ملفان اساسيان يعتبران ركنا التأثير العملي في الواقع المادي والاجتماعي للمواطن في لبنان حاليا: سعر الدولار.. ومصادر الطاقة. فسعر صرف الدولار يجرّ تعقيدات عديدة وراءه لارتباطه المباشر بالاسعار والسلع والقدرة الشرائية. اما الطاقة فغياب توفرها او غلاؤها الكبير يؤثران مباشرةً على عمل القطاعات الحيوية..
كأحد سبل حصار اميركا بوجه مناوئيها في العالم، -ولأن موارد الطاقة امر حيوي جدا في اقتصادات الدول-، تضغط واشنطن على عدة دول عبر هذا الملف، بل ان مصادر الطاقة شكلت سببا اساسيا للتدخلات والحروب الاميركية والغربية في المنطقة.. وهكذا في لبنان، فبإضعاف سبل الحصول على مصادر الطاقة مثل الفيول والغاز والكهرباء ، تدرك واشنطن انها تكون قطعت شوطا كبيرا في خنق البلد، لذلك كان لها دور اساسي في منع استجرار الكهرباء والغاز الى لبنان، او قبول الهبات، وضغوطات سياسية اخرى في الملف، عدا عن ما يثار حول ادوار اميركية متعلقة بازمة الدولار.
لكن لبنان حقق خرقا في هذا المجال بإحضار حزب الله المازوت من ايران منذ عامين ثم الخرق الاكبر الذي حققه البلد كان التوصل الى ترسيم الحدود البحرية اواخر العام الماضي لتثبيت حق لبنان في النفط والغاز والانطلاق في خطى التنقيب والاستخراج.
عانى لبنان من ازمة طاقة عميقة لعقود رغم انفاق مليارات الدولارات على قطاع الكهرباء، واستمرت الازمة حاليا ما بين الحصار ومدى صحة وفاعلية اجراءات وسياسات الدولة في الملف. من وجوه ازمة الطاقة هذه الايام:
–ارتفاع خيالي في اسعار المحروقات مما يؤثر على التنقلات وتشغيل الكهرباء والمعامل واسعار السلع
-شح الدولار وصعوبة تامين استيراد موارد الطاقة
حاليا هناك وعود ببدء خطة الكهرباء، وقد تجددت الخلافات مؤخرا حول الملف لا سيما سلفة الكهرباء الى ان تم عقد جلسة حكومية واقرار المراسيم، ومن المتوقع بموازاة عودة التغذية من الصفر الى بضعة ساعات، ان يتم في اول شباط بدء التعرفة الجديدة للكهرباء.
وقد ادرك حزب الله ان محاولة تخفيف ازمة الطاقة على انواعها ومصادرها المختلفة هي احدى سبل الصمود والمواجهة، فسعى ونفذ الكثير من المشاريع من احضار المازوت الايراني الى مبادرة هبة الفيول الى المساعدات المباشرة والمادية الى القروض الى الوقوف الى جانب مطالب عمال الكهرباء الى دور الوزراء في الحكومات في هذا الملف، وغير ذلك من الامور. وفي سياق الحديث عن مصادر الطاقة كان كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله منذ يومين حول موضوع النفط والغاز بارزا في اطار حديثه عن ضرورة استغلال نقاط القوة للبنان، وقد اكد على ناحيتين:
-التوقعات المنطقية بوجود كميات كبيرة من الغاز في بحر لبنان
-ضرورة استكمال السير الحثيث في ملف التنقيب والاستخراج
وقد كان سماحته تحدث سابقا في الكثير من المناسبات عن اهمية هذا الملف في انقاذ البلد، ودخلت المقاومة على الخط المباشر في المساهمة في ملف الترسيم عبر تاكيد جهوزيتها واثبات هذه الجهوزية والاستعداد للذهاب بعيدا في هذا الملف اذا لم يحصل لبنان على حقوقه، وهذا ساهم بشكل كبير في انجاز الملف.
تذكر صحيفة الاخبار ان “ثمة تقديرات واعدة للثروات اللبنانية في البحر، كان آخر من تطرّق إليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه أول من أمس”. تضيف “يبني السيد نصر الله مواقفه على أرقام و«تقديرات مبدئية» للثروة يملكها الحزب وآخرون. عملياً، أجمعت بيانات المسح الثنائي وثلاثي الأبعاد المنفّذ على مراحل زمنية متباعدة للمنطقة الاقتصادية الخالصة التي تبلغ مساحتها 22 ألفاً و730 كيلومتراً مربعاً، وجود 25 تريليون قدم مكعبة من الغاز في الركن الجنوبي الغربي وحده، فيما قدرت شركة «Spectrum» المسؤولة عن إجراء عمليات المسح للرقع اللبنانية، احتياطيات الغاز الأوفشور بين 12 و25 تريليون قدم مكعب، أو نحو 20 تريليون قدم مكعب، بقدرة إنتاج سنوي وسطي بحدود 8.2 مليارات دولار، والمعدل ذاته بالنسبة إلى النفط بحدود 4.5 مليارات دولار في حال البدء بالاستخراج من دون حساب الأسعار الحالية، إنما المعدلات الوسطية للسعر العالمي، بينما ذهبت تقديرات «إدارة معلومات الطاقة الأميركية»، حيال قيمة احتياطيات الغاز في لبنان إلى حدود 164 مليار دولار للفترة الممتدة بين عامَي 2020 و2039، فيما النفط الذي يتوقع وجوده ضمن البلوكات بنسب متفاوتة، تبلغ حدود تقديراته ما نسبته 90 مليار دولار للفترة ذاتها، بإجمالي احتياطيات تتراوح بين 440 و675 مليون برميل”.
بعيدا عن حل جذري لأزمة الطاقة التي تعد ركنا اساسيا في الازمة الاقتصادية والاجتماعية، يتكبد لبنان خسارات متراكمة على اقتصاده ومجتمعه، لأثرها على مختلف على القطاعات الحيوية، والنتائج الايجابية تبقى ضعيفة اذا لم تحل الازمة النقدية او تخف حدتها، واذا لم تتجدد الخلافات عند كل منعطف، واذا لم يبادر المسؤولون لخطوات شجاعة تخفف حدة الازمة، وايضاً في هذا الوقت سيبقى غلاء المحروقات عبئا ضخما على المواطن لفترة غير قصيرة… والحل الاهم هو استخراج لبنان موارده النفطية والغازية عبر خطوات حثيثة وادارة صحيحة للعوائد المالية.