خلال إطلالته عبر قناة الميادين، بمناسبة الربيع الأربعيني لنشأة المقاومة، تبسَّم السيد حسن نصرالله مُطوَّلاً عند حديثه عن المُرشَّح الطبيعي لرئاسة الجمهورية، خاصة أن البعض يردِّد دائماً هذه العبارة في التسويق لنفسه. وما أوضحه سماحته، أن مارونية المركز بالنظر إلى تركيبة النظام اللبناني، هي جزئية من معايير اختيار المرشَّح، وأن حزب الله لن يكون له مُرشَّح، بل سيدعم مرشحاً من جملة الأسماء التي قد تُطرح، وقد قرأنا في عمق كلامه، أن وضع المواصفات والتفاهم حولها مع سائر الفرقاء اللبنانيين ليس أكثر أهمية من السيرة الذاتية ومسيرة الشخص وتاريخه.
فعلاً، ما أكثر المواصفات والشروط التي يضعها اللبنانيون عند كل استحقاق، وتنتهي كما البيانات الوزارية، منسوخة من حكومة الى أخرى، والعبرة في التنفيذ وفق الشخصية / الشخصيات موضوع الرهان، بصرف النظر عن الإنتماءات السياسية والحزبية والطائفية على اختلافها، لأن لطبيعة الشخص وطبعه وتنشئته أهمية في جعله المرشَّح الطبيعي لأيّ مركزٍ كان.
ولتبسيط الأمور أكثر، بهدف تبيان التأثير الكبير لفلسفة الفكر السياسي للسيد نصرالله في أنفس المواطنين عشية الإستحقاق الرئاسي – وأنا في طليعة هؤلاء المواطنين – أروي واقعة عايشتها شخصياً في الحياة الإجتماعية، عسى أن أنجح في شرح وجهة نظري كمواطن لبناني ماروني من مُطلق مُرشَّح طبيعي، كي لا ينساق كل ماروني في هذا البلد الى اعتبار نفسه مرشحاً طبيعياً لمجرَّد أنه ولِد مارونياً فقط لا غير.
خلال عملي ضمن جمعية تعاضد إجتماعي، ذهبت منذ سنوات مع أعضاء هذه الجمعية لتقديم درع تكريم الى أحد أبناء قريتنا، لمساهماته الكريمة والسخيَّة في دعم الجمعية، وخلال الحديث حاولت أن أشرح له منهجية عملنا كهيئة إدارية، وأننا نعتمد كل الأصول والمستندات المحاسبية من إيصالات رسمية وأوامر دفع وفواتير واضحة في إدارة أموال الجمعية، إضافة الى إطلاع المشتركين على أرقام الموازنات والميزانيات عبر كشوفات دورية إبراء لذمتنا أمام الجميع وبهدف تبيان شفافية العمل الذي نتولاه فأجابني: السيرة الذاتية لكلٍّ منكم كافية لإجتذاب ثقة الناس، وكل ما تعتمدونه من أصول في الإدارة قد لا يوحي بالثقة لو تولاه أشخاص غير موثوقين، والأداء النزيه في إدارة الشأن العام يرتبط بآدمية الأشخاص وسمعتهم قبل أي شيء آخر.
تذكرت هذه الواقعة التي كانت كما الوسام على صدورنا أنا وزملائي، عندما كنت أتابع بشغف مقابلة سماحة السيد نصرالله على الميادين، ونضجت في فكري أكثر من أي وقتٍ مضى حتمية السيرة الذاتية النظيفة والمسيرة الشخصية النقيَّة، لكل شخصٍ يعتبر نفسه مرشحاً طبيعياً لمركزٍ عام، فكيف بالحري لو كان المركز الأول في الدولة اللبنانية، فيما لبنان يعيش استحقاقات معيشية خطيرة تبدأ بملف التفاوض مع البنك الدولي ولا تنتهي عند المفاوضات حول حقوق لبنان بخيراته الطبيعية، وهنا تبرز أهمية المرشَّح الطبيعي الذي يعنيه حتماً السيد نصرالله، وتتطلَّع إليه شرائح الشرفاء من الشعب اللبناني.
خلاف هذه الخصال والمواصفات، نسمح لأنفسنا بالقول: مَن ليس لبنانياً بالمعنى السيادي الحقيقي، بعيداً عن عمالة الأدوات وضغوط السفارات، ومَن ليس مؤمناً بالمعادلة الثلاثية التي وحدها قوَّة لبنان وضمانة السيادة، فمِن غير الطبيعي أن يعتبر نفسه مرشحاً طبيعياً وأنه صاحب فكرٍ طبيعي، والحاكم الموثوق هو سيرة ومسيرة وتاريخ، وليس نِتاج شعارات فارغة على لوحات إعلانية ملأت شوارع لبنان في الإنتخابات النيابية الماضية…