قد تكون ثورة المعلوماتية التي مزَّقت الصحافة الورقية عبر العالم، أغنت أيضاً الغالبية الساحقة من المُتابعين عن الإعلام المسموع والمرئي، وبات الهاتف النقَّال هو الصحيفة والشاشة والإذاعة، في غياب كل أنواع الضوابط الرقابية -بإستثناء الذاتية منها-، وبصرف النظر عن تنوُّع هذه الضوابط إن وُجِدت، فهي تختلف من بلدٍ الى آخر، لا سيما أن مواقع التواصل الإجتماعي باتت هي وسائل الإعلام وبالتالي الإعلان، وهي الأبرز والأكثر انتشاراً صوتاً وصورة، ومن المستحيل ضبطها سوى بالإرادة الخاصة للناشر، سواء كان فرداً أو مؤسسة.
وبقدر ما تعيش بعض المجتمعات حياةً هادئة رتيبة وطبيعية، وجاءت فورة المعلومات لتزيدها رفاهية وهناء، بقدر ما تواجه مجتمعات أخرى صراعات، وانعكست هذه التقنية عليها ثورات بلغت حدود الفوضى والفلتان والتسيُّب، وعجزت عشرات المؤتمرات الدولية عن ابتداع منهجية ضبط لما يُعرف بالذكاء الإصطناعي والتحوُّل الرقمي وصولاً الى الطامة الكبرى التي اتُّفقَ على تسميتها بوسائل التواصل الإجتماعي.
وبما أن لبنان يُعتبر ضمن فئة مجتمعات الصراعات، حتى على جنس الملائكة، وقفت الأجهزة الرسمية للدولة عاجزة عن أبسط قواعد الضبط الرقابي، سواء على أنشطة وسائل الإعلام التقليدية التي تندرج ضمن خانة المكتوب والمسموع والمرئي حيث الرقابة عليها من اختصاص محاكم المطبوعات، أو وسائل الإعلام الحديثة التي تندرج تحتها مواقع “فيسبوك” و” تويتر” و”إنستغرام” و”واتس آب” التي ترعى رقابتها المحاكم العادية ولكن، لا رأينا محكمة المطبوعات قد قمعت مؤسسة إعلامية يعتبرها اللبنانيون مشبوهة، ولا المحكمة العادية استطاعت اتخاذ إجراءات عقابية رادعة بحق مُغرِّدين امتهنوا صناعة الفتن على امتداد الوطن الى حدود ملامسة هيبة الأمن القومي والأمان الإجتماعي.
منذ العام 2005 تحديداً، بات الإتهام السياسي مسألة طبيعية في بعض الإعلام اللبناني، يعترف به مطلقوه أنه سلاح سياسي، وهو ليس أكثر من افتراض لا يستند الى أي أساس، سوى أن الضمير غائب، وتفكك القِيَم قائم، ومهنية مَن يدَّعي احتراف الإعلام هي غير شرعية وغير قانونية لا بل غير أخلاقية على المستوى الوطني.
يؤسفنا على هامش جريمة خطف وقتل حصلت مؤخراً في إحدى بلدات عكار، أننا رصدنا هذا الكمّ من الغباء المُعلَّب الذي يتداوله ويتبادله البعض عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، بتوجيه اتهامات باطلة وكاذبة وغير مسؤولة، ولا نعتقد أن كوابح العقل التي يحرص على استخدامها الوطنيون العاقلون في المجتمع اللبناني، قادرة دائماً على فرملة ردات الفعل نتيجة جناية ما يسمى الإتهام السياسي ورمي كلام الحرام، وما على الأجهزة الرقابية والأمنية والقضائية في لبنان، وتحديداً بعد ما تكشَّف من تفاصيل حول جريمة عكار سوى الإنتباه أن هناك جنايات تُرتكب بحق لبنان ووحدة اللبنانيين عبر ألسُن مسمومة تعتاش من ً”الأخضر الملعون” وهي قد رسمت على جباه أصحابها ملامح العار وسِمَات العمالة، ولا يخجلون!