نص الخطبة
في الاول من شهر ذي الحجة نلتقي بذكرى زواج أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) بفاطمة الزهراء(ع) إبنة رسول الله(ص) المعروف بزةاج النورين .
وقد تم الاعلان عن الاسبوع الذي تقع فيه هذه المناسبة المباركة كأسبوع للأسرة.
قانون الزوجية وتكوين الأسرة هو قانون عام في عالم الوجود وفي عالم الخلقة ، قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الذاريات، 49) وفي آية اخرى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} (يس، 36). فالله سبحانه وتعالى جعل الزوجية في كلّ شيء«خلق الأزواج كلّها» “وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ” اثنين، فهناك زوجية في الإنسان والحيوان والنباتات، {وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}. هناك أشياء أخرى فيها زوجية، لكننا لا نعرفها. مثلا كيف تكون الزوجية عند الحجارة ؟ لا نعلم، قد يُكتشف ذلك في المستقبل. كيف تكون الزوجية بين الجبال او بين الأجرام الفلكية والكواكب ؟ لا نعلم، في المستقبل قد يُكتشف ذلك.
فالزوجية هي القانون العام في عالم الخلق، وهي موجودة في النباتات والحيوانات والانسان، والفرق انه في حالة الإنسان فان للزوجية قانون وضوابط، وهذه الضوابط موجودة في كل الأديان وليس في الإسلام فقط، في المسيحية واليهودية وحتى البوذية وغيرها من الديانات توجد ضوابط للعلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة، وهذه الضوابط ضرورية لسلامة الأسرة وانتظام حياة الانسان والمجتمع وغيابها يؤدي للاضطراب والفوضى.
الاسلام وضع العديد من الضوابط المتعلقة بالزواج والعلاقة الزوجية والأسرية، تبدأ من اختيار الزوج والزوجة ومواصفاتهما، مرورا بقواعد العلاقة الزوجية والحقوق المتبادلة، وليس انتهاءا بضوابط الانفصال والطلاق.
الاسلام اعتبر ان مراعاة هذه الضوابط، تجعل الأسرة سليمة، وعندما تصبح الأسرة سليمة، يصبح المجتمع سليماً. لان الأسرة هي الخلية التي تكوّن المجتمع.
اول ضابطة وقانون شدد عليه الاسلام هو زواج الرجل من المرأة والمرأة من الرجل، وهذا هو القانون الطبيعي الفطري الغريزي، حيث يميل الرجل الى المرأة وتميل المرأة الى الرجل ميلا طبيعيا فطريا وتكوينيا، اما الميول الاخرى ميل الرجل للرجل او المرأة للمراة والتي يعبر عنها (بالمثلية) فلم يحرمها الاسلام فقط وانما حرمتها كل الأديان السماوية، لانها شذوذ وخارج القانون الطبيعي والفطري، هي مرض كأي مرض اخر يطرأ على نفسية الانسان وجسد الانسان وصحة الانسان ويجب ان يعالج.
في استطلاع نشر قبل سنوات على مجتمع الشواذ في أمريكا، تبين أن هناك علاقة كبيرة بين الشذوذ واللادينية، فنصف الشواذ الأمريكيين ليس لديهم أي انتماء ديني، هم لا دينيين.
وبمعزل عن التحريم الديني فان الشذوذ له تداعيات كبيرة على الصحة الجسدية والنفسية للاشخاص الشاذين، حيث يصابون بامراض وصراعات نفسية لامحدودة، فحسب الإحصاءات الأمريكية أنه بعد أول 5 سنوات من الممارسة الجنسية المثلية فإن 92% من الشواذ قد لجؤوا إلى الانتحار، مرة واحدة على الأقل، و97% منهم لجؤوا للعلاج النفسي، وهذه إحصاءات مرعبة بالنسبة لمجتمع يتقبل المثلية ويدعمها ويحاول الترويج لها في العالم.
ووفقا لبعض المراكز الصحية المعنية بالسيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي تتزايد عند المثليين، إضافة إلى أنهم عرضة للإصابة بمرض السرطان 17 مرة أكثر من غيرهم، وفي الولايات المتحدة الأمريكية يوجد أكثر من 1.100.000 شاذ يحمل مرض الإيدز.
اذن القانون الطبيعي للزواج هو زواج الرجل من المراة، وقد شدد الاسلام على ضرورة اختيار الزوج وفق مواصفات محددة، لان اختيار الشريك يعني بالدرجة الأولى اختيار شخص من المفترض أنه سيرافق الإنسان إلى آخر العمر، وسيؤتمن على الأسرار الشخصية والحياة الخاصة، وسيكون الأب أو الأم الذي يكوّن أسرة ويربي أولاد، ولذلك مسألة اختيار الشريك لها أهمية كبرى، ولذلك الاسلام حدد المواصفات الأساسية التي ينبغي ان تتوافر في المرأة التي يختارها الرجل للزواج منها .
ففي الحديث عن داود الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: إن صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج، فقال: “انظر أين تضع نفسك ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرك وأمانتك، فإن كنت لابد فاعلاً فبكراً تنسب إلى الخير وإلى حسن الخلق..”.
فالزوجة المناسبة لتكون شريكة الرجل كما دل هذا الحديث وغيره من الاحاديث، هي الزوجة المتدينة الملتزمة بالأحكام والتكاليف والمسؤوليات الشرعية، الفتاة التي نشأت وتربت في بيئة عائلية واجتماعية شريفة ومحافظة، والفتاة المدبرة التي تحسن ادارة بيتها واسرتها، الفتاة التي تميل إليها وترغب بها وتعجب بشخصيتها، لا التي يفرضها عليك أحد أو تعجب الآخرين ولا تعجبك، لأنها في نهاية المطاف ستكون في بيتك وليس عند الآخرين، ففي الحديث أن أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام قال له: إني أردت أن أتزوج امرأة وإن أبوَي أرادا غيرها، قال: “تزوج التي هويت ودع التي هوى أبواك”.
وهذا يعني أنّ الولد هو الذي يريد أن يعيش مع زوجته ، فإرادته مقدّمة على ارادة والديه ، إلّا أنّه لا مطلقآ، بل ربما ينخدع الولد بجمال البنت ولا يرى حقيقتها، فربما جمالها الظاهري يجعله يقع في هواها وهو غافل بأنّها من بيئة سيئة وأجوائها غير مناسبة له.
فالوالدان هنا يخالفان مثل هذا الزواج لمصلحة الولد، لأنّهما أكثر تجربةً وخبرة في الحياة، فالولد عليه أن ينتفع من خبرتهما وتجربتهما ويأخذ بقولهما إذا كان مصحوبآ بالاستدلال والمنطق السليم ، فلا يتبع هواه ، لإنّه يفقد أكبر رصيد عائلي واجتماعي في حياته ، وأكبر عمودين في مستقبله ، وهما الوالدان . وهذا ليس من الحكمة والعقل .
واذا لم يتنع الشاب من الأهل واراد رفض ما يعرضه الأهل في مسألة الزواج فلا بد ان يكون ذلك بطريقة لينةٍ وسلسةٍ لا تجرح مشاعر الأهل ولا تسبِّبُ أذيةً لهما.
وكما حدد الاسلام المواصفات الأساسية التي ينبغي ان تتوافر في الفتاة التي يختارها الشاب للزواج منها، كذلك حدد المواصفات الاساسية التي ينبغي ان تتوافر في الشاب الذي تختاره الفتاة للزواج منه.
فعن رسول االله (صلى الله عليه وآله وسلم): “إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب (إليكم) فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”.
فتدين الرجل من أول الشروط التي ينبغي النظر فيها من قبل المرأة، لأن التدين يحفظها على كل حال، فقد روي أنه جاء رجل إلى الامام الحسن بن علي عليهما السلام يستشيره في تزويج ابنته؟ فقال: “زوجها من رجل تقي، فإنه إن أحبَّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها”.
وعندما نتحدث عن التدين فمن البديهي أن لا يكون من أهل الخمر والسكر او ممن يتعاطى المخدرات والمنكرات ، فقد أكدت الكثير من الروايات أن لا يزوج الرجل ابنته من شارب للخمر، فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من شرب الخمر بعدما حرمها الله فليس بأهلٍ أن يزوج إذا خطب”.
والفقر ليس مبررا ولا حجة لرفض الرجل اذا تقدم للزواج من الفتاة، فالله تعالى يقول: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
وهنا ايضا قرار الزواج هو بيد الفتاة، فصحيح انّه يشترط في صحة عقد زواجها من الرجل إذن وليّها، الأب أو الجد للأب، ولكن لا بدّ من رضاها أيضآ، فهو الأساس في أصل زواجها، فلها الحقّ في قرار الزواج ولها رفضه ، ولا يصحّ إكراهها عليه ، فلو اُكرهت الفتاة على ذلک من قبل الأب او الجد او احد الأقارب كان العقد باطلا، والزواج ليس صحيحا ولا بد من عقد جديد .
فما يجري احيانا من قبل الأهل في فرض الزوج على البنت ليس صحيحاً، فهم لا يملكون الحق في فرض الزوج الذي يرغبون به من دون موافقة البنت.
“جاءت فتاة بكر إلى رسول الله تشكوا أباها فقالت : يا رسول الله إنّ أبي زوّجني من ابن أخٍ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة ، فقال : أجيزي ما صنع أبوکِ ، فقالت : لا رغبة لي فيما صنع أبي ، فقال : إذن فاذهبي وتزوّجي من شئتِ .”. لأنّ ولاية الوليّ في الأصل هي لمصلحة الفتاة، فإذا تصرف على خلاف مصلحتها سقطت ولايته.
أما لماذا كان إذن الأب شرطاً في تزويج البنت دون الشابّ؟
فالجواب: أوّلاً: إنّ الملاحظات المأخوذة من الواقع تثبت أنّ إمكانيّات خداع الفتاة وبأساليب كثيرة موجودة، ولذا كانت الولاية للأبّ والجدّ للأبّ لإعانتها على التزويج، ومساعدتها كي لا تخدع “مع الإمكان”.
ثانيا: إنّ بعض الفتيات يغلبن عليهن الحياء والخجل، وهذا ما قد يمنع الفتاة من اختيار الزوج المناسب فكان الوليّ حلّاً لهذه المشكلة أيضاً.
ثالثاً: إنّ الشاب هو الذي يقدم على اختيار الفتاة وبيده أمر طلاقها إذا ظهرت غير صالحة، بينما الفتاة لا يكون الطلاق بيدها، لذلك تحتاج إلى رعاية ونصيحة أبويّتين، حتّى لا تقع فريسة زوج لا يخاف الله تعالى.
هذه الامور يجب مراعاتها لانها تساهم في استمرار واستقرار العلاقة الزوجية واستقرار الاسرة التي هي الاساس لاستقرار المجتمع .
اليوم نحن أحوج ما نكون الى الاستقرار الاجتماعي والاستقرار السياسي والاستقرار المعيشي والاقتصادي والمالي فالبلد لا يمكن ان يستقر في ظل الانقسامات والاحقاد وحروب الالغاء ومنطق الكسر والانعزال، لا يمكن لاحد في لبنان ان يكسر الآخر او ان يلغي الاخر او حتى ان يتجاوز الاخر، وعلى الاخرين ان يأخذوا العبرة مما جرى في الجلسة الاخيرة رقم 12 وقبلها وان يعودوا الى احجامهم الطبيعية وان لا يرفعوا شعارات غير واقعية او يبنوا آمالا على أوهام وتخيلات .
لقد مارس الفريق الآخر كل أشكال الضغط وحاول مصادرة أصوات العديد من النواب لتأمين فوز مرشحه بالرئاسة وفشل، ثم حاول ان يغلف فشله واحباطه بانتصار وهمي! لم ينتصر احد منكم، وليس بمقدوركم ان تهزموا احدا، بل خسر لبنان بسبب مكائدكم واحقادكم وعنادكم وتقاطعاتكم المؤقتة ورفضكم للحوار .
وعلى الفريق الآخر بعد كل تجاربه الفاشلة ان يدرك ان الحوارغير المشروط والتوافق هما الممر الالزامي لانجاز الاستحقاق الرئاسي.
نحن مقتنعون بخيارنا وفريقنا السياسي متنوع ومتماسك ويملك رؤية واضحة، وقد دعونا منذ البداية ولا زلنا ندعو الآخرين إلى حوار غير مشروط للتوافق على رئيس للجمهورية ،لان لا أحد بمقدوره الإتيان برئيس للجمهورية بمعزل عن بقية المكونات الاساسية.