نحن في زحمة التحالفات، وما سوف يليها من إعلان لوائح وانسحابات، ولسنا في وارد تناوُل الماكينات الإنتخابية التي يتمّ تركيبها بين الحلفاء لإدارة العملية الإنتخابية لمدة شهرين يفصلاننا عن يوم الإقتراع، بل ما يعنينا، هي تلك الماكينات التي تعمل دون توقُّف قبل الإنتخابات وبعدها، وطيلة فترة ولاية أي مجلس نيابي، وهي تضمُّ المُناصرين والمُحازبين والراصدين لكل عملية سياسية، وعلى أساس تقييمها لأداء الأحزاب والمؤسسات والأفراد، تبني ثقافتها الوطنية، وتُترجِم رؤيتها بعقلانية في تأييد هذا المرشح أو ذاك وهذا الفريق السياسي أو ذاك، ولا يستهيننَّ أحدٌ بدور وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الإجتماعي في التأثير الفاعل.
وهذه الماكينات هي بطبيعة أفرادها وطنية النظرة، وكائناً ما كان قانون الإنتخاب وتقسيماته الإدارية، تتناول لبنان دائرة إنتخابية واحدة، ولديها قدرة الحُكمِ على الأمور بصرف النظر عن هذا المُرشَّح أو ذاك، ولا تهتمّ للوائح الوصوليين الباحثين عن حاصل عبر تحالفات الرفقة الإنتخابية، كما يحصل حالياً في معظم المناطق، ولا تعنيها السلالم والأدراج التي تتكفَّل بإيصال شخصٍ دون الآخر، بل تعمل لكسب كل الحواصل للكتلة النيابية التي لديها برنامج عمل إيجابي، ومُلفتٌ هو شعار “باقون نحمي ونبني” الذي اعتمدته كتلة الوفاء للمقاومة، هي التي خاضت إنتخابات العام 2018 بعد أشهرٍ من تحرير لبنان من رجس الإرهاب عام 2017، وعمِلَت وفق الظروف السياسية على تحرير الدولة من ملفات الفساد.
على طاولة مفتوحة، ومن على منبر عام، أطلّ النائب حسن فضل الله مراراً، وآخرها إطلالته منذ ساعات، ليتناول ملفات الفساد الأربعة عشر، التي كانت ضمن برنامج عمل كتلة الوفاء للمقاومة بعد انتخابات 2018، وشرَح وفصَّل مسارات هذه الملفات لدى القضاء، من النيابة العامة المالية وصولاً الى الإدعاء على أي قاضٍ مُقصِّر أمام التفتيش القضائي دون تسمية أو تشهير، في أرقى عملية مُحاسبة للمُقصِّرين والمُرتكبين يُمكن أن تُمارسها كتلة نيابية، وما على القضاء سوى القيام بواجبه.
دائماً في بلدٍ كلبنان، هناك فُسحة عمل تتخطَّى البرامج الإنتخابية الكلامية، متى كان خلف النائب أو الكتلة حزب سياسي واضح التوجُّه والأهداف، لكن أمام هذه السلبية التي تطغى على الأحزاب الفاشلة، التي تبني خطابها على الذمّ بالآخرين وبيع الكلام ورمي الحرام، يأتي دور الماكينات الإنتخابية الفاعلة، التي ترصُد الإختلاف في القراءة الوطنية، وتُميِّز بين البطل والعميل، وبين المقاومة والإرهاب، وبين الواقف بثبات بمواجهة وصايات السفارات والزاحفين وما أكثرهم الى سفارة أو الى خيمة.
هذه الماكينات التي تُحسِن العمل على مدار الساعة، رصدت الكلام الوطني الذي صدر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الفاتيكان عن حزب الله وسلاح المقاومة، وهذا الكلام الذي يُصادف عشية الإنتخابات النيابية، يُزيل من آذان اللبنانيين كل الكلام الإنتخابي الإنتهازي الذي يتشدَّق به مَن يعتقدون أن حماية الوطن وبناء الدولة ورعاية الإنسان، أمورٌ تحصل عبر شعارات كلامية تُنشَر عبر لوحات الإعلان في الطرقات، دون أن تكون لدى مَن كانوا شركاء في الحُكم لثلاثة عقود جرأة الإطلالة على الناس والحديث عن إنجازاتهم…
المصدر: خاص