ليست معركة رئاسة الجمهورية بالبساطة التي يعتقدها البعض، ولا هي بعدد النواب المطلوب تأمين النصاب بهم من طرفَي آذار سواء 8 أو 14، بل هي في التوافق ضمن الممكن المُتاح على الشخصية الجديرة بالجلوس على كرسي قصر بعبدا من المنظور الوطني اللبناني، بصرف النظر عن الإصطفاف السياسي القائم.
وجدير بنا الإعتراف، أن الوزنة ثقيلة متى كانت المسؤولية كبيرة، كتلك التي حملها الرئيس الوطني إميل لحود خلال ولايته ما بين عامي 1998 و 2007، بحيث شهِد لبنان عُرس تحرير أرضه عام 2000، وحقق نصر تموز عام 2006، واستحق لحود عن جدارة لقب الرئيس المقاوم.
كما أن ثقل موقع الرئاسة يكون وازناً، متى كانت الشخصية بحجم الرئيس ميشال عون، الذي شهِد عهده نصراً على الجماعات التكفيرية على الحدود الشرقية عام 2017، وشاءت الإرادة الوطنية اللبنانية، أن القاسم المشترك لهذه الإنتصارات في عهدَي لحود وعون، أنها حصلت بفضل المعادلة الثلاثية الذهبية للجيش والشعب والمقاومة.
وإذ يُسجَّل للرئيس لحود عناده في الحق اللبناني دون مُهادنة، هو الذي أقفل الخط الهاتفي بوجه وزيرة الخارجية الأميركية الراحلة مادلين أولبرايت عندما حاولت التطاول على السيادة اللبنانية، وترك وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس في مكتبه وغادر دون استئذانها لأنها حاولت طرح إملاءات رفضها لحود من منطلق سيادي لبناني، فإن الرئيس ميشال عون أيضاً دفع الكثير ثمن مواقفه اللبنانية المبدئية على حساب استقرار عهده، من خلال حصار “قانون قيصر الأميركي” الذي شارك فيه ولا يزال “قياصرة” أوروبا والخليج دون أن تتزعزع إرادته، خاصة أن عهده حمل بشائر الدولة النفطية التي لا يجرؤ أحد على اقتناص قطرة من خيراتها بفضل المعادلة الذهبية نفسها.
هذه هي المعايير في تقييم الرؤساء/الأوزان، بصرف النظر عن كل ما يدور في الصالونات السياسية حول مواصفات الرئيس العتيد، لأن مكانة أي رئيس ما بعد الطائف، باتت مرتبطة بشخص وشخصية الرئيس بعيداً عن حفنة الصلاحيات التي أبقاها الطائف له، والقوة الرمزية لأي رئيس، بعد تجربتَيْ لحود وعون، هي حصيلة مواقفه الشريفة والشجاعة والوطنية بامتياز، بصرف النظر عن الوصوليين الممنوع عليهم الوصول، لأن كرسي بعبدا ليس فقط لمَن يعتبر نفسه مرشحاً طبيعياً، بل لمن يعتبره اللبنانيون رئيساً واقعياً يُرضي الشرائح الواسعة من القوى السياسية والقواعد الشعبية.
على هذا الأساسى من المستوى الوطني الراقي في تقييم أهل الجدارة، سوف يتمّ التوافق على الرئيس، بصرف النظر عن موعد الإنتخابات، سيما وأن الجدل قائم حالياً حول ضرورة تشكيل حكومة جديدة، لعدم دستورية تسليم صلاحيات رئاسة الجمهورية الى حكومة تصريف أعمال في حال تأخر انتخاب الرئيس، وبالتالي، على مَن يلعبون بغير ملاعبهم، وتحديداً في ساحات السفارات، أن يهدأوا قليلاً في “التشويط”، لأن أيلول هو الشهر الداهم، سواء لناحية دخول المهلة الدستورية للإنتخاب، أو لناحية المسألة المرتبطة بالحدود البحرية، والأولوية اللبنانية الآن هي في منع تهريب نقطة نفط أو نفحة غاز هي ما تبقى من آمال اللبنانيين…