سنتان مرت على انفجار مرفأ بيروت، الذي ذهب ضحيته أكثر 200 شهيد و6 آلاف جريح، فضلا عن تضرر عشرات المنازل في المنطقة المحيطة بالمرفأ، ولا تزال تداعياته تفرض نفسها على الواقعين السياسي والقضائي في البلاد.
مشاعر الألم التي ما زالت تختزن قلوب أهالي وأقارب الضحايا، واللبنانيين الذين هالهم حجم الانفجار، الذي ترددت أصداؤه في مختلف المناطق اللبنانية، لا تزال حاضرة في التحركات الميدانية للاهالي، الذين يطالبون باستكمال التحقيقات، لمعرفة الأسباب الحقيقية للانفجار، وانزال العقوبات بحق المسؤولين والمشاركين ، في هذه الجريمة.
تحقيق العدالة، التي شكّلت عنواناً جامعاً لكل اللبنانيين، أمام هول الفاجعة التي احدثها الانفجار، سرعان ما تلاشت على وقع التحقيقات القضائية المقرونة بتدخلات سياسية، ساهمت في حرف التحقيقات عن مسارها القانوني، لتدخل في متاهات السياسة والنقاشات الاعلامية، التي تفتقد بمعظمها الى أي أساس قانوني.
التحقيق في الجريمة، التي احيلت الى المجلس العدلي، بمرسوم من مجلس الوزراء، والذي تولّاه القاضي فادي صوان، قبل أنّ تُكّف يده عن متابعة القضية، بفعل دعوى ارتياب غير مشروع ، ليتسلّمه القاضي طارق البيطار، الذي دخلت معه التحقيقات في مسار مجهول.
القاضي البيطار ، الذي رفض الافراج عن التحقيقات الفنّية التي انهتها القوى الأمنية، تمهيداً لاصدار القرار الظنّي، رغم المطالبات العديدة من قبل الأهالي وجهات سياسية، أصرّ على استدعاء عدد من الشخصيات السياسية والأمنية دون آخرى، معلنا عن نيته توقيف المستدعين، باعتبارهم من المتهمين.
هذه الاجراءات القضائية، التي دفعت بـ”الشخصيات المدعوة للتحقيق” الى الريبة منها، ورفض الحضور أمام القاضي البيطار، قبل أن تُكف يده “مؤقتاً” منذ 23 ديسمبر/ كانون الأول بفعل طلب الرد المقدّم من المدعى عليهما النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، والتي سبقها 21 طلب ردّ منها 12 بهدف كف يد البيطار، و9 لإزاحة القضاة الذين ينظرون بطلبات رد المحقق العدلي.
طلبات الردّ هذ،ه لم تاتي على خلفية الاستنسابية في الاتهامات الموجّهة الى الشخصيات السياسية، إنّما أيضا بسبب المخالفات التي اقترفها القاضي العدلي، لاجراءات محاكمة الرؤساء والوزراء، الذين يحاكمون حصراً أمام المجلس الأعلى لمحكمة الرؤساء الوزراء، وفق مقتضيات الدستور اللبناني، وذلك رغم المراسلات الكثيرة بهذا الشان، من قبل مجلس النواب اللبناني.
وفي حين لم تأخذ الاجراءات القضائية مسارها الطبيعي بحجة عدم حضور المتهمين، بقي العديد من الموقوفين بينهم قيادات أمنية، من دون محاكمات قضائية، في اتنهاك لأبسط حقوقهم القانونية، وفي تأمين حق المدافعة عنهم.
وفيما علت أصوات للمطالبة باجراء تحقيق دولي بالانفجار، فإنّ العديد من هذه الدول رفضت تسليم صور الأقمار الصناعية للفترة التي سبقت وتزامنت مع لحظة الانفجار، رغم مشاركة خبراء منها في التحقيقات التي أجرتها الاجهزة اللبنانية، ووضعت هذه التحقيقات في تصرّف هذه الاجهزة التي أوردتها ضمن تقاريرها الفنّية، التي تمنّع القاضي العدلي حتى الكشف عنها.
وحدها روسيا، استجابت لطلب لبنان، حيث أرسلت في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني /نوفمبر من العام 2021 صورا التقطتها الأقمار الصناعية لمرفأ بيروت قبل وبعد الانفجار، أعدتها وكالة روسكوزموس، والتي كان يؤمل أن تُساعد في التحقيقات، ولكنّ مصيرها معلّق حتى الآن، كمصير التحقيقات الفنّية والقرار الظنّي، بانتظار حلحلة قضائية – سياسية، تُعيد التحقيقات الى مسارها القانوني البحت.
ومع إنقضاء العام الثاني على هذه الفاجعة، التي طرقت بيوت العشرات من اللبنانيين ومن جنسيات مختلفة، يبقى تطلّع الأهالي، بأنّ تكون هذه الذكرى، فاتحة أمل لكشف حقيقة الانفجار، وفق تحقيق شفّاف، بعيداً عن كل المزايدات السياسية.
فهل تلقى هذه الدعوات آذاناً صاغية لدى السلطتين السياسية والقضائية، بحيث تتركز التحقيقات على المسؤوليات المترتبة على رسو الباخرة في مرفأ بيروت عام 2013، التي كانت تحمل 2750 من نيترات الأمونيوم، بحيث بقيت من دون معالجة على امتداد ست سنوات تقريبا، رغم علم الاجهزة المختصة بخطورة هذه المواد، فضلا عن أسباب الانفجار، ويتم على اساسه تحديد المسؤوليات وإصدار الأحكام القضائية، التي تبلسم بعضأ من جراح أهالي الضحايا، وتحقق العدالة المنشودة، أمّ أنّ هذه التحقيقات، تظلّ أسيرة تلك التجاذبات التي من شأنها أن تذهب بها الى المجهول؟.
وكان مرفأ بيروت شهد في الرابع من آب 2020 ، أضخم انفجار في تاريخه، نتج عن انفجار مادة الأمونيوم المخزنة في العنبر رقم 12، بعد امتداد النيران اليها، ما تسبّب باستشهاد نحو مئتين وثلاثين شخصاً، بينهم عددمن جنسيات مختلفة، فضلا عن إصابة نحو 6500 شخص، وتضرر جزء كبير من المناطق المحيطة بالمرفأ.
المصدر: يونيوز