ذكرى | خمسة وأربعون عاماً على غياب مؤسس المقاومة والقائد الرؤيوي – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

ذكرى | خمسة وأربعون عاماً على غياب مؤسس المقاومة والقائد الرؤيوي

3423f6a2-6e9b-43bf-aab8-55aa90f3a9d4

في 31 آب/اغسطس عام 1978، غاب الامام السيد موسى الصدر. بقيت ملابسات هذا الغياب حتى اللحظة قيد التحقيق والمتابعة، دون الوصول إلى نتائج واضحة وحاسمة. خمسة وأربعون عاماً على فقده، مفكراً واماماً ومقاوماً مؤسساً للكثير مما نجني وسنجني ثماره. خمسة وأربعون عاماً على يتم لم يفارق عائلته (أولاده الأربعة وزوجته المرحومة السيدة باروين خليلي) والالاف من محبيه.

في قم كانت نشأة السيد. وُلد هناك في 4 حزيران/يونيو عام 1928 من عائلة من كبار العلماء العامليين (والده المرجع آية الله السيد صدر الدين الصدر ووالدته السيدة صفية القمّيّ كريمة المرجع آية الله العظمى السيد حسين القمّيّ) التي تعود جذورها إلى السيد صالح من قرية شحور العاملية في جنوب لبنان. هناك تلقى علومه الابتدائية والثانوية، ولاحقاً الدينية، بالتوازي مع الدراسة الجامعية في كلية الحقوق في جامعة طهران، إذ كان من أوائل المعمّمين الذين تلقوا العلوم الحديثة في الجامعة وتخرّج حاملًا إجازة في الاقتصاد السياسي.

باكراً، ظهرت على الامام علامات الاهتمام بالشأن العام، منذ كتابته في سن الرابعة عشر مقالاً تحت عنوان “إلى متى العذاب” في جريدة “استوار” باللغة الفارسية لشرح آلام وآمال الشعب الإيراني، هم الذين اسمى ثورتهم لاحقاً “نداء الأنبياء”.

هذا ما لمسه فيه الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين، عندما زاره الامام للمرة الأولى في مدينة صور جنوب لبنان عام 1955، ثم التقى به ثانية عام 1957. أوصى به الأخير خلفاً له، صدق حدسه تجاه الامام الذي شكّل حضوره في لبنان نهضة نوعية على كافة المستويات، خصوصاً على صعيد المجتمع الشيعي الذي لمس الامام الحرمان والتهميش الذي كان يعانيه.

قبلها، كان للسيد الصدر مساع عديدة في أكثر من اتجاه: مناضلاً مع الشباب الجامعي في ايران للتصدي للدعاوى الرائجة آنذاك المعادية للإسلام كالماركسية وغيرها، كما كان من المتابعين لحركة تأميم النفط 1952. أما في العراق التي قصدها لمتابعة تحصيل العلوم الدينية العليا في النجف الأشرف، فقد شارك في “جمعية منتدى النشر” وأصبح عضوًا في هيئتها العلمية، والتي كان من اهتماماتها عقد الندوات الثقافية.

بالعودة إلى لبنان (الذي وللمفارقة لم يحمل جنسيته حتى العام 1964، إذ استعادها بمرسوم جمهوري أصدره الرئيس فؤاد شهاب) هناك لمع نجم الامام قائداً نهضوياً ورؤيوياً بكل ما للكلمة من معنى، إذ إنه لمس ما كان يُحاك للبنان في ما يتعلق بإشعال الصراع الطائفي، والذي انعكس بشكل واضح قبل اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 في خطبته الشهيرة التي ألقاها في نادي الإمام الصادق في صور عن أخطار ثلاثة: التقسيم لأن التقسيم “إسرائيل” ثانية في قلب الوطن، الاعتداءات الإسرائيلية الذي يجب علينا وجوبًا شرعيًا وتاريخيًا ووطنيًا أن نقف للتصدي لها، وخطر تصفية المقاومة الفلسطينية، قائلاً  “إسرائيل شرّ مطلق”. إضافة إلى رسالته إلى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد عام 1969 دعياً اياه إلى “جمع الكلمة لتوحيد الطاقات ولتنمية الكفاءات، والبدء بالعمل على توحيد الشعائر العبادية الإسلامية، والمساعي المشتركة والموقف الموحّد في قضايا المسلمين عامة ولبنان خاصةً”.

ولاننسى مشاركته عام 1963، في قداس أقيم في صور عن روح قداسة البابا يوحنا الثالث والعشرين، وحَضَرَ مراسم تتويج قداسة البابا بولس السادس حيث كان رجل الدين المسلم الوحيد الحاضر في هذه المناسبة.

السحابة السوداء التي جثمت فوق لبنان في نيسان/ابريل 1975، وضعت السيد أمام مسؤوليات كبرى. فإلى جانب تحدي النهوض بالمجتمع الشيعي (سياسياً واجتماعياً وعلمياً وثقافياً) حاملاً لواء مظلوميته، محققاً على هذا الصعيد انجاز تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي انتخب رئيساً له عام 1969، إلى جانب حركة المحرومين عام 1974 “حتى لا يبقى محروم أو منطقة محرومة في لبنان”، إضافة إلى حملات تعبوية إعلامية للدفاع عن الجنوب في وجه الاعتداءات الإسرائيلية مطالبًا بتسليح المواطنين وتدريبهم للدفاع، ووضع قانون خدمة العلم، وتنفيذ مشاريع إنمائية مع دعوة الناس للصمود في قراهم وعدم النزوح، إلى جانب كل ذلك كان لا بد من التصدي لمخاطر هذه الحرب التي لا يمكن فصلها عن الخطر الاسرائيلي.

ليس من السهل بتاتاً اختصار انجازات الامام في هذا السياق، وفي سياقات أخرى، إذ إن الأهوال التي كانت تمرّ على لبنان، لم تنسِ الامام القضايا العربية والأممية حتى. من زيارته جبهة السويس في نيسان/ابريل 1971، ومكوثه مع العسكريين أسابيع عدة، معلناً “وجوب الجهاد المقدس” من أحد مساجدها حتى تحرير فلسطين. الأخيرة التي لم تغب ابداً في كل لحظات حضوره ونشاطه الدؤوب، كانت البوصلة والقضية الأساس.

بالعودة إلى لبنان، وكما ذكرنا، فإن نضال الإمام الصدر ضد الصراع الداخلي والتفكك الوطني، وخطر العدو الاسرائيلي، كانا بمثابة خطين متلازمين. الأول، سعى إليه بكل ما يملك من صوت وفعل.

من مساعيه في قرى القاع ودير الأحمر وشليفا في البقاع لفك الحصار عنها ووأد الفتنة الطائفية، إلى دعوته في تشرين الأول/اكتوبر لعقد قمة روحية لجميع رؤساء الطوائف اللبنانية في مقر البطريركية المارونية في بكركي، إلى العمل على تقريب وجهات النظر بين القيادة السورية وقيادة المقاومة الفلسطينية، إلى شعاره “لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه” التي كانت عنوان ورقة عمل قدمها عام 1977 تحمل مقترحات حول الإصلاحات السياسية والاجتماعية وتدعو إلى إعادة بناء الوطن ومؤسساته، ومشاركته في اجتماعات القمة الإسلامية اللبنانية في بلدة عرمون التي وافقت على “الوثيقة الدستورية” التي أعلنها رئيس الجمهورية سليمان فرنجية.

أما مقاومة “اسرائيل”، فكانت على رأس اهتمامات السيد. من رحم فكره ولدت نواة الانتصار الكبير على هذا الاحتلال: أفواج المقاومة الإسلامية “أمل”، التي حاربت ايضاً مشاريع التقسيم وتوطين الفلسطينيين في لبنان.

اجتيح لبنان من العدو عام 1978، قطع السيد جولته الافريقية وعاد. في 25 آب، حمل الحدث الكبير وجَالَ على عدد من الرؤساء والملوك العرب، حيث وصل ومرافقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين إلى العاصمة الليبية طرابلس تلبية لدعوة رسمية من سلطاتها العليا، وهناك حُجزَ وأُخفِي قسرًا.

ادعت ليبيا أن ضيوفها تركوا أراضيها متجهين إلى إيطاليا. كذَّب كِلا القضاءين الإيطالي واللبناني هذا الادعاء بعد تحقيقات مطولة ونفيا دخول أيّ من الثلاثة موانئ إيطاليا البحرية والبرية والجوية.

حتى اليوم لم ينس الامام. ليس مفقود الأثر. الأخير دائم الحضور والألق في كل قضية محقة، لقد حملها وتبناها وجمعها الامام كلها. في الـ 31 من آب يصدح صوت محبيه: عد إلينا.

المصدر: موقع المنار