ريم عبيد
أربعون عاما صنعت أبجدية النصر ،والرسول محمد (ص) تسلم رسالة التبليغ في الأربعين .
أربعون عاما انهاها حزب الله بنصر من نوع آخر .. يمكن أن نسميه نصرا فنيا بلغة يفهمها العدو والصديق.
نصر ،سطره أكثر من مئتي فنان ،ب “أبجدية النصر “، لا شك الكل كان يعرف ماذا يقول فيها ويشعر به، والكل كان يدرك أي رسالة يقدم وكيف ، والأهم من ذلك أن كل هؤلاء الفنانون يعلمون من يشاهدهم.
خمسون دقيقة اختصرت أربعين عاما من البذل والجهاد والعطاء والتضحيات والشهداء والأسرى والأشلاء والدموع والفرح، هي دقائق استطاعت أن ترد على الداخل اللبناني والخارج اللذين يسألان :ماذا قدم الحزب؟
قدم الحزب أولا قادته شهداء.. ولن نعيد ونكرر بأن الحزب هو من حفظ لنا الكرامة ، ودرأ عنا الأعداء ، وحمى بناتنا وأبناءنا ، والآن هو حريص على حقوقنا، وأيام قليلة فقط تفصلنا عن استحقاق استرداد الحقوق بعد سنوات من التأخير والمماطلة.
لم ينس الأمين حين أطل تضحيات من أسسوا اللبنات الأولى ، وبالأسماء تحدث عن فضلهم ، وأذكر هنا الشيخ حسين عبيد، العالم الجليل الذي يعرفه لبنان من أقصاه الى أقصاه ، لم ألتق بشخص ويعرف أني من آل “عبيد”، حتى يسألني عن “الشيخ حسين” ، والبعض يعرفونه بـ”الحج حسين”، مؤسس من التسعة الأوائل للأبجديات الاولى للحركة الجهادية ، منذ السبعينيات والثمانينيات ، كان غائبا عن أسرته وأبنائه بشكل شبه كلي من أجل نشر فكرة المقاومة ، وتعميمها وتثبيتها في عقول الناس .
كان يرفض المظاهر ، والعراضات ،كان حازما حاسما حكيما ، قاسيا حينما يتعلق الأمر بالدين وفي أي تقصير منا نحن الأبناء وأبناء الأبناء والبنات.
كان هاديا ، وهادئا ، وكان مؤمنا بالعمل والسعي وتبييض صحيفة الأعمال وانتظار الظهور.
شدة ايمانه بالرجعة ، كانت تجعله يبكي ويذرف الدموع حين يذكر آل البيت وصولا الى إمام العصر.
كان مخيفا ، فلا يقبل الخطأ، ولكن كان بريئا نظيفا حنونا ذا قلب ابيض كالاطفال حين يجلس معهم ، ويسمع كلامهم ، ويسألهم ليجيبوه ، ويضحك ، ويسأل مجددا وهكذا دوليك.
حين كنا نجلس اليه ،اذكر مشاهد ليست بكثيرة ،لأنه كان كثير الانشغال ، يتحدث الينا عن ضرورة الالتزام ، وعن أهمية المقاومة ،وكان له جانب فلسفي في حديثه، يوجهنا الى اعتماد الروح والروحية وتغليبها على العقل والقلب ،لأنها الكفيلة بجعلنا نحقق وننتصر للمقاومة، كان يتوقع ما قد يحصل تبعا لقراءات سياسية معينة ، وكان يملك بصيرة تجعله يتميز في طروحاته ،كان يملك يقينا لا نظير له بأن نصرنا قريب.
كان في حرب تموز 2006 ، وقد أخذ الشيب منه مأخذا ، يثبت عزيمتنا ويقوي مناعتنا ، ويعطينا دروسا في السعي وضرورة الجهاد ، وكان يحكي لنا حكايات الأولين ، بعضها ، ويقول بأننا قوم مثلنا الأعلى هم آل البيت، فلا ضير إن متنا على درب عشق الحسين(ع) واختارنا الله شهداء.
كان يعشق الحسين (ع)، وحسين عصرنا أيضا المتمثل بحجة الاسلام والمسلمين أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، الذي لم ينسه في أي مناسبة حتى أمس، ولم يكن يقبل- اي الشيخ- أن يأتي أحد على ذكر السيد ولو بكلمة في غير محلها، لدرجة أنه كان يصرخ عليه ويغضب غضبا شديدا، وينبذ هذا الشخص، ويصبح فيما بعد عاجزا حتى عن تقبل ذكر اسمه ..
شديد الصدق، فإذا استشهد بآية وأخطأ وهو يتلوها ولو بحركة في آخر كلمة، كان يستدرك فيقول “استغفر الله”، ويتأثر تاثرا شديدا، وهو الدليل على فرط خشيته من الله تعالى.
كانت أفضل أوقاته حين يركن الى الصلاة، كان يجلس الى الله ساعات طويلة، يبكي في نهاية كل صلاة، ويقوم منها اما متجهما، او مستبشرا، وسريعا يجري اتصاله بالأخوة، ويبلغهم شيفرة كان لا يعرف فكها الا الخاصات، والحديث عنه رحمه الله يطول، وقد نتطرق اليه في مقالات أخرى.
وبالعودة الى “الأربعون ربيعا”،هؤلاء هم من أسسوا وكانوا يملكون عقيدة ثابتة، وما بنوه ها هو يثمر وقد أيعنت ثماره مجدا وعزا ونصرا وعشقا للحسين وآل بيته.
اذا، الصبر والبصيرة هي وصية سيدنا، الأمين على أرواحنا، ومن صبر اربعين عاما، لا ضير في انتظار القليل بعد، فالفرج أصبح قريبا.
المصدر: بريد الموقع