شهدت فرنسا اليوم الثلاثاء يوما عاشرا من المظاهرات ضد إصلاح النظام التقاعدي الذي تقابله معارضة شعبية كبيرة، فيما يرخي التوتر بظلاله على البلاد مع انتشار أعداد قياسية من عناصر الشرطة بعدما تحولت تظاهرات سابقة إلى احتجاجات عنيفة.
واشتبك متظاهرون مع قوات أمنية بعد ظهر اليوم الثلاثاء في مدينة نانت (غرب)، فيما أغلق أعضاء نقابات في باريس محطة “غار دو ليون” للسكك الحديد بالسير على القضبان. وأضرمت مجموعات ترتدي ملابس سوداء النار في صناديق قمامة وألقت مقذوفات على الشرطة في باريس التي ردت بإطلاق الغاز المسيل للدموع. ومع هذا، لا يقارن العنف اليوم بما شهدته البلاد الأسبوع الماضي. فقد كانت التجمعات سلمية إلى حد بعيد، وذلك في وقت تطور فيه الإحباط العام إلى مشاعر أوسع معادية لماكرون.
وتصاعدت الاحتجاجات ضد التعديل الذي طرحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورفع سنّ التقاعد من 62 إلى 64 عامًا، مذ تبنّت الحكومة النصّ دون تصويت في الجمعية العامة، فيما لم تؤّد اقتراحات بحجب الثقة إلى الإطاحة بالحكومة. ومذاك الحين، شهدت التظاهرات أعمال عنف متزايدة وأُصيب خلالها عناصر في الشرطة والدرك ومثيرو الشغب ومتظاهرون وأُحرقت مبان عامة.
وأعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان اليوم الثلاثاء نشر “13 ألف شرطي بينهم 5500 في باريس”، في تعزيزات “غير مسبوقة”، بينما أكّد الناطق باسم الحكومة أوليفييه فيران أن الحكومة “حصن ضدّ العنف غير المشروع”.
وفي مدينة نانت، ألقى متظاهرون مقذوفات على قوات الأمن التي ردّت بالغاز المسيل للدموع وأضرمت نيران في فرع لمصرف وفي حاويات قمامة حول محكمة المدينة وفي وقت سابق قطع متظاهرون الطرقات المؤدية إلى المدينة، ما تسبب في زحمة امتدّت على 45 كيلومترًا.
في غضون ذلك، اندلعت اشتباكات في مدينة رين (غرب) التي شهدت تظاهرات كثيرة الأسبوع الماضي وعرقل متظاهرون حركة القطارات في محطة غار دو ليون في باريس وساروا على القضبان وأضاؤوا مشاعل، في ما وصفوه بأنه عرض تضامني مع عامل سكة حديد فقد إحدى عينيه في احتجاج سابق. وتجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين في باريس في مسيرة جابت وسط المدينة.
وتسبب قطع الطرق والإضرابات والتظاهرات منذ عدة أيام في اضطرابات في إمدادات الوقود ببعض المناطق الفرنسية وعلى بعض الطرق ومستودعات الخدمات اللوجستية.
وطلبت المديرية العامة للطيران المدني اليوم الثلاثاء من شركات الطيران مجددًا إلغاء بعض رحلاتها الخميس والجمعة، لاسيّما في مطار باريس – أورلي، بسبب إضراب مراقبي الحركة الجوية. ونفد الوقود أو الديزل في أكثر من 15في المئة من محطات الوقود في فرنسا الاثنين وأُغلق برج إيفل بسبب حركة الإضرابات.
وتخنق آلاف الأطنان من القمامة شوارع العاصمة الفرنسية بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من إضراب جامعي النفايات، لكن نقابات عمّال جمع النفايات أعلنت “تعليق” إضرابها اعتبارا من الأربعاء، ما قد يساهم في تقليل كمية النفايات المنتشرة في الشوارع.
تقرير مصور | أكثر من 240 مدينة فرنسية شهدت تظاهرات ضد سياسات ماكرون
وقالت نقابة في القطاع “نحتاج لإجراء مفاوضات مع وكلاء قطاع النفايات والصرف الصحي في مدينة باريس من أجل العودة إلى الإضراب بشكل أقوى”، على الرغم من تصميم الحكومة على موقفها بشأن الإصلاح، تشدّد على رغبتها في “التهدئة”.
والتقى إيمانويل ماكرون، الذي تراجعت شعبيته بشدّة، رئيسة الوزراء إليزابيت بورن ومسؤولين في الغالبية، من رؤساء أحزاب ووزراء ونواب. وفي استطلاع أجرته مجموعة أودوكسا، اعتبر 30 في المئة فقط من المشاركين أن ماكرون رئيس “جيّد”، بتراجع من ستّ نقاط مئوية خلال شهر، فيما ينظر إليه 70 في المئة من المستطلَعين بسلبية.
واعتبارًا من الاثنين، بدأت بورن سلسلة واسعة من المشاورات على مدى ثلاثة أسابيع مع نواب والأحزاب السياسية ومسؤولين محليين وشركاء اجتماعيين إذا أرادوا ذلك، لكن النقابات، التي حذرت من تحول الاحتجاجات إلى حركة اجتماعية خارجة عن السيطرة، لا تنوي التراجع.
وطالب الأمين العام لنقابة “سي اف دي تي” الإصلاحية لوران بيرجيه اليوم الثلاثاء الحكومة بإقامة “وساطة” من أجل “إيجاد مخرج”، مضيفا “ما تطرحه النقابات اليوم هو بادرة تهدئة”. وأعلن الأمين العام لنقابة “سي جي تي” CGT فيليب مارتينيز أن النقابات “سترسل رسالة إلى رئيس الجمهورية” لمطالبته مجددًا بـ”تعليق مشروعه”، فيما يتهم بعض المعارضين اليساريين، منهم القيادي في الحزب الشيوعي فابيان روسيل، الرئيس الفرنسي بأنه “يراهن على تلاشي” الحركة الاجتماعية.
وقال الناطق باسم الحكومة الفرنسية “نعتمد اقتراح لوران بيرجيه بالتحدث، لكن بشكل مباشر. لا حاجة للوساطة”، معتبرا أن مصير الإصلاح أصبح في أيدي المجلس الدستوري.
وفي وقت سابق من اليوم الثلاثاء، رفضت حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مطلبا نقابيا جديدا لإعادة النظر في مشروع القانون، مشيرة إلى أنها مستعدة تماما للتحدث إلى النقابات ولكن بشأن مسائل أخرى، مشددة على تمسكها بموقفها من قانون التقاعد. ويقول ماكرون إن مشروع قانون سن التقاعد ضروري حتى لا تفلس البلاد، فيما ترى النقابات وأحزاب المعارضة أن هناك سبلا أخرى لتحقيق هذا الهدف.
المصدر: مواقع