أعلن العلماء عن إتاحة التسلسل الكامل للجينوم البشري للجميع بهدف الدراسة والإطلاع على أحد أهم منجزات علم الوراثة في العصر الحديث.
عندما أعلن مشروع الجينوم البشري عن التوصل إلى الصورة شبه الكاملة لأول جينوم بشري في عام 2003 ، كان ذلك بمثابة إنجاز بالغ الأهمية. وفي عام 2022، تم الكشف عن أول جينوم بشري شبه كامل من دون ثغرات تقريباً، الأمر الذي شكل لحظة تاريخية غير مسبوقة لعلم الوراثة البشرية.
جاء النموذج الأول والنماذج اللاحقة للجينوم البشري مصحوبة ببعض الغموض، إذ لم يكن لدى العلماء وقتها القدرة على تجميع كل المعلومات الجينية للجينوم البشري، فقد كان النموذج مليئاً بالمناطق التي توجد بها فجوات لعدم تمكن العلماء من تحديد التسلسل الجيني بداخلها على وجه الدقة إضافة إلى تكرار غير مفهوم في تتابع الجينات.
وعند إصدار النموذج شبه المكتمل للجمهور، تحدث العلماء عن العمل المضني الذي تم بذله في تحديد تسلسل أكثر من 6 مليارات زوج أساسي من الجينوم. ومؤخراً أضاف العلماء 200 مليون زوج في بحث جديد. شملت الدراسات اللاحقة إضافة 99 جيناً من المحتمل أنها ترمز للبروتينات وتتابعات لــ 2000 جين جديد لم تكن معروفة من قبل. واليوم، أصبح كل ذلك متاحًا للجميع.
وتم استخدام أحدث مسودة للجينوم البشري كمرجع منذ عام 2013. ولكن بسبب امتلائها بتسلسلات جينية غير دقيقة، فقد تركت هذه المسودات المناطق الأكثر تعقيدًا وغموضاً في الحمض النووي لدينا دون تفسير، وهي المناطق التي تشكل حوالي 8 بالمائة من إجمالي الجينوم.
ولأن هذه التسلسلات الجينية في تلك المناطق الغامضة كانت شديدة التعقيد وتحتوي على العديد من المناطق المكررة، فقد كانت محاولة تجميعها معًا في الأماكن الصحيحة مثل محاولة إكمال أحجية قطع الصور المتناثرة، حيث تكون جميع القطع لديها الشكل نفسه دون وجود أي دليل حول مكانها الصحيح داخل التتابع الجيني.
يذكر أن عالم النبات الألماني هانز فينكلر هو من صاغ كلمة “جينوم” في عام 1920، جامعاً كلمة “جين” مع اللاحقة “-وم” ، والتي تعني “مجموعة كاملة”، لوصف تسلسل الحمض النووي الكامل الموجود داخل كل خلية. وإلى اليوم، لا يزال الباحثون يستخدمون هذه الكلمة للإشارة إلى المادة الجينية التي يتكون منها الكائن الحي.
والتسلسل الجيني الذي أنتجه “اتحاد تسلسل الجينوم البشري” يشبه إلى حد كبير إنتاج الجينوم المرجعي الجديد (المسمى T2T-CHM13) والذي أنتج بواسطة اتحاد آخر يسمى Telomere-2-Telomere Consortium، وهو تجمع يضم مجموعة من الباحثين قاموا بتكثيف جهودهم لرسم خرائط لكل كروموسوم.
وقال دافيد هاوسلر مدير معهد “يو سي سانتا كروز للجينات”: نعمل خلال الفترة القادمة على إضافة جينوم ثاني أكثر وضوحاً وتفصيلاً واكتمالاً، وبعد ذلك سيكون هناك المزيد.
واليوم، يوجد النموذج الكامل للجينوم البشري القياسي المسمى “GRCh38” متاحاً على موقع UCSC Genome Browser للجميع للاستفادة منه. وبالنظر إلى المستقبل ، يأمل اتحاد العلماء الذي أنتج هذا الجينوم الكامل في إضافة المزيد من التفسيرات الموضحة لعمل الجينات بهدف تحسين وتطوير علم الوراثة البشرية. كما تفيد دراسة تسلسل الحمض النووي في معرفة كيف تشكل الجينوم البشري وتغير عبر التاريخ.
المصدر: dw.com