظر إيمانويل ماكرون، جزء لا يتجزّأ مما أسماه «أممية الإرهاب». صدر هذا الموقف عن الرئيس الفرنسي في مقابلة أجرتها معه قناة «فرانس 5» ، الأربعاء الماضي، تناول فيها موضوعات متعدّدة، أبرزها المعركة المحتدمة في غزة والإقليم. العرض الذي قدّمه لطبيعة هذه المعركة ولهوية أفرقائها يستحقّ التوقف المعمّق، لأنه يؤكد الانقلاب الكامل في مقاربة باريس لقضايا المنطقة ولكيفية التعامل معها، والتي سبق أن ظهرت مؤشرات كثيرة عليها في السنوات الماضية، واتّضحت بجلاء مع ملحمة «طوفان الأقصى». ووفقاً لماكرون، فإن «قتال الإرهابيين لا يعني إسرائيل وحدها. لقد تعرّضت لانتقادات شديدة هنا عندما دعوت لتشكيل ائتلاف دولي لمحاربة حماس. إذا لم تكن حماس تنظيماً إرهابياً، اشرحوا لي ماهيّتها. هي تنظيم إرهابي. هل نريد مكافحتها؟ لماذا فعلت ذلك؟ لأنني لا أريد أن أسلّم بمنطق كان لفترة طويلة معتمداً من قبل الإسرائيليين، ومفاده أن هذا الأمر يعنيهم وحدهم. أنا أرى أن هناك رداً أمنياً على الإرهاب لا يتضمّن التدمير الكبير للبنى التحتية المدنية واستهداف المدنيين. نستطيع تبنّي مثل هذا التمييز إن اعتبرنا أن مشكلة إسرائيل الأمنية هي مشكلتنا أيضاً. أنا أتحمّل مسؤولية القول بأننا مستعدون للمشاركة في المجابهة مع حماس، ليس من خلال إرسال الجنود الفرنسيين للقتال في الأنفاق، بل عبر التعاون في مكافحة تمويل حماس. لقد ساهمت فرنسا مع آخرين في مبادرة «لا أموال للإرهاب» لوقف مثل هذا التمويل، والتعاون مع بلدان عدة بما فيها بلدان من الشرق الأوسط لهذه الغاية. يجب أن نعي أن حماس تعمل بتواطؤ مع مجموعات إرهابية أخرى. هذا ما يفسّر نشر فرنسا فرقاطات وسفناً حربية لضمان حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق هرمز. لقد أسقطنا مُسيّرات وصواريخ كانت تستهدف سفينة نرويجية منذ بضعة أيام. نحن نتحرك ضد مجموعات إرهابية تساند حماس، لأننا أمام نمط من أنماط الأممية الإرهابية التي تشكّلت في هذه المنطقة. الركيزة الأولى لمقاربتنا أمنية. نقول (للإسرائيليين) إننا مستعدون لمساعدتكم على مكافحة هذا التنظيم الإرهابي ولمنع مجموعات إرهابية أخرى من دعمه. فرنسا ملتزمة منذ عدة سنوات بالحؤول دون قيام حزب الله، وهو مجموعة إرهابية أخرى موجودة في لبنان، بالانضمام إلى حماس وتهديد إسرائيل وتوازنات المنطقة بمجملها».الاستشهاد الطويل بكلام ماكرون الفذّ يسمح باستخلاص استنتاجات بارزة حول سياسة بلاده الفعلية حيال الصراع بين محور المقاومة، وفي القلب منه مقاومة الشعب الفلسطيني الباسلة، والكيان الصهيوني.
الاستنتاج الأول يتعلق بتعريف هذا الصراع. هو يدور بين «إسرائيل» وائتلاف من «التنظيمات الإرهابية». اللافت هو خلوّ كلام الرئيس الفرنسي من أيّ إشارة إلى أسباب «موضوعية» لاندلاع هذا الصراع، كالاحتلال والاستيطان والضمّ وسياسة العدوان المستمر على بلدان المنطقة، كانت الدبلوماسية الفرنسية تتطرّق إليها عادة في ما مضى. نحن أمام قطيعة كاملة مع المواقف التقليدية لهذه الدبلوماسية، وتماهٍ تام مع المقاربة الإسرائيلية. أعداء الكيان هم «إرهابيون»، أي مجموعات تلجأ للعنف بدواعي التطرف الديني و/أو القومي، وكراهية «الآخر» والظلامية وغيرها من مفردات مضبطة الاتهام الصهيونية لجميع قوى المقاومة، بكل تلاوينها، في فلسطين ولبنان والمنطقة. محاولات ماكرون للنأي بنفسه عن جرائم الإبادة الصهيونية بحق المدنيين في غزة، أو للتمايز النسبي عن الموقف الإسرائيلي عبر الحديث عن ضرورة «إحياء حلّ الدولتين»، لا تغيّر في هذا الواقع شيئاً. هي مساعٍ بائسة للتمايز عن صيرورة غزة مسلخاً بشرياً بفعل حرب الإبادة، وما تثيره من موجة اعتراض عارمة على مستوى شعوب العالم، لا تقنع أي عاقل. الأهم في موقفه هو اعتبار مقاومة مشروع التطهير العرقي الصهيوني إرهاباً وتجريم من يقوم بها، لإفساح المجال أمام استكمال مثل هذا التطهير.
الاستنتاج الثاني بالنسبة إلى ماكرون هو واجب تدويل حقيقي للمواجهة في مقابل «أممية الإرهاب». يعتقد الرئيس الفرنسي أنه عبر تقديم مثل هذه الاقتراحات حول بناء تحالفات دولية ضد قوى المقاومة، وعقد المؤتمرات لترجمتها عملياً، كاجتماع باريس الذي عُقد في 13 من هذا الشهر في الخارجية الفرنسية، سيستطيع التعويض عن التهميش المتعاظم لبلاده على المسرح الدولي، وعودتها لاحتلال موقع إلى جانب «القوى النافذة» فيه. غير أن هذه الاقتراحات تشي أيضاً بأن سياسته الخارجية باتت، إلى درجة كبيرة، امتداداً لتلك الداخلية. ليس سراً أنه جعل من التصدي لما أطلق عليه مصطلح «الانفصالية الإسلامية» في فرنسا، أي التوجه لتصوير أبناء المهاجرين الذين يعانون أصنافاً من التمييز والاضطهاد العنصرييْن فيها، بمثابة الطابور الخامس، ركناً أساسياً في سياسته الداخلية. يندرج ذلك في سياق جهوده لاكتساب شرعية تعويضية عن سلسلة إخفاقاته خلال عهديْه الرئاسيين، ولاجتذاب جمهور اليمين المتطرف الصاعد بقوة. ويأتي قانون الهجرة الفرنسي الجديد، الذي أقرّه البرلمان الثلاثاء الماضي، دليلاً إضافياً على هذا الأمر. وقد أشار أدوي بلينيل، مؤسّس موقع «ميديابار»، في افتتاحيته الأخيرة إلى أنّ من سخرية الواقع أن الرئيس الذي انتُخب مرتين لمنع اليمين المتطرف من الوصول إلى السلطة يشرع في تطبيق قسم مركزي من برنامجه. ومن الممكن الإضافة أن ماكرون جعل من الإسلاموفوبيا مرجعاً لسياساته الداخلية والخارجية على حدّ سواء.
الاستنتاج الثالث على صلة بحقيقة التوجّهات الفرنسية تجاه حزب الله. كثيراً ما تشدّق المسؤولون الفرنسيون بمزاعم من نوع «ضرورة التمييز» بين «الجناح العسكري» للحزب، المُدرج ضمن اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية، وجناحه السياسي الذي «يمثّل شريحة واسعة من اللبنانيين، وقوة سياسية وازنة لا بدّ من التعامل معها». يظهر كلام ماكرون عن الحزب، بمجمله، باعتباره «مجموعة إرهابية»، هشاشة مثل هذا التمييز، واستعداداً لإعادة النظر فيه عندما تقتضي الظروف السياسية ذلك. وعندما يتم تبني المنظور الإسرائيلي للصراع في المنطقة، وتصبح الإسلاموفوبيا دليل عمل في السياستين الداخلية والخارجية، يضحي مثل هذا التمييز «فاقداً للصلاحية». الأصوات المعترضة على توجّهات ماكرون عليها أن تشرح لرأيها العام ما سيترتّب عليها بالنسبة إلى ما بقي من مصالح لهذا البلد في المنطقة ومن طموح لدور محكوم عليه بالفشل الذريع.
اللواء:
توضيب الملفات الخلافية إلى السنة الجديدة.. والرئاسة إلى الواجهة
سليم في السراي يأسف» لسوء التفاهم».. والمقاومة تردُّ بقصف الأحياء السكنية
مع اقتراب حرب اسرائيل على غزة من إنهاء شهرها الثالث والتي ارتبطت بها مباشرة المواجهات الجارية في الجنوب بين جيش الاحتلال الاسرائيلي وحزب الله، يمكن وصف يوم امس بأنه كان يوم الرد على استهداف المدنيين، في رسالة لجيش الاحتلال ان المقاومة لن تسكت عن استهداف المدنيين في القرى الجنوبية، فردّت باستهداف مبانٍ سكنية في المطلة والنبي يوشع ودوفيف وأفيفيم.
واستمر الناطق باسم جيش الاحتلال بالتهويل بالسعي لإبعاد حزب الله عن المنطقة الحدودية، لإعادة سكان المستعمرات الى مستعمراتهم.
في المقلب الآخر، من السياسة، بداية مصالحة بين الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم، الذي زار السراي الكبير، بعد اتصالات لإنهاء ذيول الإشكال الاخير، بحضور وزير الثقافة محمد بسام مرتضى، وبعد زيارة قام بها الرئيس ميقاتي الى متروبوليت بيروت للارثوذكس المطران الياس عودة.
ومن هناك، اعلن ميقاتي انه لن يقبل ان «يتعرض احد لصلاحيات رئيس الوزراء، ولن ادخل في اي سجال اعلامي مع أحد».
وخلال الاجتماع، أوضح وزير الدفاع موقفه، وأبدى أسفه لـ«سوء التفاهم الذي حصل سابقا»، مؤكدا احترامه «الاكيد والدائم لمقام رئاسة مجلس الوزراء وتقديره للرئيس ميقاتي وموقعه».
وتم البحث في الاوضاع العامة لا سيما الوضع جنوبا ووجوب التعاون ببن الجميع على تحصين الوضع الداخلي، وعلى انتظام عمل المؤسسة العسكرية وفقا للقوانين والانظمة والاعراف.
وعلى الاثر، صرح سليم: «كان اللقاء كالعادة مفعما بجو الأخوة والصراحة والمودة، والاحترام المتبادل القائم بيننا على الدوام.
لكن بالمقابل، بقي الوزير على موقفه من عدم المشاركة في جلسات مجلس الوزراء.
وكشفت مصادر سياسية النقاب عن جهود بذلت في الساعات الماضية لتطويق الخلاف بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم، تولى جانبا منها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وتبديد محاولات البعض باظهار الخلاف وكانه بين السنّة والارثوذكس، وتكللت بزيارة وزير الدفاع الى الرئيس ميقاتي بالامس، لتبريد الخلاف ووقف تفاعلاته سياسيا واسفرت عن توضيح مواقف سليم مما حصل مؤكدا حرصه على العلاقة التي تربطه برئيس الحكومة استنادا للدستور، وانه ليس في وارد الاساءة اليه او لموقع رئاسة الحكومة ، كما حاول البعض الترويج لذلك، في حين تم الاتفاق على لقاء ثان بين ميقاتي وسليم للبحث والنقاش في تعيين رئيس للاركان وبقية التعيينات العسكرية.
واشارت المصادر إلى ان رئيس الحكومة زار متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس الياس عودة، لقطع الطريق على كل الاقاويل التي حيكت حول الخلاف مع وزير الدفاع، ولتوضيح ما جرى.
وينتظر ان يزور ميقاتي صباح اليوم بكركي للقاء البطريرك الماروني بشارة الراعي لعرض الاوضاع وتبادل الاراء حول مختلف المواضيع،وتقديم التهاني بحلول عيدي الميلاد ورأس السنة.
وكان الوضع المالي، مع تغيير سعر صيرفة ورفعه الى 89500 ل.ل، ودفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، والوضع المالي عشية الجلسة المقبلة لزيادة بدل الانتاجية والحوافز، عقد اجتماع في السراي الكبير، حضره الوزراء سعادة الشامي ويوسف خليل، وحاكم مصرف لبنان بالوكالة وسيم منصوري ونائبه سليم شاهين والوزير السابق نقولا نحاس.
ملف الرئاسة
سياسياً، قفز ملف ملء الشغور الرئاسي الى الواجهة.. فكتلة الوفاء للمقاومة دعت الى انهاء الشغور «فالواجب الوطني يقضي بالاسراع في ملء الشغور وعدم التفريط ببقية مداميك الدولة».
وحسب زوار عين التينة، فإن الرئيس نبيه بري ومعه حزب الله، يعتبران ان الوقت حان ليكون ملف انهاء الشغور الرئاسي بنداً اول على طاولة الاهتمامات في السنة الجديدة..
وحذّر الرئيس بري من أن التأخر بالتوافق لانتخاب رئيس للجمهورية اذ لا طريق خارج هذا الخيار، تتفاقم الخسائر، وتتزايد التعقيدات، وانه لم يعد جائزاً ابقاء هذا الملف على الاطلاق في مربع «النكايات والشروط التعجيزية».
في السياق، اعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ان التوافق الذي حصل في مجلس النواب على التمديد لقائد الجيش وقادة الاجهزة الامنية يمكن ان تكون صالحة لمقاربة جديدة لانتخاب الرئاسة، معلناً بأنه اذا كان بري يريد الوصول الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية عن طريق التوافق فنحن على أتم الاستعداد، مشيراً الى ان الطريقة الوحيدة للوصول الى التوافق تكون بالمشاورات الجانبية.
وكان جعجع ابلغ الموقف نفسه لسفير الولايات المتحدة الاميركية المنتهية ولايتها دورثي شيا التي زارته في معراب في زيارة وداعية.
البنك الدولي
واعتبر البنك الدولي في تقرير عن «تأثير الصراع في الشرق الاوسط على الاقتصاد اللبناني» ان التدفق الكبير للتحويلات النقدية، شكلت شبكة امان اجتماعي بحكم الامر الواقع..
ومع ذلك تسارع معدل التضخم، على الرغم من النمو الهامشي شديد التقلب.
وقد شرع مصرف لبنان في إصلاحات محدودة ولكنها مشجعة، وسط استقرار نسبي في سعر الصرف. مع ذلك، لا يزال يتعين إدخال تغييرات جوهرية على الرقابة المصرفية وإدارة السياسات النقدية وسياسات سعر الصرف من جانب المصرف المركزي. ولا يزال استمرار غياب تسوية منصفة للقطاع المصرفي تشتمل على توزيع مسبق للخسائر، وعمليات الإنقاذ وإعادة الهيكلة، يقوض آفاق التعافي في لبنان.
أمن الأعياد
وعشية الاحتفالات بعيدي الميلاد ورأس السنة، ترأس وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال بسام مولوي اجتماعاً لمجلس الامن المركزي، بحث في الاجراءات اللازمة لتأمين الامن ليلة الميلاد ورأس السنة.
وكشف مولوي ان هناك 462 ضابطاً و6872 عنصراً و292 دورية لحفظ الامن، مشددا علي ان القوى الامنية ستكون بالمرصاد لمطلقي النار بطريقة عشوائية، وسيحال الفاعلون الى القضاء المختص.
الوضع الجنوبي
جنوباً، استفاق الجنوب على صباح ساخن، مع تجدد القصف مستهدفاً المنازل ومسقطاً الضحايا والدمار..
وكان القصف الاسرائيلي المعادي استهدف بلدة مارون الراس صباحًا وأدى الى استشهاد مواطنة وجرح زوجها. واستهدفت المدفعية الاسرائيلية المتمركزة داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة الاحياء السكنية في بلدة مارون الراس بالقصف المدفعي، واصيب منزل المواطن ماجد مهنا اصابة مباشرة، مما ادى الى استشهاد زوجته نهاد موسى مهنا واصابته بجروح وهما في العقد الثامن من العمر.
ورد حزب الله معلناً استهداف دوفيف وافيفيم بالاسلحة المناسبة واوقعنا اصابات مؤكدة ردا على اعتداءات العدو على القرى والمنازل المدنية واستشهاد المواطنة نهاد موسى مهنا وجرح زوجها».
كما استهدفت مسيرات انقضاضية لحزب الله تجمعات العدو في مواقع مزارع شبعا.
البناء:
الخسائر تنهك أهم ألوية النخبة في جيش الاحتلال: جولاني والمظليين خارج غزة
واشنطن تعترف بأن جهودها لضمّ السعودية الى حلف البحر الأحمر باءت بالفشل
جبهة الجنوب الى تصاعد وقضيّة مستوطني الشمال صداع يوازي قضية الأسرى
كتب المحرّر السياسيّ
اعترف جيش الاحتلال بحجم المأزق الذي يواجهه في الحرب مع المقاومة في غزة، مع الإعلان عن أن خسائر لواء جولاني ولواء المظليين لم تعد تسمح ببقائهما في ميادين القتال، فتمّ سحبهما بهدف إعادة التأهيل والترميم. وكانت الخسائر قبل أسبوعين قد بلغت في لواء جولاني 25% كما قال قائده السابق موشي كابلنسكي، وسحب أي وحدة عسكرية من ميدان القتال لإعادة الهيكلة والترميم يعني أنها خسرت 40% من عتادها وقوامها البشريّ. وما يصحّ في حال هذين اللواءين يصح حكماً في سائر وحدات النخبة التي تقاتل في غزة، لأن ضراوة المعارك على سائر جبهات القتال ليست أقل، مما كانت في الشجاعية حيث كان يقاتل لواء جولاني وجباليا حيث كان يقاتل لواء المظليين. ومع سحب هذين اللواءين وبلوغ نسبة خسائر القوات التي تقاتل في غزة، يكون حجم خسائر جيش الاحتلال وفق التقديرات الحسابية قد بلغ 20 ألف إصابة، من قوات صار حجمها منذ مطلع الشهر قرابة الخمسين ألفاً، بعد نقل عشرين ألفاً هي القوى النظامية التي كانت تنتشر في الضفة الغربية، ونقل عشرة آلاف من العشرين ألفاً الأخرى التي كانت تنتشر على الجبهة مع جنوب لبنان.
دخول جيش الاحتلال هذه المرحلة من التراجع العسكري سيفتح الطريق لمزيد من التراجع حيث سوف تنتشر مكان الألوية التي يتم سحبها تباعاً للترميم، وحدات من الاحتياط أقل كفاءة ومهارة، وأدنى روحاً قتالية. وخلال الأسابيع التي سوف يتم خلالها سحب المزيد من الوحدات تباعاً سيتحول جيش الاحتلال الى مكسر عصا لقوى المقاومة، بينما لن تستعيد الألوية المعاد هيكلتها حيويتها القتالية وقد خرجت مهزومة وتقلص عددها وخسرت كوادر قيادية يصعب تعويضها.
كما اعترف كيان الاحتلال بطريقة غير مباشرة بمأزقه، اعترفت واشنطن بأزمتها، فهي اضطرت إلى الإعلان عن تشكيل حلف بحريّ لمواجهة أنصار الله والحكومة اليمنية في صنعاء، نصرة لكيان الاحتلال، وهي تعتقد أنها سوف تتمكن من توفير غطاء عربي وإسلامي لهذا الحلف عدا عن الغطاء القانوني عبر ضم السعودية التي تجمع الى صفتها كدولة عربية إسلامية كبرى، أنها إحدى دول البحر الأحمر، ما يمنح الحلف الذي تشارك فيه شرعية قانونية في منازعة دولة أخرى على البحر الأحمر على ممارسة السيادة على مياهه. وقد اعترفت واشنطن أنها بذلت جهوداً متواصلة لإقناع السعودية بالانضمام لكنها فشلت. وقد كشف وزير الدفاع الاميركي انه تحدث مع وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان أملاً بضم السعودية الى الحلف لكنه فوجئ بالاعتذار عن المشاركة، لأن السعودية تفضل البقاء خارج الحلف، سواء لأن القضية على صلة بالحرب على غزة، أو لأن الطرف المعنيّ هو اليمن حيث ترغب السعودية بمواصلة جهود إنهاء الحرب.
على جبهة جنوب لبنان واصلت المقاومة عملياتها النوعية وكان الأهم هو استهداف المستعمرات الواقعة خلف الخط الأماميّ، والتسبب بخسائر بشرية ومادية اعترف بها جيش الاحتلال، بينما ربط حزب الله التصعيد باستشهاد امرأة داخل منزلها في الجنوب بقصف إسرائيلي، وتقول مصادر متابعة للجبهة إن التصعيد سوف ترتفع وتيرته، لأن المقاومة وجيش الاحتلال لا يستطيعان خوض المواجهة دون إيقاع خسائر بالطرف المقابل، وسقوط الخسائر سوف يرفع منسوب التوتر، ويستدرج المزيد من التصعيد، وهكذا يحدث التدحرج نحو المزيد والمزيد من التصعيد.
وحافظت الجبهة الجنوبيّة على وتيرة التصعيد بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي، بموازاة حركة اتصالات مكثفة على الخطوط الدولية لاحتواء انزلاق المواجهات الدائرة على الحدود اللبنانية الفلسطينية الى حرب شاملة. وقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء أمس، «أننا نعمل بشكل نشط حتى لا تمتد النار نحو حدود «إسرائيل» مع لبنان».
وصعدت المقاومة الإسلامية في عملياتها العسكرية ونفذت سلسلة عمليات نوعية، وأعلنت في بيانات متلاحقة قصفها مستعمرة «كريات شمونة» (بلدة الخالصة المحتلة) بصلية صواريخ كاتيوشا، مؤكدة أنها «لن تتهاون إطلاقاً مع المسّ بالمدنيين ولن تسمح باستباحة قرانا وبلداتنا».
كما أعلنت المقاومة عن إطلاقها صواريخ حارقة على أحراج برانيت، مؤكدة أنها لن تتهاون في الدفاع عن القرى والبلدات اللبنانية وستتعامل بالمثل مع أعماله العدوانية ضدها. كما استهدفت مستعمرتي دوفيف وأفيفيم (قرية صلحا اللبنانية المحتلة) بالأسلحة المناسبة وأوقعوا فيهما إصابات مؤكدة، ومراكز تجمّع لجنود الاحتلال في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية والمدفعية وحققوا فيها إصابات مباشرة.
كما أعلنت المقاومة استهدافها نقطة الجرداح بالأسلحة المناسبة، وثكنة راميم (قرية هونين اللبنانية المحتلة) وتجمعًا لجنود الاحتلال في محيطها، وكذلك مستعمرتي المطلّة ورموت نفتالي (قرية النبي يوشع اللبنانية المحتلة).
وأفاد مراسل «المنار»، بأن «القبة الحديدية الإسرائيلية أطلقت صاروخاً اعتراضياً انفجر في أجواء القطاع الأوسط. فيما زعم المتحدّث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، «أننا نعمل بإصرار من أجل إبعاد حزب الله عن الحدود». وفي سياق ذلك، أكد السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل، في حديث تلفزيوني أنه «بعد حرب غزة يجب قلب الطاولة على إيران وأذرعها في المنطقة وتطبيق القرار 1701»، لافتاً الى أن «قائد الجيش العماد جوزاف عون هو رجل المرحلة».
ويشير خبراء عسكريون لـ»البناء» الى أنه «وعلى الرغم من احتدام المواجهات على الحدود بين المقاومة وقوات الاحتلال الإسرائيلي وتوسيع رقعة القصف المتبادل واستخدام أسلحة جديدة، إلا أن معظم الضربات مدروسة ومحسوبة بحدود ألا تؤدي الى حرب شاملة، وبالتالي الجبهة مضبوطة ومحكومة بأمرين: توازن قوى وردع بين الاحتلال وحزب الله على الحدود، إذ أن الطرفين لا يريدان توسيع الحرب لأسباب مختلفة، لكن الفارق أن حزب الله لا يخشى الحرب وأعدّ لها ويملك إمكاناتها وقدرة القتال لمدة طويلة، بينما «إسرائيل» ولو أنها تتمناها لكن في الوقت الحالي تخشاها ولا تملك مقدراتها ولا قدرة الانتصار فيها، بل ستؤدي الى مزيد من الغرق والاستنزاف وتضع الكيان على حافة الزوال، والأمر الثاني وفق الخبراء هي الحسابات الدوليّة والإقليميّة، لا سيّما لدى الولايات المتحدة الأميركيّة التي لا تريد توسع الحرب على الحدود اللبنانية مع «إسرائيل» لتجنيب الكيان هزيمة جديدة، وتجنب الانزلاق الى حرب إقليمية تمس بالمصالح الأميركية في المنطقة في ظل تسخين جبهات اليمن وسورية والعراق». وتوقع الخبراء استمرار «الستاتيكو» القائم مع تصعيد إضافيّ متبادل حتى التوصل الى هدنة في غزة.
وفي سياق ذلك، أكدت كتلة الوفاء للمقاومة بعد اجتماعها برئاسة رئيس الكتلة النائب محمد رعد في حارة حريك أن «المقاومة الإسلاميّة تواصل استنزاف العدو الصهيونيّ على أكثر من محورٍ وصعيد، دعمًا لغزّة ومقاومتها وانتصارًا لقضيّة فلسطين وشعبها وحمايةً للبنان من مخاطر أيّ حماقة قد يندفع إليها الصهاينة الموتورون بهدف التعويض عن صورتهم المقزّزة للبشريّة، بصورةٍ مغايرة، يحاولون تظَّهيرها إمَّا عبر إنجازٍ ميدانيٍ موهوم أو تقدّمٍ سياسيّ مزعوم».
في المقابل، واصل العدو الإسرائيلي اعتداءاته على الجنوب، واستهدفت مدفعية الاحتلال المتمركزة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة الأحياء السكنية في بلدة مارون الراس بالقصف المدفعي، وأصيب منزل المواطن ماجد مهنا اصابة مباشرة، مما ادى الى استشهاد زوجته نهاد موسى مهنا وإصابته بجروح وهما في العقد الثامن من العمر. وعملت فرق من كشافة الرسالة الاسلامية على نقل الجثمان والجريح الى مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل، حيث أخضع مهنا للإسعافات الأولية.
وأغارت الطائرات الحربيّة بثلاثة صواريخ «جو -أرض» على منزل خالٍ في بلدة كفركلا في جنوب لبنان. كما استهدف القصف المدفعي الإسرائيلي أطراف بلدتي مارون الراس وعيترون وأطراف بلدات يارون وعيتا الشعب. وأطلق صباحاً القنابل الحارقة على أحراج جبل اللبونة والعلام وعلما الشعب.
وأصيب عدد من أفراد عائلة مواطن جراء استهداف منزله بصاروخ موجّه من مسيّرة إسرائيلية، في منطقة «خلة فضة» الواقعة بين بنت جبيل وعيترون. وعملت فرق الإسعاف في «كشافة الرسالة الإسلامية» و»الهيئة الصحية الإسلامية» على نقل المصابين الى مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل، حيث أجريت لهم الإسعافات اللازمة. وتسببت الغارة بأضرار مادية جسيمة في المنزل.
وزعمت القناة 13 الإسرائيلية، أنّ «الدفاعات الجوية اعترضت مسيّرة في الجليل الأعلى تسللت من الأراضي اللبنانية».
على صعيد آخر، استمرّت الاتصالات والمساعي السياسيّة لاحتواء السجال والتوتر بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع الوطني موريس سليم حول ملف التعيينات في رئاسة الأركان. وقد نجح وزير الثقافة القاضي محمد وسام مرتضى، من إصلاح ذات البين بين ميقاتي وسليم، بزيارة اصطحب خلالها سليم الى السراي الحكومي حيث اجتمعا مع ميقاتي، وزال ما اعتبره سليم سوء تفاهم مؤكداً احترامه وتقديره لميقاتي ومقام رئاسة الحكومة.
وتمّ البحث خلال الاجتماع في الأوضاع العامة لا سيما الوضع جنوباً ووجوب التعاون ببن الجميع على تحصين الوضع الداخلي وعلى انتظام عمل المؤسسة العسكرية وفقاً للقوانين والأنظمة والأعراف.
وقال وزير الدفاع بعد اللقاء: «تناقشنا انا ودولة الرئيس في بعض التفاصيل واتفقنا على أن هذا المسار سيستمر لمعالجة كل ما من شأنه أن يحصّن المؤسسة العسكرية، وأن يصبّ في خدمة الوطن وسلامته، وأن يقوم الجيش بلعب دوره، كما هو على الدوام».
ولفت رداً على سؤال حول التعيينات في رئاسة الأركان والمجلس العسكري، إلى أن «هذا الموضوع لا يزال قيد التداول والنقاش وكل الحلول لن تكون إلا وفقاً للدستور وقانون الدفاع الوطني بطبيعة الحال».
إلى ذلك، رحلت الملفات والاستحقاقات الى العام المقبل، وعلى رأسها الملف الرئاسي وسط معلومات تشير الى أنه سيعاد تحريك الملف مطلع العام الجديد بتفعيل الدور الفرنسي وزيارة مرتقبة للمبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان ومسؤولين قطريين، للاستفادة من التسوية السياسية التي حصلت للتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون وتوجت بانعقاد المجلس النيابي وإقرار القانون. وعلمت «البناء» أن أطراف المعارضة ستفعل حراكها على خط رئاسة الجمهورية على الصعيد السياسي الداخلي وعلى الصعيد الخارجي، للدفع والضغط على كافة الأطراف للنزول الى المجلس النيابيّ وانتخاب رئيس للجمهوريّة، كما ستقوم بحملة سياسيّة إعلاميّة للضغط على رئيس مجلس النواب نبيه بري للدعوة الى جلسات متتالية للمجلس لانتخاب رئيس على غرار دعوته الى جلسة لإقرار قانون التمديد.
إلا أن مصادر سياسية أشارت لـ»البناء» إلى أن «حسابات وظروف ملف قيادة الجيش تختلف عن حسابات رئاسة الجمهورية، لا سيما أن نصاب جلسة التمديد 65 نائباً والتصويت 33 نائباً، أما في انتخاب الرئيس فالقاعدة الدستورية مختلفة، النصاب والانتخاب هو 86 نائباً في الدورة الأولى والنصاب 86 والانتخاب 65 في الدورة الثانية، ما يستحيل أن يتمكن أحد الأطراف من فرض مرشحه، وبالتالي المخرج الوحيد لانتخاب الرئيس هو الحوار ونسج تحالفات بين القوى الرئيسية الثلاث التي تشكل المجلس وهي الثنائي الشيعي، التيار الوطني الحر، والمعارضة، وبالتالي التوافق على اسم أو 3 أسماء والنزول الى المجلس وتأمين النصاب والاحتكام الى اللعبة الديمقراطية».
وعلق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في بيان على كلام الرئيس بري في ملف الرئاسة أمس الأول، بالقول: «إذا كان الرئيس نبيه بري يريد الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية عن طريق التوافق فنحن على أتمّ الاستعداد لذلك، ولكنّ التوافق يكون على غرار ما حصل في موضوع تمديد سن التقاعد لقائد الجيش، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، ولا يكون إلّا من خلال الاتّصالات الجانبيّة الهادئة، وليس عبر طاولة حوار استعراضيّة شهدنا الكثير منها في السنوات الـ15 الأخيرة والتي لم تؤتِ يومًا بثمرة واحدة».
لكن أجواء مطلعة على موقف عين التينة لفتت لـ»البناء» الى أن لطالما كان الرئيس بري سباقاً للدعوة الى الحوار في المفاصل الأساسية والدقيقة التي مر بها لبنان، وقد أثمرت بحل الكثير من العقد أمام حل الاستحقاقات الدستورية وغير الدستورية، لكن المدخل الوحيد لحل الاستحقاق الرئاسي، هو الحوار الوطني أو على الأقل بين مكوّنات المجلس النيابي لتكوين نصاب لعقد الجلسة وأكثرية للانتخاب، وإلا ما الفائدة من الدعوة الى جلسات من دون توافق مسبق سوى فرط الجلسة بسبب غياب النصاب كما حصل طيلة الجلسات الماضية؟». وأوضحت المصادر أن ما حصل من توافق سياسيّ مسبق قبل عقد جلسة لإقرار قوانين حياتية ومالية والتمديد لقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية أكبر دليل على أن الاستحقاقات لا تنجز إلا بحوار وتوافق يتوّج بجلسة للمجلس النيابي، بمعزل عن شكل الحوار أكان جانبياً أو وطنياً، لكن في استحقاق الرئاسة لا يمكن إلا أن يكون وطنياً أو نيابياً ضمن طاولة حوار لجوجلة المواصفات والأسماء والاتفاق على اسم أو أكثر والنزول الى المجلس للاختيار من بينها.
ولفت مصدر سياسيّ لـ»البناء» الى أن «الملف الرئاسي لن يفتح بشكل جدّي، قبل انجلاء مشهد الحرب في غزة، وتهدئة الجبهة الجنوبية، للوقوف على حقيقة موازين القوى التي ستُفرزها هذه الحرب وتداعياتها على المنطقة والاستحقاقات المقبلة، وبالتالي لا رئيس في لبنان في المدى المنظور إلا إذا حصلت مفاجآت غير متوقعة».
وفي سياق ذلك، رأت كتلة الوفاء للمقاومة «أن معالجة أوضاع البلاد ورعاية مصالح المواطنين تتطلبان جهوداً حكوميّة ونيابية جادة ومخلصة ومنتظمة، وإذا كان الشغور الرئاسيّ يشكل ثغرة أساسية كبرى في الانتظام العام وبنية الدولة، فإن الواجب الوطني يقضي بالإسراع في ملء هذا الشغور من جهة وبعدم التفريط ببقية مداميك الدولة، وأن انعقاد جلسة التشريع النيابية مؤخراً هو دليل إضافي على أهمية التفاهم لإنجاز انتخابات الرئيس وتسيير أعمال البلاد والتعاون الدائم للعمل بموجب الدستور وعدم تعطيل مواده تحت أي ذريعة».
الى ذلك، نفى المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، في بيان، «الأخبار الصحافية المتداولة عن رسالة مزعومة قيل إن الرئيس عون وجّهها إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ما يتعلق بالتمديد لقائد الجيش، ويضعها في سياق الشائعات المفبركة التي لا أساس لها من الصحة».
المصدر: صحف