لسنا بصدد التحليل الجيولوجي، ولا دراسة علم الفوالق البركانية، أو الصفائح التكتونية التي تتقاطع في عمق هذه القارة وتتباعد في أخرى، ولا هذه البلدان بعينها أو تلك، إذ ليس هناك بلد في العالم أكثر من اليابان، تتقاطع في جوف أرضها أربع صفائح وتحدث فيها سنوياً مئات الزلازل والهزات الأرضية، مع تفاوت في الدفع الضاغط للدرجات وفق مقياس ريختر، لكن اليابان أقلمت نفسها علمياً مع الواقع الطبيعي ولم تُعلن عبر التاريخ المعاصر على الأقل أنها منطقة منكوبة.
وليس بإمكان كل دول العالم أن تكون اليابان، وليست التجربة اليابانية في مقاومة خطر الزلازل هي حصراً في البناء المُقاوِم للزلازل، وفي الملاجىء المُحصَّنة لحماية وإيواء الناس، ولا بأجهزة الإستشعار المتطوِّرة في المنازل والمؤسسات والشوارع، التي ترصُد قبل ثوانٍ احتمال حدوث هزَّة أو زلزال، بل الدراسات العلمية الواعية التي تحدُّ الى أقصى حدّ من الجرائم البشرية غير المسؤولة بل البلهاء في التعامل مع الطبيعة، وهذه الجرائم يأتي “التصديع المائي” للأعماق الدفينة في طليعتها، والتي تحصل على سبيل المثال، عند استخراج النفط والغاز من الآبار الأحفورية، عبر الضغط الهائل للمياه في الطبقات الصخرية بهدف تعويم النفط والغاز لإستخراجهما.
نأخذ التصديع المائي أو التكسير الهيدروليكي للطبقات الصخرية مثالاً، لأنه سبق لكل مؤتمرات التغيُّر المناخي، أن أبدت مخاوفاً هامشية من مشكلة التعامل مع ما يحصل في أعماق الأرض، ونظرت بفوقية الى فوق، ليس لما يحصل لطبقة الأوزون، بل لإيهام العالم الثالث بمهازل التسبب بارتفاع درجات حرارة الأرض، عبر الإستخدام المُسيء للطاقة بما فيها الفحم الحجري ووجوب البحث عن الطاقة البديلة، وتحميل الدول النامية مسؤولية عدم القدرة على مواكبة العصر والواقع الجديد في مشكلة التغيير المناخي، مما خلق أبواباً جديدة للدول الغنيَّة ذات التوجُّه الإستعماري للهيمنة مجدداً على الدول الفقيرة، وهذا أقصى ما حققته هكذا مؤتمرات تُصرف عليها المليارات دون جدوى، سوى المزيد من الإستكبار والعجرفة على البلدان العاجزة.
وبصرف النظر عن التجارب النووية والصاروخية والحروب التي “تُعنِّف” أعماق الأرض، نأخذ التصديع المائي والتعدِّي على هذه الأعماق، كأحد الأمثلة البارزة عن التسبُّب بحدوث الهزات والزلازل، ونعتمد التجارب العلمية التي تحصل في أميركا بالذات، حول التأثيرات المباشرة لما ترتكبه الدول الصناعية الكبرى بحقّ الطبيعة وحق البشرية.
في 27 تموز من العام 2020، كتبت “لويز بويل” وهي كبيرة مراسلي شؤون البيئة في صحيفة “إندبندت”، أن التصديع المائي كان على صلة بهزات أرضية حصلت في مواقع حول العالم ومنها ولايات أميركية عدة، وأن دراسات أثبتت أن هناك صِلَة بين الحفر لأعماق أكبر بحثاً عن النفط والغاز وازدياد حصول زلازل، واستندت الدراسات التي وردت في “نشرة الجمعية الزلزالية الأميركية” إلى بيانات من أكثر من 1300 موقع مستقل لآبار في مختلف أرجاء ولاية أوكلاهوما، وأظهرت أن احتمال إثارة التصديع المائي في أحد أنواع الطبقات الصخرية نشاطاً زلزالياً ازداد من خمسة إلى 50 في المئة، وهذه النتيجة دفعت بالولايات المتحدة الى وقف التعامل مع الآبار الأحفورية التي تستلزم ضخّ المياه في أعماق الطبقات الصخرية بهدف تعويم النفط والغاز.
وأضافت “الإندبندنت” نقلاً عن الدكتور “مايكل برودجينسكي” الذي قاد فريق البحث التابع لجامعة ميامي في ولاية أوهايو، أن “العمق كان العامل الأقوى. لقد شهدنا ازدياداً بواقع 10 أضعاف في احتمال حصول نشاط زلزالي في الآبار العميقة مقارنة بالآبار الضحلة، وأن التصديع المائي أو التكسير الهيدروليكي بحسب تسميته الرسمية، لاستخراج الغاز والنفط من الصخر الزيتي، هو أبرز أسباب حدوث الهزات والزلازل.
وحللت الدراسة نفسها، تجارب إستشعارية لآبار في أوكلاهوما وتكساس وأركنساس، وفي مقاطعتيّ ألبرتا وكولومبيا البريطانيتين، وفي كندا والصين، وأن العدد الكبير من عمليات التصديع المائي ولّد مجموعة كبيرة بما يكفي من البيانات التي تربط بين التصديع المائي والزلازل.
وفي عام 2019، ضرب زلزال تسبب به التصديع المائي وبلغت قوته 4.9 درجة على مقياس ريختر، قرية في مقاطعة “سيتشوان” الصينية، ما أسفر عن مقتل شخصين وجرح 12 شخصاً آخرين. ورجَّحت خدمة “إنسايد ساينس”، أن الضحيتين كانتا أولى ضحايا الزلازل الناجمة عن التصديع المائي، الذي يُحدث نشاطاً زلزالياً قوياً بما يكفي ليشعر به الناس، مع ترجيح “الجمعية الزلزالية الأميركية” أن الضغوط المتزايدة للسوائل داخل الطبقات الصخرية تُخفّف الضغط على الصدوع وتسمح لها بالانزلاق.
هذا مثال واحد عمَّا ترتكبه “الدول القادرة” من عدوان على الحجر والبشر في هذا العالم، وتستخدم مؤتمراتها المناخية للتصويب على دول العالم الثالث، الذي يرى التلوُّث المُتصاعد من مداخن المصانع وعوادم الطاقة في الأجواء الملوَّثة ويخاف ارتفاع حرارة الأرض درجة ونصف خلال الخمسين سنة القادمة، ولا يرى ما يحصل في أعماق الأرض من تعسُّف بحق الطبيعة في عالم المناجم والآبار عبر جرائم التصديع!