تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الجمعة 13-10-2023 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
الاخبار:
قواعد العدوّ الأميركي: تهديد أم أهداف؟
مع الغزو الأول للعراق، مطلع تسعينيات القرن الماضي، عزّز الأميركيون قواعدهم العسكرية في دول المنطقة، في سياق تثبيت حضور عسكري مباشر لدعم الأنظمة الحليفة لواشنطن. وكان لبنان، تحديداً، مسرحاً لعمليات عسكرية أميركية ذات طابع أمني، وتحديداً عام 1958 عندما نزلت قوات البحرية الأميركية في بيروت دعماً للرئيس كميل شمعون في وجه «خطر المدّ الشيوعي» على المنطقة، والمتمثّل بحركات التحرر الوطني في الشرق الأوسط. إلا أن التدخّل الأبرز كان عام 1982، بعد غزو العدو الإسرائيلي للبنان واحتلاله بيروت. يومها، وجدت أميركا في العدوان فرصة لتكريس وصاية أمنية وعسكرية مباشرة على لبنان، في وجه النفوذ القوي للمحور الآخر بقيادة الاتحاد السوفياتي وسوريا والقوى اللبنانية والفلسطينية الحليفة لهما.
ما لم يقدّره الأميركيون في ذلك الوقت، هو نفسه ما لم يتوقّعه الإسرائيليون الذين لم يتأخروا في الهروب من بيروت ومناطق كثيرة خلال أسابيع قليلة، قبل أن يبدأوا رحلة الهروب الكبير حتى عام 2000. وقد نال العدو الأميركي حصته من عمليات نوعية بطولية لا يزال استشهاديّوها غير معلومين عند العموم.
في العقدين الأخيرين، عزّز الأميركيون انتشارهم العسكري المباشر، سواء في دول الخليج المستسلمة للإرادة الأميركية، كالسعودية وقطر والكويت والبحرين والإمارات، ثم بدأوا إقامة قواعد محصّنة تحمي من بقي من جنودهم بعد هزيمتهم الكبرى في العراق عام 2011، ووسّعوا نطاق تواجدهم العسكري والأمني في الأردن. واستغلّوا الحرب على سوريا لتثبيت قاعدة كبيرة على الحدود مع العراق والأردن، فيما كانوا يعملون على تعزيز نفوذهم العسكري والأمني في دول أخرى، من بينها لبنان، من خلال برامج تعاون خاصة مع الجيوش النظامية. ومعلوم أن جيش الاحتلال الأميركي يتّخذ من قاعدة حامات الجوية التابعة للجيش اللبناني مقراً له، حيث تهبط وتطير طائرات عسكرية أميركية من دون أي رقابة، وحيث يسيطر الأميركيون على منظومة المُسيّرات التجسّسية التابعة للجيش، كما يسيطرون على إدارة الداتا المستخرجة من عمل الأفواج الحدودية البرية وبعض موارد الاستخبارات في الجيش. ورغم التكتّم، إلا أن العاملين في الحقل الأمني في لبنان يعرفون بوجود عشرات إن لم يكن المئات من المستشارين الأميركيين الذين يتحرّكون في مناطق كثيرة برعاية الجيش اللبناني.
وكما في كل مرة يشعر الأميركيون بخطر يتهدّد مصالحهم أو حكومات حلفائهم، ثمّة تطورات اليوم تدفع بالأميركيين إلى الحضور مجدّداً، إذ تشعر أميركا، ومعها الغرب الاستعماري، بأنّ مستوطنتهما التي تُسمى إسرائيل تعاني عوارض الاحتضار. لذلك لم يجد الغرب مناصاً من التدخل المباشر لأن الدعم عن بعد لم يعد يكفي.
ولأن هيبة الإمبراطورية الأميركية هي الأساس، فإن هذه القوة التي تحتل العالم، تقرن هيبتها بحاملات الطائرات التي تمتلكها. وتُشكّل هذه «المدن» المتحرّكة أدوات هجومية عابرة للمحيطات، يمكنها أن تستهدف أيّ بقعة في العالم. ولحاملات الطائرات هذه ميزات تُعطي الجيش الأميركي أفضلية كبيرة في أيّ حرب. فعملياً، يملك هذا الجيش القدرة على تحريك أسطول من الطائرات الحربية حيث يريد، مع قدرة على المناورة والتحرّك، وعلى الدفاع عن نفسها أمام المخاطر التقليدية، كالطائرات الحربية المعادية والغواصات والصواريخ التقليدية. كما أنها تتمتّع بحماية فرقة من البوارج البحرية التي ترافقها في رحلاتها.
ومن ميزات الحاملات أنها تستطيع أن تسير في رحلات طويلة لأنها تتزوّد بالطاقة عبر مفاعلات نووية، أي إنها لا تحتاج للتزوّد بالوقود، وبالتالي يمكن أن تعبر مسافات طويلة من دون الحاجة إلى التوقّف، ما يعطيها ميزة المناورة، من دون الأخذ في الاعتبار عامل المسافة المقطوعة. كما أنها تستطيع أن تتحرّك بسرعة كبيرة.
اليوم، تقبع «جيرالد فورد»، أكبر حاملة طائرات في العالم، على مشارف الشاطئ اللبناني – الفلسطيني. وقد أتت لتدعم العدو معنوياً، وتهدّد حزب الله وإيران لعدم التدخّل دعماً للمقاومة في فلسطين. بلغت كلفة صناعة الحاملة «فورد» نحو 13 مليار دولار. وهي تزن أكثر من 100 ألف طن، وتتّسع لحوالي 90 طائرة كحدّ أقصى، وعلى متنها فرق متخصّصة بين طيارين وتقنيين وغيرهم ويصل عددهم إلى 4500، وتبلغ مساحتها 19000 متر مربع، وتصل سرعتها القصوى إلى 55 كيلومتراً في الساعة (وهو أمر مثير للاهتمام باعتبار أنها مدينة عائمة).
عندما أعلنت الولايات المتحدة عن دخول «جيرالد فورد» الخدمة، أصدرت جامعة الصين الشمالية دراسة بيّنت أن الصين يمكنها إغراق حاملة الطائرات هذه بما لا يزيد على 24 صاروخ فرط-صوتي. وهو أمر يبيح، بالحد الأدنى، التفكير بأن محور المقاومة بقيادة إيران، أصبح يمتلك صواريخ فرط – صوتية، يمكنها أن تفعل ذلك.
«القسام» تستعدّ للاجتياح: قدراتنا الدفاعية سليمة
واشنطن تصر… ورفض عربي واسع لمشروع تهجير أبناء غزة الى سيناء
غزة، القاهرة | ثلاثة عناوين سيطرت على المشهد في فلسطين المحتلة أمس: الأول، يتعلّق بتوسيع دائرة التغطية الأميركية والغربية للعدوان الإسرائيلي المفتوح على قطاع غزة وبقية الفلسطينيين؛ والثاني، يتّصل بالمساعي الأميركية المستمرّة لأجل تغطية عملية تهجير واسعة لأبناء القطاع نحو مصر، وهو ما يثير مشكلة كبيرة بدأت ملامحها بالظهور؛ والثالث، يرتبط بالاستعدادات الإسرائيلية لشنّ عملية عسكرية برية ضدّ القطاع. في الشقّ الأول، واصل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، جولته، حاطّاً في عمّان حيث أكّد لملك الأردن، عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أن واشنطن لا تريد إطلاق أيّ تبريرات لما قامت به «حماس»، وأن الحرب الإسرائيلية للتخلّص من الحركة تشكّل مصلحة لحكومتَي رام الله وعمّان، رافضاً البحث في طلبات عباس الخاصة بسلطته، فيما طمأن عبدالله إلى أن عملية التهجير لا تطاول الضفة الغربية، طالباً منه الوقوف إلى جانب إسرائيل «في وجه عدو واحد هو حماس». أما في قطر، فقد أبلغ الوزير الأميركي المسؤولين هناك بأن الوقت غير مناسب للحديث عن وقف لإطلاق النار، لكنّه طالب، من جهة ثانية، بأن تمارس الدوحة ضغطاً كبيراً على «حماس» لأجل إطلاق سراح من سمّاهم «الرهائن غير العسكريين»، وخصوصاً الأميركيين منهم، عارضاً في المقابل إيصال مساعدات غذائية إلى غزة. وبحسب مصادر في «حماس»، فإن الاتصالات التي جرت معها، سواء من قِبل قطر أو تركيا أو بعض المسؤولين الغربيين، ركّزت على ملفّ الأسرى، فيما كان ردّها هي بأنه لا وجود لرهائن لديها، بل هناك أسرى حرب، وأن أميركا لا تملك أجوبة حول سبب انخراط مواطنيها ضمن الجيش الإسرائيلي. كما أكّدت الحركة أنها لا تجد الوقت مناسباً للحديث في هذا الملفّ الآن، وأن الأولوية هي وقف العدوان على المدنيين.
في الشقّ الثاني، كشفت مصادر متابعة للاتصالات، أن الأميركيين يضغطون لأجل إلزام القاهرة بفتح ممرّات واسعة تتيح لعشرات الألوف من الفلسطينيين الانتقال إلى مصر. وقال الأميركيون إنهم أبلغوا المصريين بأن العملية «تستهدف نقلاً مؤقّتاً للمدنيين لأجل تجنيبهم الحرب القاسية الجارية هناك». ولفتت المصادر الانتباه إلى أن الجانب الأميركي «قال صراحة إن الأولوية الآن هي لنقل المدنيين خارج القطاع، وليس لإيصال مساعدات سوف تستغلّها حماس والقوى الأخرى في غزة». لكنّ المصادر أشارت إلى أن المصريين رفضوا مطلقاً هذا الطرح، وأصرّوا على ضرورة أن تسمح إسرائيل بفتح الحدود لنقل المساعدات العاجلة إلى داخل القطاع. وهو الموقف نفسه الذي سجّله المسؤولون في الأردن، بالتنسيق مع الحكومة المصرية.
وكان لافتاً أن عواصم عربية استعجلت إبلاغ قيادات في قوى المقاومة في فلسطين وبيروت، بأن فكرة تهجير أبناء غزة مرفوضة بقوة ولن تتحقق. وتبين لمسؤولين في قوى المقاومة أن الهدف من الرسالة هذه، هو محاولة إقناعها بأن لا تسارع إلى تصعيد في المواجهات رفضاً لمشروع التهجير. وقال موفدون من مصر وقطر إن الأيام القليلة المقبلة ستشهد ضغوطاً كبيرة من أجل إدخال المساعدات اللازمة إلى داخل القطاع، وأنه تمّ إبلاغ الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية دولية برفض استقبال أي بعثة لا تريد الدخول إلى غزة. وتبين أن القاهرة كانت تلقت طلبات من منظمات دولية تعنى بالإغاثة، لأجل فتح مكاتب لها في منطقة العريش بحجة توفير قواعد لوجستية لتوفير المساعدات لأبناء القطاع بعد إقفال إسرائيل معبر رفح من الجانب الفلسطيني.
معطيات «حماس» لا تشير إلى جهوزية لدى جيش الاحتلال لشنّ عملية برية، لكنّها فعّلت والفصائل الخطة الدفاعية
وكانت القاهرة، وعلى إثر تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رفض تهجير أهالي غزة إلى سيناء، أطلقت أكبر حملة تبرّعات لدعم سكان القطاع، سواء بالمواد الغذائية والأموال، أو حتى من خلال التبرّع بالدم في ظلّ حاجة «الهلال الأحمر الفلسطيني» إلى كميات كبيرة منه سيَجري إدخالها مع المواد الطبية خلال الأيام المقبلة. وأبلغت مصر جميع المنظمات الدولية والحكومات العربية والغربية بأنها خصّصت مطار العريش لاستقبال المساعدات الإنسانية المقرّر إدخالها إلى القطاع، في أوّل تشغيل تجاري للمطار منذ سنوات. كما مارست القاهرة ضغوطاً عبر الاستخبارات ووزارة الخارجية لتأمين ممرّ للمساعدات، في حين تتواصل الضغوط عليها من أجل فتح ممرّ آمن للأفراد. ووفق مصادر مصرية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن القاهرة لديها خطّة لإدخال كميات كبيرة من الوقود بشكل فوري، بما يسمح بتوفير تغذية لمحطّة الكهرباء الوحيدة في القطاع، إلى جانب تغذية كهربائية لأيام لمستشفى «الشفاء» وبعض المستشفيات الأخرى، وهي الخطّة التي تحتاج إلى أقل من 6 ساعات لتنفيذها، تتوقّف في خلالها الغارات الجوية، ويُحدَّد مسار آمن لتحرّك السيارات.
وأشارت المصادر إلى أن القصف الجوي المجنون دمّر أحياء كثيرة في المنطقة الشمالية، وأن العدو بدأ يلجأ إلى استخدام قذائف ضخمة بقصد استهداف ما يفترض أنها أنفاق هناك. ويجري الحديث عن احتمال لجوء الاحتلال إلى عملية شبيهة باجتياح لبنان عام 1982، لجهة السعي إلى السيطرة على القسم الشمالي من القطاع، وتدمير قدرات المقاومة فيه، والدفع بالسكان إلى الاتجاه جنوباً، ومن ثم نحو مصر. وفي هذا الإطار، حذّرت مصادر مصرية من أن مخطّط التهجير يحمل تداعيات كارثية سيكون من الصعب التعامل معها في المستقبل القريب، ليس فقط بسبب حجم الدمار الكبير المتوقّع في البنية التحتية ومنازل المدنيين، ولكن لضيق الوقت وصعوبة تحرّك المواطنين دفعة واحدة، فضلاً عن أن مسألة الإخلاء تعني ترجيح استهداف مزيد من المدنيين في الأيام المقبلة. وأكّدت المصادر أن «الحديث عن إيقاف التصعيد في الوقت الحالي ليس مطروحاً»، ولكن «البحث يجري راهناً فقط عن هدنة إنسانية لساعات وربّما ليوم واحد من أجل المدنيين العُزَّل»، وهو الأمر الذي تجري حوله «مفاوضات شاقّة ومعقّدة للغاية، خاصة مع الأميركيين، وبمشاركة خليجية ممثّلة بقطر».
أما بشأن الملف الثالث المتصل بالعملية البرية، فإن المعطيات المتوافرة لدى قيادة «حماس» في غزة، لا تشير إلى جهوزية واضحة لدى جيش الاحتلال لذلك، لكنّ الحركة وبقية الفصائل فعّلت الخطة الدفاعية، فيما يؤكد قادتها أن العدو تنتظره معركة قاسية وربّما أكثر قساوة من الذي حصل سابقاً. كما أكّدت المقاومة أن جهوزيتها مستمرة لأجل الاستمرار في إطلاق الصواريخ النوعية على العمق الإسرائيلي، حيث كان البارز أمس إطلاق صاروخ بعيد المدى وصل إلى منطقة صفد القريبة من الحدود مع لبنان، وهو صاروخ خاص، ويُجري العدو فحصاً لطبيعته. وكان أُعلن، صباح الجمعة، عن بلاغ إسرائيلي إلى الأمم المتحدة بوجوب تهجير سكان شمال غزة إلى جنوبها، في ما قالت مصادر متعدّدة إن الهدف منه التمهيد لعملية عسكرية تستهدف أساساً شمال القطاع، والذي يعتقد العدو أنه مقرّ إطلاق الصواريخ التي تهدّد عسقلان وتل أبيب وبقية العمق.
وقال مصدر في «حماس»، في حديث إلى «الأخبار»، ليل امس، إن قيادة «كتائب القسام» أجرت معاينة لقواتها ووحداتها المقاتلة بعد الغارات العنيفة، وإن حجم الإصابات في صفوفها محدود جداً، وإنه لم تتم إصابة أي نفق، وإن الأسلحة الخاصة بمواجهة الحملات البرية لا تزال سليمة كلها. وقال المسؤول إن الحركة «تعد مفاجآت لقوات الاحتلال التي قد تستخدم في هجوم بري سواء من شمال القطاع أو وسطه أو حتى جنوبه».
والواقع أنه إذا ما قرّر جيش الاحتلال البقاء في القطاع أو بعض المناطق فيه، فستَمثل أمامه تحدّيات كثيرة، وعلى رأسها الحاجة إلى قوة نارية كبيرة، والتنسيق بين القوات البرية وتلك الجوية، وتحمّل تكلفة الضربات التي سوف تتلقّاها وحداته في ظلّ تأهّب أكثر من 40 ألف مقاتل من «كتائب القسام»، والجهوزية التامة لآلاف المقاتلين من بقية الفصائل المقاوِمة. وبينما يحتاج الاجتياح البري إلى الدفع بمئات آلاف الجنود (نحو 400 ألف جندي من قوات الاحتياط)، فهو يوفّر مساحات كبيرة للمقاومين للقيام بعمليات إنزال خلف خطوط العدو ومهاجمتها من الخلف.
كما أن على جيش الاحتلال، إذا ما أراد تحقيق «إنجاز» تشتدّ حاجته إليه، السيطرة على المواقع المركزية مثل الطرق، وتنفيذ عمليات خاصة لاغتيال القادة العسكريين، ومحاولة إنقاذ الأسرى، وهذا ما يجعل الخسائر المتوقعة في صفوفه أكثر فداحة. يُضاف إلى ما تَقدّم، أن المقاومة ستواجه الاجتياح بالعديد من الوسائل القتالية، وأولاها الأنفاق الداخلية في ظلّ تقديرات بوجود مدينة من الأنفاق أسفل قطاع غزة، ستسهّل على المقاومين تنفيذ عمليات كرٍّ وفر وخوض حرب شوارع ضد جنود العدو، فيما تخدم التضاريس المعقدة في غزة، والتي تبدو أشبه بمتاهة، المقاومة أيضاً، التي ستستفيد كذلك من الركام بتحويله إلى درع بوجه القوة النارية لجيش الاحتلال.
لا غاز في الرقعة 9: إحباط أم مؤامرة؟
قالت مصادر وزارة الطاقة إنه يفترض أن يُصدر تحالف شركات التنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة بلبنان، بقيادة «توتال»، بياناً رسمياً، لإعلان نتيجة الحفر في الرقعة الرقم 9، حيث تشير المعطيات الأولية إلى فشل العملية في استكشاف كميات تجارية من الغاز الطبيعي في المكمن الذي جرى الحفر فيه، وبالتالي فإنّه خلال بضعة أيام ستنطلق شركة «هاليبرتون»، التي تعاقد معها التحالف لتنفيذ عمليات الحفر، نحو قبرص، لتبدأ مهمة جديدة تعاقدت عليها.
هذه النتيجة، أثارت الكثير من الشكوك بوجود «مؤامرة» على لبنان، إلا أن المصادر الرسمية قالت إن هذه الشكوك لا تبدو منطقية نظراً إلى الكلفة الكبيرة التي تكبّدها تحالف الشركات في سياق عملية التنقيب، إذ تبلغ كلفة الحفر وحدها نحو 100 مليون دولار. وحتى الآن، لا تستند الاتهامات بوجود مؤامرة على دلائل علمية موثوقة، إنّما ترتكز على نتائج مسوحات أشارت إلى وجود كميات من الغاز في البحر المتوسط، وأنه جرى اكتشاف بعضها، ولا سيما في الحقل الذي يضع الكيان الإسرائيلي يده عليه والواقع في الجزء المقابل للمكمن الذي حفرت فيه «توتال» ضمن الرقعة اللبنانية.
ورغم أن هناك تأكيدات تشير إلى وجود كميات كبيرة من الغاز في هذا المكمن، إلا أن معطيات الحفر التي تقول «توتال» إنها استخرجتها بعد حفر 3905 أمتار، تُظهر أن نسبة الكثافة في الماء الموجود داخل المكمن المحفور كبيرة، وبالتالي فإن كمية الغاز قليلة جداً فيه ولا ترقى إلى أن تكون كميات تجارية صالحة للاستخراج والبيع، وبالتالي لا داعي لمزيد من الحفر والفحوصات والأكلاف.
عملياً، يصعب الحسم بشأن هذه المعطيات من دون وجود تقارير رسمية وتقنية تحدّد بوضوح نتائج عملية الحفر، لكن يمكن طرح أسئلة: هل هناك مصلحة لأي من الأطراف بإنهاء عملية التنقيب في الرقعة الرقم 9؟ هل أخطأت «توتال» في اختيار نقطة الحفر؟ هل يمكن لشركة «توتال» تزوير النتائج بعد تكبّدها أكلافاً كبيرة؟ هل لا تزال احتمالات وجود الغاز في الرقعة 9 قائمة؟ هل لدى لبنان بدائل يمكن اعتمادها؟ هل بإمكان العدو الإسرائيلي سحب الكميات الموجودة في منطقة لبنان؟
بمعزل عن نظرية المؤامرة واحتمالات تزوير النتائج، يمكن القول بناءً على المعطيات التي سرّبت من موقع الحفر، إن عملية التنقيب، ببساطة، لم تفضِ إلى النتيجة المرغوبة، وإنه لا داعي لاستمرار البحث في هذا المكمن طالما أن النتائج تشير إلى أن الكميات المتوافرة فيه ليست تجارية وأنه لا جدوى مالية من استخراجها. وسواء كانت هذه المعطيات نهائية وحاسمة أو جرى التلاعب فيها، فإن النتائج المترتّبة عليها ستكون واضحة: لا يمكن التعويل حالياً على أن لبنان سيتحوّل إلى بلد منتج للغاز الطبيعي قريباً. وبالتالي، فإن كل الآمال والرغبات التي جرى التسويق لها بشأن «ازدهار» اقتصادي آتٍ وبيع الغاز بمليارات الدولارات على مدى العقد المقبل بالحدّ الأدنى، وصولاً إلى تسديد أموال المودعين وغيرها من الخلاصات التي جرى الترويج لها، لا محلّ لها في سياق فشل الاكتشاف في الرقعة 9.
الحديث عن فشل الاكتشاف في الرقعة الرقم 9 هو الثاني للبنان وللتحالف بقيادة «توتال»، إذ تبيّن نتيجة أعمال حفر الآبار الاستكشافية أن الرقعة الرقم 4 لا تحتوي على كميات تجارية من الغاز. يومها، جرى التشكيك أيضاً بالنتيجة التي توصلت إليها «توتال»، لكن الحديث عن الأمر خفت تدريجاً إلى أن استحوذ الحديث عن اتفاق ترسيم الحدود البحرية جنوباً، على كل النقاش بشأن وجود كميات من الغاز في المنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة بلبنان.
وكان لبنان قد وقّع في 2018 عقداً مع تحالف شركات «توتال» (فرنسية بحصّة 35%) – «إيني» (إيطالية بحصّة 35%) – «نوفاتيك» (روسية بحصّة 30%)، من أجل التنقيب عن النفط والغاز في الرقعتين الرقم 4 و9 في المنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة بلبنان، إلا أن الشركة الروسية انسحبت من التحالف وتركت حصّتها للبنان، ثم أهداها لبنان إلى شركة «قطر بتروليوم» في نهاية كانون الثاني 2023 في إطار اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي. وقد أطلق التحالف عمليات الحفر في 27 آب 2023 لتستمر لنحو 47 يوماً.
اللواء:
تحركات دبلوماسية باتجاه لبنان لعدم الإنزلاق إلى الحرب
همجية الإحتلال تستهدف الإعلاميِّين.. وإدانة واسعة لإغتيال عصام عبد الله
قبل أن يكتمل الأسبوع على اندلاع الحرب في غزة وغلافها بين حركة «حماس» والفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال الاسرائيلي، سجَّل التوتر في الجنوب، اشتباكين مباشرين: الأول في اليوم التالي للحرب، والثاني يوم امس، إذ أكَّد حزب الله بعد ردّ مباشر على مواقع اسرائيلية، بعد قصف علما الشعب، واستهداف الصحافيين، وسقوط المصور في وكالة «رويترز» عصام عبد الله (من بلدة الخيام) شهيداً، ان أي «اعتداء على أمن شعبنا وسلامة بلدنا لن يمر دون الرد والعقاب المناسبين» واصابة 6 مراسلين آخرين بالقصف، واصابة بعضهم خطيرة، والذين استهدفوا بصاروخ من طائرة اباتشي أصاب سيارتهم.
وفي حين عزّا البيت الابيض بالشهيد عبد الله، طالب المتحدث باسم مجلس الامن القومي الاميركي بجمع المزيد من المعلومات بشأن مقتل واصابة صحفيين في لبنان، وسط حملة ادانة لبنانية وعربية ودولية واسعة لاقدام الاحتلال على استهداف تجمع للموفدين الصحافيين العاملين في وسائل اعلام محلية وعربية ودولية.
كما ادانت لجنة حماية الصحافيين الدوليين القصف الذي تعرض له هؤلاء في جنوب لبنان.
وكان حزب الله استهدف مواقع العباد ومسكفعام ورامية وجلّ العلم بالأسلحة المباشرة والمناسبة وحقق إصابات دقيقة.
والأبرز، دبلوماسياً، كانت المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان، مع كل من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والتي تركزت على تطور الحرب في غزة، وما يجري عند الحدود اللبنانية- الاسرائيلية، والردّ الذي تولاه حزب الله بين الوقت والآخر.
واعتبر بوحبيب ان استمرار التصعيد واجتياح غزة سيشعل المنطقة بأسرها، وتخوف من الوقوع في حرب إقليمية ما لم يتم وضع ضغط غربي وعربي على اسرائيل، لوقف أعمالها العدوانية في غزة.
ولاحظ عبد اللهيان اتفاقاً في وجهات النظر حول ضرورة الوقف العاجل لجرائم الحرب التي يرتكبها نتنياهو، مشيراً الى انه اذا كانت اميركا معنية بعدم توسع الحرب في المنطقة، فإنه يتعين عليها لجم اسرائيل.
ووصفت مصادر سياسية الاتصالات والمساعي التي جرت مع حزب الله في الساعات الماضية، بين الحكومة وحزب الله، لتجنب الانجرار الى مواجهة مع العدو الاسرائيلي الذي يصعد الموقف على الحدود اللبنانية، بقيت في اطار التمنيات، ونقل رسائل التحذير التي ابلغتها نقلا عن سفراء الدول الكبرى والمؤثرة على الساحتين الاقليمية والدولية، فيما لم تتبلغ اي رد على هذه الرسائل، او اي مواقف محددة تلتزم بمقتضيات الحفاظ على التهدئة وتجنب اي ردود فعل قد تنعكس سلبا على سلامة وامن لبنان واستقراره.
واشارت المصادر الى ان المسؤولين اللبنانيين الذين التقوا وزير الخارجية الايراني أمير عبد اللهيان، شددوا على أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان في هذا الظرف بالذات، والابتعاد عن كل ما يؤدي الى استغلال الساحة اللبنانية في المواجهة المحتدمة حاليا في قطاع غزة، والاعتداءات الإسرائيلية غير المسبوقة التي باتت تهدد بكارثة لايحمد عقباها.
وكشفت المصادر ان المسؤولين اللبنانيين لم يتلقوا اي ضمانات او تعهدات من وزير الخارجية الايراني تطمئن بالتدخل لمنع انزلاق لبنان إلى الحرب الدائرة في غزة ، ولخصت ما سمعته من الوزير الايراني بأنه في معظمه كان كلاما ديبلوماسيا، تخلله مجاملات وحرص على مصلحة لبنان واستقراره، ولكنه تضمن قلقا ايرانيا ملحوظا جراء الحملة العسكرية الإسرائيلية والدولية التي لم يسبق لها مثيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، الامر الذي يتطلب تشابك القوى لمواجهته.
وفي الإطار الدبلوماسي، تزور وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا لبنان، الاسبوع المقبل، من ضمن جولة شرق اوسطية، تشمل اسرائيل ودول اخرى في المنطقة.
وفي المعلومات أيضاً، ان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان سيزور بيروت، بهدف إظهار الدعم للبنان في مواجهة أية محاولات لزعزعة استقراره.
واليوم، يجتمع النواب السنّة في دار الفتوى بدعوة من المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، للبحث في ما يمكن فعله لنصرة غزة وأهملها.
وفي السياق إياه، طالبت الهيئات الاقتصادية الحكومة الإمساك بالملف الوطني، وناشدت الهيئات الاقتصادية «كل المعنيين لتحييد لبنان عن الراع القائم»، داعية «القوى السياسية الى تحمل مسؤولياتها الوطني كاملة ونبذ الخلاف والإلتقاء لمنع الإنزلاق الى المجهول».
وسارت تظاهرات غاضبة في بيروت، كما في عواصم عربية، دعماً لغزة والمقاومة، ابرزها التظاهرة التي انطلقت من ساحة البربير الى وسط بيروت امام جامع محمد الأمين.
وفي تجمع حاشد في الضاحية الجنوبية، أكد نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم جهوزية حزبه «متى يحين وقت أي عمل» للتحرك ضد إسرائيل دعمًا للفلسطينيين في قطاع غزة، في ظل الحرب بين الدولة العبرية وحركة حماس. وقال قاسم خلال تظاهرة دعا إليها حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت «حزب الله يعرف واجباته تمامًا ونحن حاضرون وجاهزون بجهوزية كاملة ونتابع لحظة بلحظة»، مضيفًا: «نحن كحزب الله نساهم في المواجهة وسنواجه فيها ضمن رؤيتنا وخطتنا، نتابع خطوات العدو ولدينا جهوزية كاملة، ومتى يحين وقت أي عمل سنقوم به».
واقتصادياً ايضاً، وفور تبلغه بموقف شركة توتال التي تولت الحفر في البلوك رقم 9، بأنها اوقفت الحفر في البلوك المذكور، بعدما وصلت الى عمق 3900م تحت قعر البحر، ولم تجد سوى الماء، توجه وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض مع اعضاء في هيئة ادار قطاع البترول الى المنصة التي تحفر، وعاين الوضع على الأرض.
البناء:
طوفان شعبي في صنعاء وبغداد وعمان وباريس ومدن العالم دعماً لطوفان الأقصى
وزيرا دفاع وخارجية أميركا لتأمين جدار دعم للكيان… وعبد اللهيان لتنسيق المحور
نتنياهو لحرب طويلة… ومذبحة غزة مستمرة… والصواريخ… واعتداء على الصحافة
كتب المحرّر السياسيّ
شهد العالم استجابة عالية لنداء حركة حماس للشعوب للخروج الى الشوارع دعماً لطوفان الأقصى، ونصرة لغزة بوجه المذبحة المفتوحة ضدها، فكانت التظاهرات المليونية في صنعاء وبغداد، وكانت باريس تكسر قرار المنع وتخرج بعشرات الآلاف، وعمان تشهد لمرة ثالثة حشوداً ضاقت بها الشوارع والساحات، وتسرّب منها مئات النشطاء الى الحدود مع فلسطين المحتلة، حيث اصطدموا بالشرطة لساعات، وفي لبنان وسورية والمغرب وتونس والكويت وسلطنة عمان وقطر خرج المتظاهرون بالآلاف، لكن مشهد صلاة الجمعة في مسجد الأزهر تحوّل الى تظاهرة مساندة لغزة، أشار الى حجم النهوض الشعبي حول المقاومة الذي أطلقته عملية طوفان الأقصى، بينما كانت مدن بريطانيا والمدن الأميركية وعواصم أوروبية عديدة إضافة لكندا وأستراليا، على موعد مع تحركات تضامنية مع غزة. ويمثل هذا النهوض الشعبي العارم عربياً ودولياً، سياقاً تصاعدياً سوف يترك تأثيره على مواقف الحكومات العربية والغربية، ما يضيق هوامش جدار الدعم الذي يرغب الأميركيون بتوفيره وراء كيان الاحتلال.
جدار الدعم الذي تريده واشنطن تفويضاً مفتوحاً بالقتل لبنيامين نتنياهو، كان محور الزيارات التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، الذي تحدّث بوقاحة بلغة تتبنّى وتبرر عمليات القتل الجارية في غزة، بينما كان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، يتحقق من أن لدى جيش الاحتلال ما يحتاجه من سلاح وذخائر وعتاد لمواصلة مذبحة غزة، لكن كلاً منهما لم يستطع إخفاء حجم ضغط قضية الأسرى والرهائن في الرأي العام الأميركي وتقدمها على تقديم الدعم للكيان وحربه على غزة.
في الميدان كانت الطائرات والمدفعية في جيش الاحتلال تواصلان المذبحة، عندما تحدّث رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن حرب طويلة، بينما كانت المقاومة تؤكد جهوزيتها للمواجهة عندما تبدأ العملية البرية، بينما تواصل إطلاق الصواريخ على عمق الكيان، وصولاً الى صفد حيث مقر قيادة قوات الشمال في جيش الاحتلال، حيث وصل صاروخ عياش قاطعاً قرابة 200 كلم، فيما كانت جبهة الحدود اللبنانية تشهد مزيداً من الاعتداءات التي يشنها جيش الاحتلال وقد توّجها بعملية استهداف للصحافيين بصاروخ من طائرة أباتشي في منطقة علما الشعب، حيث استشهد مصور وكالة رويترز عصام عبدالله، وأصيب الصحافيان كارمن جو خدار وايلي براخيا من قناة الجزيرة وصحافي من وكالة الصحافة الفرنسية، بينما وجهت المقاومة صواريخها الى مواقع مسكاف عام والعباد في القطاع الشرقي.
وبعد 24 ساعة من الهدوء الحذر على الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة، عاد التوتر ليخيم على طول الخط الأزرق بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي التي استهدفت عدداً من المنازل في القرى الحدودية.
ودفعت الهيستيريا الإسرائيلية الى القصف العشوائي، حيث استهدفت سيارة فريق عمل وكالة «رويترز» في علما الشعب ما أدى الى استشهاد الصحافيّ عصام عبدالله. وأفادت قناة «المنار» عن استشهاد صحافي وجرح 3 آخرين بعد قصف إسرائيلي استهدف مجموعة من الصحافيين في علما الشعب، بينهم 3 وكالات أجنبية. وأكّدت القناة نقل الدفاع المدني للجرحى إلى المسشفيات.
كما استهدف القصف الإسرائيلي سيارة فريق عمل قناة «الجزيرة» القطرية، وأعلنت القناة عن إصابة الصحافيين كارمن جوخدار وإيلي براخيا.
وأفاد مصدر أمني لبناني لقناة «الجزيرة»، بأنّ طائرة «أباتشي» إسرائيلية هي التي استهدفت الصحافيين بصاروخ موجّه في علما الشعب جنوبي لبنان.
واستهدف القصف الإسرائيلي محيط بلدة العديسة في القطاع الشرقي جنوبي لبنان. وأفيد بأنّ القبة الحديدية أطلقت صاروخين لاعتراض جسم طائر فوق مستعمرة مسكفعام في القطاع الشرقي، وأحد الصاروخين سقط في أحد أحياء بلدة العديسة وأشعل حريقًا.
في المقابل أعلن «حزب الله« في بيان، أنّ «ردًّا على الاعتداءات الإسرائيليّة عصر اليوم الجمعة على محيط عدد من البلدات اللّبنانيّة الجنوبيّة، قام مجاهدو المقاومة الإسلاميّة بمهاجمة المواقع الإسرائيليّة التّالية: موقع العباد، موقع مسكفعام، موقع راميا، وموقع جل العلام، بالأسلحة المباشرة والمناسبة؛ وحقّقوا فيها إصابات دقيقة».
وأشارت مصادر عسكرية وسياسية لـ»البناء» الى أن الاحتلال الإسرائيلي خرق قواعد الاشتباك مرة جديدة بقصصف أهداف مدنية»، متوقعة أن يبادر حزب الله الى «ردّ يناسب الفعل الإسرائيلي»، مرجحة بأن يطلق الحزب صواريخ على مستوطنات إسرائيلية. لكن المصادر أوضحت بأن القصف والاشتباك المتبادل لا يزال ضمن إطار محدود ومن المستبعد أن ينزلق الى حرب واسعة النطاق على الأقل في الوقت الراهن، إذ لا مصلحة لـ»إسرائيل» بتوسيع مساحة الحرب على جبهات عدة لا سيما الجبهة الجنوبية مع حزب الله التي تعرف حجم التداعيات التي ترتبها لا سيما في ظل خوض جبهة مع قطاع غزة وقد تفتح جبهات أخرى داخل فلسطين، مثل الضفة الغربية وأراضي الـ48 والقدس. ولذلك تكثف الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الضغوط على الحكومة اللبنانية للضغط على حزب الله لكي لا يفتح الجبهة الجنوبية، ما يعكس حجم الخوف والقلق الإسرائيليين من حزب الله. ولفتت المصادر الى أن المدمرات وحاملة الطائرات الأميركية لن ترهب حزب الله وايران ولن تستطيع تغيير المعادلة باستثناء بعض الدعم المعنوي والنفسي للكيان الإسرائيلي المصدوم والمفجوع بالضربة النوعية والتاريخية التي تلقاها السبت الماضي.
وأشار نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الى أنه «لا تهمنا بوارجكم ولا تُخيفنا تصريحاتكم وسنكون لكم بالمرصاد لتبقى المقاومة»، مشدداً على أن «حزب الله يعرف واجباته جيداً ويتابع خطوات العدو ومتى يحين وقت أي عمل سيقوم به».
لفت قاسم، من أمام مجمع المجتبى خلال الاعتـصام التضامني مع غزة في الضاحية الجنوبية، الى أن «عملية طوفان الأقصى ناجحة بكل المعايير وهي عملية تأسيسية ومحطة تاريخية استثنائية ومضيئة ستكون خالدة للمستقبل وستكون معلما أساسيا لكل المقاومين والاحرار».
في غضون ذلك، جال وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان على المسؤولين اللبنانيين والتقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السراي. وجرى البحث في العلاقات الثنائية بين البلدين، والأوضاع الإقليمية والدولية، والتطورات الأخيرة في جنوب لبنان وغزة. وفي خلال اللقاء، اكد رئيس الحكومة «ضرورة بذل كل المساعي الدبلوماسية من قبل جميع الاطراف لوقف ما يجري من أحداث في غزة وحماية لبنان».
بدوره حذر الوزير الايراني «من امتداد الأحداث الجارية في غزة الى مناطق أخرى في المنطقة، اذا لم يوقف نتنياهو حربه المدمّرة ضد القطاع، وأن ما قامت به حركة حماس كان رداً على سياسة نتنياهو وجرائم إسرائيل». أضاف: «المهم بالنسبة إلينا هو أمن لبنان والحفاظ على الهدوء فيه، وهذا هو هدف زيارتي، واقترح عقد اجتماع لقادة المنطقة للبحث في الأوضاع».
كما التقى عبداللهيان في عين التينة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قبل ان يتوجه الدبلوماسي الى دمشق للقاء نظيره السوري علي المقداد.
وأكد عبد االهيان في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اللبناني عبد الله بوحبيب «أن ما نشهده اليوم في غزة هو جرائم حرب يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الأطفال والنساء الفلسطينيين». وأشار الى «اتفاق بين لبنان وإيران لضرورة الوقف العاجل لجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الأعزل». وأعلن ان «إيران دعت وأبدت استعدادها لاجتماع استثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي في طهران». من جهته، قال وزير الخارجية عبدالله بو حبيب ان «لبنان لم يكن يوماً يرغب بالحرب أو يسعى اليها ونحذر من ان استمرار التصعيد سيُشعل المنطقة ويهدد الأمن والسلم فيها».
وأشارت أوساط سياسية لـ«البناء» الى أن «زيارة الوزير الايراني تأكيد على دعم إيران لحكومات وحركات المقاومة في المنطقة لا سيما المقاومة الفلسطينية، ورسالة ايضاً للإسرائيليين بأن إيران لن تسمح بالاستفراد بالمقاومة في فلسطين»، كما لفتت المصادر الى أنها «رسالة للأميركيين بعد التهديدات وإرسال المدمرات بأن إيران ومحور المقاومة لن يخشوا أي تهديد ولا أي بارجة أو مدمرة».
وأفيد أنّ وزيرة الخارجيّة الفرنسية كاترين كولونا تزور لبنان، في جولة على دول في المنطقة وتشمل «إسرائيل»، الأردن ومصر، تأكيدًا على عدم تدهور الوضع الأمني في المنطقة وعلى إجراء مفاوضات سلام.
وأطلق ميقاتي سلسلة مواقف حيال التطورات الأمنية في الجنوب، فلفت الى «أنّنا نسعى لإبقاء لبنان بعيدًا عن الحرب أو عن أيّ حالة من عدم الاستقرار»، مشيرًا إلى «أنّني لمستُ الواقعيّة والعقلانيّة عند «حزب الله«، وهمّنا الأساسي كحكومة أن يبقى الاستقرار في لبنان دائمًا، لكنّني لم أحصل على ضمانة من أحد لأنّ الظّروف متغيّرة باستمرار».
وشدّد، في تصريح تلفزيوني، على «أنّنا ملتزمون بالقرار الدولي 1701، والجيش اللبنانيّ متواجد على الخطوط الأماميّة في جنوب لبنان، ونتمنّى أن يدوم الاستقرار»، مكرّرًا أنّ «همّنا الأساسي أن يبقى لبنان مستقرًّا. عاطفيًّا، نحن مع أهلنا في فلسطين، وواقعيًّا يهمّنا الاستقرار في لبنان».
ولفت ميقاتي إلى أنّ «في الأيّام الثّلاثة الأولى من انطلاق عمليّة «طوفان الأقصى»، كان الجميع يطلب من «حزب الله» أن يضبط النّفس. لكن في الأيّام الثّلاثة الأخيرة، أكّدنا أنّ «إسرائيل» يجب أن تتوقّف عن استفزاز الحزب»، معلنًا «أنّني أقوم بواجبي كاملًا لحماية لبنان والدّولة اللّبنانيّة».
وشدّد على أنّ «قرار السّلم والحرب ليس بيدي ولا بيد الحكومة، ولكنّني أقوم بمسعى مع كلّ الفاعليّات لعدم جرّ لبنان إلى الحرب»، معربًا عن أمله أن «يتوقّف إطلاق النّار بين «حزب الله» و»إسرائيل»، لتمرّ هذه الغيمة عن لبنان».
ولاقت الهمجية الإسرائيلية باستهداف طاقم صحافي في علما الشعب حملة استنكار واسعة، فيما اكتفى البيت الأبيض، بالإشارة في بيان إلى «أننا اطلعنا على تقارير بمقتل صحافي في «رويترز» وإصابة صحافيين بقناة «الجزيرة» ووكالة الصحافة الفرنسية في جنوب لبنان». ولفت إلى أنّ «العمل الذي يقوم به الصحافيون محفوف بالمخاطر وحادث اليوم (أمس) يذكّر بذلك»، مشيرًا إلى «أننا نأمل أن يتماثل الصحافيون المصابون للشفاء العاجل».
في المواقف الداخلية، تساءل الرئيس بري: «هل يحتاج المجتمع الدولي إلى دليل، بأنّ «إسرائيل» ومستوياتها السّياسيّة والعسكريّة يريدان ممارسة إجرامهما وعدوانيّتهما من دون شهود على الحقّ والحقيقة؟». وقدّم «أحرّ التّعازي للإعلام الدّولي والعربي واللّبناني ولذوي الشّهيد، باستشهاد المصوّر في وكالة «رويترز» عصام العبدالله، والشّفاء العاجل للإعلاميّة في قناة «الجزيرة» كارمن جوخدار وزميلها المصوّر إيلي براخيا».
بدوره، أكّد الرئيس ميقاتي، أنّ «استهداف العدو الإسرائيلي الصّحافيّين مباشرةً، في عدوانه المستمرّ على الأراضي اللّبنانيّة، وصمة عار جديدة تضاف إلى سجلّه الأسود في القتل والعدوان».
ودانت العلاقات الإعلامية في حزب الله، «الجريمة النكراء التي أقدم عليها العدو الصهيوني باستهداف عدد من الإعلاميين على الحدود اللبنانية أثناء قيامهم بتغطية الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، ما أدى إلى استشهاد الزميل الصحافي عصام العبد الله وإصابة عدد منهم». ولفت إلى أنّ «ما أقدمت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي هو استكمال لعدوانها الإجرامي على المؤسسات الإعلامية في غزة وتدمير مقارّها ومراكزها وقتل عدد كبير من العاملين فيها، بهدف منع نقل الجرائم وصور العدوان الوحشي على المدنيين والأبرياء». وتقدمت العلاقات الإعلامية في «حزب الله» من «وكالة رويترز في لبنان، ومن قناة الجزيرة، ومن وكالة الصحافة الفرنسية في لبنان، ومن سائر الإعلاميين الأحرار ومن عائلة الشهيد المظلوم عصام العبد الله بالتعازي، ونسأل الله أن يمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل».
واعتبر عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي معن حمية أنّ استهداف الصحافيين من قبل العدو الصهيوني، هدفه منعهم من كشف جرائم هذا العدو الإرهابي، بما يُسقط الأكذوبة الأميركية ـ الغربية التي تبنّاها الإعلام المتأسرل. فالمقاومة الفلسطينية في عمليتها النوعية، استهدفت جنود الاحتلال وجهاً إلى وجه، وليس مدنيّين وأطفالاً. وأكد أنّ المقاومة بكلّ فصائلها، تخوض اليوم حرب تشرين ثانية، وهي تمتلك كلّ عناصر القوة التي تُمكّنها من الرد الحاسم وإلحاق الهزيمة بالعدو الصهيوني وكلّ داعميه.
على صعيد آخر، أفادت مصادر إعلامية بأن «توتال أبلغت وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول انتهاء الحفر في البئر في البلوك رقم 9 بعدما وصلت إلى عمق 3900 متر تحت قعر البحر ولم تجد سوى الماء»، إلا أن وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، أكد في وقت سابق بأن «لا صحة للخبر الذي يتمّ تداوله عن عدم اكتشاف مكمن للغاز في البلوك رقم 9 ونحن بانتظار نتائج الفحوصات».
إلا أن ميقاتي كشف أنه «أوّل من أمس زارني وفدٌ من شركة «توتال»، وأبلغني أنّ المعطيات المتوافرة غير إيجابيّة في ما يتعلّق باستخراج الغاز من البلوك رقم 9، وأنه لا يوجد أيّ أمر ملموس يؤكّد وجود غاز فيه، ولكنّ القرار النّهائي سيُتّخذ من قبل الشّركات المختصّة خلال أيّام».
ورجحت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن تكون هذه الإشاعات متعمدة وتحمل رسالة الى لبنان بأنه بحال فتح حزب الله الجبهة الجنوبية مع «إسرائيل» دعماً للفلسطينيين، فإن الأميركيين والفرنسيين سيطلبون من الشركات وقف أعمال الحفر والتنقيب وحرمال لبنان من استثمار هذه الثروة الطبيعية الهامة التي يراهن عليها لمعالجة أزمته الاقتصادية، وبالتالي إبقاء لبنان تحت الحصار النفطي والمالي والنفطي والعازي. لكن مصادر في فريق المقاومة تحذر عبر «البناء» من أن تجميد عمل الشركات في البلوك 9 بذريعة عدم وجود غاز ونفط، سيدفع المقاومة للعودة الى معادلة السيد حسن نصرالله: «لا استخراج غاز ونفط من كاريش من دون استخراج الغاز والنفط في حقل قانا»، وبالتالي قد تبادر المقاومة في أي وقت الى إرسال مسيرات فوق كاريش وربما استهداف المنصة بصاروخ لإجبار الشركات على وقف أعمال الاستخراج، ما يعطّل نقل الغاز والنفط من البحر المتوسط الى اوروبا في ظل استمرار الحاجة الأوروبية للغاز بسبب الحرب الروسية – الاوكرانية.
المصدر: صحف