تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الثلاثاء 5-12-2023 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
الاخبار:
باريس تقدّم خدماتها لضمان أمن إسرائيل: مدير المخابرات الفرنسية في بيروت
بفارق أيامٍ قليلة، غادر مسؤول فرنسي بيروت ليصل مسؤول آخر، وكأنّ لدى باريس مهمة مُلحّة في لبنان. عندما وصل جان إيف لودريان الأسبوع الماضي، لم يربط أحد الزيارة بالملف الرئاسي، لعدم وجود مؤشّرات إلى حلول سريعة. كانت القناعة المشتركة بين الجميع أن ما يحمله الموفد الفرنسي مرتبط بالحرب على غزة والتطورات على الجبهة الجنوبية إلى جانب تكرار رسائل النصح. وقد تبيّن أن لودريان جاء ممثّلاً لـ«الخماسية + 1» (أميركا وفرنسا ومصر وقطر والسعودية ومعها إسرائيل)، حاملاً مطالب بتنفيذ القرار 1701 وإنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان (بين خط الليطاني والخط الأزرق) لتطمين سكان المستوطنات الشمالية في فلسطين المحتلة ممن يخشون العودة إلى مستوطناتهم بسبب وجود حزب الله على الحدود.
بين إدراك العدو الصهيوني لكلفة الحرب على حياة جنوده وأمن مدنه ومستوطناته، وتعطّشه إلى نصر حقيقي وملموس، يواصل إرسال تهديداته عبر القنوات الدبلوماسية للضغط من أجل خلق واقع ميداني جديد يفرض على المقاومة ما لم يتحقق بعد عدوان تموز 2006. ويبدو أن باريس هي من تتصدّر نقل رسائل التهديد. فقد كشفت مصادر بارزة أن مدير المخابرات الفرنسية برنار إيمييه ومعه خمسة مسؤولين موجودون في بيروت في زيارة سرية، وسيغادرونها اليوم من دون أن يُعرف لماذا أتوا وهل التقوا جهازاً أمنياً أو دبلوماسياً أو جهات سياسية، مع ترجيح أن مهمة إيمييه هي استكمال لجولة لودريان.
ورغم التكتّم على الزيارة، قدّرت المصادر أن الرجل جاء حاملاً الرسالة نفسها، خصوصاً أن وسائل إعلام إسرائيلية كشفت قبلَ أيام أن «تل أبيب سخّرت باريس للعمل ضد حزب الله». وأعادت المصادر التذكير بكلام لودريان في بيروت وتأكيده أمام من التقاهم أن «على السلطات اللبنانية تطبيق القرار 1701»، مهدّداً بـ «تطبيقه بالقوة من خلال تعديله في مجلس الأمن أو اللجوء إلى الفصل السابع لفرضه وإنشاء المنطقة العازلة بعمق 30 كيلومتراً». وكشفت المصادر أن الفرنسيين تحدّثوا بالتفاصيل، لكنهم «لم يعرضوا خطة واضحة تتعلّق بنوع أو حجم انتشار حزب الله جنوب الليطاني، إنما عرضوا بعض الأفكار»، معتبرة أن «فرنسا تتولّى الجهد الدبلوماسي في ما خصّ تطبيق القرار باعتبار أنها أحد الأطراف التي صاغته عام 2006». ومن ضمن الأفكار التي جرى التداول بها في الأوساط الدبلوماسية وتولّى بعض المبعوثين الأوروبيين نقلها إلى لبنان، الحديث عن «فصل» قوات «الرضوان»، أي قوات النخبة في حزب الله عن أي قوات أخرى تابعة للمقاومة، مع طرح سحب هذه القوات بعيداً عن الحدود الجنوبية، من دون الاعتراض على وجود قوات أخرى ذات طابع دفاعي في الجنوب. وبحسب مصادر اطّلعت على هذه المداولات فإن المبعوثين الغربيين سمعوا إجابات واضحة في بيروت بأن «كل الحزب رضوان».
سمعت باريس والغربيون بوضوح أن «كلّ الحزب قوات رضوان»
ووضعت المصادر زيارة إيمييه في إطار «تعاظم الضغوط على لبنان والمقاومة لإعادة ترتيب وضع المنطقة الحدودية التي يصعب أن تعود إلى ما كانت عليه قبل 7 تشرين الأول الماضي»، لافتة إلى أن «العدو الصهيوني يرمي بالونات اختبار عبر الفرنسيين، ليراقب رد فعل المقاومة عليها ومدى تجاوب السلطات اللبنانية مع هذا المطلب، وما إذا كانت هناك أرضية سياسية تسمح بالضغط على الحزب من خلال استخدام خصومه الداخليين الذين بدأوا فعلاً حملة مواكبة للهجمة الخارجية من خلال المطالبة أيضاً بتنفيذ القرار 1701، وفي مقدّمهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وجعل المنطقة الواقعة جنوب الليطاني خالية من السلاح والمسلحين، فضلاً عن نشاط تقوم به قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفل) يصبّ في الهدف ذاته». وباعتبار أن إيمييه كانَ أحد أعضاء خلية «الإليزيه» التي أُوكلت إليها مهمة حل الأزمة اللبنانية وكان الخلاف بين أعضائها أحد أسباب فشلها، توقّعت المصادر أن يتطرّق الرجل خلال اللقاءات التي سيعقدها إلى مناقشة الملفات السياسية، من بينها رئاسة الجمهورية والتمديد لقائد الجيش، تماماً كما فعل لودريان.
فرنسا والسعودية تسوّقان لبقاء قائد الجيش ضمن السياق الإقليمي: أفكار إسرائيلية لتعديل القرار 1701!
ابراهيم الأمين
غريب أمر أوروبا. الغرابة هي أن الأميركيين، رغم كل ما يقدّمونه للعدو، يبدون أكثر تفاعلاً مع الوقائع كما هي، حتى ولو كانوا يرغبون في تغييرها لمصلحتهم. أما الأوروبيون الذين يبدون دائماً متلبّسين بالإمساك بطرف ذيل ثوب واشنطن، سائرين خلفها أنّى ذهبت، فيحاولون اقتناص أي فرصة للعب أي دور ممكن. لذلك، يكثرون من الصراخ علّ أميركا تلتفت إليهم وتعطيهم أي نوع من الحلوى، ولو حتى لترتاح من إزعاجهم. في حالة لبنان، يمكن مراقبة الأداء الأوروبي في سلوك ثلاث دول مركزية: بريطانيا وألمانيا وفرنسا. لا يعني هذا أن بقية دول الاتحاد الأوروبي غير حاضرة، لكن فعاليتها تبقى أسيرة ما تقوم به الدول الثلاث. ومع أن البريطانيين يجيدون الابتعاد عن الصورة لقناعتهم بأن أحداً لا يثق بهم فيما يواصلون تنفيذ أجندتهم، تصرّفت ألمانيا، لعقود خلت، بحياد نسبي يقيها شر الخصوم. ورغم عملها الدؤوب وفق مبدأ التكفير عن جريمة جيشها بحق اليهود قبل ثمانين عاماً، فضّلت، لوقت طويل، عدم إقحام نفسها في مشكلة مباشرة مع الطرف العربي. لكن هذا كله تغيّر منذ بضع سنوات، وترجمت الفرق الأمنية والسياسية والدبلوماسية الألمانية ذلك في أنشطة تخريبية في لبنان، تستهدف، في العمق، خدمة إسرائيل وأهدافها في لبنان، وليس أقل ما فعلته تصنيف المقاومة كتنظيم إرهابي.
أما الطامة الكبرى فهي فرنسا. رئيسها المصاب بداء النرجسية، لم يستوعب، للحظة، أن العرب عموماً يعرفون حجمه ومحدودية فعالية بلده. لكنّ الرجل يحب اللعب مع الكبار. ورغم أن فرنسا لم تعد تملك أوراقاً كافية للجلوس على الطاولة، يقفز رئيسها المجنون من الصفوف الخلفية رافعاً يده، طالباً منحه فرصة لتولي المهمة، من دون أن يتعلّم الدرس بعد، ويقتنع بأن أميركا وإسرائيل وبقية أقطاب أوروبا لا يرغبون بأي دور جدّي لبلاده في كل المنطقة. وبدل أن تعتمد فرنسا، لمرة واحدة، إستراتيجية مختلفة، أقلّه لامتلاك بعض عناصر القوة، ترضى دائماً بدور ثانوي تقرره واشنطن، وغالباً ما يكون هدفه الفعلي مجرّد تقطيع الوقت!
الفرنسيون مصابون بعقدة التفوّق لدى حديثهم مع أبناء مستعمراتهم السابقة. وثباتهم على هذه النزعة مردّه إلى قبول البعض بالدونية الدائمة في التعامل معهم. ولو أن في لبنان من أقفل الباب في وجه هؤلاء، لكانوا ارتدعوا قليلاً. لكن، كيف يمكنك إقناع مسؤول فرنسي بوجهة نظر مختلفة، وهو يراجع في مفكّرته العدد الكبير من طلبات البلهاء والانتهازيين في لبنان للاجتماع به؟ وهؤلاء هم من يغذّون الأحلام الفرنسية البائدة ويشجعون باريس على مخاطبة اللبنانيين بلغة الوصاية والتأنيب (يمكن مراجعة خطاب السفيرة السابقة آن غريو في حفل عيد بلادها الوطني). فبعدما أرسلت فرنسا، قبل أشهر، رسائل إلى «نواب الأمة» اللبنانيين تطلب منهم إرسال أجوبة مكتوبة إلى مقر السفارة الفرنسية في بيروت حول شخصية الرئيس المقبل للجمهورية في لبنان، تجاوبت غالبية نيابية ساحقة مع الطلب، وأظهرت للفرنسيين، مرة جديدة، استعداد «السياديين» تحديداً للتسليم بالوصاية الفرنسية. والانبطاح نفسه يمارسه هؤلاء مع الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان. فالرجل الذي يركض خلف إدارات الشركات في السعودية ولا يلتقي شخصية أعلى من مستشار في الديوان الملكي، «يأخذ مجده» في لبنان، فيحطّ، فجأة، وفي ظل حرب مجنونة تشنّها إسرائيل على فلسطين ولبنان وسوريا، ويطلب من هؤلاء النواب تنفيذ أمر مستعجل بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون «كونه يمثل حاجة إستراتيجية لأمن أوروبا». وهو غادر بعد تلقّيه ضمانات بأن المجلس النيابي سيبحث في كيفية تنفيذ هذا «الأمر السامي».
لم يصدّ الفرنسيين سوى باسيل… ولودريان لم يكن مهتماً برئاسة الجمهورية
مصلحة أوروبا التي توجب الإبقاء على العماد جوزيف عون في منصبه، لا يمكن فهمها، في هذه اللحظة، بمعزل عما يجري في لبنان والمنطقة على وقع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ولا بمعزل عن دور الغرب، خصوصاً أوروبا التي تسير خلف واشنطن، ليس مراعاة لها فقط، بل لكون السياسة الأميركية تتطابق في هذه اللحظة مع السردية الأوروبية حيال فلسطين، سيما أن قيام كيان الاحتلال جاء على يد الغرب الأوروبي الذي ذبح اليهود ونكّل بهم وطردهم من مدنه.
عملياً، يتضح بشكل واضح من سياق مراسلات دبلوماسية قائمة على أكثر من جبهة، أن فرنسا التي تطوّع رئيسها إيمانويل ماكرون لإطلاق تحالف دولي ضد حماس شبيه بالتحالف الدولي ضد «داعش»، لم تغادر موقعها. وكل «الواقعية» التي ظهرت في مواقف الرئيس الفرنسي أو مسؤولين في حكومته عن ضرورة حماية المدنيين في غزة، لا تعدو كونها ترديداً للكلام السمج الذي يقوله المسؤولون الأميركيون بعد خروجهم من اجتماعات مع الإسرائيليين تتم خلالها المصادقة على عمليات الإبادة الجماعية في غزة.
وكما في كل مرة، يقول لنا الفرنسيون، بالفم الملآن، إن مصلحتهم في تبنّي السردية الإسرائيلية عن الصراع مع العرب. وكل وهم ساد لدى البعض عن تعرف باريس إلى أحوالنا بصورة مختلفة في العقد الأخير، بدّده الفرنسيون اليوم في سعيهم إلى السير في مشروع ضرب المقاومة، ليس في فلسطين فحسب، بل في كل المنطقة.
في هذا السياق، يمكن وضع المساعي التي تبذلها باريس في ما يتعلق بالوضع على الحدود مع لبنان، كما ينبغي فهم الموقف من التمديد لقائد الجيش في هذا السياق، من دون ربط الأمر حصراً بدعم ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية، ومن دون أي محاولة لاتهام العماد عون بأنه جزء من المشروع الأميركي – الفرنسي المعادي للمقاومة، وإن كان على قائد الجيش نفسه أن يتنبّه إلى محاولات استخدامه في هذا السياق.
وبحسب ما هو متداول في أكثر من محفل، خصوصاً في الأمم المتحدة، فإن الجانب الإسرائيلي، الذي عزّز بعثته في نيويورك بنحو عشرين دبلوماسياً ومستشاراً عسكرياً وأمنياً وإعلامياً، وضع على جدول أعماله هناك البند الخاص بلبنان، وعدم حصر المهمة بالسردية الخاصة بفلسطين، في سياق سعي العدو الدائم، بالتحالف مع الأميركيين والأوروبيين، إلى استصدار قرار من مجلس الأمن بإدانة المقاومة في فلسطين واعتبارها عملاً إرهابياً يعاقب عليه القانون الدولي، وهو المشروع الذي يمنع الروس والصينيون تمريره حتى الآن.
في ما يتعلق بلبنان، استفاق العدو، فجأة، على أهمية القرار 1701، ويقدّم فريقه في الأمم المتحدة تقارير يومية عما يسميه «خروقات واسعة» للقرار يقوم بها حزب الله في تنفيذه عمليات عسكرية ضد «أراضي إسرائيل»، انطلاقاً من مناطق تخضع للقرار الدولي، مع مطالبة ليس باحترام القرار عبر منع حزب الله من العمل العسكري، بل بإدخال تعديلات تتيح لقوات الطوارئ الدولية تطبيق القرار بالقوة. والسعي نفسه يتضمّن، في جانب منه، تعزيز وجود الجيش اللبناني على طول الحدود الجنوبية (استجابة لطلب سمير جعجع!) بإرسال فرقة إضافية من الجيش، مدعومة بعتاد يكفيها لإجبار حزب الله على سحب جميع عناصره وإخلاء كل المنشآت التي تقول إسرائيل إنها تعرف أماكنها على طول الحدود، وفي كل مناطق جنوب نهر الليطاني. ويفترض العدو أن في إمكانه تحقيق هذا الهدف من خلال حملة دبلوماسية كبيرة في مجلس الأمن.
في زيارته الأخيرة للبنان، لم يحاول المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين بحث الأمر بالطريقة الإسرائيلية، إذ إن الرجل بات يعرف وقائع لبنان، ويعرف أكثر وقائع جنوبه. لذلك، حاول إثارة ملف الحدود البرية وإغلاق ملف الترسيم، وفق معادلة يزعم أن العدو يقبل بها، وتتضمّن إخلاء كل النقاط المتنازع عليها لمصلحة لبنان، بما في ذلك الانسحاب من شمال الغجر ومواقع أساسية في مزارع شبعا المحتلة، شرط أن يتم تنفيذ الأمر على مرحلتين: إعلان لبنانية هذه الأراضي، والاتفاق على أن تتولى الأمم المتحدة الإشراف عليها عسكرياً وأمنياً وحياتياً إلى حين تبلور واقع سياسي آخر.
وقد سمع هوكشتين من مسؤولين رسميين في لبنان، ورسائل غير مباشرة من حزب الله، بأن هذا الملف ليس مطروحاً للنقاش الآن، وأن كل الأمور مجمّدة إلى ما بعد وقف العدوان على غزة، كما فهم بأن المقاومة أصبحت أكثر تشدداً حيال دور سلاحها في ضوء العدوان الإسرائيلي على غزة والتهديدات الإسرائيلية اليومية للبنان.
هوكشتين يناقش أفكاراً حول انسحاب إسرائيلي من مناطق محتلة وتركها تحت وصاية الأمم المتحدة
أما الجانب الفرنسي، فيتصرف على أساس أن في إمكانه إنجاز المهمة، وهو يعمل بالتنسيق مع الأميركيين، ومع دول عربية، لصياغة تصور سياسي للأزمة اللبنانية، ينطلق من ضرورة أن يكون الوضع في الجنوب آمناً بشكل كبير ومستدام، وأن هذا يتحقّق بخطوات عملانية على الأرض أساسها التطبيق الحرفي للقرار 1701، وانتخاب رئيس للجمهورية، والاتفاق على تشكيل حكومة تتولّى، تحت إشراف دولي، عملية إعادة بناء المؤسسات والاقتصاد. ويردّد الفرنسيون والأميركيون، أنه في حال سار اللبنانيون في هذا الحل، فإن الغرب وعواصم عربية، في مقدّمها الرياض، سيموّلون برنامج دعم كبيرٍ للاقتصاد اللبناني.
فور وصول لودريان إلى بيروت، بدا سريعاً أن الرجل ليس مهتماً بمعاودة البحث في ملف رئاسة الجمهورية، بل كرّر في أكثر من لقاء أن المعطيات تشير إلى صعوبة التوافق سريعاً على اسم الرئيس. لكنّ الرجل كان عملياً في تحديد هدف الزيارة، التي جاءت بالتنسيق الأكيد مع السعودية، وهو أنه في ظل تعذّر انتخاب رئيس جديد، وفي ظل الوضع الأمني القائم ربطاً بما يجري في المنطقة، فإن «أوروبا تنظر إلى أمنها القومي، وترى حاجة إلى الإبقاء على العماد عون في منصبه قائداً للجيش». ولم يكن لودريان يشك، للحظة واحدة، بأن في لبنان من سيطلب منه عدم التدخل في شؤون لبنان الداخلية. ورغم أنه سمع كلاماً صريحاً في هذا المجال من النائب جبران باسيل، إلا أنه ردّد، في لقاءات غير معلنة، أنه سمع نقاشاً ولمس تفاعلاً من آخرين، ولم يجد معارضة للفكرة.
مرة أخرى، ليست المشكلة في طريقة تفكير فرنسا وأوروبا الاستعمارية، بل في طريقة تعاملنا كلبنانيين مع من يخدمون العدو كل الوقت، ويريدون العودة بنا إلى أيام استعمارهم لبلادنا. وربما آن الأوان لإقفال الأبواب بقوة في وجوه ممثّلي هذه القارة القذرة… إلى الأبد!
إعلام إسرائيل: مفاوضات لسحب قوة الرضوان
التحرك الفرنسي الأخير لم يأت بعيداً من التنسيق مع العدو. وقد أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي إيدي كوهين، صراحة، أنه أجرى اتصالات مع باريس وعواصم أوروبية بشأن الحدود مع لبنان، وكشفت وسائل إعلام العدو عن جانب من هذه الاتصالات. فقد أشار تقرير للقناة 12 الإسرائيلية إلى «مفاوضات خلف الكواليس بين دول عدة بهدف إبعاد قوات حزب الله عن الحدود الإسرائيلية – اللبنانية»، وأوضح أن الدول المشاركة في هذه المفاوضات هي الولايات المتحدة وفرنسا ودول عربية (السعودية والإمارات)، سعياً لضمان أمن البلدات والمستوطنات الإسرائيلية على طول الحدود مع جنوب لبنان».
وبحسب إعلام العدو فإن «أبرز النقاط المتداولة هي دفع قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وإدخال قوة دولية إلى منطقتَي مزارع شبعا وشمال قرية الغجر، وقبول تعيين رئيس جديد للبنان». ولفت التقرير إلى «أن هذه الصيغة طُرحت سابقاً من قبل ممثلي دولة الإمارات العربية المتحدة، لكنها لم تتقدّم»، لينتهي إلى أن المحادثات «لا تعني أن إسرائيل موافقة على هذا الحل المطروح من قبل الدول المنخرطة فيها».
وكتب ناحوم برنياع في «يديعوت أحرونوت» أنه «نشأ في الجبهة الشمالية احتمال ما للاتفاق، بوساطة الأميركيين والفرنسيين. فالحكومة اللبنانية ستُرشى بمال دولي، وسيوافق حزب الله على ما يسميه وزراء في إسرائيل “قرار 1701 خفيف”، أي صيغة مقلّصة لقرار مجلس الأمن الذي أنهى حرب لبنان الثانية». ومن دون تحديد مصادره، قال الصحافي نفسه إن حزب الله «يوافق ظاهراً على سحب قوة الرضوان إلى ما وراء الليطاني، وعلى عدم إعادة بناء أبراج الرصد والاستحكامات التي دمّرها الجيش الإسرائيلي على الحدود، وأن وزير الدفاع يؤاف غالانت يطالب أيضاً باستئناف طلعات سلاح الجو في أجواء لبنان».
العدو يفتح معركتَي الشجاعية وخانيونس: غرق متسارع في وحول غزة
مع انقضاء نحو شهرين على اندلاع الحرب على قطاع غزة، يتابع جيش العدو الإسرائيلي عمليّته البرّية في القطاع، في شقّيه الشمالي والجنوبي على السواء، مع تركيز أكبر على العمليات جنوباً. ففي الجزء الشمالي، يضغط العدو كفكّي كمّاشة، من الاتجاه الشمالي من محور بيت لاهيا ومحور الشاطئ شمال غرب غزة؛ ومن الاتجاه الجنوبي من وادي غزة، من محاور جحر الديك والزيتون والشيخ عجلين. ويشنّ جيش الاحتلال محاولات للتقدّم في محورين أساسيّين، أولهما شرق مدينة غزة، في اتجاه حيّ الشجاعية، حيث يجري تقدّم الدبابات من اتجاهي الشمال الشرقي والجنوب الشرقي، في مناطق زراعية مفتوحة، إلى حدّ الوصول إلى أطراف الشجاعية، من دون أن ينجح العدو في تحقيق تقدّم حقيقي بعد. ويدرك الاحتلال أن معركة الشجاعية، ستكون معركة فارقة في الشمال، حيث إن في الحيّ أقوى الكتائب لدى «القسام»، والتي خاضت في حرب عام 2014 اشتباكات دامية صدّ فيها المقاومون تقدّم العدو.وبالنسبة إلى محور التقدم الثاني، فهو يمتدّ من الشمال الغربي في اتجاه الوسط نحو مدينة جباليا، ويجري التقدّم فيه على اتجاهين: من بيت لاهيا في اتجاه مخيم جباليا؛ ومن الصفطاوي والشيخ رضوان في اتجاه المخيم. وتركّزت معارك أمس، في حيَّي الشيخ رضوان والشجاعية، وفي أحياء الفلوجة والفاخورة، غربي مخيم جباليا. أما في الجزء الجنوبي من قطاع غزة، فدشّن جيش العدو محور تقدّم من مستوطنة «كيسوفيم» شرقي القطاع، مروراً بمنطقة القرارة داخل حدود القطاع، وصولاً إلى مفترق المطاحن (تقاطع شارع المطاحن مع شارع صلاح الدين)، حيث تمركزت الدبابات الإسرائيلية مساء أمس. ومن المتوقّع متابعة التقدم في اتجاه الشاطئ وصولاً إلى شارع الرشيد، لعزل دير البلح عن خانيونس، حيث ستكون الأخيرة الهدف الأساسي للهجوم، بينما يجري استهداف مدينة حمد السكنية، ومنطقتَي القرارة ودير البلح، بأحزمة نارية مكثّفة.
ومساء أمس، قال المتحدث العسكري باسم الجيش إن الأخير «يوسّع العملية البرية، ونستهدف حماس في كامل قطاع غزة»، مضيفاً: «نقاتل في مناطق مأهولة، وهذا يؤكّد التصميم على تحقيق الأهداف في كل الأماكن». وفي حين أشار المتحدث إلى أن «المعارك توقع إصابات، ومهمّتنا الانتصار في كل الأماكن ومنها جباليا والشجاعية (شمال القطاع)»، أشار في الوقت عينه، إلى أنه «لا معلومات أكيدة لدينا عن قتل قادة من حماس في خانيونس»، التي أصبحت هدف العمليات جنوبي القطاع.
من المتوقّع متابعة التقدم جنوباً في اتجاه الشاطئ وصولاً إلى شارع الرشيد
وفي السياق نفسه، قال وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن جيشه «لن يترك حيّ الشجاعية في غزة، إلا بعد تدمير كل أصول حركة «حماس» هناك»، مضيفاً خلال تقييم عملياتي على حدود القطاع، أمس، إن «جنود لواء غولاني عادوا إلى الشجاعية لإحكام الطوق هذه المرة، ولن يغادروا إلا بعد تدمير كل البنى التحتية التابعة لحماس هناك». وادّعى غالانت، بعد تلقّيه إيجازات عن المعارك الدائرة في جباليا والشجاعية، أن «العملية الجارية ستقود إلى انهيار مدينة غزة بالكامل والمنطقة الشمالية من القطاع»، مضيفاً أن «الجيش بدأ عمليات في جنوب القطاع، وسيكون مصير الإرهابيين هناك مشابهاً وأكثر قسوة مما كان عليه مصير أولئك الذين كانوا في الشمال». كما قال وزير الحرب، في مقابلة مع «شبكة ABC» الأميركية إنه يتوقع أن «تستمرّ الحرب في شدتها الحالية شهرين آخرين على الأقل»، متابعاً أن «أهداف إسرائيل منها هي قتل زعيم حماس في غزة ومهندس 7 أكتوبر يحيى السنوار، وكسر التسلسل القيادي لحماس، والتأكد من أن الحركة لم تعد تعمل كمنظمة عسكرية يمكنها شن هجمات ضد إسرائيل».
وفي المقابل، «تمكّن مجاهدو القسام خلال الـ24 ساعةً الأخيرة، من تدمير 28 آليةً عسكرية كلياً أو جزئياً في كلّ محاور القتال في قطاع غزة»، وفق الناطق العسكري باسم الكتائب، «أبو عبيدة». الذي أضاف أن المقاومين «استهدفوا القوات الصهيونية المتوغّلة في أماكن التمركز والتموضع بالقذائف المضادة للتحصينات والعبوات المضادة للأفراد، واشتبكوا معها من مسافة صفر، وأوقعوا فيها قتلى بشكل محقّق». كما دكّت «القسام» التحشّدات العسكرية بقذائف الهاون، و«وجّه مجاهدوها رشقات صاروخية مكثّفة نحو أهداف متنوعة وبمديات مختلفة إلى داخل الكيان». وخلال النهار أمس، أعلنت الكتائب عن عدد من العمليات، أبرزها «إغارة المقاومين من أحد الأنفاق القسّامية على قوة صهيونية متموضعة في عزبة بيت حانون بالقنابل والأسلحة الرشاشة، وإيقاعهم أفراد القوة بين قتيل وجريح». كذلك، استهدف مقاتلو «القسام» «قوة صهيونية خاصة راجلة بعبوة أفراد «رعدية»، وأجهزوا على من تبقّى من أفرادها بالأسلحة الرشاشة من مسافة صفر في منطقة الفالوجا شمال قطاع غزة».
بدورهم، خاض مقاومو «سرايا القدس»، «اشتباكات ضارية من مسافة صفر مع جنود العدو في محور التوغل في حيّ الشيخ رضوان، واستهدفوا عدداً من الآليات العسكرية بقذائف «التاندوم» وعبوات «العمل الفدائي»». كما نفّذوا «عملية مركّبة فجّروا خلالها آلية عسكرية بعبوة «ثاقب»، واستهدفوا آليتين أخريين بقذائف «التاندوم» في محور التقدّم شرق مدينة غزة». ومساء، اعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل اثنين من جنوده في الاشتباكات مع المقاومة أمس، في محاور القتال شمال قطاع غزة، فيما سُجّل إطلاق صواريخ من القطاع غزة على مستوطنات «الغلاف» ومدن الوسط ومنطقة تلّ أبيب الكبرى.
اللواء:
تضخم في الاشتباك الداخلي من التمديد لعون إلى «حماس – لاند»
رفض مسيحي للإعلان الفلسطيني من بيروت.. و«القوات» تلحُّ على موعد الجلسة النيابية
يُنهي العدوان الاسرائيلي على غزة اليوم شهره الثاني، وكذا الحال على جبهة الجنوب التي دخلت كجهة مساندة للفلسطينيين واهالي غزة وانتصاراً لنصرة الاقصى، وسط حراك بالغ الخطورة والقسوة، تختلط فيه المفاوضات، وصياغة التفاهمات، واستعادة الاسرى والمحتجزين وجثث الشهداء، واولئك الذين ماتوا بالقصف المعادي من الطرف الآخر..
وفي خضم الانخراط الواسع لحزب الله، في معركة اسناد غزة، اذ هاجمت «المقاومة الاسلامية» ما لا يقل عن 11 موقعاً للاحتلال على امتداد القطاعات الغربي والاوسط والشرقي، شكل اعلان حركة «حماس – لبنان» عن تأسيس واطلاق «طلائع طوفان الاقصى» داعية الشباب والرجال للانضمام الى طلائع المقاومة والمشاركة في صناعة المستقبل وتحرير القدس والمسجد الاقصى، اول محطة لانقسام لبناني حول الوضع المستجد.
ولم يتأخر رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عن رفضه لاعلان حماس في لبنان تأسيس طلائع طوفان الاقصى، مضيفاً: كما اننا نعتبر اي عمل مسلح انطلاقاً من لبنان هو اعتداء على السيادة الوطنية، مذكراً اتفاق الطائف لجهة سحب السلاح من الفلسطينيين في المخيمات وخارجها.
واشار باسيل: لبنان صاحب حق يقوى بمقاومته الوطنية لاسرائيل دفاعاً عن نفسه، ويضعف باقامة «حماس لاند» في الجنوب من جديد للهجوم على اسرائيل من اراضيه.
وقال رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل: «طلائع الاقصى» في فلسطين وليس في لبنان، ولا من لبنان، ولن نعود الى زمن ولّى.
وبدا، مع هذا الموقف، ان مادة تجاذب جديدة، طرأت على المشهد، وسيكون لها ارتدادات مقبلة، مما يزيد من تضخم الاشتباك الداخلي، سواء في ما خص التمديد من عدمه لقائد الجيش العماد جوزاف عون الى الجلسة النيابية، فضلاً عن الموازنة، وما يمكن ان يدرج على جدول اعمال الجلسة النيابية، عندما يدعو اليها الرئيس نبيه بري بدءاً من اول الاسبوع المقبل.
وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أن أي دعوة لجلسة تشريعية مناطة برئيس مجلس النواب، وأن موعد هذه الدعوة مرهون بجملة معطيات أبرزها المؤشرات التي تعطيها الكتل من أجل تأمين النصاب، ومن الواضح أن كتلا نيابية سبق وايدت التمديد لقائد الجيش وهي تشارك في الجلسة ومن المعلوم أن هذه الكتل تضغط في سياق السير بالتمدبد، اما الخشية من فقدان النصاب فقائمة خصوصا إذا توسعت دائرة الاعتراض النيابي، وهذا يتبلور قبل الجلسة لأن هناك مواقف غير واضحة بعد وهناك ممن قدم رؤية بشأن عدم التشريع لغرض واحد.
وأوضحت هذه المصادر أن قرار التمديد في حال صدر بغياب كتلة لبنان القوي فيسلك طريقه بشكل عادي، كما كانت عليه حال قرارات تمديد بغياب هذه الكتلة أو تلك، مشيرة إلى أن هناك ظروفا ما قد تساعد في التوجه الذي يعتمد.
وكانت قضية التمديد لقائد الجيش الحالي العماد عون بقيت في الواجهة.. فطلب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من الرئيس نبيه بري تحديد موعد لجلسة نيابية، يصار فيها الى تمديد العمل بقانون تقاعد العسكريين من رتبة عماد سنة واحدة، ليتاح لعون ان يبقى في منصبه كقائد للجيش اللبناني.
لكن رئيس التيار الوطني الحر غرَّد قائلاً، في معرض الردّ على جعجع: المهم ان احترام السيادة الوطنية واستقلالية القرار لدى القوات هو مجرد شعار ووجهة نظر..
وسط ذلك، اجتمع الرئيس نجيب ميقاتي في السراي الكبير، مع السفيرة الاميركية دورثي شيا، وبحث معها الوضع في الجنوب وتطورات المواجهة في غزة.
وفي الحركة الدبلوماسية، زار سفير خادم الحرمين الشريفين لدى لبنان وليد بن عبدالله بخاري الرئيس تمام سلام في داره في منطقة المصيطبة في بيروت. وكان اللقاء مناسبة تم خلالها استعراض العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين ومجمل التطورات الراهنة التي يعيشها لبنان سياسيًا وإقتصاديا وخاصة الملف الرئاسي والتطورات التي تعيشها الاراضي المحتلة والاعتداءات التي يتعرض لها قطاع غزة ومانتج عنها من قتل الاف الضحايا الأبرياء من الأطفال والنساء إضافة إلى بحث عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
الموازنة: تعديل رسوم الاستهلاك
مالياً، انهت لجنة المال والموازنة امس دراسة مواد مشروع قانون موازنة العام 2024، وتدرس بدءاً من يوم غد الاربعاء الاعتمادات بدءاً من رئاسة الجمهورية والحكومة والمؤسسات التابعة لها..
وكشف رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان ان الاعتراضات جمعت اطراف الانتاج، لان زيادات الضرائب والرسوم لم تستثنِ حتى المستوفين، وربطنا الزيادات المفترضة على رسوم الاستهلاك بمؤشرات غلاء المعيشة.
المطار: الاستعانة بضباط الجيش
بعد اتفاقية المسح الشامل للاملاك البحرية الموقعة بين وزارة الاشغال وقيادة الجيش اللبناني، وقعت امس في مطار رفيق الحريري الدولي اتفاقية تعاون بين المديرية العامة للطيران المدني، وقعها وزير الاشغال العامة علي حمية وقائد الجيش العماد جوزاف عون، وتقضي استعانة مصلحة الملاحة الجوية في المديرية العامة للطيران المدني بـ15 ضابطاً للقيام بمهام مراقبين جويين لتأمين استمرارية العمل في المصلحة.
الوقفة الشهرية
وفي موضوع انفجار مرفأ بيروت في 4 آب قبل ثلاث سنوات، نفذ اهالي ضحايا هذا الانفجار وقفة شهرية امام تمثال المغترب قبالة المرفأ رافعين صور الضحايا ولافتات تندد بالسلطة وتطالب بجلاء الحقيقة.
وطالب «القاضي حبيب رزق الله بأن يباشر في التحقيق من دون تلكؤ لأن العطلة القضائية انتهت منذ أشهر، وباتت العطلة القضائية المقبلة قريبة»، مطالبا أيضا «مجلس القضاء الأعلى بتشكيل الهيئة الاتهامية من قضاة شرفاء لا يسمعون سوى صوت ضميرهم»، وقال: «رغم كل شيء، نحن على ثقة بأنه لا يزال هناك قضاة شرفاء في لبنان».
الوضع الميداني
ميدانياً، سدد حزب الله، حسب بياناته، ضربات طاولت تجمعات لجيش الاحتلال في براينت وشتولا ومسكاف عام، وتلال كفرشوبا وشبعا المحتلتين، وشملت 11 موقعاً، واعترف الجيش الاسرائيلي باصابة ثلاثة جنود.
وذكر الجيش الاسرائيلية بأنه قصف مخزن اسلحة لحزب الله.
ونفذت طائرة مسيرة اسرائيلية معادية غارة جوية استهدفت منزلا خال بصاروخين قرب مجمع موسى عباس في الطرف الشمالي لمدينة بنت جبيل، وافيد عن اصابة مواطنة وابنها بجروح طفيفة جراء تناثر الحجارة.
وتزامن ذلك مع قصف مركز بالمدفعية طاول منزلا قرب حديقة مارون الراس، كان استهدف سابقا ايضا.
البناء:
الاحتلال يستنسخ حرب شمال غزة في جنوبها: مجازر وتقدّم في المناطق المفتوحة
واشنطن تشيد بـ «جهود تل أبيب لتجنّب المدنيين»… والبحر الأحمر مسؤولية دولية
المقاومة تمسك بزمام الحرب على جبهة الجنوب: مزيد من الهجمات وخسائر أقل
كتب المحرّر السياسيّ
ظهرت صورة الخطة التي ينفّذها جيش الاحتلال في الجولة الثانية من الحرب على غزة، مجرد نسخة منقحة جغرافياً بخصوصيّات جنوب غزة مأخوذة عن خطة الجولة الأولى في الحرب على شمال غزة، وجوهرها القصف التدميريّ وارتكاب المجازر في المناطق ذات الكثافة السكانيّة، والتقدّم في المناطق المفتوحة والمناطق الزراعية ذات الكثافة السكانية المحدودة، ومن دون أن يطمئن إلى أن خلفيّته في الشمال باتت خالية من المقاومة اندفع الاحتلال نحو جبهات الجنوب من بوابة خان يونس، وكما في معركة غزة، التحرك نحو طريق صلاح الدين في الوسط وطريق الرشيد في الغرب، وتفادي المربّعات السكنية، ومحاولة السيطرة على الشوارع الكبرى والساحات العامة، وحيث تخرج له المقاومة للمواجهة ينكفئ ويتراجع. وكما في شمال غزة الذي استمرّ القتال فيه ضارياً وشرساً باعتراف جيش الاحتلال بمعارك في الشجاعية وحي الشيخ رضوان وفي بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا، كذلك في الجنوب عمليات وقذائف هاون على تجمّعات جيش الاحتلال وقذائف صاروخيّة على دباباته، وقد اعترف الاحتلال بمقتل أربعة من جنوده في هذه المواجهات، بينما تؤكد مصادر المقاومة أن قتلاه بالعشرات وجرحاه أضعاف القتلى، وكان واضحاً أنه في الأيام الثلاثة الأولى من الجولة الثانية من الحرب، كان الجو ساحة فعل الاحتلال والبر ساحة فعل المقاومة.
في واشنطن تغطية لجرائم الاحتلال، إضافة لتقديم الذخائر التدميرية العالية القدرة من زنة ألفي رطل، حيث قال الناطق بلسان مجلس الأمن القومي جون كيربي «إن البيت الأبيض يعتقد أن «إسرائيل» “تبذل جهوداً” لتقليل عدد القتلى في صفوف المدنيين في غزة»، و»إن «إسرائيل» استجابت للنداءات الأميركية لحماية المدنيين»، مضيفاً “نعتقد أنهم تقبلوا رسائلنا هنا المتمثلة في محاولة تقليل الخسائر في صفوف المدنيين إلى الحد الأدنى”، بما في ذلك عن طريق نشر خريطة على الإنترنت للأماكن التي يمكن لسكان غزة الذهاب إليها بحثاً عن الأمان حيث لا توجد الكثير من الجيوش الحديثة التي يمكنها أن تفعل ذلك… لتوضيح خطواتها التالية بهذه الطريقة. لذا فهم يبذلون جهداً”.
بينما تحدث مستشار الأمن القومي جايك سوليفان عن الموضوع ذاته بقوله: ليس لدينا ما يدل على انتهاكات إسرائيلية لقوانين الحرب، متناولاً عمليات حركة أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر بالقول أمن الملاحة في البحر الأحمر ليس مسؤولية أميركا وحدها بل هو مسؤولية دولية، متجاهلاً معادلات الردع والتهديدات التي سبق وتحدّثت عنها واشنطن، مع بداية الحرب على غزة. وتهرّب سوليفان من الجواب على المراسلين الذين ذكّروه بحديثه السابق وحديث الرئيس الأميركي جو بايدن عن العواقب الوخيمة.
على الجبهة اللبنانية تواصلت عمليات المقاومة، وفق تصاعد واضح، واستهداف مدروس لإيقاع أكبر خسائر بشرية في جيش الاحتلال عبر التركيز على تجمّعات الجنود والقواعد العسكرية، ووفقاً لتقديرات مصادر عسكرية بعد اعتراف جيش الاحتلال يوم أول أمس بأحد عشر جريحاً، فإن اليومين الأخيرين سجّلا سقوط العشرات من جيش الاحتلال بين قتيل وجريح، بينما نجحت المقاومة لليوم الثاني من تنفيذ هجماتها دون أن تنعى شهداء جدداً، ما يعني أنها طوّرت أساليب عملها مستفيدة من دراستها للمواجهات السابقة.
ولا تزال الجبهة الجنوبيّة في واجهة المشهد الداخلي في ظل غياب أي جديد على صعيد الملفات السياسية الداخلية لا سيما رئاسة الجمهورية وملف قيادة الجيش، وسط ترقب لتطورات الميدان وما إذا كان تبادل القصف والنار بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيليّ سيخرق قواعد الاشتباك الحاكمة منذ 8 تشرين الأول الماضي ويتوسّع إلى حرب أوسع في ظل الحديث عن رسائل بالجملة وصلت الى بيروت عبر موفدين ودبلوماسيين أميركيين وأوروبيين وعرب تحمل تحذيرات من اتساع رقعة الحرب وتهديدات من نيّة حكومة الاحتلال من شنّ عدوان عسكري واسع على لبنان لتطبيق القرار 1701 وإبعاد حزب الله من منطقة جنوب الليطاني.
وواصلت المقاومة الإسلامية عملياتها العسكرية ضد مواقع الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، وأعلنت في سلسلة بيانات متلاحقة عن استهداف مجموعة من مواقع وثكنات وتجمّعات الاحتلال، فقد استهدفت تجمّعاً لجنود الاحتلال الإسرائيلي في حرج شتولا وموقع الراهب بالأسلحة المناسبة وتم تحقيق إصابات مباشرة، كما استهدفت موقع البغدادي بالأسلحة المناسبة وتمّت إصابته إصابة مباشرة، وموقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة. وأعلن الحزب أنه استهدف “تجمعاً لجنود الاحتلال الإسرائيلي شرق مسكاف عام بالصواريخ الموجّهة وتمّت إصابته إصابة مباشرة، وقوة مشاة إسرائيلية في كرم التفاح شرق ثكنة برانيت وموقع الراهب بالأسلحة المناسبة وتمّ تحقيق إصابات مباشرة، كما استهدف قوة مشاة إسرائيلية في حرج شتولا بالأسلحة المناسبة وتم تحقيق إصابات مباشرة.
وأشار خبراء عسكريون لـ”البناء” الى أن “عمليات حزب الله تطوّرت كماً ونوعاً نتيجة قرار من محور المقاومة برفع وتيرة العمليات بعد بدء الجولة الثانية من الحرب الإسرائيلية على غزة، ولذلك يكثف الحزب العمليات ضد مواقع الاحتلال لتخفيف الضغط عن جبهة غزة ولإبقاء الحكومة العسكرية تحت النار والضغط والتهديد بتطور الجبهة الجنوبية الى حرب أوسع بحال استمرّت الحرب على غزة”. ولا يستبعد الخبراء توسّع الحرب على الجبهة الجنوبيّة وتطوّرها إلى حرب أشدّ عنفاً وتوسّع قواعد الإشتباك الى أهداف مدنية ومرافق حيوية بحال طالت الحرب على غزة. وهذا قد يأخذ المنطقة برمّتها الى حرب إقليمية قد تدخل فيها إيران وقوى أخرى، وفق ما يتوقع الخبراء، ولذلك لا يمكن ضبط الوضع في المنطقة إذا لم تقم الولايات المتحدة بلجم الاندفاعة الاسرائيلية في إطلاق الجولة الثانية من الحرب التي يبدو أنها بوتيرة أعنف لجهة كثافة الغارات والمجازر من الجولة الأولى. وشدّد الخبراء على أن “الجولة الثانية أخطر من الأولى لجهة أن الحكومة الإسرائيلية ستكثف عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة في الوقت الممنوح لها أميركياً وغربياً لتحقيق إنجازات ميدانية لإنقاذ حكومة الاحتلال من السقوط والكيان من الزلزال الكبير الذي ينتظره بحال فشلت الحرب بتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية”.
ولفتت مصادر مطلعة على الوضع الميداني لـ”البناء” الى أن “المقاومة في لبنان مستمرّة بعملياتها النوعية ضد مواقع الاحتلال بوتيرة مرتفعة تدريجياً ربطاً بمجريات الميدان في غزة”، مشيرة الى أن “لدى المقاومة خططاً لمواجهة أي عدوان إسرائيلي”، ملاحظة “اختباء قوات الاحتلال الإسرائيلي داخل المواقع والثكنات وتتخفى في سيارات مدنية، عندما تتحرك، في ظل غياب شبه تام للمستوطنين وللحركة التجارية والاقتصادية اليومية في معظم مستوطنات الشمال، ما يعكس حجم الرعب الذي يعيشه جيش الاحتلال وجبهته الداخلية”.
واعتبر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، الى أن “الحقيقة المموّهة التي أشاعها العدو الإسرائيلي ربّما سرت في كثير من أوساط الشعوب في العالم”، لافتاً الى أن “هذا الكيان فضح نفسه وهو ساقط في نفوس الناس”، مشيراً في حديث تلفزيوني الى أنني “أعتزّ بهذه المسيرة التي ترعرعنا فيها وكبرنا عليها وكبُر أولادنا عليها أيضاً، وشهداء غزة حجّة على البشرية وعلى كل العالم السياسيّ وعلى كل السلطات والحكومات الظالمة والباغية”.
في المقابل، واصل العدو الإسرائيلي اعتداءاته على القرى والبلدات الحدودية، حيث نفذت طائرة مسيّرة إسرائيلية غارة جوية استهدفت منزلاً خالياً بصاروخين قرب مجمع موسى عباس في الطرف الشمالي لمدينة بنت جبيل، وأفيد عن إصابة مواطنة وابنها بجروح طفيفة جراء تناثر الحجارة. وتزامن ذلك مع قصف مركز بالمدفعيّة طاول منزلاً قرب حديقة مارون الراس.
وطال العدوان الإسرائيلي بلدة العديسة. كما سقطت قذيفتان على تلة حمامص في سردا، وسقطت قذيفة مدفعيّة عند أطراف اللبونة. وتعرّضت المنطقة بين كفركلا والعديسة لقصف بالقنابل الفوسفورية. وطال القصف المدفعي أيضاً منطقة حامول أطراف الناقورة، ومحيط بلدة طيرحرفا والجبين وأطراف بليدا.
وأفيد في مرجعيون عن إصابة نازح بجروح نتيجة قصف إسرائيلي لأطراف بلدة الوزاني، وتم نقله الى مستشفى مرجعيون الحكومي للمعالجة. وشن الطيران الإسرائيلي المعادي غارتين على اطراف عيتا الشعب كما شنّ غارة على مزرعة سلامية خراج كفرشوبا.
وأعلن جيش الاحتلال إطلاق صواريخ من لبنان نحو متات في الجليل الغربيّ سقطت في مناطق مفتوحة. وزعم أن “سلاح الجو هاجم بنية تحتية عسكرية لحزب الله في جنوب لبنان”. وادعى المتحدث باسم جيش الاحتلال أنّه “تمّ أيضًا رصد إطلاق قذائف هاون عدّة من لبنان نحو موقع للجيش في منطقة بلدة يفتاح، حيث ردّت قوّات الجيش باستهداف مصادر النّيران”.
في المواقف أعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قال ثمّة جبهة في لبنان مُساندة لحماس “لكن يجب ألا نُستدرج إلى الحرب بمواجهة “إسرائيل” وحتى هذه اللحظة ثمّة احترام لقواعد اللعبة”.
وتابع: “ثمّة وقف إطلاق النار جرى في العام 2006 وصدر حينها القرار 1701 وعلينا جميعاً احترام هذا القرار لأن الإخلال به يعني انسحاب القوات الدولية ونُصبح أمام حالة حرب كاملة؛ وهذا ليس لصالح لبنان أو القيّمين في لبنان والمنطقة”.
في غضون ذلك، بقي ملف التمديد لقائد الجيش في صدارة الاهتمام المحلي، في ظل انسداد الأبواب القانونية والدستورية للتمديد لقائد الجيش الحالي. في ظل تأرجح الخيارات بين التمديد وتعيين رئيس للأركان يتولى مهام قائد الجيش ريثما يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين قائد جديد للجيش.
وإذ علمت “البناء” أن الضغوط الدبلوماسية الأميركية والقطرية والسعودية والأوروبية للتمديد لقائد الجيش لم تتوقف، لكن من دون أن تقدم أي من الجهات السياسية وعوداً بالتمديد لغياب التوافق السياسي ووجود مطبات قانونية ودستورية. وبرزت في هذا السياق زيارة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا الى السراي الحكومي ولقاؤها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وبحث معها التطورات الراهنة والوضع في جنوب لبنان وغزة.
وأكدت مصادر نيابية لـ”البناء” أن رئيس مجلس النواب نبيه بري سيدعو إلى جلسة تشريعية قبل منتصف الشهر الحالي بجدول أعمال متنوّع، لكن الكرة في ملعب الكتل النيابية لجهة الحضور ومناقشة جميع بنود جدول الأعمال والتصويت عليها بما فيها رفع سن التقاعد لرتب معيّنة من الضباط وفق اقتراحات القوانين المقدّمة من القوات اللبنانية وتكتل الاعتدال الوطني.
وكتب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على حسابه عبر منصة “إكس”: نحن اليوم في 4 كانون الأول. ولا زلنا في انتظار الرئيس نبيه بري ليدعوَ إلى جلسة لمجلس النواب، كما وعد بغية تجنيب المؤسسة العسكرية أي هزة أو فراغ أو فوضى لا سمح الله”.
في المقابل، أكد التيار الوطني الحر عبر حسابه على منصة “إكس” أن “لا داعٍ لتوتر “القوات” أو تبرير سعيها للتمديد…” يكفي أنّها انقلبت على موقفها من وجوب عدم حضور اي جلسة تشريعية الى قيامها بتقديم اقتراح قانون التمديد والاعلان عن حضورها جلسة من عشرات البنود غير الضرورية، ليتيقن الرأي العام الى أي مدى هي “غب الطلب” للقوى الخارجية وتستجيب لطلباتها، سواء كانت سفيراً اميركياً او موفداً فرنسياً، لا فرق، المهم أن احترام السيادة الوطنية واستقلالية القرار لديها مجرد شعار ووجهة نظر!”.
وإزاء الانقسام داخل الساحة المسيحية، لم يحسم حزب الله موقفه من ملف قيادة الجيش وفق معلومات “البناء” بانتظار تحديد موعد الجلسة والمشاورات السياسية المستمرّة على هذا الصعيد. وشددت المصادر على أن حزب الله لن يستفز التيار الوطني الحر بملف قيادة الجيش ما قد ينعس على العلاقة بينهما.
المصدر: صحف