خلال جلسة انتخاب هيئة مكتب المجلس، حصل نقاش بين النواب حول مواد قانونية ودستورية مرتبطة بالنظام، ولم يخلُ الأمر من سجال فوضوي بعض الشيء في المُداخلات، خاصة من النواب الجُدد، فقال النائب حسن فضل الله: يا جماعة نحن لسنا في الشارع، بل نحن في المجلس النيابي، واستطرد في شرح بعض المواد ذات الصلة.
ملاحظة النائب فضل الله ليست مجرَّد لفتة نظر عابرة للنواب التغييريين القادمين الى المجلس، بل نعتبرها دعوة لهم لتغيير نهج التعاطي مع الأمور بطابعها الرسمي، وهُم وإن توجهوا الى المجلس سيراً على الأقدام بمشهدية شاؤوا أن تكون لها رمزيتها الخاصة بهم، لكنهم باتوا الآن في الداخل، وفي مواقع المسؤولية، خاصة أن تشكيل اللجان النيابية بات على قاب قوسين، ومن المرحَّب به جداً المزج بين القديم والحديث من أعضاء المجلس في العمل المشترك ضمن هذه اللجان.
و”التغيير” شعار، حمله الكثيرون خلال الحملات الإنتخابية، وهذا حق الجميع، لكن اليافطات الإعلانية قد أزيلت، والدعايات سواء كانت صادقة أم زائفة قد أسفرت عن نتائج، ومَن فاز قد فاز، وها هي التشكيلة البرلمانية قد اكتملت بصرف النظر عن الطعون المُرتقبة، وممثِّلي الحراك باتوا جزءاً من السلطة، وآن أوان التغيير بهدوء وفق الدستور والمؤسسات، عسى أن يرتاح “الحراكيون” في الخارج الى حجم تمثيلهم داخل المجلس، لكن بشرط، أن تسود إيجابية التعاطي العلمي والعملي مع الأمور، حتى في الخلافية منها، لأننا على حدّ قول النائب فضل الله: لسنا في الشارع.
المسألة الأهم التي تنتظر “النواب التغييريين”، سواء انضووا ضمن كتلة واحدة أو تكتلات، أو تحالفوا مع أحزاب أو مجموعات مستقلة، أنهم خلال الحملة الإنتخابية قد سمعوا خطابات القوى السياسية والأحزاب، وهُم يمتلكون قُدرة التمييز، بين الخطابات السياسية الموسمية وبين الثوابت المبدئية التي لا تتغيَّر، وتُترك لهم عملية تقييم مَن كانوا يعتبرونهم خصوماً لهم في السلطة ضمن مقولة ظالمة إسمها “كلُّن يعني كلُّن”.
المواقف الزئبقية لبعض القوى السياسية، التي استخدمت كل الوسائل غير المشروعة خلال الحملات الإنتخابية، سواء عبر رمي الحرام على الآخرين، أو عبر الترويج الإعلاني الذي ملأ الطرقات برامجاً إنتخابية ووعوداً عرقوبية، كان أخطر ما في هذه المواقف، أنها طالت بل تطاولت على أمور وطنية كبرى، بل أكبر منها بكثير، وموضوع السلاح الذي استُخدم سلاحاً إنتخابياً من طرف تلك القوى، هو أنزه من أن يُذكر بأفواه الوصوليين وقطَّافي المواسم، وقد لمس كل مرشح للإنتخابات سواء فاز أم لم يحالفه الحظ، أن لا دور لهذا السلاح في كل العملية السياسية على امتداد الأرض اللبنانية، وأن مَن أوصلوا البلاد الى كل أزماتها المعيشية والإجتماعية والسياسية، أسلحتهم ذمم معدومة وضمائر غائبة وأيادٍ تعمل في الحرام، وهُم أنفسهم الذين حاولوا اعتلاء أكتاف الثورة، وادَّعوا أنهم تغييريين بعد أن نهبوا البلد، ورموا بمصير شعبه على أدراج السفارات!
هذا كل ما هو مطلوب من “نواب التغيير” لو أرادوا التغيير فعلاً، قراءة الأمور عن قُرب، والتمييز بين صدق أداء أطراف سياسية والدَّجل الموسمي لأطراف أخرى، وهناك مئات مشاريع القوانين تنتظر كل النواب وينتظرها الشعب اللبناني، وليت الجميع فور تشكيل اللجان، ينكبُّون على العمل المُنتج والجاد بعيداً عن مناكفات سياسية رخيصة، ينتهجها من جعلوا من ألسنتهم أسلحة تلوُك معزوفة السلاح، الذي سيبقى أشرف من أن تطاله ألسُن مَن لا يفقهون السيادة سوى في الشعارات الكلامية والجعجعة من غير طحين…