حتى اللحظة، لم يصدر أي تعليق واضح من قبل الولايات المتحدة الأميركية على قيام عدد من الفصائل المسلحة، التي شملها قرار “وقف الأعمال العدائية” الذي بدأ تنفيذه في 27 شباط/فبراير، بخرق الأخير من خلال هجوم كبير شنته على مواقع للجيش السوري في منطقة العيس في ريف حلب الجنوبي.
بالرغم من رصد مركز حميميم عشرات الخروقات من قبل المسلحين، إلا أن هذا الخرق كان الأكبر من نوعه، حيث أنه ودوناً عن غيره استدعى رداً عنيفاً من قبل الجيش السوري وحلفائه، تمثل بالإعلان عن “فتح أبواب جهنم” على منتهكي الهدنة.
البيان الصادر عن “غرفة العمليات المشتركة في حلب وريفها” ترجمه كثيرون اعلاناً لبدء عملية عسكرية في تلك المنطقة تستهدف الجماعات المسلحة على اختلافها ومنها من تطلق عليه واشنطن والدول الغربية وبعض الدول العربية صفة “الاعتدال”، الأمر الذي يستدعي طرح أسئلة متعددة حول مصير هذه “الهدنة” التي استمرت لمدة شهر، وحول جدوى مفاوضات جنيف التي انطلقت بالتزامن مع بدء تلك الهدنة، والتي سيتم، بحسب المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا، استئنافها في 13 من الشهر الحالي.
وبالاطلاع على سير الأحداث تحضر علامات استفهام كثيرة حول دلالات توقيت الهجوم، اضافة الى مصير ما يُسمى “التنسيق الروسي الأميركي” الذي أفرز هذه الهدنة الهشة. يقود البحث عن اجابات الى مجموعة كبيرة من التناقضات في المواقف المعلنة سيّما من الأطراف الدولية الأساسية في هذا الصراع القائم، ففي وقت تبدو فيه روسيا شريكة في إعلان الحرب في حلب وريفها، أكدت الأخيرة من خلال الخارجية أن “الهدنة قائمة في سورية بشكل عام لكن الاشتباكات مع الإرهابيين مستمرة في بعض المناطق”. أما واشنطن، التي وكما ذكرنا لم تعلق على ما جرى، لكن بات واضحاً أن رؤيتها حول المرحلة الانتقالية في سورية ومصير الرئيس السوري بشار الأسد، لم تتقاطع مع وجهة النظر الروسية بعد، وهو الأمر الذي انعكس واضحاً في التصريحات التي سبقت الجولات الأخيرة من المفاوضات. فهل فرض عدم الوصول الى نتائج ملموسة من المحادثات، عودة الى جولة ميدانية جديدة ترسم نتائجها معالم المرحلة المقبلة، التي يرى خبراء أنها مرتبطة بطبيعة الإدارة الأميركية الجديدة التي ستبصر النور في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل؟
يرى الصحافي في جريدة السفير خليل حرب أن “الغموض” في الموقف الأميركي حيال الأحداث الأخيرة في الجبهات السورية، “يصب حتى الآن في خانة الابقاء على التنسيق مع روسيا، لأن هذا التنسيق يشمل ملفات اخرى تتعدى الموضوع السوري”، في اشارة الى الملف اليمني والى الأزمة القائمة في اوكرانيا وملفات اخرى عديدة. لكنه في الوقت عينه، يؤكد على أن لا مانع للولايات المتحدة الأميركية من “خرق الهدنة خدمة لرؤيتها في ما يخص الملف السوري، الذي لا تزال لغة الميدان هي الأساس فيه وليس طاولة المفاوضات”. يتساءل حرب، في حديث لموقع المنار، عن جدية المفاوضات القائمة في جنيف، قائلاً “كيف بالامكان الاتفاق على تفاصيل المرحلة الانتقالية، وهناك خلاف قائم بين أطراف الصراع حول تصنيف الارهاب؟”، الأمر الذي عكسه قرار الهدنة نفسه الذي اكتفى باطلاق صفة الارهاب على تنظيمي داعش والنصرة واستثناء المئات من التنظيمات المسلحة الأخرى، التي أظهر هجوم العيس أن هناك تنسيقاً بين بعضها وبين “النصرة”، وعلى جبهات أخرى بينها وبين داعش.
يؤيد حرب فكرة “مرحلة الوقت الضائع، التي تنتهي بانتخاب رئيس اميركي جديد”، قائلاً إن هذه المرحلة، اضافة الى “مراوحة المحادثات السياسية مكانها”، خصوصاً بإصرار المعارضة ومن يقف خلفها من دول اقليمية تحديداً تركيا والمملكة العربية السعودية ابقاء الأسد خارج المرحلة المقبلة، اضافة الى رفض انقرة المطلب الروسي بإشراك أكراد سورية في المفاوضات، كل هذه العوامل، بحسب حرب، تصب في خانة الاقتتال وليس التفاوض، حيث “ستسعى أنقرة والرياض لتهيئة الأرضية التي تشجع الرئيس الأميركي الجديد على اتخاذ خطوات أكثر حزماً اتجاه النظام في سورية”، لم يتخذها سلفه، الذي أحبط كثيرين منذ أعوام بتراجعه عن قرار التدخل عسكرياً في سورية.
من جهته، يؤكد الخبير في الشأن التركي محمد نورالدين وقوف تركيا مباشرة خلف هجوم العيس، مشيراً الى أن قرار تحريك الجبهة هو “قرار خطير من المرجح بشكل كبير أن تكون الولايات المتحدة خلفه، خصوصاً أنها من يحرك المسلحين في الداخل التركي”، ولافتاً في اتصال مع موقع المنار الى أن الأتراك ومعهم السعوديون “ارادوا من خلال هذا الهجوم القول إننا حاضرون وباستطاعتنا خلط الأوراق، واشعال الميدان”.
عقب هجوم العيس، أعلنت المعارضة السورية على لسان المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب أن “الهدنة في سورية تلفظ أنفاسها الأخيرة”. من الصعب الاستمرار في الحديث عن وقف لاطلاق النار بالرغم من عدم تأكيد كل من موسكو وواشنطن سقوط الهدنة حتى الآن، لكن الأصوات المتصاعدة من الريف الحلبي تبدو اقوى من تلك الصادرة عن أروقة المفاوضات في جنيف.