أحمد أبو زهري
شهدت الأيام والساعات الأخيرة مباحثات مكوكية أجراها الوسطاء، في محاولة لاحتواء التصعيد المتدحرج في غزة، ومنع انزلاق الأوضاع باتجاه جولة جديدة من القتال، فقد أسهم الوسطاء: “القطري، والمصري، والأممي”، في الجهود الأخيرة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، نقلت خلالها مطالب وشروط المقاومة التي (فرضت تحت الضغط) وأفضت إلى رضوخ الاحتلال وتعهده بالالتزام أمام الوسطاء بتنفيذ هذه الشروط.
وكانت شروط المقاومة تتضمن تحسين واقع الحياة في قطاع غزة، ووقف العدوان في الضفة والقدس، فبعد أن كان الاحتلال يرفض الاستجابة للتحذيرات رضخ تمامًا لمطالب وشروط المقاومة، بعد أن استأنف الشباب الثائر الفعاليات على السياج الأمني الفاصل مع قطاع غزة، ونجحوا في إرباك الجنود والمستوطنين، وقد تنوعت الفعاليات وتضمنت: “إشعال الإطارات، وتخريب السياج، والدخول للأراضي المحتلة، وحرق المواقع والدشم العسكرية، وتفجير بعض البوابات بالمفرقعات البسيطة، وإطلاق البالونات الحارقة، وأخيرا أطلقت النيران من المسدسات باتجاه الجنود”.
الاحتلال بدوره كان يتابع ما يجري وينظر بخطورة بالغة للأمر، لكنه راهن على قمع هؤلاء الشباب، واعتقد أن إطلاق النار على المتظاهرين، واستخدام قنابل الغاز، وقصف الأراضي الفارغة، واستهداف مراصد المقاومة، يمكن أن يؤدي لردع قطاع غزة وإرباك المقاومة، وإرهاب الشباب الثائر ودفعهم لإيقاف الفعاليات، أو حتى خفض حدة هذه الفعاليات، لكنه تفاجأ بأن الأحداث تتدحرج لنحو خطير، وذلك بعدما اندلعت الحرائق في الغلاف، وبعد أن تعرض جنوده لإطلاق نار مباشر، وبعد أن تم تفجير بوابات رئيسة في السياج الأمني مع غزة، وقد رفع الشباب الثائر مستوى التهديد وتوعدوا باستخدام أدوات وأسلحة جديدة.
هذا بدوره خلق تحديًا أمنيًا جديدًا في جبهة الجنوب في وقت خطير جدًا وبالغ الحساسية وفي ظرف سياسي وأمني صعب للغاية يمر به الكيان، فمن جانب يعيش أزمات سياسية متلاحقة لم يفلح في تجاوزها بالرغم من كل المحاولات التي ألقت بظلالها على أداء الحكومة وعلى علاقة الأحزاب السياسية مع الحكومة، وكذلك على العلاقة مع الجماهير التي لم تتوقف لحظة عن مهاجمة الحكومة، وفي المقدمة منها رئيس الوزراء، فالأزمة السياسية تأتي في وقت أمني صعب نتيجة تطور أداء المقاومة في الضفة الغربية والقدس، وفشل المؤسسة الأمنية في وضع حل جذري لموجة العمليات القاسية التي ضربت وتضرب الأهداف الإسرائيلية، وخلفت عشرات القتلى والمصابين في صفوف الجنود والمستوطنين، ليس هذا فحسب، فالعدو يعيش حالة رعب خشية من اندلاع مواجهة كبيرة في جبهة الشمال.
إلى جانب المسار الحالي الذي يحاول خلاله رئيس وزراء العدو تحقيق اختراقات جديدة في (ملف التطبيع)، وفي مقدمة ذلك التطبيع مع السعودية، فالاحتلال يعد أي تطور في العلاقة مع السعودية تحولًا غير مسبوق في المنطقة، لذلك جاء تسخين الأوضاع في غلاف قطاع غزة في وقت مناسب وإستراتيجي بالنسبة للمقاومة التي اختارت التوقيت بعناية واستطاعت الضغط أو الضرب على الجروح وهي في حالة نزيف؛ لكي يصرخ العدو ويرضخ وتكون الاستجابة أسرع، وهذا ما حصل، إذ لم يجد العدو أي خيارات سوى الاستجابة الفورية للمطالب والشروط التي نقلت عبر الوسطاء.
وقد يتساءل البعض: ما الضامن لالتزام الاحتلال بهذه التفاهمات؟ وهذا تساؤل منطقي، إذ إن المقاومة تضع في مقدمة الحسابات إمكانية “تهرب وتفلت الاحتلال” من تنفيذ الالتزامات والعودة للمراوغة والمماطلة مجددًا، لذلك فإن رسالة المقاومة كانت واضحة مع الوسطاء بأن أي إخلال من الاحتلال بهذه الالتزامات التي تعهد بتنفيذها أمام الوسطاء يعني العودة مجددًا للتصعيد، وسيتحمل الاحتلال عواقب ذلك، والرسالة وصلت إليه من خلال الوسطاء والكرة الآن في ملعبه، إما الالتزام بما تعهد به، وإما الاستعداد لأيام صعبة للغاية على السياج الأمني الفاصل مع غزة، ولا ضمانات لبقاء هذه الفعاليات بشكلها الحالي، وربما تتدحرج الأحداث لمشهد مختلف وبالغ الخطورة يدفع فيه الاحتلال أثمانًا مضاعفة.
المصدر: بريد الموقع