اختتم معرض الكتاب أعماله في بيروت الأسبوع الماضي وكان لافتاً صدور عدد كبير من الكتب التي تحاكي الأحداث الجارية في وطننا العربي، لكن كتاباً واحداً حاز على اهتمام زوار المعرض أصدره الدكتور سامي كليب وهو بعنوان «تدمير العالم العربي».
الكتاب غنيّ بالمعلومات الموثّقة عن محاضر اجتماعات جرت بين زعماء عرب في فترة سابقة، كما أماط اللثام عن خطط سرية وتوصيات محددة جرى إعدادها في الغرف السوداء وبين جدران أجهزة استخبارات غربية وأميركية هدفها تدمير عالمنا العربي.
كتاب تدمير العالم العربي أفرد مساحة بين صفحاته خصصت لمضمون كتاب آخر كان رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو قد أصدره عام 1996 وأودعه في مراكز البحث والتخطيط الإسرائيلية وهو بعنوان «مكان بين الأمم».
مضمون كتاب نتنياهو كما ورد في كتاب سامي كليب، يكشف لنا خريطة العقل الإسرائيلي ومخططاته ورؤيته لمستقبل «دولة إسرائيل» التي لا تقبل القسمة ولا السلام مع الفلسطينيين ولا مع العرب حتى مع المطبعين منهم، إلا إذا ضمن لإسرائيل قدرة الردع والتفوق العسكري كما السياسي والاقتصادي والصناعي والتكنولوجي على الدول العربية ولو أبرمت معها اتفاقات سلام.
يقول سامي كليب: إن كتاب نتنياهو مرجعي ويجب على كل باحث عربي أن يقرأه لأن نتنياهو وإدارة العدو الصهيوني لم تَحِد قيد أنملة عن مضمون ما ورد في الكتاب حتى يومنا هذا.
يتمحور كتاب نتنياهو حول ملفات الصراع العربي الإسرائيلي كما أوردها سامي كليب في كتابه، والتي ترسم لنا صورة واضحة عن النيات الحقيقية للعدو الصهيوني تجاه الدول العربية حتى المطبّعة معها، كما أن المضمون يمنحنا الفرصة لسبر أغوار عقل وأهداف يسعى الصهاينة لتحقيقها على حساب تدمير أمتنا العربية وتفكيك جيوشها وتفتيت مجتمعها وتقسيم جغرافيتها.
في كتابه يتحدث نتنياهو عن السلام ويقول: بالنسبة للسلام الإسرائيلي مع العرب فإن السلام الذي تستطيع إسرائيل الحصول عليه مع العرب هو سلام الردع فقط، وإن أي تسويات سلمية مع العرب، منوطة بقدرة إسرائيل على ردع الطرف العربي وشن الحرب عليه فور خرقه لتلك التسوية.
وعن هضبة الجولان يقول نتنياهو: لا يمكن المقارنة بين الانسحاب من سيناء مع الانسحاب من هضبة الجولان فهي منطقة إستراتيجية بالنسبة لأمن إسرائيل، وإذا حصل الانسحاب الإسرائيلي من الهضبة، يستطيع الجيش السوري اجتيازها خلال بضع ساعات ويشكل تهديداً مباشراً على إسرائيل، ولهذا السبب لا يجوز التفكير بالانسحاب منها لأي سبب كان لأن سيطرتنا على الجولان تمنحنا القدرة لصد أي هجوم سوري محتمل، ولذلك لا بديل لإسرائيل من الاحتفاظ بالجولان مهما كلف الأمر.
وعن الدولة الفلسطينية يتابع نتنياهو: إن فكرة المطالبة بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية تتعارض كلياً مع السعي لتحقيق الأمن الحقيقي لإسرائيل، إذ إن وجود الدولة الفلسطينية يجعل إسرائيل في حالة عدم الاستقرار وفي نزاع دائم مع الفلسطينيين. ويضيف: إن الفلسطيني الذي اختار العيش في الضفة الغربية، عليه الاعتراف بأنه سيكون من ضمن أقلية خاضعة لسلطة الدولة اليهودية، ولا يحق له المطالبة بدولة فلسطينية.
أما عن الأردن فيقول نتنياهو: الأردن سيكون الوطن البديل للفلسطينيين، لأن أرض إسرائيل ستكون يهودية فقط، أما دولة لعرب فلسطين فيجب أن تكون تلك التي تُدعى الأردن، وبالتالي فإن أي حل للنزاع بين العرب واليهود يتمثل في دولتين الأولى للشعب اليهودي المقيم غربي الأردن، والثانية عربية للشعب الفلسطيني المقيم بمعظمه شرقي نهر الأردن.
وعن مدينة القدس يقول نتنياهو: إن القدس هي مركز الطموح للشعب اليهودي، ولذا يجب ألا يُطلب من إسرائيل الدخول في مفاوضات بشأن أي جزء من القدس، تماماً مثلما لا يجوز أن نطلب من الأميركيين التفاوض على واشنطن، ومن الإنكليز على لندن، ومن الفرنسيين عن باريس، وبالتالي لا يجوز مطلقاً لأي حكومة إسرائيلية التفاوض أو المساس بسيادتنا على القدس أو تقسيمها ورفض فكرة المدينة المفتوحة، لأنه يجب بقاء القدس تحت حكم إسرائيل كما يجب علينا تعزيز حلقة الاستيطان اليهودية فيها، للحؤول دون حصول تجمعات سكانية من العرب.
نتنياهو يشرح خطته للضفة الغربية ويقول: إن الأنظمة العربية تمتلك مساحات شاسعة من الجغرافيا الجرداء تبلغ 500 ضعف مساحة إسرائيل، ولذلك يجب على تلك الأنظمة العربية التنازل عن مساحة من الوطن العربي تساوي مساحة الضفة الغربية تخصص لفلسطينيي الضفة، وبذلك نستطيع بسط سيادة إسرائيل على الضفة الغربية، ومنع إقامة أي كيان فلسطيني عليها، إضافة إلى وجوب سيطرتنا على مصادر المياه فيها ومياه الجولان لأنها مورد حيوي لدولة إسرائيل.
أما بالنسبة إلى غور الأردن فيعتبر نتنياهو، أن إسرائيل ملزمة بسيطرتها الحتمية الكاملة على غور الأردن، لأنها منطقة زراعية حيوية وحساسة أمنياً وأيضاً لضمان صد أي هجوم على إسرائيل من الجهة الشرقية.
وعن اللاجئين الفلسطينيين، يشدد نتنياهو على توطين الفلسطينيين حيث هم في البلاد العربية لبنان وسورية والأردن وحتى العراق، ويتابع القول يجب إقامة مناطق إسرائيلية عازلة والاحتفاظ بالسيطرة على المعابر وذلك لمنع عودتهم إلى إسرائيل.
وبالنسبة لحدود 1967، يرى نتنياهو أن حدود ما قبل حرب الأيام الستة 1967 كانت حدود حرب لا حدود سلام مع العرب، وبالتالي من غير المقبول ولا من المنطق الحديث عن السلام والأمن الإسرائيلي مقابل مطالبتنا الانسحاب إلى حدود لا تضمن الدفاع عن دولة إسرائيل وهذا مرفوض تماماً.
ويختم نتنياهو كتابه بتوصية تعزيز الهجرة اليهودية ويقول: حين يصبح عدد سكان إسرائيل بين 8 إلى 10 ملايين يهودي، يمكن لدولتنا التمتع بالاستقرار والازدهار، وسوف يضطر العالم العربي إلى إبرام سلام حقيقي معنا، ولذلك يجب علينا تشجيع اليهود على العودة الجماعية، لأن من شأن هذه العودة إلى أرض إسرائيل، وضع حد للحلم الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية على أرض إسرائيل، وتطيح بأمنيات العرب برؤية دولة اليهود تنهار كدولة الصليبيين التي ظلت تصغر حتى تلاشت.
لا غلو بالقول إن خطط تدمير عالمنا العربي عسكرياً واقتصادياً وثقافياً وإنمائياً وتكنولوجياً وتجويع شعوبنا في كل من لبنان وسورية والعراق واليمن والسودان وتفتيت مجتمعنا وتحويله إلى قبائل طائفية وإثنية وعرقية متناحرة، ليست من صنع الأعداء فقط بل هي خطط مُوّلت ونّفِذت من أنظمة عربية بناءً لأوامر أميركية ضد أنظمة عربية أخرى لم تستسلم للإرادة الأميركية الغربية الإسرائيلية.
إن تخاذل معظم الأنظمة العربية عن إيجاد أرضية مشتركة للتعاون فيما بينها والانكفاء عن تقرير مصير بلادنا وأجيالنا بأنفسنا، أفقد العرب مكانتهم بين الأمم وأفسح المجال أمام أميركا والغرب وإسرائيل وتركيا وإيران لتقرير مصير العرب بدلاً منهم، بينما شعبنا العربي يعيش حالة من الحرمان والبؤس والفقر المدقع وجهل وتعصب وتخلف عن ركب التطور العلمي والصناعي والتكنولوجي وانعدام الأمل بمستقبل واعد، الأمر الذي جعل الوطن العربي في حال من التقزّم المتواصل والاقتراب من عتبة التلاشي، ليصحّ بنا القول، إننا أمّة لم يعد لها مكانة بين الأمم.