تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الجمعة 28-4-2023 سلسلة من الملفات المحلية والإقليمية والدولية.
البناء:
بينغ يتصل بـ زيلينسكي وواشنطن تسحب اعتراضها على المبادرة الصينية وترحب عبد اللهيان يعيد طرح المساعدة في قطاع الكهرباء… و«نؤيد أي اتفاق لبناني رئاسي» «القومي»: قرار منتحلي الصفة بحق حردان بلا قيمة وهو مجرد صدى للعقوبات الأميركية
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة البناء ” تبدو الصين وقد أطلقت صفارة الانطلاق لمبادرتها الدولية الثانية، وقد تثبتّت من رسوخ مبادرتها الأولى على مسار المصالحة السعودية الإيرانية، وانطلاق مجموعة مبادرات تعكس مناخ المصالحات والانفراجات التي أسّس لها الاتفاق، سواء في ملف حرب اليمن أو الانفتاح السعودي على خصوم الأمس ممن تعتبرهم حلفاء إيران كالحال مع سورية وحركة حماس، والمبادرة الثانية التي أطلقتها بكين قبل أكثر من شهر لحل سياسي للحرب في أوكرانيا عبر الدعوة الى عقد طاولة مفاوضات بلا شروط مسبقة، تلقت جرعة تنشيط تمثلت بالاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الصيني شي جين بينغ بالرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، بعدما أفسح المجال لتفاعل المبادرة الصينية مع تداعيات الحرب التي بدت الرهانات على كسب أوكرانيا لها عسكرياً أمام طريق مسدود، وجاء موقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الإيجابي من المبادرة الصينية أولى الإشارات لنضج التوقيت، وجاء الترحيب الأميركي باتصال الرئيس الصيني برئيس أوكرانيا بصورة معاكسة للكلام العالي النبرة العدائية بحق المبادرة غداة إطلاقها، بينما بدا الرئيس الأوكراني كأنه وجد في المبادرة حبل نجاة مع المأزق العسكري الذي يواجهه الجيش الأوكراني في الحرب مع روسيا.
على صعيد التفاعل الإقليمي اللبناني حمل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في زيارته التي بدأت أول أمس إلى لبنان، والتي التقى خلالها عدداً من المسؤولين اللبنانيين أكد خلالها على أن مناخات الانفراجات الإقليمية تمنح اللبنانيين فرصاً أفضل لتخفيف التوترات، مؤكداً أن إيران تؤيد أي اتفاق بين اللبنانيين حول الخيارات الرئاسية، وأعطى عبد اللهيان حيزاً خاصاً لاستعداد إيران القديم الجديد لتقديم المساعدة في ملف الكهرباء، وأبدى عبد اللهيان استغرابه لما أسماه بالخوف من العقوبات جراء تقديم إيران معامل الكهرباء.
من جهته أعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي عبر بيان لعمدة الإعلام أن ما يُسمّى بالقرار الصادر عن منتحلي الصفة بحق رئيس الحزب أسعد حردان، لا قيمة له إطلاقاً، ويرتب مسؤولية قانونية على أصحابه، وهو محاكاة للعقوبات الأميركية التي طالت رئيس الحزب، وليس أكثر من مجرد صدى لها.
شدّد الحزب السوري القومي الاجتماعي على أنه «مرّة جديدة، تعمد العصابة الخارجة عن القانون والمنتحلة الصفة، إلى انتهاج أساليب صبيانية، في إطار محاولاتها المتكرّرة لتشويه صورة الحزب السوري القومي الاجتماعي أمام الرأي العام، والاستمرار وللتأكيد من قبلها بأنها مستمرة في تنفيذ أجندة خصوم الحزب وأعدائه».
ولفتت عمدة الإعلام في بيان، الى أن «العصابة المذكورة، والتي تنتحل اسم الحزب، وصفات مسؤوليه، ماضية في أدوارها المشبوهة وممارساتها المافيوية، وهي في معرض الهروب إلى الأمام، عمدت إلى ما أسمته قراراً بـ «طرد» رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين أسعد حردان من صفوف الحزب، لتثبت مرة جديدة، تورّطها في مشروع استهداف الحزب السوري القومي الاجتماعي وإضعاف دوره ومحاولة النيل من قياداته التي آمنت بفكر الحزب ونهجه المقاوم، فكانت في الصفوف الأمامية تلقن أعداء الخارج والداخل دروساً في المقاومة».
وأكد الحزب السوري القومي الاجتماعي، أن «قراراً كالذي صدر عن العصابة المنتحلة الصفة، لا قيمة له على الإطلاق، سوى أنه يندرج في سياق قرار العقوبات الأميركية الذي استهدف الأمين أسعد حردان في لحظة الهجوم الشرس على قوى الصمود والمقاومة». وأكد أن «قرار العصابة يشكل جرماً معاقباً عليه بالقانون، اضافة الى انتحال الصفة والتزوير واستعمال المزور».
وملأت زيارة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان بيروت الفراغ السياسي في المشهد الداخلي المنشغل بملف النازحين السوريين الذي اقتحم الساحة بقوة وبشكل مفاجئ وسط مخاوف عبرت عنها مراجع سياسية وأمنية من تداعيات خطيرة على الواقع اللبناني مع دخول جهات خارجية على خط أزمة النازحين للنفخ بنار هذا الملف لإشعال الفتنة بين اللبنانيين والسوريين واستخدامه في الصراع الداخلي والإقليمي والدولي.
وجال عبداللهيان والوفد المرافق على المقار الرئاسية ووزارة الخارجية، وزار عين التينة والتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري فالسراي الحكومي واجتمع مع الرئيس نجيب ميقاتي، كما التقى عدداً من النواب في السفارة الايرانية. وقد دعيت الى اللقاء كل الكتل باستثناء القوات اللبنانية، في وقت أعلنت كتلة الكتائب عدم المشاركة. كما ستكون للدبلوماسي الإيراني جولة في الجنوب ومؤتمر صحافي بعد ظهر اليوم.
وأفادت مصادر متابعة لزيارة وزير الخارجية الإيراني للـ «OTV»، بأن «عبداللهيان يزور لبنان لا موجّهاً ولا مبادراً بل مستمعاً فقط، والهدف غير رئاسي». ولفتت الى أن «الدعوة الى لقاء النواب لم تُوجّه من السفارة الإيرانية الى القوات نتيجة القطيعة على خلفية ملف الدبلوماسيين الايرانيين الأربعة»، مشيرةً الى أن «نواب لبنان القوي أكدوا رفض محاولات الفرض في موقع رئاسة الجمهورية وأن لا حل سيُنتج من دون تفاهم لبناني داخلي». وأضافت أن «الوزير الإيراني أكد ان بلاده تقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، وستتبنّى وتدعم ما يتّفق عليه اللبنانيون».
وأكد عبد اللهيان، أن «الحل الرئاسي يجب أن يكون لبنانياً اولاً»، لافتاً الى أنه «استغرب الخوف من العقوبات جراء تقديم إيران لمعامل الكهرباء».
وكان عبد اللهيان قد بدأ جولته على المسؤولين من الخارجية، حيث استقبله نظيره اللبناني عبدالله بوحبيب. وقال الدبلوماسي من قصر بسترس: «نشجّع جميع الجهات في لبنان على استكمال العملية السياسية وتسريع العملية الانتخابية في هذه الدولة المهمة في المنطقة»، ورأى أن «المسؤولين في لبنان وكل الأحزاب السياسية والجهات في هذا البلد لهم القدرة والكفاية اللازمة على التوصل الى اتفاق وإجماع بشأن انتخاب رئيس للجمهورية، وسندعم اي انتخاب وأي اتفاق يحصل بين جميع الجهات في لبنان وندعو الأطراف الأجنبيّة كافة لدعم هذا الانتخاب من دون أي تدخل في الشأن الداخلي».
بدوره لفت بوحبيب الى أن «نتائج الاتفاق السعودي -الإيراني لا تنحصر بفتح السفارات فحسب، إنما أيضاً لها انعكاسات في اليمن ولبنان وعلى القضية الفلسطينية، ونتمنى أن تكون إيجابية»، وشدّد على أن هذا الاتفاق «مهم للسلام في المنطقة». وتابع «كذلك عرض الوزير عبد اللهيان للمساعدة في قطاع الكهرباء وفي تقديم هبة نفط. وطبعاً إن وزارة الخارجية ليست وزارة تنفيذية وليست مسؤولة مباشرة عن ذلك، لكنني هذه المرة أيضاً سأنقل هذا العرض إلى المسؤولين المعنيين من الزملاء في الحكومة، كما أن هذا الموضوع سيبلغه الوزير عبد اللهيان لرئيس الحكومة».
على صعيد آخر، بقيت مواقف رئيس تيار المردة سليمان فرنجية تتصدر المشهد الرئاسي، لما حملته من رسائل هامة بأكثر من اتجاه، ووفق مصادر سياسية فإن خطابه وطني ومواقفه بمثابة برنامج رئاسي في حال فوزه بالرئاسة، مشيرة لـ»البناء» الى أن «كلام فرنجية كان واقعياً ويعبر عن انفتاح على العالم العربي والدول الخليجية ونقطة وصل وجسر بين الدول العربية وإيران وحزب الله، كما قارب كل الملفات الأساسية والاستراتيجية لا سيما تمسكه باتفاق الطائف ومعالجة سلاح حزب الله وأزمة النزوح وإعادة تصحيح العلاقات مع سورية وإعادة تصويب العلاقات اللبنانية مع الدول العربية والخليجية».
كلام فرنجية استرعى دود فعل من القوى المسيحية، فنفى التيار الوطني الحرّ بأن يكون لرئيسِه النائب جبران باسيل أي دور أو علاقة بـ»صفقة مرفأ بيروت» خلافاً لما ورد في مقابلة تلفزيونية لأحد المرشحين الرئاسيين. وسأل في بيان: كيف يمكن أن يكون له ذلك مع وزارة وفي ملف لا دخل للتيار فيه لا من قريب أو بعيد؟! واستتباعاً، ما الذي يؤمل من مرشّح رئاسي يرمي بالحرام خصومَه السياسيين سوى تعزيزه سياسة الإفلات من العقاب؟!
بدورها، رأت الدائرة الإعلامية في القوات اللبنانية أن «إصرار الممانعة على تسويق أخبارٍ تصبّ في مصلحة مرشّحها نقلًا عن المملكة العربية السعودية، هو عمليّة مفضوحة يُقصد منها ذرّ الرّماد في العيون، حيث إنّ لا أساس لها من الصّحة، لا بل تُناقض تمامًا حقيقة الأمور والمواقف والتوجّهات».
ورداً على كلام الرئيس برّي بقوله إن المشكلة الرئاسية مارونية، لفتت القوات الى أنها «محاولة تمييع ممنهج لحقيقة الخِلاف بين مشروعين سياسيين الأوّل يُريد استعادة الدولة بكلّ ما للكلمة من معنى، والثاني يُريد بقاء اللبنانيين رهينة قرار اختطاف السيادة والمصير، وبالتّالي الخِلاف هو بين لبنانيين، مسلمين ومسيحيين، يُريدون رئيسًا إصلاحيًّا إنقاذيًّا، وبين لبنانيين، مسلمين ومسيحيين، يُريدون رئيسًا يُغطّي مشروعهم غير اللبناني».
وإذ علمت «البناء» أن رفض القوات والتيار أحد العقد الأساسية أمام انتخاب رئيس للجمهورية بسبب غياب الميثاقية المسيحية لتغطية انتخاب فرنجية، لفتت أوساط الثنائي لـ»البناء» الى أن الميثاقية تتأمن بتوفير نصاب الـ86 نائباً أما اللعبة الديموقراطية فتكون بالانتخاب بالأكثرية النيابية»، مجدّدة تمسكها بدعم ترشح فرنجية لا سيما في ظل عدم وجود أي مرشح آخر تتوافق عليه الأطراف الأخرى»، موضحة أن «الظروف الإقليمية تصبّ في مصلحة انتخاب رئيس للجمهورية وفي مصلحة فرنجية تحديداً».
وأكّد مستشار الرئيس بري للشؤون الخارجية علي حمدان، أنّ «موضوع تأمين النصاب من عدمه هو حق في اللعبة الديمقراطية، والبلد لا يتحمّل الفراغ. فالدولة في حالة إضراب ووضع المؤسسات هشّ، وسط التحلّل الاجتماعي والهجرة»، مشددًا على أنّ رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، «مستعدّ لتحدّي إنقاذ لبنان، ويعكس صورة رجل دولة بامتياز، ومنفتح على الحوار».
واعتبر حمدان أنّ «لبنان سيكون من أول الدول المستفيدة من الاتفاق السعودي الإيراني، وبكل أسف بتنا نحتكم للمؤثرين على الساحة اللبنانية لانتخاب الرئيس، فالفريق الآخر مأزوم ولا مرشح لديه، ومن هنا خوف بري من إطالة أمد الفراغ».
بدورها، أكدت كتلة الوفاء للمقاومة في بيان إثر اجتماعها الأسبوعي «أن نبرة التحدي في الخطاب السياسي لا تخدم مطلقاً هدف التوصل إلى تلاقٍ وطني منشود يخرج البلاد من نفق الأزمة المعقدة التي تطال مختلف القطاعات. وإذا كان قدر اللبنانيين العيش المشترك أو الواحد، فإن السبيل المناسب والمتاح هو التواصل والتأكيد الدائم والمتبادل على المشتركات والثوابت الوطنية والعمل على تدوير الزوايا بين التباينات في غير المسائل المصيرية والوجودية. ثم إن التهويل بالانعزال أو الانقسام هو منطق موبوء لا تستقر معه جماعة ولا يبنى على أساسه مجتمع ولا وطن».
ولفتت الى أن الكتلة «تدعم مرشحاً طبيعياً لرئاسة الجمهورية، وتحث الآخرين لإعلان مرشحهم وتدعوهم للحوار الجاد والمسؤول، أملاً بالوصول إلى تفهم وتفاهم متبادلين.. وهي إذ تملك الحجج والأدلة المنطقية والموضوعية الكافية فإنها لا تصادر رأي أحد في البلاد كما أنها لا ترضى مصادرة رأيها من قبل أحد أيضاً».
وفي سياق ذلك، أكّد رئيس المجلس السّياسي في حزب الله السيّد إبراهيم أمين السيد، أنّ «لدينا معركة ثانية مختلفة بهويّتها وبأولويّاتها وثقافتها ووسائلها وأدواتها وتعقيداتها، تتمثّل بالأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة الدّاخليّة في لبنان. هذه الأزمة تلقي بثقلها على اللّبنانيّين، وسببها معروف، ولسنا سببها»، مبيّنًا أنّ «السّبب الأوّل هو السّياسات الاقتصاديّة والماليّة منذ سنوات طويلة، وحتمًا كانت ستؤدّي إلى ما وصلنا إليه اليوم، والسّبب الثّاني هو الفساد في السّياسة وفي السّياسيّين».
وتساءل: «ما هو الحل؟ هل الحل عند «حزب الله» الّذي أخرج الإسرائيليّين والتّكفيريّين من لبنان؟ أليس باستطاعته إخراج هؤلاء من هذا البلد؟ الموضوع معقّد أكثر من ذلك بكثير»، مشدّدًا على أنّ «هذه معاناة، لكنّها ليست حربًا وجوديّة، هذه معاناة للوجود الشريف، لذا علينا بالمزيد من الصّبر والثّبات والمواجهة ريثما ينجلي الحل».
على صعيد أزمة النزوح، أصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قراراً بشأن تكليف مدير عام الأمن العام بالإنابة العميد الياس البيسري متابعة موضوع إعادة النازحين السوريين.
وعلمت «البناء» أن الحكومة تتعرّض لضغوط دوليّة لمنع معالجة أزمة النازحين لأسباب متعددة. وتخوّف مصدر وزاري من مخطط لإشعال فتنة في لبنان خدمة لمشروع سياسي خارجي لتعطيل الانعكاسات الإيجابية للتقارب الاقليمي لا سيما الإيراني – السوري والسعودي، محذراً عبر «البناء» من حملات التحريض التي ستؤدي الى إشكالات أكبر وأخطر بين النازحين واللبنانيين.
وأشار وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين، الى أن «تغييبي بالأمس عن اجتماع السراي الحكومي حول النازحين هو بسبب مذكرة التفاهم التي توصّلت إليها مع الجانب السوري حول النزوح والتي استكملتها بزيارة سورية».
ولفت شرف الدين، في حديث تلفزيوني الى أنني «طالبت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتفعيل إعادة النازحين ووصلنا الى تشكيل لجنة من 7 وزراء ملزَمة بالتنسيق مع وزارة المهجرين». وأضاف «أنا ووزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار مثل (الظفر عَ اللحم) وليس هو المسؤول عن توجيه الدعوات، وأرسلت اعتراضاً الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء».
وعبر عن أسفه لقول إحدى الصحف إن «قائد الجيش جوزاف عون يريد طرد السوريين من لبنان»، معتبراً أن «هذا كلام مرفوض ومعيب وممنوع الخطأ في هذا الموضوع».
على صعيد آخر، تقدّم وفد من القوات اللبنانية بالطعن بقانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية رقم 310 / 2023 أمام المجلس الدستوري، وهو أول طعن يقدَّم أمامه هذا العام.
قضائياً، عقدت أمس، جلسة استجواب مساعدة حاكم مصرف لبنان ماريان الحويك من قبل الوفد الأوروبي القضائي في قصر العدل”.
الأخبار:
باب تفاوض موارَب: الفوضى المتنقّلة تُغرق السودان
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة الأخبار “مع أنّ الهدنة المعلَنة في السودان صمدت نسبياً لمدّة ثلاثة أيام، إلّا أنها لم تمنع تمدّد حالة الاقتتال والانفلات الأمني في أنحاء البلاد، ولا سيما في العاصمة الخرطوم وولاية غرب دارفور، حيث بدأت تُفرّخ المجموعات التي «تكبّ» السلاح بين أيدي المواطنين. حالةٌ تشي بأن شبح السيناريوات الأكثر قتامةً لم ينزح بعد، على رغم انفتاح نافذة للتفاوض، ولا يزال من غير الواضح ما يمكن أن تفضي إليه، في ظلّ تضارب مواقف أطراف النزاع وتبدّلها، ومحافظتهم على السلبية عينها تجاه بعضهم البعض. وفي خضمّ هذا التخبّط، يزداد الوضع الإنساني كارثيةً، ولا سيما مع تصدّر تجار الأزمة المشهد، ومحاولتهم استغلال الوضع بصورة أدّت سريعاً إلى فقدان أغلب المواد الأساسية من الأسواق
شهدت الخرطوم، في اليوم الثالث والأخير من الهدنة السارية هدوءاً حذراً، لكنّ مدينة الجينية في ولاية غرب دارفور سُجّلت فيها عمليات اقتتال قَبلي، بعدما استغلّت جهات لا تزال مجهولة، الوضع الأمني الهشّ في الولاية، وقامت بمدّ المواطنين بالسلاح، ما أدّى إلى حدوث حالة من الفوضى والانفلات الأمني، قبل أن يدعو زعماء قبيلتَين إلى وقف إطلاق النار. وفيما يُخشى من اتّساع رقعة الاقتتال القَبلي في بقيّة مناطق الولاية، وتالياً دخول البلاد في حالة اقتتال أهلي، ثمّة مؤشّرات تعزّز إمكانات تحقّق هذا السيناريو بالفعل، أبرزها غياب جهاز الشرطة بصورة كاملة منذ بدء المعارك، وهو ما نجم عنه ارتفاع في نسبة الجريمة والسرقة والنهب، واضطُرّ بعض المواطنين إلى الاحتماء بقوات «الدعم السريع» التي تتمركز في داخل الأحياء، لحمايتها من المجموعات المتفلّتة المنتشرة خصوصاً في العاصمة الخرطوم. ويثير الغياب الكامل للشرطة بكلّ أفرعها تساؤلات كثيرة، وخصوصاً في ظلّ انتشار كثيف لمجموعات يُطلَق عليها «نقيرز»، متخصّصة في السلب والنهب تحت تهديد السلاح، إذ إن القانون يخوّلها المشاركة في عملية الاقتتال جنباً إلى جنب القوات المسلّحة متى دعت الحاجة.
في غضون ذلك، أكد الجيش السوداني، في بيان، أمس، أن «الموقف العسكري داخل الخرطوم وخارجها مستقرّ جدّاً، عدا ولاية غرب دارفور التي شهدت صراعاً قبليّاً تجري معالجته بواسطة السلطات المحلّية»، مضيفاً إن «الأيام القادمة ستشهد انفراجاً كبيراً في الأوضاع على الأرض». وأشار الجيش إلى أن قواته بسطت سيطرتها على معظم الولايات، متحدّثاً عن «وضْع معقّد» في بعض أحياء العاصمة نتيجة الانتشار الكثيف لقوات «الدعم السريع» فيها. ومع تراجع وتيرة الاشتباكات، بدا كأن الفرصة باتت سانحة أمام حلّ سلميّ؛ إذ أبدى قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، بحسب وزير خارجية جنوب السودان، موافقة مبدئية على المبادرة التي ترعاها منظّمة «إيغاد»، وتتضمّن تمديد الهدنة الحالية لـ 72 ساعة أخرى، وإيفاد ممثّل واحد عن القوات المسلّحة وآخر عن «الدعم السريع» إلى جوبا للتفاوض حول تفاصيل المبادرة. على أن مراقبين يحذّرون من حصْر أيّ مبادرة لحلّ الأزمة السودانية بالمكوّن العسكري بشقَّيه، الجيش و«الدعم»، وإبعاد المدنيين، مشدّدين على أن جهود الوساطة القائمة حالياً بين العسكريين يجب أن تتركّز فقط على وقف إطلاق النار، فيما المفاوضات الرامية إلى وضع حلول سياسية ينبغي إشراك المدنيين فيها، لأن إبعادهم سيعني اكتمال «اختطاف ثورة 2019» من قِبَل العسكر. مع ذلك، يبدو أن ظروف التفاوض لم تنضج كليّاً بعد، إذ نفت وزارة الخارجية السودانية ما جرى تداوله عن موافقة البرهان على الجلوس مع «حميدتي» خارج السودان، مؤكّدةً عدم صحّة ما تروّج له بعض الجهات بهذا الخصوص، معتبرةً أنه «لا خيار أمام المتمرّدين إلّا الاستسلام أو الفناء».
في هذا الوقت، وفي ظلّ غياب أجهزة الدولة، سارعت فئة من التجار إلى استغلال الأزمة التي تمرّ بها البلاد، ما أدّى إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع التموينية والمواد البترولية والخبز، وفقدان أغلب المواد الأساسية. كذلك، زاد انقطاع المياه، والمتواصل منذ أسبوعين، في معظم أحياء الخرطوم ولا سيما في مدينة بحري، من الصعوبات في حياة المواطنين الذين أُجبروا على البقاء في منازلهم تحت القصف. وظهر استغلال حاجة الناس بصورة جلية خلال عمليات إجلاء المواطنين الفارّين إلى مناطق أكثر أمناً، سواء الولايات الأخرى أو المعابر الحدودية، إذ ضاعف أصحاب المركبات أسعار تذاكر السفر بأكثر من 200%، وسط صعوبة في توفير النقد، وخصوصاً أن رواتب معظم موظّفي الدولة لم تُصرف بعد. وفي الموازاة، يتزايد الاحتيال على المسافرين، فيما تعاني مئات الأسر العالقة منذ أيام عند معبر أرقين الحدودي مع مصر نقصاً حاداً في المياه والغذاء. وفي خضمّ هذه الأوضاع، أَطلقت نقابة أطباء السودان مناشدة لجمعيتَي «الهلال الأحمر» السوداني والمصري لتكثيف جهودهما في تقديم الخدمات الصحّية الضرورية للعالقين عند المعبر الحدودي، حيث الحشود مكتظّة، وثمّة كبار في السنّ ومرضى وذوو احتياجات خاصة”.
الشيخ نعيم قاسم: قناعة خارجية بالتسوية… والرياض لم تقل لا حاسمة لفرنجية
وتحت هذا العنوان كتبت الأخبار “أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن كل الدول الخارجية مقتنعة بأنها غير قادرة على أن تفرض خياراً رئاسياً على اللبنانيين. وأشار إلى «أننا دعمنا ترشيح الوزير سليمان فرنجية لامتلاكه المواصفات الوطنية والعملية لمصلحة لبنان ودوره وموقعه، وكذلك امتلاكه دعماً إضافياً نابعاً من قناعة خارجية تمثّلها فرنسا بضرورة الوصول إلى تسوية»، لافتاً إلى أنه «يوماً بعد يوم، تزداد الإيجابيات في الوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية»
هو «اتفاق المطمئنَّين» إلى بعضهما بعضاً. هكذا تصف مصادر دبلوماسية عربية المصالحة الإيرانية – السعودية. بمعنى: «الإيراني، على أعلى المستويات، طمأن الرياض بما يبدّد هواجسها. والسعودي، في المقابل، بدّد مخاوف طهران». تضيف المصادر: «هذا ليس اتفاق تهدئة. هو اتفاق كبير جداً. ما بعده، في كل المنطقة، لن يكون كما قبله».
كيف ينعكس ذلك على الاستحقاق الرئاسي في لبنان؟ «السؤال هو متى وليس كيف»، تجيب المصادر، مشيرة إلى أن «الفرنسيين لا يزالون يأملون بتجاوب سعودي للوصول إلى تسوية، وخصوصاً أن الرياض لم تقل لا حاسمة لانتخاب سليمان فرنجية، وإن كانت لم تقل نعم بعد، تحت عنوان عدم الاكتراث بالمسألة اللبنانية. تدرك باريس أن الإحجام السعودي عامل سلبي، فيما الانخراط في محادثات تسوية يسهّل انتخاب الرئيس. لذا تتكرر الزيارات الفرنسية الى السعودية والاتصالات بين المسؤولين في البلدين». لكن التقدير هو أن «لا خيار آخر. ربما يأخذ السعودي وقتاً في انتظار بتّ بعض الخطوات في اليمن وسوريا، وليطمئنّ إلى أن مصلحته في لبنان تكمن في انتظام عمل المؤسسات».
«اتفاق المطمئنَّين» ينعكس اطمئناناً لدى حزب الله. نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم يؤكد أن «تنفيذ الاتفاق الإيراني – السعودي يجري بخطوات متسارعة». ويلفت إلى أن «لقاءات وزيري خارجية البلدين واتصالاتهما تنجز الملفات بفعالية. العلاقات بين المصرفين المركزيين في البلدين بدأت في اليوم التالي لتوقيع اتفاق المصالحة في بكين. خطوات الحلّ في اليمن بارزة في إيجابيّتها. هذا كله يؤكد تصميم الطرفين على إنجاح الاتفاق الذي نأمل أن يترك انعكاساته على كل المنطقة، وخصوصاً أن الملفات مترابطة». أما الموقف الأميركي – الإسرائيلي، «فرغم سلبيّته ومحاولاته للتخريب، لن يكون قادراً على تجاوز تصميم البلدين بعد طول افتراق، وخصوصاً أن النظام العالمي على أبواب الانتقال من الأحادية القطبية الأميركية إلى تعدد الأقطاب».
ترابط الملفات يقود إلى لبنان. هذا البلد، بحسب قاسم، «يجب أن يستفيد من انتهاء عقد من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، بدأ عام 2011، ومن البدء في الاتفاقات والتسويات القائمة على المصالحة وفتح آفاق التعاون، وخصوصاً الاتفاق الإيراني – السعودي». هذه التسويات «مؤشرات إيجابية علينا أن نستثمرها بالحدود الممكنة. وإلا، هل يعقل أن يعود لبنان إلى الأجواء السلبية التي سادت العقد الماضي، في وقت تتحرك فيه المنطقة نحو أجواء إيجابية تساعد على إراحة دولها؟». وعليه، فإن «لبنان أمام محطة تاريخية مهمة جداً، حيث يغلب الاختيار الداخلي على الفرض الخارجي. كل الدول الخارجية مقتنعة بأنها غير قادرة على أن تفرض خياراً معيّناً على اللبنانيين في هذه المرحلة، بسبب تشظّي الكتل في المجلس النيابي، وأيضاً بسبب أولويات أخرى لدى هذه الدول. لذا يتطلّب الأمر تعاوناً بين اللبنانيين لإنجاز الاستحقاق الرئاسي».
ويشير قاسم إلى أن «اختيارنا دعم ترشيح رئيس تيار المردة سببه، أولاً، امتلاكه المواصفات الوطنية والعملية لمصلحة لبنان ودوره وموقعه، وثانياً امتلاكه دعماً إضافياً نابعاً من قناعة خارجية تمثّلها فرنسا بضرورة الوصول إلى تسوية، ربما تتحرك فرنسا بفعالية أكبر، ولهذا الأمر علاقة بتقديرها لمصالحها وعلاقتها مع الدول الأخرى. وعلى أية حال، لسنا على علم بوجود اتفاق دولي أو تقاسم أدوار في الملف اللبناني»، مشدداً على «أننا مع أيّ جهد يوصل إلى انتخاب الرئيس المناسب. ويوماً بعد يوم، تزداد الإيجابيات في هذا الاتجاه، وننتظر لحظة الانتخاب».
ولكن، ألا تتناقض هذه الإيجابية مع ما فُهم من كلام قاسم نفسه، قبل أيام، بأن حزب الله يخيّر اللبنانيين بين فرنجية والفراغ؟
يجيب قاسم: «لم نخيّر أحداً بطريقة سلبية، بل كنا نوصّف الواقع. لنوضح الصورة بشكل أدقّ: الحزب يدعو إلى مقاربة إيجابية للاستحقاق الرئاسي، وهذا يعني أن يقدم كل طرف مرشحاً لنكون أمام خيارات متعددة، ونناقش بعضنا بعضاً في حوار بنّاء، علّنا نتمكن من ردم الهوّة وإيجاد قواسم مشتركة وإنجاز الاستحقاق سريعاً. لا أحد يناقش بضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي لأنه مقوّم نهضة البلد ودعامة دستورية أساسية للانتظام العام، ولا يمكن التصرف بإهمال تجاه هذا المفصل المهم. لذلك، ينبغي الإقلاع عن المقاربة السلبية التي تكتفي برفض الاسم الذي نطرحه، من دون أن يقدم الرافضون اسماً في المقابل. هذه المقاربة السلبية لا تحقّق الإنجاز المطلوب وتوتّر الأجواء السياسية وتبقى في دائرة المماحكة والشعبوية، فيما إنجاز الاستحقاق يتطلّب مقاربات إيجابية»”.
المصدر: الصحف اللبنانية