عندما سُئل سماحة السيد حسن نصرالله في إحدى المقابلات التلفزيونية مؤخراً، عن تقييمه لعهد الرئيس ميشال عون، جاء جوابه علمياً ومنطقياً وعادلاً ومُنصفاً، ضمن إطار أدبياته السياسية المعروفة، وقال “الرئيس في لبنان هو ليس حاكماً، بتعبير آخر هو له بعد الطائف صلاحيات محدودة ومحدّدة، السلطة التنفيذية هي في عهدة مجلس الوزراء مجتمعاً”، وقال عبر إشارة منه ما بين السُبابة والإبهام: رئيس الجمهورية له حصّةٌ ما في هذا النظام، أنت يمكن أن تحاسبه بحجم الحصّة التابعة له المُعطاة له… الذي يريد تقييم فخامة الرئيس عليه أن يقيّم أداءه على ضوء صلاحياته المحدودة والمحدّدة.
وإذ تحدَّث سماحته بإيجابية عن شخص الرئيس عون، اشار ان أهمية رئيس الجمهورية في لبنان أنه يشكّل ضمانة، وجاء جوابه الثاني حول الترشح “بالنسبة لنا نحن لا نرى فائدة من الحديث عن مواصفات، نحن نعتبره تضييع وقت”…
عين الحقيقة أصابها السيد نصرالله، لأن إتفاق الطائف الذي نقل بعض صلاحيات رئاسة الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً، لم يتأثر به فقط موقع الرئاسة الأولى تبعاً للشخصيات التي شغلت الموقع ما بعد الطائف، بل تأثرت به أيضاً كل الحكومات تبعاً لكاريزما رئيس الحكومة، التي قد تطغى أحياناً على الوزراء ويتأثر الأداء العام بشخص رئيس الحكومة، خاصة في حالات الحَرَد أو الإعتكاف!
نقل الصلاحيات من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً لم يخلق جدلية على مستوى الأداء، إنما انتقال بعض الوزراء الى جيب رئيس الحكومة ومشاركته الحَرَد وتبرير الإعتكاف، قد تكون أحياناً الطامة الكبرى التي تُقارب المصيبة على مستوى الأداء الحكومي، وبقدر ما تأثرت حكومات ما بعد الطائف بما يُسمَّى كاريزما رئيس الحكومة، بقدر ما أن قصر بعبدا عوَّض عن محدودية الصلاحيات بفخامة الأداء وتحديداً في عهد الرئيس إميل لحود الذي غادر القصر مع لقب وطني مُشرِّف وصَّفه بأنه الرئيس المُقاوم، ويُغادر الرئيس ميشال عون القصر بنفس المستوى، لأن الأول لم ينتظر صلاحيات الطائف ليكون رئيساً وطنياً عند تحرير الوطن عام 2000 من رجس الإحتلال الصهيوني، وعند تحقيق النصر على العدو عام 2006، والثاني لم ينتظر صلاحيات الطائف عندما وصَّفه السيد نصرالله بالجبل، بدءاً من رعايته تحرير لبنان من عصابات الإرهاب التكفيري عام 2017 بفضل معادلة الجيش والشعب والمقاومة، ووصولاً الى صلابة مواقفه من مسألة ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي، مروراً طبعاً بإنجازاته في تحريك ملفات مكافحة الفساد والتدقيق الجنائي، التي تقاطعت عملياً مع ما أنجزته كتلة الوفاء للمقاومة ضمن برنامجها النيابي منذ انتخابات العام 2018 عبر وضع الحقائق والقرائن أمام النيابة العام المالية ولجنة الإدارة والعدل النيابية.
نحن نعرِض وقائعَ عن فخامة الأداء رغم ضمور الصلاحيات، ليس من قبيل التفخيم بقدر ما أننا نُعطي الحق لأصحابه عبر إقرارنا بالحق، ونحن بإذن الله اعتمدنا المواقف الوطنية معايير تقييم، ليس لكل سلف من الرؤساء فحسب، بل لكل خلفٍ آتٍ الى كرسي بعبدا، ومن هنا المُنطلق عشية الإنتخابات الرئاسية التي دخلنا عتبة استحقاقها ننظر الى الأمور، وها هُم المرشحون يتقاطرون من داخل لبنان وحتى من بلاد الإغتراب، وجميعهم تنطبق عليهم مواصفات “مرشَّح طبيعي” و “لبناني منذ أكثر من عشر سنوات” ولكن، السيرة الذاتية والمسلكية الشخصية هما الأساس، وأهلاً بمَن يستحق لقب الفخامة، ليس بجلوسه على الكرسي، بل لإستحقاقه الوصول الى الكرسي عن جدارة وطنية لبنانية حقيقية…