هناء سعادة – الجزائر
نقف اليوم، ونحن نحيي اليوم العالمي لحرية الصحافة الموافق لـ 30 أيار/مايو من كل عام، وقفة إجلال وإكبار للصحفيين الفلسطينيين الذين يوثقون الجرائم الصهيونية ضد شعبهم الأعزل تحت وطأة القمع الصهيوني المتواصل الذي يوظف كل الأسلحة المحرمة دوليا ضدهم، مما يتسبب في استشهادهم أو ببتر أطرافهم، أو تعطيل السمع والبصر لديهم، وهذا على مرأى ومسمع من العالم بأسره دون أن يحرك ساكنًا، حيث وثّقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين 902 انتهاكا وجريمة بحق الصحفيين من قبل الاحتلال الصهيوني خلال العام 2022، حسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).
وحسب وكالة الأنباء الجزائرية، قال رئيس لجنة الحريات الصحفية في النقابة المذكورة، محمد اللحام، أن مدينة القدس سجلت سنة 2022 أرقاما تعد الأعلى جغرافيا، وللعام الثاني على التوالي، حيث كان حجم الاستهداف مرتفعا جدا خاصة في محيط المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، يليهما محافظة نابلس ورام الله وجنين.
وأشار الى أنه تم رصد 90 جريمة وانتهاكا تسببت بأضرار جسيمة، كان أبرزها استشهاد الصحفيتين شيرين أبو عاقلة وغفران وراسنة الخريجة الجديدة والعاملة في إذاعة محلية، إضافة لرصد 52 إصابة برصاص الاحتلال للصحفيين سواء بالرصاص الحي أو المعدني أو المطاطي أو البلاستيكي، وإصابة 3 زملاء بشظايا الصواريخ بقطاع غزة.
ونوّه اللحام إلى أن 117 صحفيا تعرضوا للاعتداء الجسدي من قبل الاحتلال، في حين وصل عدد المتضررين من الإصابات المباشرة بقنابل الغاز والصوت والمياه العادمة إلى 95 حالة، بعضهم تم علاجه بالميدان، بينما احتاج العديد منهم للعلاج في المستشفيات، يُضاف إلى ذلك 68 حالة تعرضت للاختناق نتيجة استنشاق الغاز السام، بينما وصل للمستشفيات 74 صحفيا للعلاج مباشرة أو لمتابعة إصابة كانت بالميدان. وأوضح أن عام 2022 شهد تسجيل 40 حالة اعتقال، بقي منهم 17 صحفيا في سجون الاحتلال، كما عُرض 58 صحفي آخر على محاكم عسكرية جائرة فرضت على البعض منهم السجن والغرامات المالية. أما فيما يخص احتجاز الطواقم الصحفية ومنعها من العمل، فقد رصدت النقابة 316 واقعة. وبيّن اللحام أن أشكال الجرائم والانتهاكات تعددت لتصل إلى اقتحام المنازل والمؤسسات والمراكز الاعلامية وتحطيم معدات العمل ومصادرتها والمنع من السفر والتنقل والاستدعاء للتحقيق والإعتقال الجائر.
وفي سياق متصل، أشار المتحدث إلى أن منصات التواصل الاجتماعي واصلت استهداف المحتوى الفلسطيني بشكل عام والمحتوى الإعلامي خاصة من خلال إغلاق مواقع وصفحات وحسابات لمؤسسات إعلامية او لإعلاميين بشكل دائم أو جزئي لفترة من الزمن.
وعن اعتداءات المستوطنين، قال اللحام: “شهد هذا العام انفلاتا خطيرا من قبل المستوطنين في الضفة الغربية، فقد تم رصد 99 جريمة وانتهاكا أغلبها تحت حماية ومراقبة الاحتلال”.
بدوره، قال نقيب الصحفيين ناصر أبو بكر بأن العام الماضي يعد من أكثر السنوات خطرًا على الصحفيين وهذا التقرير هو الأعلى في نسبة عدد الجرائم حيث شهد اغتيال الزميلتين شرين أبو عاقلة وغفران وراسنة، بالإضافة إلى الصحفي يوسف أبو حسين، الذي استشهدَ إثر قصف منزله بصاروخَين من الطائرات الحربية في بناية في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، وعُثر عليه بين الركام في الشارع أمام المبنى، حيث قذفته قوة القصف من الطابق الخامس. وقال أبو بكر إن أكثر من 55 صحفيًا قتلوا منذ العام 2000 حتى اليوم، بينما وصل عدد الانتهاكات منذ العام 2013 لغاية اليوم لأكثر من 8500 انتهاك.
تشير هذه الأرقام المهولة إلى تعمد الكيان الصهيوني ملاحقة وتصفية الصحفيين الفلسطينيين الذين يدفعون حياتهم ثمنا لعملهم الميداني وسط صمت دولي مخزني وازدواجية معايير صارخة، حيث بتنا نفهم أن الملف الحقوقي الدولي المزعوم مسيّس ومتعفن، تعول عليه دول الإستكبار العالمي الملطخة بالدماء وفقا لأجنداتها السياسية، حيث تتحين الفرص لتعقب أي حادثة معزولة في دولة تأبى الخنوع لأوامرها لضخ مزيد من الفوضى والدمار، فنجدها تدافع عن الديمقراطية وحرية التعبير في معاركها مع أعدائها كما حدث في أوكرانيا، وتصمت بوقاحة عن تجاوزات حلفائها، ضاربة عرض الحائط بكل تلك الشعارات والقوانين والقواعد التي تحاول فرضها على دول العالم، أبرزها حقوق الإنسان والديمقراطية وضرورة إحترام الشرعية الدولية وقوانين الأمم المتحدة ومحاربة التمييز العنصري.
شجّع هذا التحامل الغربي الكيان المحتل لمواصلة إنتهاكاته ضد الصحفيين الفلسطينيين، ووضعهم في دائرة الملاحقة والإستهداف، إنطلاقا من تصفية غسان كنفاني، الروائي ورئيس تحرير مجلة “الهدف”، حيث اغتاله الموساد الصهيوني بتفجير سيارته في منطقة الحازمية قرب بيروت، لما كان لكلمته ونقله للحقيقة من تأثير في حشد وتوعية الشعب الفلسطيني ومن يناصر قضيته، ووصولا إلى عشرات الصحفيين الذين إغتالتهم يد الغدر الصهيونية.
واليوم، يمعن هذا الكيان الذي اصطدم بعزيمة فولاذية للصحفيين الفلسطينيين الذين كان لهم الدور الأبرز في إعادة ضبط البوصلة وتغيير الرأي العام لصالح مشروع المقاومة واختراق الإعلام المضاد، في سياسة الاستهداف الممنهج ضد الصحفيين والنشطاء الفلسطينيين، في محاولات مستمرة لثنيهم عن تسليط الضوء على انتهاكاته في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فها هو إيتمار بن غفير، عضو الكنيست الصهيوني، يطالب وبشكل صريح، بإطلاق النار على كل صحفي يعيق عمل الجيش الصهيوني في الشيخ جراح والقدس والضفة المحتلة، وكان ذلك واضحًا خلال الأحداث الأخيرة التي جرت في المسجد الأقصى وجنين ونابلس.
وكمثال عن ذلك، استهدفت الطائرات الحربية الصهيونية خلال معركة سيف القدس على قطاع غزة في مايو/ أيار 2021، المقرات الإعلامية، ودمّرت أكثر من 30 مؤسسة محلية ودولية بهدف إرهاب الصحفيين وثنيهم عن نقل الحقيقة، خاصة وأن هذه المعركة شكلت رافعة لهبة فلسطينية متحدة قلبت موازين القوى في فلسطين، حيث أدت إلى توحيد الساحات، فلمسنا وحدة الصف الفلسطيني على المستويين الشعبي والجماهيري، مما يُمثل تحولا إستراتيجيا ومسارا نضاليا جديدا أعاد القضية الفلسطينية إلى مربعها الأول.
لم يثن هذا الترهيب الصحفيين الفلسطينيين الذين انتفضوا من تحت الركام وسابقوا سيارات الإسعاف والدفاع المدني إلى مكان الحدث لتغطيته ونقله عبر الأقمار الصناعية. والجدير بالذكر أن الكيان الغاشم، الذي يقدم نفسه “كدولة راعية للديمقراطية وللحريات” يضرب بعرض الحائط المواثيق الدولية، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر الاعتداء على الصحفيين ووسائل الإعلام أثناء العمليات العسكرية، بالإضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اللذين يؤكدان على حرية الرأي والتعبير، فنجده يستهدف بدم بارد الصحفيين الذين يرتدون الأدوات التعريفية، كالدرع و الخوذة التي يضعونها فوق رؤوسهم، والمطبوع عليهما كلمة PRESS” ” أي صحافة، وأبلغ مثال عن ذلك إغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة خلال تغطيتها لمداهمة الصهاينة لمخيم للاجئين في الضفة الغربية المحتلة في انتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية، حيث أطلقت القوات الصهيونية النار عليها وأردتها قتيلة، وهي ترتدي سترة تُبين بوضوح أنها صحفيّة.
تتنوع إنتهاكات الكيان الغاشم ضد الصحفيين الفلسطينيين الذين يصيغون رسائلهم الإعلامية تحت النيران، فتشمل تقييد الحركة والتنقل والإبتزاز والقتل العمد خلال تغطية المواجهات الميدانية، فيتم قنصهم على الرأس مباشرة، فضلا عن الملاحقة والاعتقال، فوفق الإعلامية مها شهوان التي نقلت عن نادي الأسير الفلسطيني، يقبع في المعتقلات الصهيونية 16 صحفيًّا، منهم محمود عيسى المعتقل منذ عام 1993، والصحفية بشرى الطويل من مدينة البيرة التي اُعتقلت خلال السنوات الماضية 6 مرات، معظمها إداريًّا، وذلك لتقويض دورهم في كشف وفضح الجرائم، وتقييد حرية الرأي والتعبير.
وفي قطاع غزة، يتعمد الكيان المحتل تدمير المكاتب الصحفية وتكسير المعدّات لمسح ما تم توثيقه من انتهاكات وجرائم، حيث تكون هذه المحطات أولى أهداف الطائرات الحربية. كما يمنع الصحفيون الفلسطينيون في القطاع من إدخال المعدات الحديثة عبر المعابر.
لا تقتصر الإنتهاكات على الاحتلال وحده، بل تشمل تحامل الشركات الأجنبية معه ضد الشعب الفلسطيني، حيث تجاهر شركة «ميتا» المالكة لموقعي «فيسبوك» و«انستغرام» بتبنيها لإجراءات متحيزة للصهاينة عن طريق تقييدها للمحتوى الفلسطيني ومصادرتها للرواية الفلسطينية مقابل نشر التدليس الصهيوني على أوسع نطاق، حيث أفادت دراسة لشركة الاستشارات المستقلة (بي آر إس) أجريت لصالح شركة «ميتا» أن هذه الأخيرة لعبت دوراً سلبياً تجاه حقوق المستخدمين الفلسطينيين في حرية التعبير والتجمع والمشاركة السياسية خلال شهر أيار (مايو) 2021، ما انعكس على قدرتهم على مشاركة المعلومات ورؤيتهم حول تجاربهم فور حدوثها، والتي بينت أن العديد من الفلسطينيين الذين حاولوا توثيق جرائم الاحتلال وانتهاكاته باستخدام الموقعين تم اخفاء منشوراتهم تلقائيًا دون الرجوع إليهم. فما يحرم على الفلسطينيين نجده وبالمقابل حلال على الأوكرانيين الذين أحلت لهم شركة “ميتا” تغطية ما يجري في بلادهم وعلى نطاق واسع، والدليل على ذلك سماح الشركة للمستخدمين بالدعوة للتحريض صراحة لقتل الجنود الروس، وهو خطاب من شأنه انتهاك قواعد الشركة.
وليس ببعيد عن شركة “ميتا”، نرصد أيضا تجاهل المنابر الإعلامية اللبرالية الغربية وحكوماتها المتشدقة بحقوق الإنسان للانتهاكات الممارسة ضد الصحفيين الفلسطينيين. فمثلا بعد إغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة من خلال عملية إعدام مرتبة، التزمت دول الاستكبار العالمي الصمت المطبق المخزي، لتهرول فيما بعد بالاعتماد على إعلامها المرتزق إلى غسل عار الفظاعة الصهيونية البعيدة كل البعد عن قيم الإنسانية في انهيار وتهاوٍ آخر لفكرة الغرب الراعي الرسمي للحريات. فبعد إنتشار خبر استشهاد شيرين أبو عاقلة، شكّك المسؤولون الأمريكيون في رواية الفلسطينيين لهذه الحادثة وفضّلوا النظر في رواية الكيان الصهيوني، ولم يدينوا هذه الجريمة، إنما صرحوا “أنّه ومن أجل إزالة الغموض يجب البحث في هذا الصدد”. وفي موقف رسمي، إنحازت الخارجية الأمريكية إلى الصهاينة في مقتل أبو عاقلة، وأعلنت: «بعد التحقيق الذي أجريناه بشأن الرصاصة التي أطلقت على أبو عاقلة، توصلنا إلى نتيجة مفادها أن لا دليل لنعتبر أن الرصاصة أُطلقت لقتلها عمداً».
لم يتوقف الإنحياز الغربي عند حد تبني الرواية الصهيونية المضللة التي تناقلتها القنوات العالمية المتحيزة من خلال الزعم بأن مقتل مراسلة الجزيرة جاء نتيجة “تبادل لإطلاق النار” مع “مطلوبين أمنيين”، وهو الوصف الذي تستخدمه قوات الاحتلال للإشارة إلى الشباب الفلسطيني فحسب، بل تعدى ذلك ليشمل تزوير أحداث تشييع جنازة شيرين التي جرت أمام مرأى الجميع. فبعد أن هاجمت القوات الصهيونية المشيعين الفلسطينيين وتابوت الضحية، مع لقطات حية تظهر هجوما متعمدا وغير مبرر، كتبت المنافذ الإخبارية الغربية الكبرى بشكل مخادع عن اندلاع “اشتباكات” أو “اندلاع أعمال عنف”.
الشيء ذاته ينطبق على الصحفي الفلسطيني ياسر مرتجى، 31 عاما، حيث أصابته رصاصات الاحتلال القاتلة وهو يؤدي مهامه الصحفية على حدود قطاع غزة عام 2018، حيث كان يعمل صحفياً في وكالة “عين ميديا” في غزة، إذ تجاهل الغرب المتحامل خبر إغتياله تماما، بالرغم من بشاعة طريقة إستهدافه، حيث أصابه رصاص متفجر في صدره وبطنه خلال تأدية عمله في تغطية مسيرات العودة الكبرى في أبريل/نيسان 2018 في قطاع غزة؛ إذ أطلق عليه قناصو الاحتلال الصهيوني الرصاص واستهدفوه بشكل مباشر ومتعمد، بالرغم من ارتدائه للسترة الواقية والخوذة وعليهما شعار “صحافة” في جريمة شبيهة بما تعرضت له شيرين أبو عاقلة.
ومن أمثلة استهداف الصحفيين والكادر الإعلامي أيضا، إطلاق الصهاينة لرصاصة معدنية ضد المصور معاذ العمارنة، الذي كان يؤدي عمله في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، في بلدة تابعة لمدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، حيث كانت قوات الاحتلال الصهيوني تصادر أراضي وتهدم منازل لفلسطينيين. إستقرت الرصاصة في عينه اليسرى، ولا تزال لغاية اليوم بسبب تخوف الأطباء من تضر العين الثانية نظراً لأن الشظية المعدنية طولها حوالي 2 سم واخترقت العين اليسرى واستقرت قريباً من المخ.
الانتهاكات الصهيونية بحق الصحفيين الفلسطينيين مستمرة ولن تتوقف طالما يستمر انفلات مجرمي الاحتلال من العقاب، حيث يغتال الصحفي الفلسطيني مرتين، مرة بإستهداف حياته، ومرة أخرى عندما لا يجد من يدافع ويرافع عن حقوقه في المحافل الدولية..
ومنه، كان لزاما علينا مساندتهم في عملهم من خلال التنسيق معهم وإيجاد مساحة صوت للقضية الفلسطينية في الفضاء الإعلامي العالمي، والعمل على تعبئة الشعوب المناضلة تربوياً وثقافياً وسياسياً وجهادياً في مواجهة الصهيونية بهدف مواجهة الماكينة الإعلامية الغربية المضللة وكشف تدليسها الممنهج، خاصة وأن الإعلام يعد الحلقة الأساس في تشكيل الرأي العام والتوعية وإدارة الأزمات السياسية، إذ أضحى مشاركا رئيسيا في صنع الأحداث السياسية، وسلاحا يفوق كل أصناف الأسلحة التقليدية المعروفة في ميادين القتال، حيث باتت الحملات الإعلامية تسبق الحملات السياسية والعسكرية وتمهد لها.
أيضا، نشدد على ضرورة التواجد الإعلامي المكثف في كل المنصات التي أفرزتها الطفرة التكنولوجية بهدف حشد الهمم وفضح جرائم الإحتلال الصهيوني الغاشم الذي يعيث في الأرض فسادا، حيث برزت أهمية الإعلام الحديث مع ظهور الثورة التكنولوجية المعرفية. ونرى اليوم كيف أن معظم الدول الغربية تعتمد عليه بشكل كبير في حربها الناعمة للترويج لإيدولوجياتها، ونجحت في ذلك، فالتشويه الذي بلغته القضية الفلسطينية من خلال المعلومات المضللة لا يوصف، نظرا للترسانة الإعلامية الغربية الضخمة التي يعتمد فيها على العتاد المتطور من جهة، والبحث في ثقافات الشعوب ليسهل عليها مخاطبتهم، وبالتالي القدرة في التأثير ومحارب الرواية الفلسطينية من جهة أخرى في ظل تراجع الإعلام العربي والإسلامي والحر بالمطلق، وتركيز الإعلام الفلسطيني في بعض الأحيان على قضايا ثانوية لا تخدم سوى حالة الانقسام وتعزز الفرقة بين أبناء الشعب الواحد.
لذلك، يجب علينا مواكبة هذا الواقع، وغزو الفضاء الإعلامي عن طريق النشر والكتابة ونشر الصور والفيديوهات، فضلا عن القيام بمبادرات إعلامية ضخمة نصرة للقضية الفلسطينية وللتصدي لهذه البروبغندا المقيتة. فمثلا لماذا لا نرى إنتاجات مشتركة ضخمة توثّق حياة الأسرى أو المعاناة اليومية للفلسطينيين، على غرار ما ينتج عبثا من برامج غنائية وفنية تصرف عليها ملايين الدولارات؟ لماذا نرصد جهودا فردية فقط، والتي غالبا ما تقف في دائرة رد الفعل، وهذا أسلوب بدائي غير مؤثر في مواجهة الإعلام الصهيوني وغير مقنع للرأي العام العالمي؟ أين هي البرامج باللغات الأجنبية من أجل مخاطبة الرأي العام الغربي الذي بدوره أنشأ عشرات القنوات المؤدلجة الناطقة باللغة العربية لمخاطبتنا؟ فكما هو معلوم، جزء من معركتنا مع الكيان الصهيوني هو معركة إعلامية، فصراع الكاميرات هو صراع حيوي، وهذا ما قاله الكاتب محمد قيراط الذي نقل ما قاله له الصحفي «ُثاد كوبل» صاحب برنامج «نايت لاين» في صيف 1984عن سبب انحياز الإعلام الغربي والأمريكي للصهاينة، حيث قال: «أنتم العرب لا تجيدون الاتصال ولا تعرفون كيف تدافعون عن القضية الفلسطينية». وبالفعل، فقد أشارت إحدى الدراسات الأمريكية إلى أن 60% من سكان الولايات المتحدة يعتقدون أن الفلسطينيين هم الذين يحتلون “إسرائيل”، وأن كل فلسطيني هو بالضرورة (إرهابي) حتى يثبت العكس!
فلماذا بقي الإعلام العربي عاجزا عن اختراق الإمبراطوريات الإعلامية العالمية التي تسيطر وتلعب بعقول البشرية حسب ما تمليه مصالحها في الوقت الذي يضخ الملايير من الدولارات على برامج سطحية تحاكي الإنحلال الغربي؟ هل هذا التجاهل ممنهج لتغييب هذه القضية وسط تنامي الدعوات المنادية بالتطبيع بكل أشكاله مع هذا الكيان الغاشم الذي لا تزال آلته الحربية تحصد أرواح الفلسطينيين؟ حيث وفي الوقت الذي تنتج فيه كبريات القنوات العربية أعمالا فنية غير هادفة ذات صدى عالمي بسبب ما يُضخ لها من ميزانيات هائلة، تتجنب توظيف طاقاتها البشرية والمادية خدمة لهذه القضية الشريفة.
وتجدر الإشارة هنا إلى الجهود الجبارة التي تبذلها القنوات المقاومة لتغطية الجرائم الصهيونية والجرح النازف في خاصرة الشعب الفلسطيني، معاناة الأسرى والمتعقلين، كالمنار والعالم والميادين ونورنيوز وPress TV، والموقع الإعلامي للرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، وحسابات الحملات الدولية كالحملة العالمية للعودة إلى فلسطين، فضلا عن الإعلام الجزائري الذي تشرف بخدمة القضية الفلسطينية، فهو سباق في تدويل هذه القضية إعلامياً، حيث يخصص مساحات واسعة لقضايا الشعب الفلسطيني، خاصة قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني. كما تفتح الوسائط الإعلامية الجزائرية، كالوسيط المغاربي الذي يحمل شعار “من كان عدوا للفلسطينيين فهو عدو لنا، ومن كان مساندا لهم فهو مرحب به عندنا” قلوبها للصحفيين والنشطاء الفلسطينيين للتعبير عما يجول بخواطرهم، حيث تفرد مساحات واسعة للصوت الفلسطيني الذي يواجه عنجهية الاحتلال الصهيوني بمزيد من الإصرار على نقل عذابات وهموم شعبه الرازح تحت نير الاحتلال، والتعبير عن آماله وحقه بالحرية والاستقلال أسوة بشعوب العالم الحر، وما هذا إلا امتداد لموقف الجزائر التاريخي الذي احتضن الثورة الفلسطينية عندما انطلقت ووفر لها كل الإمكانات من تدريب ودعم مادي ولوجستي.
وعلى صعيد آخر، نطالب بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2222) المتعلق بحماية الصحفيين الفلسطينيين ووضع حد للجرائم المرتكبة ضدهم عن طريق محاسبة مرتكبيها وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، والعمل على الإفراج عن الصحفيين القابعين في سجون الاحتلال، فهم حراس الحقيقة الذين يرون للعالم أجمع قصص شعب أبي عصيّ على الاحتلال، ناهيك عن ممارسة ضغط دولي من أجل معاقبة الكيان على كل جرائمه في فلسطين، ووضع حد لهذه الإزدواجية الغربية التي فرضت بعد خمسة أيام من بداية الحرب الروسية الأوكرانية عقوبات على بوتين مقابل ٧٠ عامًا بلا عقوبات على الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى توظيفها لأشد العبارات لوصف ما سمته ‘بجرائم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد الإنسانية’، في حين إكتفت بوصف جرائم الكيان الصهيوني التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بالإنتهاكات، رافضة حتى استخدام كلمة فصل عنصري. كما أنها أبدت قلقها بخصوص وضع الصحفيين الأوكرانيين في الوقت الذي يسحق فيه الصحفي الفلسطيني، حيث إتخذت اليونسكو مع بداية الحرب تدابير طارئة لحماية الصحفيّين في أوكرانيا، ودعمت نقابات الصحفيين التي تهجرت على حسب قولها كي يتسنى لها مواصلة الاضطلاع بعملها، فضلاً عن حماية حرية تدفق المعلومات بشأن مجريات الحرب. وقدمت المنظّمة حزما من معدّات الحماية الشخصية، بالإضافة إلى تدريبها للصحفيين على كيفية التصرّف في البيئات العدائية ودعواتها المتكررة إلى احترام القانون الدوليّ وحماية الصحفيّين والمهنيّين وعمال الصيانة والعاملين في مجال الإعلام باعتبارهم مدنيّين يعملون في مناطق النزاع، وكذلك الإحجام عن شنّ أي هجوم على الهياكل الأساسية للمعلومات. ولم تتوان المنظمة عن رصد جميع الهجمات التي استهدفت الصحفيّين والهياكل الإعلامية الأساسيّة، وإصدار بيانات منتظمة شجبت فيها الاعتداءات عليهم.
“لا يكاد لا يمرّ يوم إلا ويضع فيه الصحفيون والعاملون في مجال الإعلام أرواحهم على أكفّهم في أوكرانيا لتزويد السكان المحليّين بمعلومات من شأنها إنقاذ حياتهم، وموافاتنا بمجريات هذه الحرب. وإننا نعتزم دعم هؤلاء الصحفيين وحمايتهم دون ادّخار أي جهد لذلك. وتلتزم اليونسكو، منذ اليوم الأول لهذه الأزمة، التزاماً راسخاً بهذه القضية، وذلك بالتعاون الوثيق مع شركائها الدوليين ومع المهنيين المحليين.” أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو.
أين هي المنظمة مما يعانيه الصحفي الفلسطيني، ومما يتكبده القطاع الإعلامي من خسائر؟ ما هذه الإنتقائية المقيتة؟
بعد تجاسر القوى الغربية والمنظمات الدولية التي تقدم الحماية الدولية لها، ما علينا إلا أن نخاطب شعوبنا التي تحامل عليها الاستعمار المباشر والغير مباشر، مثقلا كاهلها بمشاكل وجودية، لكي لا تفكر في شيء آخر سوى ضمان قوت يومها، بالإضافة إلى فتائل الفتنة التي أشعلت في أكثر من دولة عربية، والتفنن في رسم خرائط الحروب بين الأشقّاء، والعمل على دفنها في عوالم استهلاكية تُبعدها أكثر وأكثر عن ذاتها وعن قضاياها المصيرية، فبالرغم من كل هذا وذاك، لا نزال نعول عليها ونراهن على صحوتها للدفاع عن هذه القضية التي تعاني من تدنيس الصهاينة وتدليس المطبعين.
وفي الأخير، نشدد على أن الكتابة عن هذه القضية المركزية ومساندة إخواننا الصحفيين الفلسطينيين الذين ينبضون مهنية ورفعة ستستمر في ظل الحرب الإعلامية المفتوحة وما يواجهه شعبنا الفلسطيني المرابط والصامد على أرض فلسطين الطاهرة، أرض الرسالات ومهد الأنبياء، ولا ندعي في ذلك بطولة ولا فخرا، فنحن كإعلاميين على هذه الأرض، يقع على عاتقنا واجب السرد المنحاز للحق مهما كان ضعيفاً، وللإنسان مهما كان مهشّما ومغيباً. ستضل أقلامنا تسيل حبرا مادام الشعب الفلسطيني يعيش النكبات والمآسي والاضطهاد والقمع والقتل وضم الأراضي بقوة السلاح أمام أنظار الجميع، ويا ريت توقف الخذلان عند هذا الحد، بل تنهال اليوم على فلسطين طعنات التطبيع العلنية والخفية من ذوي القربى! نحن معك يا فلسطين ظالمة أو مظلومة…هي مقولة للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين سنرددها ما حيينا. ونذكر دائما أن الكلمة أمانة وموقف. كل عام وأقلامكم وأصواتكم تساهم في صناعة انتصارات الشعب الفلسطيني.
المصدر: بريد الموقع