صدر قرار مجلس الأمن الدولي بالتمديد لمدة عام للقوات الدولية المؤقتة (اليونيفيل)، وقد برز “التناقض” في فقرة الصلاحيات الخاصة بعمل هذه القوات، حيث أعطيت حرية الحركة وبالتوازي طلب منها التنسيق مع الحكومة اللبنانية، ما فهم ان الصياغة تمت “عن قصد” بشكل غير صريح وواضح، لترك الباب مفتوحا أقله من الناحية الإعلامية للقول إن “إسرائيل فرضت ما تريد امام جمهورها”، وأيضا لقدرة لبنان على ضبط تحركات اليونيفيل من خلال التنسيق مع حكومته ممثلة بالجهات الأمنية والعسكرية المختصة، وهذا ما قيل انه الطرح الفرنسي لعدم إعلان خسارة طرف ضد آخر في “النزال الدبلوماسي”، الذي جرى في مجلس الأمن حيث سجلت نقاط عديدة لا بد من الإضاءة عليها.
وهذه النقاط هي:
-سجل نشاط دبلوماسي يحسب للبنان استطاع فيه فرض التراجع خطوة الى الوراء بموضوع صلاحيات اليونيفيل، فبعد ان كان لها حرية الحركة في العام الماضي بدون تنسيق مع أحد، فرض عليها اليوم (ولو بشكل ملتبس نظرا للتناقض الحاصل) التنسيق مع الحكومة اللبنانية.
-سجل بروز إنحياز الممثل العربي في مجلس الأمن أي دولة الامارات الى صف العدو الاسرائيلي، وتبني مطالبه المدعومة أمريكيا وبريطانيا، ما يطرح تساؤلات، هل الإمارات تمثل العرب أو “إسرائيل” في هذا المجلس؟ كما تطرح تساؤلات عن التضامن العربي وغيرها من المصطلحات التي يبدو انها باتت غريبة عن بعض الأنظمة العربية والخليجية.
-امتنعت روسيا والصين عن التصويت، وكان لافتا عدم أخذهما بالتحفظات اللبنانية بل تبنيا مسوّدة مشروع القرار الذي عملت عليه فرنسا على قاعدة “رابح – رابح”، على ان “روسيا والصين اللتان تتمتعان بحق الفيتو، امتنعتا للمرة الأولى عن التصويت، بما يخدم الموقف اللبناني”، بحسب ما أفادت صحيفة الأخبار اللبنانية.
-لم يستطيع العدو الإسرائيلي، عبر من يمثله فعليا في مجلس الأمن من الدول الغربية والعربية من فرض ما يريد، فالنية الصهيونية كانت تريد لليونيفيل ان تكون “يدها الطولى” للعمل داخل الاراضي اللبنانية لمتابعة عمل المقاومة على الارض ودهم مراكزها في بلدات الجنوب التي شهدت على طرد المحتل الاسرائيلي قبل ما يزيد عن 23 سنة في أيار/مايو من العام 2000، ومن ثم شهدت على إذلاله على أعتاب عيتا الشعب وبنت جبيل ومارون الراس في صيف العام 2006.
-ما جرى في مجلس الأمن أعاد الإضاءة على كل المحاولات الإسرائيلية المدعومة غربيا ومن بعض العرب للتربص بلبنان والمسّ بعناصر قوته التي تشكل المقاومة أحد أعمدتها الأساسية لا سيما أنها ضلع من ثلاثة في معادلة الحماية التاريخية له “الشعب – الجيش – المقاومة”، فعلى الجميع في لبنان التنبه وعدم إغفال هذا الحقد الصهيوني على لبنان وعدم تضييع البوصلة من قبل البعض جراء بعض الخلافات السياسية الداخلية للذهاب بعيدا (بدون قصد) في المطالبة بتنفيذ خيارات إسرائيلية.
-التأكد من وجود حالة من الوعي الشعبي والرسمي والسياسي لدى غالبية الأطراف اللبنانية ان لا مجال للمساس بالأمن والاستقرار الداخليين من أي جهة كانت وتحت أي عنوان من العناوين، ولو كانت الجهات التابعة للأمم المتحدة ضالعة في هذا الأمر، فلبنان وأمنه واستقراره فوق كل اعتبار.
لكن بغض النظر عن كل النقاشات القانونية والنظرية حول قرار التمديد لليونيفيل، ومن استطاع فرض رأيه ومدى الانتصار الدبلوماسي الذي تحقق لهذا الطرف أو ذاك؟ ومن كان صادق النية مع لبنان ومن تواطأ مع العدو؟ يبقى السؤال الأهم أيهما أفضل لليونيفيل: التنسيق مع لبنان أم تنفيذ الرغبات الإسرائيلية؟ وأيهما أسلم لعناصر وقيادات هذه القوات: هو القيام بدورها بصفتها جهة محايدة لديها عملها كمراقب لحماية وقف إطلاق النار وتخفيف التوتر ومنع خرق القرار 1701 (الذي تخرقه إسرائيل بصورة شبه يومية) أم أن تكون آداة إسرائيلية بوجه الشعب اللبناني والسكان المحليين في الجنوب؟
سؤال لا مجال فيه لاكثر من إجابة واحدة، فالأكيد أن مصلحة اليونيفيل وعناصرها وقيادتها بعدم الاحتكاك مع الناس واستفزازهم وإحداث هوّة في العلاقة معهم، فالناس هم الحياة في الجنوب وهم من ستتعاطى معهم قوات اليونيفيل ومن سيساعدها في إنجاح مهامها، بالتنسيق مع القوى المحلية والجهات العسكرية والأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني، أما العكس فسيعني توقف القوات الدولية عن القيام بمهامها المحددة لها وستتحول هذه القوات الى “قوة احتلال” معادية للناس مع كل ما يستتبعه ذلك من تداعيات.
وبالسياق، قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته خلال ذكرى عيد التحرير الثاني يوم 28-8-2023 “.. في الجنوب لن يُسمح لأي قوة، الناس لن يسمحوا، لم يُستخدم سلاح في هذا الأمر وليس هناك توجّه لاستخدام سلاح، لكن أهل الجنوب والناس في الجنوب لن يسمحوا بأن يُطبّق قرار بالرغم من رفض الحكومة اللبنانية له”. واوضح أنه “على كلٍ، وإن لم يحصل هذا التعديل في كل الأحوال الخلفية في الإصرار على التعديل هي خلفية لها علاقة بالكرامة الوطنية وإلا هذا سيبقى حبرا على ورق مثل ما كان السنة الماضية سيبقى حبرًا على ورق”.
المصدر: موقع المنار