أوّل ما يتبادر إلى أذهاننا، إزاء الضجّة الإعلاميّة حول الفيلم، هو : كيف وُلدت اللّعبة “باربي”؟.. فتّش عن اليهود وحلمهم بتخريب العالم..
بعدما أعلن وزير الثقافة اللّبناني القاضي “محمّد وسام مرتضى” منع عرض فيلم “باربي” الهوليودي؛ عاد الفيلم إلى صالات السّينما في لبنان قويًا معزّزًا بحضور لافت. فقد أدّت مقولة “كلّ ممنوع مرغوب” غرضها من هذا المنع؛ إنّما على ما يبدو لم يستمر هذا الحضور الكثيف؛ وذلك لسبب جوهري هو أنّ هذا الفيلم، والذي استحوذ على اهتمام الصّحف العالميّة عامّة، بعد حملة ترويجيّة ضخمة وفاقت إيرادته المليار دولار في العالم، لم يكن أكثر من مجرد فيلم تجاري باهت وممل، يظهر هدفه الحقيقي للعيان وهو الترويج لسلعة اللّعبة الشّهيرة الأميركيّة التي تحمل اسم “باربي”؛ بعدما كانت تشهد ركودًا ملحوظًا في نسبة المبيعات في الأسواق العالميّة.
بداية المشوار “المشبوه” و”اعتراض” نسوي
أوّل ما يتبادر إلى أذهاننا، إزاء الضجّة الإعلاميّة حول الفيلم، هو : كيف وُلدت اللّعبة “باربي”؟ سؤال طبيعي؛ إنّما أيضًا يشوبه الشكّ والرّيبة؛ إذ عرفنا أنّ مخترعتها يهوديّة من أصل روسي-أخرون يقولون من أصل بولندي- حيث ولدت “روث هاندلر” في مدينة دنفر في ولاية كولورادو الأمريكيّة، في العام 1916، وهربت من بيت أهلها وهي في عمر المراهقة، وانتقلت بعد زواجها للعيش في مدينة لوس انجلوس، حيث شاركته “إليوت” شركته (Mattel”) العاملة في صنع أثاث المفروشات، والتي تحوّلت فيما بعد إلى التخصّص في صناعة دمى “باربي” بعدما اشترت حقوقها. هي تقول- أي “روث”- إنّ فكرة صنع اللّعبة خطرت في بالها عندما لاحظت ابنتها “باربرا” وصديقاتها يلعبن بدمى ورقيّة، ويتخيّلن لكلّ واحدة من تلك الدمى دورًا ومهنة مختلفة، هنا قررت “روث” تصنيع لعبة تقدّم للبنات الصّغيرات الغرض نفسه وتساعدهن على الحلم بالمستقبل؛ بحسب موقع “thoughtco” الأمريكي. فبدلًا من إنتاج دميّة للعب دور الأم وحسب؛ قامت الشركة بصناعة دميّة شبيهة بامرأة ناضجة.
لكنّ تصريحها ذاك يناقضه تصريح أخر لها؛ قالت فيه إنّه آن الآوان للمرأة أن تفكر بأدوار أخرى لها غير الأمومة. لذلك؛ نشكّ بروايتها الأولى التي أوردها الموقع الأمريكي، فمن غزيزة الفتاة الصغيرة أن تلعب بدمى لبنات حديثات الولادة، حيث تمارس معها دور الأم، فمستغرب ادّعائها أنّ ابنتها وصديقاتها كنّ يتخيّلن أدوارًا مختلفة لدمى كبار يصنعن من ورق..!! مهما يكن من أمر؛ فقد صنعت صورة نمطيّة جديدة، بواسطة لعبتها المثتحدثة “باربي” للمرأة، هادفة في ذلك تقديم خدمة لظاهرة النسويّة، والتي كانت في أوجّ انطلاقتها في العالم الغربي أنذاك، حين ولدت اللّعبة “باربي” في العام 1959، خلال المرحلة الوسطية بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، حين انبثقت مفاهيم مثل الفردانية والثورة الجنسيّة والأفكار النسويّة. فقد كان العالم في ذلك الوقت ينقلب بشكل هائل، حيث كانت ثورة مفاجئة ضد قهر النّساء إلى ما فوق المساواة بدرجات وصلت إلى حد تسليع جسد المرأة واستغلالها في التجارة والتسويق والإعلام.
وهذا يشي بإطلاق مشروع إيدولوجي حملت لواءه اللّيبراليّة – الرأسماليّة. إنّما بعيدًا عن الحديث في هذا الجانب، لا بدّ من الالتفات أولًا إلى أنّ هذه اللّعبة انطلقت بتوجهّات ثقافيّة نسويّة خاصة جدًّا، حفر فيها الوعي النسوي اليهودي تحديدًا، والذي كان له الدّور الأكبر في إطلاق الحركة النسويّة الغربيّة. لقد قامت النسويّة اليهوديّة بتني الدّعاية التسويقيّة ثقافيًا وتجاريًا للعبة “باربي”، والذي كانت تطمح إلى تغيير ثقافي جذري في المجتمعات الإنسانيّة عامّة. فقد قادت هذا الحراك المجلّة النسويّة اليهوديّة “ليليف”، ورئيستها “جودي بلاسكو”، والتي تُعدّ الباحثة العقديّة اليهوديّة الأولى في التاريخ النّسوي اليهودي. وهذه الأكاديمية اليهوديّة المتخصّصة هي التي قادت هذا التوجّه. ففي مقابلة أجرتها هذه المجلّة مع “روث” تبيّن رفض المجتمع عمومًا لفكرة لعبة تجسّد امرأة ناضجة الملامح في الشكل والطول والأعضاء، في البداية، وكيف أصّرت على زوجها بتني صنع اللّعبة ونشرها في الأسواق ودعمها بدعاية ثقافيّة- تجاريّة.
لم ينجح الترويج للعبة “باربي” إلًا لأنّه أتى في زمن – كما بيّنا أعلاه- تتخبط فيه المفاهيم والأفكار بعد النقمة على فلسفة الحداثة التي لم تجلب الرفاهيّة والسّعادة للبشرية كما كان متوقّعًا؛ بل ورطتها في حربين متتالتين. لقد مثّل النجاح الكبير للعبة “باربي” تجاريًا رمزًا لانطلاق الحركة النسويّة بما تحمله من مفاهيم مغايرة كلّيًا، ولكن للمفارقة المدهشة رأت بعض الوجوه النسويّة أنّ هذه اللّعبة رمز لـ”التشييء” أي خلق امرأة نمطيّة من لون واحد، فيما انتقد آخرون الدميّة كونها تقدّم للفتيات تطلّعات غير واقعية، لكنَّ “باربي” أثبتت أنَّها أكثر من مجرد دميّة، بل هي حلم تتمسك به الفتيتات الصّغيرات ليحققن لأنفسهن أدوارًا “غير تقليديّة”؛ حيث يمكن لهن العيش بحريّة وانطلاق بخلاف الأجيال السّابقة..!
جدير بالذكر أنّ الانتقاد النسوي الأوّل للدميّة قد تجاوزه الزمن بكثير حين لاحظت المخترعة “روث” تصاعد حجم الاعتراضات على ما تقدّمه دميتها من نمطيّة ثقافية واحدة، فقامت بالتعاون مع شركة زوجها بتصنيع أنواع مختلفة من دمى “باربي” من مختلف الألوان والطبفات الاجتماعيّة والمهنيّة- طبيبة ورائدة فضاء وبيطرية وغيرها من المهن- وحتى من ذوي الاحتياجات الخاصة..! كلّ ذلك كي تغرق السّوق بما تحمله ثقافة اللّعبة من قيم استهلاكيّة.. أضف إلى ذلك تصنيع حاجيات لــ”باربي” من ثياب وأثاث منزل ومفروشات وأدوات وغيرها، حيث يمكن أن تخصّص في بيتك غرفة خاصة باحتياجات “العزيزة باربي”؛ وكأنّها امراة ناضجة تحتلّ جزءًا من حياة أهل المنزل..! وطبعًا لا يجوز أن تبقى “باربي” وحيدة؛ فكان لا بدّ من صنع رفيق لها أو حبيب ويدعى “كين”..!
فيلم “باربي” يكمل المشوار وموافقة نسويّة
بالرغم من أنّ الفيلم متعلّق بشخصيتي “باربي” و”كين”؛ أي موجّه للأطفال في المرتبة الأولى ثمّ الكبار؛ إلّا أنّ محتواه جاء مخالفًا تمامًا للفئة الموجّه لها، وخصوصًا للعادات والتقاليد العربيّة والإسلاميّة. إذ يعجّ الفيلم القائم على شخصيات دمى أطفال، بالممثلين المتحوّلين جنسيًا والشاذين في بطولته، على غرار الممثلين “هاري نف” و”ألكساندرا شيب” و”سكوت إيفانز”. وهو بهذا يمثّل خطوة جديدة في ترسيخ فكرة التحولّ والشذوذ الجنسي لدى صغار السّن وجعلها عادية ومقبولة. إذ قالت مخرجة الفيلم “غريتا غيرويغ: “لا يمكننا قصّ روايتنا من دون مجتمع الميم LGBTQ + وكان من المهم بالنسبة إلينا تمثيل التنوّع الذي أوجدته شركة Mattel مع جميع نسخ Barbies and Kens المختلفة والموجودة اليوم”. ولكن يبدو أنّ “غيرويغ” سلّحت عملها، بشكل غير مباشر، لدعم هذه الأفكار، من خلال حوارات في الفيلم تشجع على ما يسمّونه “الاختلاف” و”التنوعّ”، بالإضافة إلى إسناد شخصيات دمى الأطفال إلى متحوّلين وشاذين.
قال الممثل المتحوّل هاري نف: “بقدر ما يوجد احتفال بالأنوثة، وبكوني فتاة في هذا الفيلم، أعتقد أنّ هناك أيضا تشجيعًا للتخلي عن قائمة المراجعة التي نعزوها إلى عيش حياتك وكونك في جسدك، وفقًا لشروطك الخاصة. أفضل ما يمكننا القيام به نحن النساء، النساء المتحولّات، هو أن نكون موجودات لمساندة بعضنا البعض من دون الاعتماد على الضوء الأخضر من أي شخص آخر”. رافق الفيلم حملة ترويج ضخمة عالميًا وسط موجة تجتاح دولًا غربيّة للتشجيع على حريّة “التحوّل الجنسي”، تحت عنوان “التأكيد الجنسي”، بخطط تربويّة ومدرسيّة وتشريعيّة، من دون موافقة الوالدين حتى، مع تقديم رعاية تشمل عمليات جراحيّة وعلاجات هرمونيّة لتغيير الجنس.
حاليًا؛ بلغت «باربي» عامها الـ64 من دون أن تظهر عليها آثار الشيخوخة، غير أنّ مبيعات الدميّة الأشهر في العالم تعرّضت في المقابل لشيخوخةٍ مزمنة بعد أن كانت الأكثر مبيعًا خلال معظم تاريخها. فقد سعت الشركة الأمّ «ماتيل» في السنوات الأخيرة، إلى انتشال نجمتها من النسيان بشتّى الوسائل، فابتكرت أفكارًا جديدة، وحدّثت هويّة الدميّة. لم تأتِ النتائج على قدر التوقّعات، لكن يبدو أنّ فيلم «باربي» قد يشكّل خشبة خلاص تعيد الدميّة إلى صدارة الرفوف والمبيعات في متاجر الألعاب حول العالم؛ هذا على الأقلّ ما كان يرجوه ويروّج له القيّمون على «ماتيل». ويبدو أن هذا ما حصل فعلًا، فإنّ مبيعات الدميّة ومستلزماتها، خلال شهر يوليو (تمّوز) شهدت ارتفاعًا ملحوظًا. وقد استبَقت الشركة بدء عرض الفيلم، بإطلاق أكثر من 165 منتَجًا جديدًا يعكس محتوى الفيلم ويستنسخ شخصياته. أما الدميّة الأكثر مبيعًا من المجموعة الجديدة، فهي بطبيعة الحال تلك التي تجسّدها الممثلة مارغو روبي، أو باربي في الفيلم.
تأكيدًا على القيم التي حملتها “باربي” في مشوارها الأوّل، يبدأ الفيلم بها.. وهذا ليس من باب المصادفة، مع بنات يلعبن بدمى قماشيّة مختلفة تمثل أفراد الأسرة من أم وأب وأطفال.. وفجأة تقوم الصّغيرات بتمزيق هذه الدمى بشكل عنيف، فهو مشهد يريد القول إنّ الأسرة لم تعد تكفي لعيش حياة سعيدة على هذا الكوكب. إذ يبدأ الفيلم مع انهيار البطلة بسبب هروبها من عالم “باربي لاند” لكونها دميّة أقل من المثالية، لتذهب إلى العالم الحقيقي برفقة “كين”، حيث عليها اكتشاف مخاطر العيش بين البشر، كي تكتشف المشكلة الخطيرة التي ستفقدها مثاليتها إذا لم تعالجها.
فتنتقل «باربي» من عرش الجمال المثالي إلى أرض الواقع بحثًا عن الفتاة التي تمتلكها، أي صاحبة الدميّة، علّها تجد سببًا للحزن الذي أصابها، لتكتشف أنّ صاحبتها أو الفتاة التي تمتلكها، هي سيدة تعمل في شركة «ماتيل»، وأنها تعاني بدورها أزمة وجوديّة؛ فهي تشعر بالفشل الوظيفي وعلاقتها بابنتها متوترة، فلا استطاعت تحقيق النجاح الفردي ولا العائلي. وإنّ مشاهد انتقال «باربي» و«كين» إلى أرض الواقع، حاول التأكيد مرارًا على فكرة سيطرة الرجال على العالم، ونظرتهم الشهوانيّة الدّائمة إلى النساء، ولكن بمعالجة تقليديّة بحتة ذات لغة خطابيّة ومباشرة.
كما رصد فيلم «باربي» نموذج الذكوريّة مع «كين»؛ حيث تهدف إلى رغبة الرجال في أن يأسروا النساء؛ وهي نظرة قاصرة للذكوريّة وانتقاء وجه واحد من بين مئات الأوجه للذكوريّة، والتي يمرّ الفيلم على بعضها مرور الكرام، من دون أن يتعمّق فيها خوفًا من إضفاء طابع الكآبة عليه على الأغلب. فالفيلم ينتقي بعناية آخذًا من الأبعاد التجارية غايته، نماذج ذكوريّة معينّة يريد أن يؤطرها، أن ينتقدها، أن يعرض هشاشتها ومن ثم إظهار ندمها.
حول هذه المسألة كتبت “آندي زيسلر”، مؤلفة كتاب “كنّا نسويّات ذات مرّة”، مدوّنة نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز الأميركيّة” بمناسبة إطلاق الفيلم، إذ قالت:” إنّ “باربي” تمثّل نقطة اشتعال على مدى السنوات الـ 64 الماضية حول سؤال كيف تبدو النساء؟ خاصّة مع تطوّر نماذج مختلفة لــ”باربي” من الفتاة النحيلة الشقراء ذات الفستان الوردي، إلى نسخ عديدة مختلفة في الأحجام والألوان والمهن والملابس و”الإكسسوارات” الإضافية، وتزيد من حدة النقاشات -وربما حيرة الاختيار- لدى محبّات هذه الدميّة”.
“زيسلر” استشهدت بفيلم وثائقي عُرض، في العام 2018، بعنوان “أكتاف صغيرة: إعادة التفكير في باربي” (Tiny Shoulders: Rethinking Barbie)، والذي ناقش هذا الجدل. وكانت إحدى الضيوف المشاركين فيه كونها من محبّات الدميّة باربي، وأشارت إلى مقولة “ميشال شيدوني”، رئيسة العلاقات العامة في شركة الألعاب الأميركيّة “ماتيل”، (أو كما تصف نفسها “المروّجة لباربي”)، في عنوان هذا الوثائقي أنّ: “باربي تحمل على كتفيها الصغيرين معايير الجمال وتحليلات النسويّة لأجيال عدة”، إذ ترى أنّ :”هذا هو ما جعل الدميّة يُعاد تشكيلها؛ لتصبح أكثر امتلاءً، أو أكثر رياضية، أو تختلف في اللون تبعًا للنقاشات الدائرة حولها، أو محاولات مصنعيها تقديم منتج يرضي أذواقًا مختلفة”.
تنقلنا أحداث الفيلم إلى أرض “باربي”، وهي مدينة “مثالية” -بنظر صنّاع العمل- حيث لكلّ “باربي” وظيفة رائعة على قدم المساواة مع الرجال، وكما تقول الممثلة “هيلين ميرين” بصوت ساخر: “حُلّت كلّ مشكلات النسويّة وحقوق المرأة”، هكذا قالت مجلة “تايمز” الأميركيّة في تقديمها عن الفيلم. كما أشارت المجلّة إلى أنّ الفيلم قدّم صورة مثالية عن “باربي” التي تقضي اللّيل في أمسيات تُظهر فيها جمالها وثقتها، بينما “كين” هو شريك رقص مريح، وحتى عندما أرادت البحث عن إجابات في عالم الواقع كان “كين” مجرد “إكسسوار” في حياة أحلام “باربي” في رحلتها للاستكشاف
أثر الدّمية على البنات الصّغيرات .. تدمير للثقة بالنفس
من المشاكل المرتبطة باللّعب بهذه اللّعبة انخفاض تقدير النفس وعدم الرضا عن شكل الجسم عند الفتيات الصغيرات، ففي أيلول العام 2016 نشرت مجلة (body image) دراسة أجريت على١١١٢ فتاة تتراوح أعمارهنّ بين السابعة والثامنة، وكان مفادها أنّ البنات اللاتي لعبن بـــ”باربي” أبدين استياءً من أشكال أجسادهنّ مقارنة بالفتيات اللواتي لعبن بلُعب أشكال أجسامهنّ أكثر واقعية منها. وكذلك نشر موقع Pubmed دراسة أجريت على فتيات بين عمري الخامسة والثامنة، تمّ تعريضهنّ إما لصور باربي أو لصور لعب ذات ملامح واقعية، فكان تقدير الفتيات اللواتي تعرضن لصور باربي لأنفسهن منخفضًا مقارنة بالأخريات اللواتي لم يتعرّضن لها. كما أنّ المجموعة الأولى كانت غير راضية عن صورة جسدها، وتملك رغبة أكبر بفقدان الوزن. فالقلق الذي تتعرض له هؤلاء الفتيات بسبب خوفهن من زيادة الوزن لا يسببه مجرّد التعرض لأجهزة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والتقاليد والأعراف التي تركز على شكل الفتاة، بل أيضًا نوع الدّمى التي يلعبن بها.
إضافةً لما سبق، فمن المحتمل أنّ اللّعب بــــ”باربي” قد يسبّب عددًا من اضطرابات تناول الطعام، ففي الدراسة نفسها التي نشرت في مجلة Body Image قالت الدكتورة “كاثلين كلير” المتخصّصة في علم التغذية في جامعة بنسلفانيا إنّ البنات كن يرغبنّ في الحصول على أجسام تشبه اللّعبة التي يلعبن بها، وأنّ التعارض بين أجسادهنّ والشكل الذي يردن أن يكنّ عليه قد يكون سببًا في اضطرابات تناول الطعام في المستقبل.
كما نشرت مجلّة نيويورك تايمز دراسة مفادها أنّ 42% من الفتيات، بين الصف الأول والثالث، يتمنين لو كنّ أكثر نحولة، بينما نصف الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهنبين التاسعة والعاشرة يشعرن أنهن أفضل في أثناء خضوعهنّ لحمية خاصة لإنقاص الوزن. وبالرغم من أنّنا لا نستطيع القول إنّ “باربي” هي السّبب الأساسي لهذه الظاهرة، لكن لها دور كبير في إشاعتها بكل تأكيد، تحديدًا حين نعلم أنّ هناك إصدارًا من “باربي” يأتي مع كتاب صغير بعنوان “كيف تنقصين وزنك؟ ويحتوي جملة “لا تأكلي”.
فيلم باربي هو باكورة إنتاجات «ماتيل للأفلام»، أمّا تكلفة إنتاجه فقد فاقت الـ100 مليون دولار. ووفق المعلومات المتداولة، فهو لن يكون الأخير بما أنّ 15 فيلمًا آخر مقتبس من دمى «ماتيل» وألعابها، هي قيد التحضير. ومن بين تلك الأفلام ما هو مخصّص لدميّة «بارني» الشهيرة، وأخرى مقتبسة من سيارات «ماتشبوكس» و«هوت ويلز»، إضافةً إلى عودة لشخصيّة «ميجور مات ميسون» مع الممثل الأميركي “توم هانكس”. وتصرّ «ماتيل» على أنّ الهدف من تلك الأفلام ليس إنعاش مبيعات الألعاب فحسب؛ بل “منح نهضة ثقافيّة إيجابية لأبطالها”…!! وهنا تكمن الخلفيّة الحقيقية لهذا النّوع من الأفلام.. خلق تغييرات ثقافيّة في المجتمعات نحو المزيد من الإمساك بها للمزيد من الاستهلاك والانحطاط..
قال، ذات يوم، المفكّر الدكتور “عبد الوهاب المسيري”- رحمه الله- في كتابه ”الثقافة والمنهج” (2009) إنّ: “باربي، اللّعبة البلاستيكيّة ذات الصّفات الجسديّة الجنسيّة الجذابة، ليست فقط لعبة؛ بل هي مؤامرة ضد أطفال العالم بهدف أن يكونوا مستهلكين منزوعي البراءة وعديمي الهويّة”… ترى أو ليس محقًا؟!
د. زينب الطحان
المصدر: موقع أمان