الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: لبنان لن يكون فريسة للأطماع الصهيونية.
نص الخطبة:
الامام السجاد(ع) ومعطيات العبادة
في الخامس من شهر شعبان سنة ثمانية وثلاثين للهجرة، كانت ولادة الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الامام الذي تميز بكثرة العبادة حتى صار من القابه المشهورة لقب السجاد وذي الثفنات وزين العابدين .
فالسجاد على وزن فعّال تعني كثرة السجود لأنه كان كثير السجود وكان يقضي معظم أوقاته في الصلاة.
وأما تسميته بذي الثفنات، فلاجل الاثار التي برزت على جبهته من طول السجود فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السّلام) قال: كان لأبي في موضع سجوده آثار ثابتة (جلد متجمد ويابس)يقطعها في كل سنة من طول سجوده وكثرته
ولقب بزين العابدين لكثرة عبادته وحسنها.
فقد أجمع الرواة على ان الامام كان كثير العبادة والصلاة فعن الشيخ الكليني في الكافي قال: كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة حتى مات
وعن خشوعه في صلاته يروي الامام الصادق عن ابيه الامام الباقر فيقول (عليه السلام): (كان أبي يقول: كان علي بن الحسين صلوات الله عليهما إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلا حركه الريح منه).
ويقول أبو حمزة الثمالي: (رأيت علي بن الحسين (عليهما السّلام) يصلي فسقط رداؤه عن أحد منكبه، فلم يسوِّه حتى فرغ من صلاته قال: فسألته عن ذلك. فقال: ويحك أتدري بين يدي من كنت؟ إن العبد لا يُقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه).
وقال الإمام الباقر (عليه السّلام):(كان علي بن الحسين يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة، وكانت له خمسمائة نخلة وكان يصلي عند كل نخلة ركعتين، وكان إذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر، وقيامه في صلاته قيام عبد ذليل بين يدي الملك الجليل، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله، وكان يصلي صلاة مودع يرى أنه لا يصلي بعدها أبداً).
وورد أنه (عليه السلام) كان إذا توضأ للصلاة يصفر لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: تدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟
وإذا قام إلى الصلاة أخذته الرعدة، ويقول: أريد أن أقوم بين يدي ربي وأناجيه فلهذا تأخذني الرعدة.
وروى علي بن أبي حمزة عن أبيه، في صومه(ع) قال: (سألت مولاة لعلي بن الحسين (عليهما السّلام) بعد موته، فقلت: صفي لي أمور علي بن الحسين (عليه السّلام) فقالت: أطنب أو أختصر؟ فقلت: اختصري، قالت: ما أتيته بطعام نهاراً قط، ولا فرشت له فرشاً بليل قط. يعني كان يصوم نهاره ويقوم ليله.
وكان يخرج إلى الحج ماشياً وأحياناً على ناقته، وورد أنه حج خمسًا وعشرين حجة ماشيا.
وورد أنه حينما كان يلبّي عند الإحرام كان يتأثر ويتفاعل مع التلبية وربما سقط مغشيًا عليه.
إما اجتهاده في الدعاء والمناجاة، فيكفي الاطلاع على ادعيته في (الصحيفة السجادية) لنرى كيف كان يستحضر عظمة الله وقدرته مناجاته وادعيته .
وكان(ع) أحسن الناس صوتاً في قراءة القرآن وكان السقاؤون يمرّون ويقفون عند بابه ليستمعوا الى قراءته.
وكان كثير الصدقات وكان أكثر صدقته بالليل، وكان يقول: صدقة الليل تطفئ غضب الرب.
ان كل هذه الصور من العبادة كان الامام يؤديها باقبال وتوجه ووعي واخلاص، وكانت تنعكس عبادته على شخصيته واخلاقه وسلوكه ، فلم تكن عبادته لله عبادة شكلية لا اثر لها، لان العبادة التي تؤدّى من دون توجه واخلاص والتي لا تترك اثراً ايجابيا في سلوك الانسان وعمله ولا تحصن الانسان من الانحراف ولا تدفع صاحبها لتحمل المسؤوليات والتحلي والتحلي بالاخلاق الحسنة لا قيمة لها وليست عبادة حقيقية مهما اكثر منها الانسان .
العبادة انما تكون ذات قيمة عندما تؤثر في سلوك الانسان فتمنعه من ارتكاب السيئات والمنكرات وتدفعه لسلوك حسن فيكون صادقا وامينا وشريفا وعفيفا وكريما وعادلا فلا يصح ان يكون هناك انفصال بين العبادة والسلوك بحيث يكون الانسان عابدا ولكنه ظالم وكاذب وخائن، يصلي ويصوم ويحج ولكنه يسرق ويحتال ويغش ويحتكر ويستغل الظروف الضاغطة للتلاعب باسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، ويعتدي على حقوق الناس واموال الناس ويسيء معاملة الناس. يصلي ويصوم ولكنه لا يتحسس معاناة الناس ويعمل على حرمانهم ولا يحسن اليهم ولا يصنع الخير والمعروف لهم وهذا ما اشار اليه قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) اي يمنعون الخير .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة”.
وعن الامام الصادق عليه السلام: “لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة”.
فالصلاة التي لا تغير في نفس الانسان فتجعله معطاءا وخيرا ولا تؤثر في حديثه فتجعل حديثه صادقا ولا في اداءه فتجعله امينا ولا في سلوكه فتجعله منضبطا امام الشهوات والمغريات والاهواء والمنكرات والمحرمات لا ترتفع الى الله وتتحول الى مجرد ممارسة شكلية جوفاء لا معنى لها ولا يحصل الانسان من خلالها سوى على العناء والتعب كما قال رسول الله(ص): رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر.
ونفس هذا المعنى روي عن الامام علي عليه السلام حيث قال: كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَ الظَّمَأُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ وَ الْعَنَاءُ،
الإمام زين العابدين (ع)، اكثر من العبادة وانعكست عبادته في سيرته وحياته وسلوكه ترجم عبادته لله ترجمة صادقة في شخصيته وفي تعامله مع الاخرين .
كان يتحسس معاناة المحتاجين والمتعسرين ويبادر للعطاء فقد روى المؤرخين: أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَحْمِلُ الخُبْزَ بِاللَّيْلِ عَلَى ظَهْرِهِ، يَتْبَعُ بِهِ المَسَاكِيْنَ فِي الظُّلْمَةِ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ الصَّدَقَةَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ
وكان يعول أهل مئة بيت في المدينة.
وقال محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم؟ فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كان يؤتون به بالليل
وقال الأنصار: ما فقدنا صدقة السِّر حتى مات علي بن الحسين
وعن عمرو بن ثابت، قال: لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد بظهره فقالوا ما هذا، فقيل كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان علي بن الحسين إذا أتاه السائل رحب به، وقال: مرحبًا بمن يحمل زادي إلى الآخرة.
فعن الإمام الباقر (ع) “أَنَّ أَبَاهُ قَاسَمَ اللهَ -تَعَالَى- مَالَهُ مَرَّتَيْنِ”
وكان يرفق بالعبيد ويهتم بتحريرهم ففي كلّ سنة كان يعتق كلّ مماليكه.
وكان يرفق حتى بالحيوان وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى، عن هشام بن عروة قال: كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ يَخْرُجُ عَلَى رَاحِلَتِه إِلَى مَكَّةَ وَيَرْجِعُ لاَ يَقْرَعُهَا
وعن إبراهيم بن علي عن أبيه قال حججت مع علىّ بن الحسين (عليهما السلام) فتلكأت ناقته فأشار إليها بالقضيب ثم ردّ يده وقال: آهٍ من القصاص.
ان الدرس الذي نتعلمه من سيرة الامام زين العابدين (ع) وعبادته وسلوكه هو ان نترجم عبادتنا وصلاتنا وصيامنا وحجنا في اعمالنا وتصرفاتنا واخلاقنا ومعاملاتنا ان تنمّي العبادة في نفوسنا روح العطاء والبذل، لنكون ممن استثنتهم الآيات الكريمة، ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ، إِلَّا الْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾.
علينا ان نعمق علاقتنا بالله عز وجل من خلال معطيات العبادة لنستلهم منه الثقة والقوة لمواجهة التحديات والضغوط ولكي نحسن الاختيار عندما نقف امام خيارين او اكثر، ان نختار الحق على الباطل والصدق على الكذب والعدل على الظلم والصديق لا العدو .
اليوم هناك من يخوض معركة الانتخابات النيابية بايعاز من السفارة الامريكية تحت شعار وحيد هو اسقاط المقاومة بينما نحن في حزب الله نخوض الانتخابات تحت شعار باقون نحمي ونبني، نحمي بلدنا من كل الذين يتربصون به وبخيراته وثرواته ونبني الدولة القوية العادلة الحرة المستقلة .
في هذه الانتخابات سيكون الناس امام خيارين: خيار حماية لبنان وانقاذ البلد من الانهيار وبناء الدولة الذي هو خيار المقاومة، وخيار جعل لبنان تحت الوصاية الامريكية وفرض التطبيع عليه وجره الى الفتنة الداخلية الذي هو خيار جماعة اميركا في لبنان.
ونحن على يقين بان اهلنا الشرفاء والاوفياء ومهما اشتدت الضغوط عليهم لتبديل خياراتهم لن يكونوا الا مع خيار المقاومة.
من يحمل مشروع اسقاط المقاومة هو في الحقيقة يحمل مشروع اسقاط لبنان القوي ورميه في الاحضان الاسرائيلية وجعله فريسة للاطماع الصهيونية، ولبنان لن يكون كذلك بل سيبقى قويا وعزيزا ومنيعا بجيشه وشعبه ومقاومته.
طالما هناك شعب واعي وصابر وثابت ووفي ومضحي كشعبنا لن يستطيع احد ان يسقط المقاومة ومن سيسقط هو احلامكم واوهامكم ومشروعكم وليس مشروع المقاومة.
الرهان في مواجهة مشروع اسقاط المقاومة هو على مشاركة الناس وحضورهم الكثيف واصواتهم ومقاومتهم في هذه المعركة.
بيئة المقاومة وجمهور المقاومة سيندفع إلى مراكز الاقتراع في الانتخابات المقبلة ليقول لكل من يستهدف المقاومة إن كل الحملات الاعلامية والسياسية وكل التحريض والاستفزاز والابتزاز لم تزدهُ إلا تمسّكاً بالمقاومة وانه سينتخب هذه المرة لإسقاط مشروع أميركي خبيث يستهدف هوية لبنان المقاوم.
المصدر: موقع المنار