وصل معدل انهيار الشركات والأعمال في بريطانيا إلى أعلى مستوى له منذ قمة الأزمة المالية العالمية عام 2008 – 2009، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة وتراجع الطلب على السلع والخدمات وارتفاع كلفة الاقتراض نتيجة الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة.
وكشفت البيانات التي أصدرها مكتب الإحصاء الوطني في بريطانيا، الجمعة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، عن أن عدد الشركات والأعمال التي أفلست في إنجلترا وويلز في الربع الثاني من هذا العام بلغ 5629 شركة، وذلك أعلى معدل إفلاس في ربع سنة منذ الربع الثالث من عام 2009.
وأفادت الشركات بأن العامل الرئيس في انهيار أعمالها هو الارتفاع الصاروخي في فواتير استهلاك الطاقة، إضافة إلى صعوبة تسديد الديون المستحقة على الشركات والأعمال وارتفاع كلفة المواد الخام ومدخلات الإنتاج عموماً نتيجة الأعطال في سلاسل التوريد.
وفي التفاصيل، تشير الأرقام إلى أن تلك العوامل أثرت على الشركات في أغلب القطاعات، لكن قطاعات معينة شهدت معدلات الإفلاس الأكبر مثل البناء والإنشاءات ومبيعات التجزئة والفندقة والتغذية. ففي النصف الأول من هذا العام، مثلت الإفلاسات في قطاع التشييد والبناء نسبة 20 في المئة من إجمالي الأعمال المفلسة. وبلغ عدد الشركات المنهارة في القطاع 2083 شركة. وجاء قطاع مبيعات الجملة والتجزئة في المرتبة الثانية بنسبة 14 في المئة من إجمالي الإفلاسات.
طبقاً لبيانات مكتب الإحصاء الوطني، فإن نسبة 30 في المئة من الشركات والأعمال صغيرة الحجم (التي توظف ما بين 10 عمال و49 عاملاً) ذكرت أن ارتفاع أسعار الطاقة هو الهاجس الرئيس لها. ومن بين كل الشركات ذكرت نسبة 22 في المئة أن مشكلتها الرئيسة هي ارتفاع أسعار الطاقة. وبحسب المسح الذي أجراه المكتب في شهر أغسطس (آب) فإن شركة من كل 10 شركات (نسبة 10 في المئة) من بين الذين شملهم المسح ذكرت أنها تواجه خطر إفلاس بين متوسط وخطير.
يذكر أن الحكومة البريطانية الحالية أعلنت عن حزم دعم لأسعار الطاقة لتخفيف عبء كلفة الفواتير على المستهلكين. وبينما تشير خطة الحكومة إلى دعم الاستهلاك المنزلي حتى مطلع العام بعد المقبل (2024)، فإن ما هو معلن حتى الآن أن دعم أسعار الطاقة لاستهلاك الشركات والأعمال سيكون لمدة ستة أشهر.
وتشير الأرقام والبيانات في العامين الأخيرين إلى أن الاقتصاد البريطاني بشكل عام يواجه مشكلات أكبر حتى من نظرائه بين الاقتصادات المتقدمة، وبخاصة الأوروبية. وانعكس ذلك في ارتفاع معدلات التضخم بشكل أكبر من الولايات المتحدة وأوروبا، مما اضطر بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) إلى البدء في رفع أسعار الفائدة مبكراً منذ ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي.
وعلى رغم أن وتيرة رفع الفائدة في بريطانيا تظل أقل من الوتيرة التي يرفع بها الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، فإن تباطؤ النمو في بريطانيا وصل إلى حد الصفر أو الانكماش في الربعين الأخيرين.
ومع توقف ضخ الدعم الحكومي الذي زاد من الدين العام لبريطانيا ومن نسبة العجز في الحساب الجاري، بدأت الشركات والأعمال تشعر بالضغط، وبخاصة أنها اعتادت معدلات فائدة قرب الصفر سهلت لها في الماضي الاقتراض بأقل كلفة ممكنة، كما أن التوقعات السلبية في شأن أداء الاقتصاد واحتمالات الركود القوية، إضافة إلى ارتفاع كلفة المعيشة بشكل أكبر من البلدان المماثلة، جعل الأسر البريطانية تضغط إنفاقها، مما أدى إلى تراجع الطلب بشدة.
كل تلك العوامل جعلت قدرة الشركات والأعمال على الاستمرار، بخاصة تلك التي تعاني مشكلة ديون، تضعف بشدة، مما زاد من معدلات الإفلاس. وبحسب التوقعات الحالية يرجح أن أن تستمر الزيادة في معدلات الإفلاس في الفترة المقبلة.
المصدر: الاندبندنت