ظهور “إمبراطورية تشينغ” على بعض القنوات العربية (ج 1) – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

ظهور “إمبراطورية تشينغ” على بعض القنوات العربية (ج 1)

بكين
جاد رعد

 

عزز الغرب جهوده في السنوات الأخيرة، لتشويه تاريخ الصين لغاية شيطنتها، والموضوع مثير للجدل في الأوساط الأكاديمية الصينية. إن الآراء المشوهة للتاريخ الصيني سيكون لها حتما تأثير على البلدان الأخرى لا سيما علاقاتها السياسية والتجارية مع الصين.

يقلق العالم والصين ضمنا بشأن الديناميكيات الأيديولوجية للعالم العربي. في هذا السياق لحظت مؤخرا عبارة “إمبراطورية تشينغ” للمرة الأولى في بعض وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية في اطار مضلل يتبع وجهة نظر النمط الغربي في نظرته للتاريخ الصيني: “الصين كإمبراطورية لن تتغير، ولا يمكن بناء الصين الجديدة إلا على أنقاض إمبراطورية تشينغ” كما نشرت قناة الجزيرة متبنية نظرية كاتب صيني هاجر بلاده ليعيش في الولايات الاميركية.

في الواقع، أن “إمبراطورية تشينغ العظيمة”، مفهوم جديد تم تكوينه مؤخرا، ولا يوجد شيء من هذا القبيل في التاريخ. في أواخر عهد أسرة تشينغ، صاغ شعب أسرة تشينغ اسم”مملكة تشينغ العظمى” أثناء اتصالهم بالغرب، ولكن لم يكن هناك مفهوم للإمبراطورية في الثقافة الصينية في ذلك الوقت، كان محض اقتباس مستورد من الغرب. اما الحقيقة من وراء ذلك، أنه في اطارالاستعمار الحديث والتوسع الغربي، قررت الصين ان تواجه واخذت تنظم المقاومة الأكثر فعالية . رفض التيار اليميني السائد في الغرب ومعهم بعض الصينيون قبول الواقع ورفضوا الاعتراف بالثورة الصينية، لذلك اخترع علماء صينيون غربيون مجموعة كاملة من الآراء التاريخية الصينية الزائفة، بحجة أن الحضارة الصينية قد نجت لأنها اكتسبت شكل إمبراطورية. يجادل الاكاديميون في الصين وغيرها بأن هذا التفسير الخاطئ للصين على أنها “إمبراطورية” هو في الواقع محاولة لتبرير الإمبريالية الغربية.

يؤكد اكثر من كاتب ودراسة ومقالة أن الغرب ليس لديه  سوء فهم حول الصين فحسب، هناك تعمد في البلدان الأخرى بقصد الاساءة الى الصين  بالاعتماد على تفسيرات من المنظور الغربي.  من أجل تقدم الحضارة الإنسانية، يعتمد الاونيسكو في وثائقه على تقديم ثراء الثقافة الصينية وغيرها للعالم، والقضاء على التحيز ، وإلقاء الضوء على مستقبل البشرية و البحث عن الحقيقة (اوالحقائق).

في هذا المقال، اقتباسات بإذن من اكاديميين وصحفيين صينيين (ابرزهم مينغ هوي Meng Hui  الكاتب في Cultural aspect الصينية) اعتبروا ان فيما تنشره بعض وسائل الاعلام تشويه وجفاء عن الحقيقة، وهم يخشون ان تؤدي الافكار المشوهة عن الصين الى تباعد ونفور بين العرب والصينيين كما يشتهي الغرب الاستعماري المسيء لكلا الطرفين.

 

لماذا ظهر اسم “إمبراطورية تشينغ” في وسائل الإعلام العربية

مجموعة من اليمينيين في الشرق الأوسط ممن تبنوا وساروا على النمط الغربي اختلقوا التاريخ المزيف عن الصين. في الآونة الأخيرة ، “قصة جديدة” تسلط الضوء لأول مرة على ما اسموه “إمبراطورية تشينغ” وظهر ذلك على قناة الجزيرة العربية وهي من بين الاكثر رواجا بين الفضائيات العربية وعداؤها للصين قديم، منذ عقود.

“ون أن لي”خبير تاريخ الحرب الباردة الغربي الذي يتجول بين الأخطاء

في 2 مايو 2022، نشر موقع الجزيرة الرسمي باللغة العربية الترجمة العربية لمقال طويل بعنوان “رحلة الصين – من إمبراطورية ضعيفة إلى قوة عظمى”. المقالة من قبل “شخص غريب مغمور” (المشار إليها باسم “ون”)، وكتابه “الإمبراطورية التي لا تنتهي – الصين والعالم منذ سنة 1750″ (مترجم للعربية عن الصينية) وتزعم قناة الجزيرة  أن الكاتب مشهور جدا. في الواقع، لا يوجد شيء جديد في مقالته الطويلة، إنه تكرار لآراء أسلافه امثال كيسنجر، لكنه لا يملك قدرة أسلافه على التعبير عنها. الشيء الجديد الوحيد هو قالب- مفهوم ” إمبراطورية تشينغ”.

قبل ذلك الكتاب الذي اعتمده موقع الجزيرة الرسمي باللغة العربية  كمرجع، لم ترد تعبيرات “تشينغ” و”إمبراطورية تشينغ ” بأي لغة أجنبية. في العالم العربي، هذا الاسم والمفهوم غير موجودين.

تتضمن المقالة فرضية مفادها: لطالما كانت “الصين إمبراطورية منذ العصور القديمة”، وضمنها سلالة تشينغ واحدة من مفاصل تلك الإمبراطورية، “واحدة من سلسلة إمبراطوريات الإمبراطورية الصينية”. من هذه الفرضية، أنشأ الفرضية الثانية: سلالة تشينغ لديها “الأرثوذكسية المطلقة”، و”سلالة تشينغ هي الصين الحقيقية: الصين الإمبراطورية”، لذا فإن “الصين هي إمبراطورية محضة”. ويستنتج من ذلك: “عندما لا تكون الصين إمبراطورية ، لن تكون الصين عظيمة”.  يستحق السؤال هنا: هل هذه وجهة نظر أكاديمية؟؟

ويتابع “ون أن لي” (الكاتب المرجع بالنسبة ل موقع الجزيرة) استنتاجا لا يمكن تفسيره للرأي العام الغربي حول التاريخ الصيني: الصين، أي “الإمبراطورية الصينية، لن تتغير”. في الواقع، في هذه المرحلة ، هناك ارتباك أساسي في أذهان العلماء الصينيين الغربيين، يعتقدون “أن الصين يجب ألا تتغير”. “لن تتغير “و” لا ينبغي أن تتغير ” شيئان مختلفان. الأول هو حكم واقعي والأخير هو رغبة ذاتية. ومع ذلك، بالنسبة للعلماء الغربيين ، “الصين لن تتغير أبدا” و”الصين يجب أن لا تتغير” مفهومان متشابكان.

أخطأ “ون أن لي” بطرحه أن الصين لن تتغير أبدا، وإنها ستكون دائما إمبراطورية، و”إمبراطورية تشينغ”هي آخر الإمبراطوريات المنهارة، يستنتج من ذلك إن الصين الجديدة لا يمكن أن تكون إلا على  أنقاض”إمبراطورية تشينغ”  ولا إمبراطورية أخرى من بعدها. متغاضيا عن الواضح للعيان: “أن الصين اليوم هي دولة جديدة تماما، لا يوجد ظل لإمبراطورية تشينغ في الصين الحديثة”. لذلك تبنت ونشرت مراكز الأبحاث الغربية مفاهيم مضللة، تبناها بعض العرب، ومفادها إن “كل العوامل والظواهر والحقائق الجديدة التي تمتلكها الصين الجديدة وهي مكونات الصين المعاصرة، كلها مزيفة وغير معقولة…وبعضهم يزعم “إن الصين المعاصرة المعروفة ليست الصين الحقيقية الموجودة انما صورة انتجتها البروباغاندا” متناسين ان الترويج الاميركي الهوليودي استمد زخره من اوروبا لاخفاء تاريخه البشع الاجرامي بحق العرب وافريقيا وسكان اميركا واستراليا الاصليين، وليس لها  اصول ولا جذور حقيقية في التاريخ”.

ممكن تلخيص المقالة المنشورة بنقطة واحدة: إرث “إمبراطورية تشينغ” يحكم  كل شيء في الصين الجديدة، متجاهلا كل ما لم يكن موجودا في إمبراطورية تشينغ، وما تم تصنيعه وتجميعه بالتكافل بين الشعب والحكومة  في الصين المعاصرة ، باسلوب خارج العقلانية.

لم يكن “ون أن لي” قادرا على إدراك أن “إمبراطورية تشينغ العظيمة” مجرد مفهوم حديث تم تكوينه مؤخرا وليس له أساس تاريخي. في أواخر عهد أسرة تشينغ، صاغ شعب أسرة تشينغ اسم”مملكة تشينغ العظمى” عند اتصالهم بالغرب، ولكن لم يكن هناك مفهوم للإمبراطورية في الثقافة الصينية في ذلك الوقت، مفهوم الإمبراطورية مستورد من الحضارة  الغربية. في السنوات الأخيرة، وافق بعض الأكاديميين الصينيين على قبول تأثير النظريات التاريخية الغربية وبدأوا في استخدام مفاهيم “إمبراطورية هان”و”إمبراطورية تانغ”و”إمبراطورية تشينغ”، ثم ظهر مصطلح” إمبراطورية تشينغ العظمى ” تدريجيا.

بعبارة أخرى، إن “إمبراطورية تشينغ العظمى” اسما ومفهوما تم اختراعه مؤخرا، لكن البعض اعتمد عليه  كسلاح لقطع الصين الجديدة عن جذورها التاريخية الاصيلة. هذا  الخطأ  في المنطق عادة  لا ينبغي أن يرتكبه أي شخص متعلم فكيف الحال اذا كان المخطئ “خبير تاريخ الحرب الباردة” نافيا قوة وغنى الصين الحديثة.

 

جاد رعد ، مدير مركز الصين بالعربية الفصحى، استاذ جامعي

 

 

المصدر: بريد الموقع

رأيكم يهمنا

شاركوا معنا في إستبيان دورة برامج شهر رمضان المبارك