نص الخطبة
نعزيكم ونعزي صاحب العصر والزمان(ع) بمناسبة شهادة الامام محمد الجواد(ع) التي مرت خلال الايام الماضية ومناسبة شهادة الامام محمد الباقر(ع) في السابع من شهر ذي الحجة، كما نبار لكم ذكرى زواج امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) من فاطمة الزهراء(ع) ابنة رسول الله(ص) في الاول من ذي الحجة، وقد اعتبر الاسبوع الذي تقع فيه هذه المناسبة المباركة اسبوعا للأسرة، وقد تحدثنا في الاسبوع الماضي بهذه المناسبة عن الزواج الناجح والمتماسك والمستقر، ونتحدث في هذه الخطبة عن دور المرأة في الأسرة. المرأة يشبهها الامام القائد السيد علي الخامنئي دام ظله بالهواء (والاوكسجين) الذي يملأ أجواء الأسرة، فكما ان التنفّس غير ممكن من دون الهواء، فان الأسرة كذلك لا تستطيع ان تتنفس ولا تستقر بدون المرأة، لانها بمنزلة الهواء (والاوكسجين) في الاسرة، تبعث فيها الروح والحياة والحيوية،وما ورد عن اميرالمؤمنين علي(ع) من ان «المرأة ريحانة وليست بقهرمانة» يشير الى هذا المعنى فكلمة «ريحانة» تعني الوردة التي تفوح منها رائحة العطر، والرائحة الطيبة، فالمراة كالعطر والهواء الذي يملأ أجواء الاسرة. وكلمة «قهرمان» تعني الانسان الذي يدير الشؤون، والعامل الذي يتابع الاعمال. المرأة ليست «قهرمانة»، يعني المرأة ليست هي المسؤولة عن القيام بكل الاعمال والشؤون التي تحتاجها الأسرة، ولا ينبغي للرجل عندما يتزوج بفتاة او بامرأة، أن يحملها كل أعباء الاسرة ويُلقي على عاتقها كل الأعمال والمسؤوليات. أبدا! هي تقرّر تطوعاً إنجاز بعض الاعمال المعينة في بيتها، وهي تنجز تطوعا ما ترغب فيه من شؤون المنزل، فليس للرجل أن يفرض عليها او يجبرها على القيام باعمال المنزل ويأمرها بهذا العمل او ذاك العمل.
عندما نريد ان نحلل الدور المرصود للمرأة سنجد ان المطلوب من المرأة القيام بدورين اساسيين:
الدور الاول: هو دور الزوجية. والدور الثاني: هو دورالأمومة، ولكلّ دور خصوصيّته.
المرأة في دور الزوجيّة هي مظهر السكينة في الدرجة الأولى، يقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ) وفي اية اخرى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (الأعراف، 189). السّكينة، الطمأنينة، الراحة والأنس! لأنّ الحياة فيها الكثير من المتاعب والهموم والتحديات، والرّجل عادة يشتغل ويتعب ويجهد ويكد ويحمل هموم عائلته ويواجه الكثير من الصعاب لتأمين احتياجات اسرته، فحين يعود إلى البيت يحتاج إلى الهدوء والسكينة. المرأة تصنع هذه السكينة في المنزل؛ {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}؛ فهي مصدر السكينة والهدوء والراحة.
دور المرأة بصفتها زوجاً هو اشاعة المحبّة والمودة والسكينة والراحة في البيت، بحيث أنْ الرّجل يشعر بالهدوء وبالسكينة عندما ينظر الى زوجته ويجلس إلى جانبها ويحدثها، بل انه يُفترض ان يكون سلوك الزوجة مع زوجها واخلاقها وطريقة تعاملها معه بحيث انه بمجرد ان ينظر اليها ويلتقي بها ان ينسى همومه ومشاكله ومتاعبه واحزانه، لانه يأنس بها، فتزيل عنه كل متاعب الحياة، كما كانت الزهراء(ع) بالنسبة لامير المؤمنين(ع) كما يحدثنا امير المؤمنين نفسه حيث يقول(ع): “ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان”.
وهكذا هم زوجات الشهداء وعوائل الشهداء اقرؤوا سيرتهم وحياتهم وقصصهم فانها تضج بالمحبة والمودة والسكينة.
الشهيد الذي كان يذهب إلى المحاور كانت السكينة التي يحصل عليها من زوجته تجعله مطمئنا ومرتاحا وقويا زمندفعا وشجاعا وثابتاً في ميادين العمل والمقاومة.
المرأة بصفتها زوجاً؛ كما هي مدعاة للسكينة والمحبّة والاستقرار وراحة البال هي ايضا احد طرفي تبادل المحبّة والعطف بين المرأة وزوجها.
هذا هو دور المرأة بصفتها زوجاً، وهو ليس بالدّور الصغير، هو دورٌ كبير ومهمّ وعظيمٌ جدّاً، يجب ان تكون المرأة شريكا في اضفاء اجواء المحبة والمودة والعطف والحنان في البيت الزوجي، ومصدرا للسكينة والانس والاستقرار في الحياة الزوجية، لا مصدرا للنكد ولا سببا للغضب والانفعال والمشاكل الزوجية.
اما دور الأمومة: فهو دور تنشئة الاولاد وصناعة الاجيال، اللأم هي التي تتابع تنشئة الاولاد بكل مراحلها، هي التي تُنشئ الكائنات التي تتكوّن منها الاسرة، فهي التي تَحمِل، وهي التي تضع، وهي التي تُغذّي، وهي التي ترعى وتربي، طبعا هذا لا يعني ان الأب ليس له دور في التربية، لكن الأم هي الاساس، المحبّة التي جعلها الله في قلوب الأمّهات تجاه الأبناء شيءٌ فريدٌ من نوعه، لا وجود لأيّ محبّة من هذا النوع كمحبة الأم لاولادها. الأمّهات هنّ السّبب في استمرار النسل البشري، فالنسل البشري يستمر بفضل «الأمومة».
الأمّهات هن السبب الاساسي ايضا في تشكيل الهوية الشخصية الانسانية، وتربية الشخصية على القيم، هويّة أيّ مجتمع واي شعب وشخصيّته تصنعها وتشكلها الأمّهات بالدرجة الأولى: اللغة، العادات، التقاليد، الأعراف، الأخلاق السلوك الحسن… كلّها تنقلها الأمّ بالدرجة الأولى. الأب مؤثّرٌ أيضاً لكن بنسبة أقل بكثير من الأمّ، فالأثر الأكبر هو لدى الأم.
الأمّهات هن مَن يزرعن بذور الإيمان في القلوب والعقول ويصنعن من الابن مؤمناً. والإيمان والاخلاق والسلوك الحسن والالتزام بالقيم ليس درساً يعلمه او يدرسه الانسان لأحد، بل عملية تربوية وسمو روحي ومعنوي وسلوك متزن تمارسه الأم وتزرعه وتنميه في اولادها، وهذا يحتاج إلى متابعة وملاحقة لتنميته في نفوس الأبناء، وهذا ما تقوم به الأم، فدورها هو دور استثنائيّ وهام وعظيم جدا.
طبعاً، هذان الدوران المهمان، دور الزوجية ودور الامومة هما من أهم واجبات المرأة وأبرزها .
وطبعا لا نقصد هنا ان تنعزل المرأة عن المجتمع وتتفرغ لدور الزوجية والامومة، بل يجب ان تملك الكفاءة والاهلية الازمة اذا ارادت ان العمل والحضور الاجتماعي لتوازن بين واجباتها الزوجية والاسرية وبين عملها وحضورها الاجتماعي .
صحيح ان الدور الأساسي للمرأة من وجهة نظر الإسلام هو دورها في اطار الزوجية والامومة وإدارة الاسرة ، لكن إدارة الاسرة لا تعني الانعزال في اطارها. بل للمرأة ان تعمل في اي مجال من مجالات العمل سواء الاعمال الخاصة التي تنتج من وراها او الاعمال الاجتماعية العامة لكن اي عمل تريد ان تزاوله لا بد فيه من اذن الزوج وهذا ما يشترطه فقهاؤنا ومراجعنا فليس لها ان تعمل بدون اذن زوجها الا اذا كان العمل واجب عيني عليها.
وايضاعلى المرأة ان تلتفت الى انه إذا دارَ الأمر بين أن تقوم بواجب التربية لابنائها وتحافظ عليهم من الضياع والانحراف وبين ان تقوم باعمال خاصة او عامة في مجال من مجالات العمل خارج البيت ، فإنّ عليها ان تدرك ان تربية اولادها أوْلى من اي عمل اخر.
لا يوجد أدنى شك لدى أي امرأة في أنه إذا كانت حياة الاولاد في دائرة الخطر، خطر الضياع والانحراف، وكان العمل في اي مجال اخر مهم وضروري وفي خطر، فإن حياة الاولاد وتربية الاولاد أولى، وتتقدم على اي عمل اخر.
اليوم الغرب جعل الأسرة تتلاشى وتتفكك في الكثير من الدول الغربية، بسبب القضايا والمفاهيم التي روج لها تحت عناوين الحرية الشخصية وحقوق المرأة ، وطبعاً عندما نقول إنّ جعل الأسرة تتفكك وتسقط وتتلاشى فهذا لا يعني أن الأسرة غير موجودة في الغرب إطلاقاً، بعض الأُسَر موجودة ، لكن بالعموم الأسرفي مسار انحداري في الغرب، وهناك الكثير من القضايا في الغرب مثل الشذوذ الجنسي والجندر والتمكين والحريات الشخصية التي يحاول الغرب ولا سيما ايركا تصديرها الى مجتمعاتنا وبلداننا ، بدأت تؤدي إلى الانهيار التدريجي للأسرة ، مما بالبعض في الغرب الى رفع الصوت ، فهناك اليوم أصوات لمفكّرين غربيّين بدأت تعلو ضد ما يحصل من انزلاق مخيف للمجتمعات التي تتعاطى الشذوذ وتنادي بالحريات والتفلت من القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية.
الكثيرون بدأوا يلتفتون إلى خطورة ما يحصل والى خطورة ما تروج له الادارة الامريكية على مستوى الشذوذ والمثلية في العالم، فستوى الانحدار والانهيار في بعض الدول الغربيّة سريعٌ لدرجة تتعذّر معها إمكانيّة إيقافه. وفي بعض الدول باتت الأُسَر غير قابلة للإصلاح.
ولذلك الأسرة اليوم في دائرة الخطر ويجب على الآباء والأمهات القيام بمسؤولياتهم على مستوى تحين الاسرة ومواكبة ومتابعة الابناء بالتربية السليمة كي لا ينجرفوا في التيار الذي بات يغزو مجتمعاتنا ويفرض الكثير من الضغوط والتحديات على اولادنا والاجيال الشابة.
اليوم الكيان الصهيوني في أسوء حالاته، والازمات والهواجس السياسية والاقتصادية والامنية تلاحقه وتربكه وتساهم في تآكل ما يسمى بقوة الردع لديه، فالازمة الداخلية بدأت تضغط أكثر فأكثر على حكومة نتنياهو وليس حتى الآن من حلول، والعمليات النوعية للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، لا سيما في جنين باتت تقلق العدو، يضاف الى ذلك الهاجس من النووي الايراني، والحراك في الجولان، والقلق من حزب الله والمقاومة في لبنان وغير ذلك من المشاكل والهواجس التي يعاني منها العدو، ولذلك هو يصرخ الآن ، واصبحنا نسمع تصريحات لمسؤولين كبار في الكيان الصهيوني تتحدث عن تآكل الردع الاسرائيلي، وتعبر عن حالة الضعف والارباك الذي وصل اليه الكيان، وهذا كله بفعل المقاومة وقوة وثبات محور المقاومة والتضحيات الكبيرة التي يقدمها الشعب الفلسطيني المجاهد والبطل داخل فلسطين.
التحية للشباب المجاهد والمقاوم في الضفة وجنين ونابلس ورام الله وغيرها من المدن الفلسطينية ، التحية لهذا الجيل الشاب المقاوم الذي بات يشكل قوة كبيرة ومهابة في قبال العدو، مما جعل الاسرئيلي يتحدث ويقول: بأن حزب الله وأساليبه باتت في قلب الضفة الغربية.
هذه القوة ستنمو وتكبر وتتعاظم اكثر فاكثر في الضفة وفي كل المدن الفلسطينية خصوصا مع هذا الجيل المقاوم من الشباب الفلسطيني الذي بات هو من يقود العمليات والمواجهات مع الصهاينة في الضفة وفي غيرها.
هذا الجيل الذي يملك الكثير من الحوافز وعناصرة القوة والارادة والعزم والشجاعة والاستعداد للتضحية، لن يهدأ ولن يسكت على جرائم الاحتلال، بل سيزداد قوة وارادة وشجاعة واصرارا على مواصلة المقاومة حتى زوال هذا الكيان واستعادة الارض والمقدسات.
اما على المستوى الداخلي فان الازمة في لبنان متشعبة وابعادها متعددة، سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية، ولا يمكن حلها بالتقاطعات الآنية وانما بالحوارات الداخلية والتفاهمات الوطنية.
العناد وفرض الشروط لا يحل المشكلة، الحوار والتلاقي والتفاهم هو الذي يحل المشكلة، وجلسة انتخاب الرئيس الاخيرة كشفت عن ان انجاز الاستحقاق الرئاسي لا يكون الا بالحوار.
البعض في لبنان ينتظر اوامر خارجية للحوار والاتفاق، بينما ينبغي ان يكون الحوار بارادة داخلية وعن قناعة وبدون شروط مسبقة، باعتباره ضرورة وطنية وطريق وحيد للوصول الى انجاز الاستحقاق الرئاسي.
نعم، الخارج والدول الصديقة للبنان يمكن ان تساعد وتقرب وجهات النظر لكن مفاتيح الحل هو بيد اللبنانيين، فاذا لم يتفاهم اللبنانيون فيما بينهم فان الخارج لا يستطيع وحده ان يحل المشكلة.
نحن نأمل ان يساعد الحراك الدبلوماسي الجاري على كسر حالة الانسداد السياسي، والدفع نحو حوار وطني يفضي الى توافقات وطنية شاملة، تشكل مدخلا لمعالجة كل الازمات والمشاكل، وتفتح آفاقا لحلول سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية، وليس حلا للاستحقاق الرئاسي فقط