تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 1-5-2023 سلسلة من الملفات المحلية والإقليمية والدولية.
البناء:
رئيسي في دمشق الأربعاء والقمة مع الأسد لتثبيت التحالف الاستراتيجي… واتفاقات اقتصادية / عون: دول أوروبية تمنع عودة النازحين… وباسيل: للاستفادة من التفاهمات لعودة لائقة/ حردان: النظام الطائفي ضد الطائف والدستور الذي يقسمون على احترامه دعا لإلغاء الطائفية
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة البناء اللبنانية ” يصل بعد غد الأربعاء الرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي إلى دمشق في زيارة دولة بدعوة من الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، وتأتي أهمية الزيارة من كونها تشكل أول زيارة رئاسية إيرانية لسورية منذ بدء الحرب عليها، وكان الرئيس السابق أحمدي نجاد قد قام بآخر زيارة لرئيس إيراني الى دمشق ظهر خلالها في صورة واحدة مع الرئيس بشار الأسد وقائد المقاومة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بما اعتبره الأميركيون والإسرائيليون إعلاناً لنواة محور المقاومة، وربط الكثيرون بين هذه اللحظة وقرار الحرب التي شنّت على سورية. والقمة الرئاسية هذه المرة ستشهد مع اقتراب نهاية الحرب وتحقيق سورية الانتصارات المتلاحقة منذ سنوات بما أسقط الرهانات على سقوطها أو تقسيمها، تثبيتاً للتحالف الاستراتيجي بين إيران وسورية، وعلى جدول أعمال الزيارة توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية، ومناقشة التطورات الإقليمية الأخيرة، خصوصاً ما يجري في فلسطين، وتداعيات الاتفاق السعودي الإيراني والانفتاح السعودي على سورية، ومساعي المصالحة الروسية الإيرانية بين سورية وتركيا.
لبنانياً، سيطرت المواقف من قضية النازحين السوريين على المشهد السياسي، وقد تصدّرها أمس التيار الوطني الحر، حيث أعلن الرئيس السابق ميشال عون خلال زيارته إلى جزين، وفي حفل شعبي حاشد، “إنّ أغلب الدّول الأوروبيّة لا تريد النّازحين، وتريد أن تفرضهم علينا وأن يبقوا عندنا”، موضحًا أنّ “النّازح السّوري أتى إلى لبنان وارتاح هنا، وهو نازح أمني، لا سياسي. لكنّ الدوّل تفرض علينا أن نفكّر بأنّ النّازح السّياسي هو مثل النّازح الأمني، وهذه كذبة فيها وقاحة غير مقبولة”. بينما دعا رئيس التيار الوطني الحر للاستفادة “من الحوار والتفاهم السوري – السعودي – الإيراني، لتأمين عودة لائقة آمنة وكريمة للنازح السوري”.
لبنانياً أيضاً أعلن رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي في افتتاح دورة الشهيدة سناء محيدلي الإعلامية، أن أقصر الطرق لحل ملف النازحين يبدأ بزيارة حكومية سياسية إلى دمشق تضع الملف على طاولة البحث، مذكراً أن بوابة العروبة في اتفاق الطائف حدّدت بالعلاقة المميزة مع سورية، فأين أدعياء الحرص على الطائف من اللغة العنصرية التي تبث ضدها، وعن الطائف قال حردان إنه والدستور المنبثق عنه يشدّدان على اعتبار إلغاء الطائفية هدفاً وطنياً ويضعان آلية واضحة للخروج التدريجي منها، والمواد الدستورية واضحة في الدعوة لقانون انتخاب خارج القيد الطائفيّ، متسائلاً أليس هذا هو القانون الذي يُقسم الرؤساء على احترامه؟
لا يزال الملف الرئاسي محل أخذ وردّ وسط معلومات متضاربة حول مواقف دول الاجتماع الخماسي من الاستحقاق الرئاسي، في ضوء ما رشح عن موقف اميركي معارض للمبادرة الفرنسية وذهاب واشنطن الى إحباط هذه المبادرة، ويظهر ذلك في رسالة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي روبرت مانديز والعضو البارز في اللجنة جايمس ريتش إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، اللذين أعربا فيها عن قلقهما من الجمود السياسي في لبنان، وأكدا لبايدن ضرورة العمل من قُرب مع حلفاء أميركا وشركائها في المنطقة لدعم العملية الديمقراطية الشرعية ومرشّحين رئاسيين، يكونون مختلفين عن الرؤساء السابقين، ويملكون القدرة على خدمة الشعب اللبناني والخضوع لمحاسبته.
ما تقدّم، يؤشر، بحسب مصادر مطلعة لـ”البناء”، الى أن واشنطن لا تسير على خطى فرنسا في دعم رئيس تيار المرده سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهي دعت فرنسا الى فرملة اندفاعتها تجاه مرشح فريق “الممانعة”، مشيرة الى احتمال ذهاب واشنطن الى فرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين من فريق 8 آذار. وهذا قد يشكل رسالة واضحة الى الثنائي الشيعي أن لا مجال لانتخاب فرنجية، وسط تأكيد المصادر أن الفرنسيين اخطأوا عندما ابلغوا السعوديين ان الطرح الباريسي يحظى بتأييد الإدارة الاميركية.
وليس بعيداً فإن السفير السعودي وليد البخاري سيبدأ هذا الأسبوع جولته على المسؤولين السياسيين لوضعهم في المقاربة السعودية من الانتخابات الرئاسية وسط معلومات تشير الى ان السعودية انتقلت من وضع الفيتو على فرنجية الى فتح باب الحوار حول انتخابه.
أما محلياً، فإن الأجواء الداخلية المسيحية لا تزال على حالها؛ فالتقاطع المسيحي القواتي – العوني – الكتائبي واضح لجهة تعطيل انتخاب فرنجية. إلا أن هذا التقاطع لا يعني أن هذه القوى يمكن أن تتفاهم على شخصية، وسط تأكيد حزب القوات أن لا تقارب مع التيار الوطني الحر في الملف الرئاسي أو في أي ملفات أخرى إذا استمر في تموضعه السياسي وفي مقاربة القضايا الأساسية وفق مصالحه الضيقة، علماً أن مصادر تكتل لبنان القوي تشير الى ان لبنان القوي لديه أسماء عدة مطروحة للرئاسة ابرزها جهاد أزعور، زياد بارود، ناجي البستاني، ناصيف حتي ومنفتح على الحوار بشأنها مع القوى السياسية.
واعتبر رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أمس، من جزين أن لا أحد يهددنا بمعادلة “انا او الفوضى”، ويعتقد أنه يقدر أن يفرضها، لا أحد يفكّر بحلف ثلاثي جديد طابعه مذهبي/طائفي، بل الانطلاق منه للتأكيد على الشراكة ضمن الوحدة، القوة ضمن الوحدة وليس الضعف ضمن الوحدة ولا طبعاً الضعف بالانقسام. ولا أحد يفكّر بتحالف رباعيّ جديد لأن نهايته متل الذي قبله. ولا أحد يراهن على تسويات خارجية إذ مهما كانت قوّتها، لا تستمرّ فعاليّتها اذا لم تكن محصّنة ومغطاة بتوافق داخلي.
وأردف: “نحن نريد رئيس جمهورية يمثل طموح اللبنانيين في بناء الدولة، ونضالنا للشراكة في حكم متوازن – ولن نغطي أي كسر لإرادة اللبنانيين ولا اي تهميش لإرادة المسيحيين. ومن يهدّدنا أن يمرّ قطار التسوية من دوننا، فنحن لا نخاف من أن نكون خارجها لأنها ستكون عرجاء وستسقط.
وعلى خط ملف النازحين، يشهد الأسبوع المقبل خطوات عملانية حيث تمّ وضع خريطة طريق الأسبوع الماضي لضبط الانفلات والانتشار غير المنظم للنازحين السوريين. هذا وينتظر المدير العام للأمن العام بالإنابة العميد الياس البيسري الذي زار دمشق الحصول على الداتا المتعلقة بالنازحين من مفوضيّة اللاجئين مطلع الأسبوع المقبل إذا أوفت المفوضية بوعدها.
وقال رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان: “وسورية هي التي منعت تقسيم لبنان، وساهمت في صناعة سلمه الأهلي وإعادة بناء مؤسسات الدولة. ومنطق الأمور والمصلحة الوطنية، أن تبادر الحكومة اللبنانية، وفي هذا التوقيت بالذات، إلى زيارة دمشق، والعمل على إعادة العلاقات الى طبيعتها المميزة، وبحث كل الملفات ووضعها على طريق المعالجة، لا سيما ملف النازحين. وهذه قضية سبق لحزبنا أن بادر إلى طرح حلول لها، واضعاً كل طاقاته في سبيل إنجاحها، غير أن الذين استثمروا في النزوح، منذ بداية الحرب على سورية، شكلوا جيوشاً محلية وأممية للتشجيع على النزوح، وهؤلاء أنفسهم، يستثمرون الآن في رفض النزوح ويجيّشون ضده بصورة عدائيّة مرفوضة جملة وتفصيلاً”.
ودعا الى إخراج هذا الملف من ميدان المزايدات والتحريض والاستثمار، كما دعا إلى وضعه في سياقه الطبيعي ومعالجته بالتنسيق والتعاون بين الحكومتين.
وقال حردان خلال إطلاق القومي دورة الاستشهادية سناء محيدلي للإعداد الإعلاميّ: ليس مسموحاً التفريط بوحدة لبنان وكفى تعطيلاً للاستحقاق الرئاسيّ وكفى تحريض الخارج لتعميق الأزمات الاقتصادية التي تشكل تهديداً للأمن الاجتماعي. نحن نريد لبنان منتمياً بحكم التاريخ والجغرافيا والمصير الواحد والمصلحة الوطنيّة إلى محيطه القومي وعالمه العربي، ومتمسكون بعناصر قوته.
وأكد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون من جزين أننا “نعلم من سبّب دخول النازحين السوريين إلى لبنان، وكانت هناك دول خلف ذلك الأمر، وضغطت علينا للإتيان بهم”. وقال عون خلال لقاء شعبي له ولرئيس التيار الوطني الحر النّائب جبران باسيل في جزين: “أدركنا في الفترة الأخيرة أنّ اللّعبة كبيرة، وهي مؤامرة على لبنان وطرحت سؤالًا في السّابق على إحدى السّفيرات، بأنّكم طلبتم منّا أن نكون حرّاسًا للشّواطئ، حتّى لا يخرج السّوريّون ويلجؤوا إلى أوروبا، لكن لماذا تعملون لتثبيتهم عندنا؟ لا تقبلون أن يصلوا إليكم، لكنّكم تفرضون علينا أن يبقوا عندنا؟ لماذا لا تساعدوهم كي يذهبوا إلى سورية؟”.
وشدّد عون على أنه “لن يخجل أن يقول إن أغلب الدّول الأوروبيّة لا تريد النّازحين، وتريد أن تفرضهم علينا وأن يبقوا عندنا”، موضحًا أنّ “النّازح السّوري أتى إلى لبنان وارتاح هنا، وهو نازح أمني، لا سياسي. لكنّ الدوّل تفرض علينا أن نفكّر بأنّ النّازح السّياسي هو مثل النّازح الأمني، وهذه كذبة فيها وقاحة غير مقبولة”.
الأخبار:
المسيحيون بين الخيبة والخوف
المسيحيّون يعيشون الخيبة والخوف: الآخرون يصعدون ونحن نهبط
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة الأخبار “تبدو الساحة المسيحية السياسية في لحظتنا الراهنة في حال من انعدام التوازن، وسط مقاربات مختلفة للأزمة الناجمة عن الفراغ الرئاسي من جهة، والخشية على الموقع والدور من جهة ثانية. لكن، هناك حاجة لفهم بعض الأمور عند مقاربة النزعة المستجدة، المؤيدة للفدرالية والتقسيم والانغلاق والتقوقع، لدى قسم كبير من المسيحيين. وهي أفكار تنطق بها شخصيات سياسية وأكاديمية كانت طوال سنوات الحرب الأهلية رائدة في رفض الخطاب الانعزالي ومواجهته.
ولا يمكن فهم هذا كله من دون ربطه بعهد الرئيس ميشال عون. قبله، كان يمكن القول إن المشكلة في الخلل التمثيلي، أما بعده فبات يمكن للمسيحيّين القول إنهم جرّبوا كل شيء؛ السلطة والبقاء خارجها، المواجهة والمصالحة، جرّبوا الأميركي والإيراني، السوري والسعودي وجرّبوا السوري – السعودي… ولم يحصدوا بعد كل هذه التجارب سوى الخيبات. مع شعور إضافي بأنهم دفعوا في السنوات الثلاث الماضية ثمن التصادمات الإقليمية – الدولية، ويمكن أن يدفعوا في السنوات الست المقبلة ثمن التفاهمات الإقليمية – الدولية. وإذا كانت المشكلة في السابق أن هناك مجتمعَين وبيئتَين لا يعرف كلّ منهما الكثير عن الآخر، فإن المشكلة اليوم أنهما يعرفان الكثير عن بعضهما البعض: الصعود في جهة والهبوط في الجهة الأخرى، المؤسسة الاجتماعية المتماسكة في مكان والانهيار الاجتماعي في مكان آخر، فائض القوة مقابل فائض العجز، الحماسة هنا والانكفاء هناك، الاطمئنان مقابل القلق، شعور طرف بأنه ربح كل معاركه وآخر بأنه خسر كل معاركه.
كانت المشكلة سابقاً في التمثيل السياسي للمسيحيين، لكن لم تكن هناك مشكلة في الإدارة اللبنانية والقطاع الخاص والعدلية والاستشفاء والتعليم والمؤسسات، أما اليوم فلم يستثنِ الانهيار شيئاً.
ولا شك أن إحدى المشكلات الأساسية في مقاربة الأفرقاء السياسيين تكمن في عجزهم عن تكوين فكرة حقيقية عما تعنيه عقَدٌ تبدو صغيرة وحتى تافهة جداً، مثل:
– خروج آلاف التجار الجدد في العامين الماضيين، من الطائفة الشيعية، لإثبات أنفسهم بقوة فوق أنقاض الوكالات الحصرية التي كرّس رجال أعمال موارنة نفوذها في البنيان الاقتصادي اللبناني، قبل أن ينضمّ إليهم رجال أعمال سنّة.
– عجز متفاقم بين الفئات المسيحيية عن تأمين أقساط المدارس والجامعات الكاثوليكية الخاصة التي يملأ أبناء الطائفة الشيعية الفراغات فيها ويحولون دون إقفالها بسبب العجز المالي. التدقيق في أعداد الخريجين من كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت في السنوات الأربع الماضية، مثلاً، كشف أن أكثر من ستين في المئة منهم من الطائفة الشيعية، وأربعين في المئة من بقية الطوائف.
– الشعور المسيحيّ بأنه يمكن لحاجز الجيش في أي نقطة لبنانية أن يوقف سيارة ومن فيها لمجرد الاشتباه بتأخّر أحد ركابها عن دفع مخالفة سير، إذا كان من الطائفة المسيحية، فيما سيتجنّب الجندي والضابط المسؤول عنه وجع الرأس الذي سيسبّبه توقيف سيارة ومن فيها حتى ولو كان هناك مذكرات توقيف بحق كل ركابها إذا كان أحدهم من الطائفة الشيعية.
– ما يردّده بعض المحامين الذين لا يدورون في فلك التيار والقوات والكتائب عن الثقة بالنفس التي يتمتع بها المحامي المحسوب على الثنائي الشيعي نتيجة ثقته بنفوذ مرجعياته، فيما لا يجد المحامي المحسوب على القوى المسيحية قاضياً يمكن أن «يستأنس» برأي مرجعياته.
ولم يكن ينقص المسيحيين في هذا السياق العام سوى رؤية فرنسا – فرنسا ما غيرها – تواصل تجاهلها لهم منذ الطائف للانتقال من تحالف ورعاية السنّية السياسية إلى تحالف ورعاية الشيعية السياسية.
أمام هذا الواقع، يتوقف كثيرون عند الانقسام المسيحي التقليدي في ما يخصّ رئاسة الجمهورية. لكن التدقيق في الوقائع يبيّن أن المشكلة أكبر وأخطر، حيث لا يوجد مرشح واحد قادر على التمتع بثقة قلّة قليلة من الرأي العام المسيحي، ويوحي بالأمل، أو قدرته على تحقيق شيء أو تغيير الواقع أو إخراج الناس من النفق. وعندما قرر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل غضّ النظر عن الترشح، لم يكن يحسب حساباً لرأي نبيه بري أو وليد جنبلاط أو سمير جعجع أو ملحم خلف وكل الذين كانوا ضد ترشيح الرئيس عون أيضاً، توقف عند سؤال العونيّين عن نفع الرئاسة بعد تجربة السنوات الست، ورغبتهم القوية في الخروج من السلطة. وهو ما يقود إلى القول إن رؤساء الأحزاب المسيحية، جميعهم من دون استثناء، غير قادرين على مصارحة جمهورهم بأنهم خاضوا كل ما خاضوه من معارك وفتوحات وحروب لينتهي بهم الأمر بتزكية جهاد أزعور أو عصام خليفة أو زياد بارود أو ميشال معوض أو ناجي البستاني أو سليمان فرنجية أو صلاح حنين لرئاسة الجمهورية.
الأسوأ في المقاربة الشاملة أن هذا المجتمع الذي قطع مع ميشال عون حدوداً سياسية لم يكن يمكن تخيّله يقطعها، لم يعد إلى ما قبل ميشال عون فقط، إنما ذهب أبعد في وضعه كل آماله اليوم على السعودية، وإحلالها محل فرنسا كأمّ حنون، سواء سياسياً لعدم السماح بانتخاب فرنجية رئيساً، أو مرشحاً اقتصادياً ومالياً لإنقاذ البلد، وهو ما يستوجب علاجاً جذرياً للفرضيتَين في حال كان هناك اهتمام حقيقي بما يفكر به هؤلاء اليوم أو مستقبلاً.
لا أحد – غير الحزب – يريد تحمّل مسؤولية العهد المقبل
ما كان يردّده الدبلوماسيون المصريون قبل بضعة أسابيع عن قرار أميركي حاسم بعدم تبنّي أيّ مرشح أو خوض معركة حقيقية لإيصال أيّ مرشح، إنما يهدف الى عدم تحميل الأميركيين لاحقاً مسؤولية الفشل كما حصل مع حزب الله وعهد الرئيس ميشال عون. اليوم واضح أن الأميركيين لا يريدون إعطاء الحزب ورقتَي موقف الدولة اللبنانية الرسمي المؤيد لسلاح المقاومة، وعدم التوقيع على أيّ تشكيلة حكومية من دون أخذ موقف الحزب في الاعتبار. لكن الأميركيين لا يريدون رئيساً يحمّلهم مسؤولية الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلد. وهي مقاربة لا تقف عند حدود الأميركيين، إذ إن الحذر السعودي في التعاطي مع الملف اللبناني يعود إلى مقاربة مماثلة تقول إن خروج السعودية من البلد أوصله إلى ما هو عليه اليوم، فماذا سيترتّب على السعودية إذا ما جاهرت بعودتها وبقيت الأوضاع على ما هي عليه. حتى إن البعض يسمع كلاماً سورياً مفاده أن لديها ما يكفيها من أزمات، فلا تنقصها المصائب اللبنانية. وهي خشية تحكم أداء عدّة أفرقاء محليين، لعل أبرزهم وليد جنبلاط وجبران باسيل. يريد الاثنان الشراكة في الحل، لكنهما لا يريدان تحمّل مسؤولية إيصال فلان أو علتان. وهي مقاربة تقود موقف النواب التغييريين الذين يقولون بدورهم إن حجمهم لا يحمّلهم أيّة مسؤولية تجاه الاستحقاق الرئاسي، بما يضمن لاحقاً عدم محاسبتهم. ولا يبدو أحد مستعداً في مجمل المشهد السياسي – الداخلي والخارجي – لتحمّل مسؤولية العهد المقبل غير الحزب.
وإذا كان الحزب واثقاً من أن المصالحة الإيرانية – السعودية ثابتة وعميقة، ولا تشبه المصالحة السورية – السعودية الهشّة عام 2009 أو التفاهم الإيراني – الأميركي عام 2015، فإن مصادر الحزب تؤكد أن الانفراج الاقتصادي السوري سيرخي بإيجابياته على الدول المجاورة، يتقدّمها لبنان، كما أن التنقيب عن الغاز سيكون له تداعياته الاقتصادية الإيجابية الحتمية طبعاً، إضافة إلى أن الانفراج السياسي العام ينعكس حكماً على عمل مجلس الوزراء بما يضمن تحقيق انفراجات حياتية. لكن المصادر نفسها لا تتعامل أبداً مع المرحلة المقبلة بوصفها مرحلة ازدهار أو نهوض أو رفاهية. وإذا كان هناك من يقول إن الولايات المتحدة استخدمت السعودية في الأعوام العشرة الماضية كأداة في حربها على المقاومة، وستخترع أو تجد أدوات رديفة اليوم، فإن الحزب يقول إن هذه المقاربة تعزّز تمسّكه بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، تماماً كما أيّد التمديد للرئيس إميل لحود عام 2004، حيث إن التحوّلات الإقليمية والدولية تستوجب مضاعفة الحذر وأخذ أسوأ الاحتمالات في الحسبان. وإذا كان الحزب يكاد يكون الطرف الوحيد المستعدّ «لأخذ المرحلة المقبلة بصدره» فإنّه يحرص على التأكيد في كل مناسبة على وجوب عدم الوقوع في الخطأ العونيّ السابق لجهة تحميل الرئاسة أكثر مما تحتمل. مع وجوب التأكيد دائماً أن ربط التشريع وانعقاد الهيئة العامة بانتخاب الرئيس يعني أن العهد المقبل سيتحمّل فور انتخاب الرئيس المسؤولية المعنوية عن الاتفاق مع صندوق النقد بكلّ ما يشمله من قرارات غير شعبية.
ما لن يقوله باسيل لحزب الله
شخصية جبران باسيل وموروث الكبرياء العونية لن تسمح له أبداً بأن يصارح نفسه أولاً ثم الحزب ثانياً بالحقائق الآتية:
أولاً، يمكن أن يتحمل هو كل تداعيات التفاهم والتحالف مع حزب الله، من أحداث 17 تشرين، إلى القرار الأميركي – الأوروبي – الخليجي الجازم بإسقاط العهد، إلى العقوبات الأميركية. لكن لا يمكن للتيار أن يتحمل أكثر؛ لا في الخليج ولا في أوروبا والولايات المتحدة وأوستراليا وكندا، حيث للتيار آلاف المنتسبين ومئات المموّلين الذين يخشون على مصالحهم.
ثانياً، يمكن لكل من عون وباسيل أن يفهما حديث الحزب الخاص معهما عن أهمية وحدة الصف الشيعيّ وأزليّة التحالف مع حركة أمل، لكن لا يمكن للتيار الوطني الحر والجمهور القريب منه أن يفهم ولا أن يتفهّم هذه القاعدة، لأن الجمهور تفاعل مع تفاهم مار مخايل كونه تحالفاً مع الحزب لا مع الحركة.
ثالثاً، بعد خطاب الحزب العام عن وحدة الطائفة الشيعية أولاً، والمصلحة الشيعية العليا، لم يعد يمكن اتّهام أيّ من الأفرقاء المسيحيين بالطائفية أو غيره، حيث بات باسيل مطالباً من الأقربين قبل الأبعدين بأن يفعل ما يفعله الحزب على هذا الصعيد، لا أكثر أو أقل. ولا بد من القول هنا إن هناك نواة عونية مهمة تكره الطائفية (لا التديّن) كانت تؤمن جدياً بالقدرة على تشييد بناء مشترك مع حزب الله، لكنها تصطدم منذ أسابيع بخطاب طائفي متفلّت، ممن يعتقدون أن هؤلاء العونيين يكرهون المسيحيين الطائفيين لا الطائفيين المتعصبين باختلاف مذاهبهم، وهم ضد الطائفي أو من يقول «طائفتي أولاً»، سواء كان مارونياً أو أرثوذكسياً أو درزياً أو سنّياً أو شيعياً.
رابعاً، كان يمكن للتيار الوطني الحر عموماً وباسيل خصوصاً أن يتعامل بإيجابية مع ترشيح الحزب لفرنجية لو كان (الترشيح) حلقة في سياق عام يضمن إخراج البلد من أزماته أو نهوضاً اقتصادياً ومعالجة مالية ورفاهية موعودة، لكن الحزب لا يوجّه لباسيل دعوة إلى عرس وإنّما إلى دفن متواصل. وعليه، يفترض بباسيل تأمين تغطية مسيحية لضخّ الأوكسيجين في شرايين المنظومة من جهة، واستمرار الأزمة المالية والاقتصادية من جهة أخرى، مع العلم أن باسيل كان يردّد قبل بضعة أشهر أنه مستعد للبحث في أيّ مرشح يوافق على ورقة التيار الرئاسية، قبل أن يتبيّن أن لا أحد يريد أن يكلّف نفسه قراءة الأوراق أو إعطاء تعهدات بشأنها”.
المصدر: الصحف اللبنانية