ركزت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم السبت 08-01-2022 في بيروت على تبادل الرئاستين الأولى والثانية الرسائل حول فتح الدورة الاستثنائية، بعدما تضمّن مرسوم فتحها جدول أعمال تتمسك به بعبدا، فردّت عين التينة ببيان صادر عن رئيس المجلس نبيه بري بأنّ المجلس سيد نفسه، ومن جهة مقابلة بقيت الدعوة لإنعقاد مجلس الوزراء موضع أخذ وردّ فشدّدت مصادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على السعي لتوفير ظروف مؤاتية لنجاح أيّ دعوة للحكومة، بالتوازي مع انتظارها لإنجاز الموازنة.
الأخبار
نافذة فرص تنفتح لموسكو: قنبلة كازاخستان… بوجه أنقرة؟
لا تزال ماهيّة الأزمة التي تعيشها كازاخستان ومآلاتها، غير واضحة تماماً إلى الآن، في ظلّ التدهور السريع للأوضاع، وكثرة اللاعبين الإقليميين والدوليين، والذين قد يستغلّون الظروف الداخلية من أجل خلْق واقع جديد في إحدى أهمّ دول آسيا الوسطى وأكبرها. وإذ تتركّز الأنظار اليوم على الدورَين الروسي والأميركي، من زاوية التوتّر المتصاعد بين الجانبَين على أكثر من ساحة، تَبرز تركيا، أيضاً، في هذا المشهد، كلاعب ومتأثّر، يعتقد المراقبون والمحلّلون فيه، خصوصاً المقرّبون منهم من حزب «العدالة والتنمية»، أن ما يجري على الساحة الكازاخية يطاله مباشرة، لاسيّما بعد تأسيس «منظّمة الدول التركية»، والتي يَعتبر هؤلاء أن لا واشنطن ولا موسكو ذاتا مصلحة فيها
فاجأت أحداث كازاخستان الجميع. هذا البلد الكبير بمساحته وثرواته، والذي يحتلّ مكانة استراتيجية في «لُعبة الأمم» في آسيا الوسطى، كان إلى الأمس القريب، أحد البلدان الأكثر استقراراً بين الدول التي تفرّعت من تفكّك الاتحاد السوفياتي. وقد ارتبط اسم كازاخستان باسم رئيسها السابق المطلَق الصلاحيات، نور سلطان نزارباييف، حتّى بعد استقالته، في عام 2019. تباينت القراءات لما جرى والمتسبّبين به، والمستفيدين والمتضرّرين منه. وعلى الرغم من أن الأنظار اتّجهت مباشرة إلى روسيا والولايات المتحدة، باعتبار أنّهما القوّتان الأكبر في العالم وتمرّ علاقاتهما بمرحلة من التوتّر والتشنّج، إلّا أن النظرة إلى كازاخستان من أنقرة، وخصوصاً من وسائل الإعلام الموالية لحزب «العدالة والتنمية»، تبدو مختلفة بعض الشيء، وتطرح الكثير من الأسئلة عن موقع تركيا من الحدث الكازاخي.
يلفت النظرَ أوّلاً ما كتبه يوسف قبلان، ذو الميول الإسلامية، في صحيفة «يني شفق» المؤيّدة لـ«العدالة والتنمية»، إذ وصف الأحداث هناك، والتي تخلّلها تكسير تماثيل نزارباييف، بأنها «أمرٌ مخيف: بنادق توزّع على الناس بسيارات من دون لوحات. والنار تُطلَق من نوافذها على الناس في بيوتهم»، متسائلاً: «هل كانت هذه محاولة لتحريض الناس على الثورة ثمّ التحضير لانقلاب أو تدخّل خارجي؟ ولماذا اتّصلت كازاخستان بروسيا طلباً للمساعدة؟». واعتبر قبلان أن «الظاهر أن الاحتجاجات هي على رفع أسعار الوقود، لكن الحقيقة أن روسيا وضعت الأُسس للتدخّل الخارجي وغزو البلاد من جديد، ومن ثمّ تطلب إدارة كازاخستان النجدة، ليبدو الروس أنهم هم المنقذون للبلاد من الفوضى التي وقعت فيها». ويضيف أن ما رشَح، هو أن موسكو وضعت أربعة شروط لمساعدة كازاخستان، «تؤكّد الشكوكَ بأن موسكو هي التي تقف وراء الأحداث». وهذه الشروط هي:
1- اعتراف كازاخستان بضمّ شبه جزيرة القرم.
2- إعادة الاعتراف باللغة الروسية كلغة رسمية ثانية.
3- السماح لروسيا بإنشاء قواعد عسكرية جديدة في البلاد.
4- منْح الحكم الذاتي للأقلية الروسية.
ورأى قبلان أن «روسيا تلعب لعبتها في آسيا الوسطى لمنْع تركيا من إعادة لمّ شمل دول العالم التركي»، قائلاً: «هذا انقلاب ضدّ تركيا». واستشهد الكاتب بما أوردته صحيفة «لوموند»، التي وصفها بـ«اليسارية»، من أن «الاضطرابات في كازاخستان مخطَّط لها لتكون ضدّ منظّمة الدول التركية»، معتبراً أن «على كازاخستان أن تطلب العون الفعلي من هذه المنظّمة، وليس من روسيا». ولفت إلى أن «منظّمة الدول التركية أعربت عن أهمية الاستقرار والسلام في كازاخستان والتضامن مع هذا البلد، العضو فيها، إلّا أنه لا سلطة لها لمتابعة ما يجري هناك، ولكن كان عليها أن تقاوِم روسيا وتحشرها في الزاوية». كذلك، اتّهم الكاتب، الولايات المتحدة، بـ«محاولة كسْر تركيا من خلال كازاخستان»؛ إذ إن «تعاظُم القوّة التركية يُشعِر الغرب بالذعر، وتأسيس منظّمة الدول التركية، أخيراً، يُعتبر أحد أهمّ المشاريع الحيوية والاستراتيجية في آخر ربع قرن، ولا سيما أن تركيا هي العقل والدماغ والقلب وراء هذا التأسيس». وتابع أن «الدول التركية تخلّصت، بعد الحرب الباردة، من الإمبريالية السوفياتية، لكن في الشكل ليس إلّا؛ فالجمهوريات التركية واقعة تحت الاحتلال الذهني لروسيا، وما على تركيا سوى محاولة إنهاء هذا الاحتلال».
تبدو النظرة إلى كازاخستان من أنقرة مختلفة وتطرح أسئلة عن موقع تركيا ممّا يجري
من جهته، اعتبر إبراهيم قره غول، رئيس التحرير السابق لـ«يني شفق»، والمنظّر للقوّة التركية، أنه «عندما قرّرت إدارة كازاخستان دعوة روسيا للتدخّل مع أعضاء منظّمة الأمن الجماعي، خسرت الدولة وخسر المتظاهرون». وأشار إلى أن «وسط آسيا، الآن، هو المحور الرئيس لجميع الخُطط الاقتصادية والعسكرية في العالم، ومنطقة الصراع الرئيس بين الولايات المتحدة وروسيا والصين وأوروبا»، مضيفاً أن «إعادة بناء القوّة التركية في هذه المنطقة تعني تهديداً كبيراً لهذه القوى». ولذا، «يُنظر إلى منظّمة الدول التركية التي نشأت أخيراً، على أنّها تجسّد هذا التهديد». وتابع قره غول أن «الغرب وروسيا والصين يرون أن آسيا الوسطى يجب أن تبقى كما الشرق الأوسط: منطقة ثروات تتدفّق إلى الغرب والشرق، وهذا يعني استمرار الهيمنة والاستعمار لفترة طويلة»، ورأى أن «الطريق الوحيد للتخلّص من هذا المخطّط هو تشكيل قوّة حزام أوسط، من ساحل الأدرياتيك إلى سور الصين»، لافتاً إلى أن «هذا هو أساس التفكير التركي في إنشاء منظّمة الدول التركية، بما يشكّل محوراً تركيّاً في خريطة القوة العالمية». ومن هنا، رأى قره غول أن «أزمة كازاخستان ليست داخلية، بل هي استمرار لاستخدام المطالب البريئة لتفكيك الدول. وقد فعلوا ذلك في أوكرانيا وجورجبا، واستمرّوا في العالم العربي مع موجة الربيع العربي». وزاد أن «الدول الكبرى تشنّ، الآن، حرباً لا هوادة فيها لمنْع ولادة قوة عظمى جديدة هي تركيا».
وفي صحيفة «حرييات»، المؤيّدة أيضاً لـ«العدالة والتنمية»، كتبت نيلغون تيكفيدان غوموش أن نزارباييف اتّبع سياسة التوازُن بين روسيا والغرب، ووعد بالاستقرار والأمن للمواطنين، وحقّق ذلك إلى حدّ كبير. ومع أنّه استقال، عام 2019، عن عمر 81 عاماً، لكنه بقي رئيساً لمجلس الأمن القومي. وأضافت أن «الزعيم الذي كان محبوباً، تَحوّل إلى الهدف الرئيس لشعارات المحتجّين نتيجة الصفقات المشبوهة في قطاع النفط للأقلية الحاكمة وعائلة نزارباييف، وعدم المساواة في توزيع الدخل». وفي هذا الإطار، أشارت إلى أن «المتمرّدين ينظرون إلى رئيس كازاخستان، قاسم جوميرت توكاييف، على أنه مجرّد أمين على حقبة نور سلطان نزارباييف»، متابعة أن «توكاييف عمل، لتخفيف الاحتقان، على إقالة نزارباييف من رئاسة مجلس الأمن القومي، وتولّى رئاسته بدلاً منه ثمّ طلب المساعدة الروسية». ولفتت إلى أن «عاملاً آخر ساهم في الاحتجاجات، وهو صهر نور سلطان نزارباييف، تيمور قاليباييف، الذي يعمل في مجال النفط والغاز الطبيعي، وتُقّدر ثروته بثلاثة مليارات دولار، كما أنه متّهم بأنه كان وراء رفع أسعار الغاز الطبيعي على المواطنين، من دون أن يفهموا سبب وجود نقص في هذه المادة». في جميع الأحوال، يتّهم توكاييف المتظاهرين بأنهم «إرهابيون، ويتلقون الدعم من الخارج»، ولذا طلب مساعدة روسيا. ومن هنا، خلُصت الكاتبة إلى أنه أصبحت لروسيا قوات في أوكرانيا والقرم وقره باغ، والآن في كازاخستان حيث للشركات الأميركية، مثل «شيفرون»، والبريطانية مثل «إكسون موبيل»، دور ونفوذٌ مهمّان.
وفي صحيفة «ميللييات»، المؤيّدة كذلك لـ«العدالة والتنمية»، كتب غونيري جيفا أوغلو عن الاحتجاجات التي أطاحت بـ«أبي الأمّة» نزارباييف، وهزّت أركان سلطة توكاييف، قائلاً إن «كازاخستان الآن تَظهر على الشاشة التركية الكبيرة، بعد أوكرانيا وقره باغ». وذكّر بأن عضوية كازاخستان في «منظّمة الأمن الجماعي»، التي تهيمن عليها روسيا، لا تمنعها من الدخول في علاقات مع دول أخرى؛ ففي عام 2021، اشترت طائرات تركية من دون طيار، كما وقّعت اتفاقية تعاوُن عسكري لمدّة خمس سنوات مع الولايات المتحدة، ووقّعت اتفاقية عسكرية مع إيطاليا، العضو في «حلف شمال الأطلسي»، لكن جيفا أوغلو نبّه إلى أن «منظّمة الدول التركية، التي تأسّست بدور مركزي لتركيا، مهمّة»؛ فقد قال الرئيس الكازاخي، في آذار 2021، إن «هدفنا جعل العالم التركي واحداً، من أهمّ المجتمعات الاقتصادية والثقافية في القرن الواحد والعشرين»، فيما اعتبر سياسيون كازاخيون أن «التحالف الاقتصادي سيتحوّل بالتأكيد إلى تحالف سياسي وعسكري في المستقبل». وأشار الكاتب إلى أن «تركيا لها مكانة محورية في هذه المنظّمة، بعدما باتت لاعباً رئيساً في قره باغ»، مضيفاً أن «منظّمة الدول التركية تخطّط لتكون هيكلاً له استجابة سريعة للمشكلات».
وإذ رأى أن «كازاخستان اليوم بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، تشعر بالاختناق من ضغوط روسيا حيث 20% من سكّانها من الروس، والصين التي تبلغ استثماراتها هناك 34 مليار دولار»، فقد اعتبر أنه «إذا نجحت منظّمة الأمن الجماعي في فرض الأمن، فستبقى الأسماء الموالية لروسيا في السلطة». ولكن إذا ساورت روسيا الشكوكُ في التقارب بين كازاخستان وكلّ من تركيا والولايات المتحدة و«حلف شمال الأطلسي»، فستتمّ إطاحة توكاييف، وتصعيد اسم جديد موالٍ بالكامل لروسيا.
البناء
من يأخذ على يد مصرف لبنان لوقف طباعة العملة… ويضع البدائل لحماية الليرة؟
دعوة عون للحوار تصطدم بغياب الحريري وجعجع وشروط ميقاتي وجنبلاط
الدورة الاستثنائية وتصويب لبري… والحكومة مشكلة ميثاقية وثلث معطل
كلّ شيء في حياة اللبنانيين يدور حول سعر الصرف، والأمر لا يحتاج الى إثبات، فكلّ زيادات ومنح وبدلات غلاء تتبخر قبل أن تصرف مع قفزات تفوق القدرة على التحمّل يسجلها سعر صرف الدولار، ومشاكل التعليم والطبابة والدواء والمحروقات والنقل هي وجوه مختلفة لمشكلة مشتركة اسمها سعر الصرف، والحديث عن دور المنصات الإلكترونية ومضاربة الصرافين وسواهم من أصحاب الأهداف السياسية يلعبون في هوامش الصعود والهبوط لكنهم أعجز من أن يصنعوا اتجاهاً ثابتاً يرفع سعر الدولار من 1500 ليرة الى 30 الف ليرة ايّ بثلاثين ضعفاً، فهذا بإجماع الباحثين والعارفين في لبنان وخارجه مستحيل، ودون الدخول في النظريات المالية وتعقيداتها، وببساطة لا نقاش حولها، جوهر المشكلة هو أنّ مصرف لبنان عامداً متعمّداً يقوم بطباعة مزيد من الأوراق النقدية، بما رفع الكتلة النقدية أضعافاً مضاعفة، في زمن ركود اقتصادي، وانهيار مصرفي ومالي ونقدي، وهو يعلم أنّ من تداعيات ذلك زيادة سعر صرف الدولار وتآكل سعر الليرة وقدرتها الشرائية، وأنه يموّل الدولة ونفقاتها من هذه الأوراق، ويسدّد مطلوبات اصحاب الودائع سواء كانت بدولار بسعر صرف يعادل ربع القيمة، أو بالليرة، من هذه الأوراق، وأنّ هذا السلوك مستمر وسيستمر وسيتكفل ببلوغ سعر الـ 50 ألف ليرة للدولار خلال شهور قليلة، فتكفي قراءة الخط البياني للمسافة الفاصلة بين سعر الـ 20 الف وسعر الـ 30 ألف لمعرفة المسافة التي ستفصل سعر الـ 30 الف عن سعر الـ 45 ألفاً، أي زيادة الـ 50%، والمسافة هي خمسة شهور قطعها الدولار من مطلع آب 2021 الى مطلع كانون الثاني 2022، ليبلغ الـ 30 ألفا، ويحتاج كحدّ أقصى الى مثلها ليبلغ سعر الـ 50 الفاً، ما لم يأخذ أحد على يد مصرف لبنان ويقول له كفى.
كفى لمصرف لبنان تعني أن يتولى إدارة الكتلة النقدية القائمة، وإيجاد أدوات بديلة لاسترداد ما ضخه في السوق لإعادة استخدامه في سداد طلبات المودعين، بعدما فقد قدرة استخدام سندات الخزينة كأداة لسحب السيولة، وأن تتولى الدولة ترتيب مداخيلها ووارداتها لتأمين نفقاتها، بدلاً من اعتماد الأمرّين على طباعة المزيد من الأوراق النقدية، وفقدان السيطرة على سعر الصرف، وصولاً لانهيار كبير ومعه انفجار أكبر، واليوم نحن في قلب الانهيار والانفجار، فلا مدارس ولا مستشفيات ولا نقل، لأن ليس هناك ثبات لسعر الصرف.
نجح حاكم مصرف لبنان بإقناع المسؤولين بصرف النظر عن السير بتشكيل مجلس للنقد أسوة بما فعلته دول عاشت أزمات مشابهة، لأنّ مهمة مجلس النقد تقوم على نزع صلاحية إصدار الأوراق النقدية من يد مصرف لبنان، لكن المسؤولين الذين صرفوا النظر عن هذا الحلّ مطالبين اليوم بأن يطالبوا حاكم المصرف ببديل عن طباعة المزيد من النقد قبل ان تتسارع وتيرة السير نحو نهاية النفق، حيث الانهيار الشامل والانفجار الكبير.
على هامش هذا الانصراف عن القضية الأهم، ينشغل المسؤولون بما يعتبرونه مهما، فمن جهة تبادل الرئاستين الأولى والثانية الرسائل حول فتح الدورة الاستثنائية، بعدما تضمّن مرسوم فتحها جدول أعمال تتمسك به بعبدا، فردّت عين التينة ببيان صادر عن رئيس المجلس نبيه بري بأنّ المجلس سيد نفسه، ولهيئة المكتب أن تعرض ما تراه مناسباً من اقتراحات قوانين ومواضيع، ولرئيس الجمهورية ان يردّ ما لا يريده من القوانين التي يقرّها المجلس، فردّت بعبدا بلسان مصادر مقرّبة بأنّ ما تضمّنته الدعوة لا يقيّد هيئة المكتب بعدم إضافة جديد، لكنه يقيّدها بالأخذ بما ورد في المرسوم، ومن جهة مقابلة بقيت الدعوة لإنعقاد مجلس الوزراء موضع أخذ وردّ فشدّدت مصادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على السعي لتوفير ظروف مؤاتية لنجاح أيّ دعوة للحكومة، بالتوازي مع انتظارها لإنجاز الموازنة، بينما قالت مصادر حكومية انّ أيّ دعوة غير توافقية ستقابل بمقاطعة وزراء ثنائي حركة أمل وحزب الله وبعدها الميثاقي، وانضمام وزراء حلفاء للمقاطعة بما يوفر الثلث المعطل.
بالتوازي واجهت دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للحوار الوطني مواقف جعلتها طي التأجيل، رغم الكلام عن مشاورات سيجريها خلال الأسبوع المقبل مع رؤساء الكتل النيابية، فقد بدا واضحاً أنّ كلّ من الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري ورئيس حزب القوات سمير جعجع سيقاطعان الدعوة، ويطلبان تأجيلها لما بعد الانتخابات النيابية، وأنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب السابق وليد جنبلاط يضعان شروطاً تجعل انعقادها مؤجلاً لما بعد انعقاد الحكومة وحلّ المشاكل التي تعترض طريق انعقادها.
فيما أفضت مساعي ميقاتي على خط بعبدا – عين التينة إلى توقيع رئيس الجمهورية مرسوم فتح عقد استثنائي لمجلس النواب، يبدو أنّ جهوده للتوافق على تفعيل مجلس الوزراء فشلت حتى الساعة.
وبحسب مصادر ميقاتي فإنه لن يدعو الى جلسة لمجلس الوزراء قبل تحقق أمرين: الأول تسلمه مشروع الموازنة من وزارة المال، والثاني التوافق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري حول الدعوة لضمان حضور الوزراء المقاطعين ووزير المال في الحدّ الأدنى.
في المقابل يُصرّ ثنائي أمل وحزب الله وتيار المردة بحسب معلومات «البناء» على موقفهم حيال هذا الملف طالما لم تعالج أسباب تعطيل مجلس الوزراء المتمثلة بأداء المحقق العدلي في تفجير المرفأ القاضي طارق بيطار، مشيرة إلى أن لا موقف بعد لدى الثلاثي حيال اقتراح ميقاتي بأن يحضر وزير المالية يوسف خليل فقط من دون بقية الوزراء جلسة لدراسة وإقرار الموازنة وإحالتها الى مجلس النواب، لافتة الى أنّ المشاورات لا تزال مستمرة وقد يتبلور حلّ ما مطلع الأسبوع المقبل. ولفتت المعلومات الى أنّ هذا الاقتراح قيد النقاش بين الثنائي لاتخاذ القرار المناسب بشأنه مع خشية لدى الثنائي من أن يؤدّي تمرير جلسة الموازنة الى ضغوط اضافية لتمرير جلسات أخرى وحينها يُكسر قرار المقاطعة ويصبح من دون جدوى ويمنح الفرصة للقاضي بيطار ومشغليه الخارجيين بالمضي بسلوكه وقراراته المخالفة للدستور والقوانين.
وأكد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان أنّ «أسباب تعليق جلسات الحكومة معروفة جدا، والجريمة السياسية تبدأ بالخناجر المسمومة، وليس بالضحية، وطريق فتح البلد سياسيا معروفة جدا، ومن يقبل بوضع السكين على مذبحه هو مجنون. والمطلوب ضمان سياسي، بعيدا عن لعبة المكائد لأن المشكلة بدأت بالسياسة وبها تنتهي».
واعتبر قبلان «أنّ ما نعاني منه اليوم ليس الحصار الأميركي فحسب، بل سماسرة بعض الداخل الذين يعملون للخارج بثمن رخيص. لذلك فإنّ تطهير الداخل من العمالة الأميركية ضرورة ماسة لإنقاذ لبنان، ويتوقف على الخيار الشعبي السياسي الصحيح، ولم يبقَ إلا خطوة إرادة وطنية كبيرة لوضع لبنان على سكة الاستقلال والاستقرار».
وكان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أعلن «أننا سنكون مع التيار الوطني الحر في الانتخابات النيابية، وسنتعاون في الدوائر، وبدأنا منذ فترة بعقد لقاءات على كل المستويات من أجل التهيئة للانتخابات النيابية». وشدّد على أنّ «علاقة حزب الله بحركة أمل استراتيجية ثابتة ومتينة و»لما عجبو يدقّ راسو بالحيط»، نحن التقينا معا على المقاومة ونصرتها، جمهورنا وجمهور حركة أمل جمهور مساند للمشروع المقاوم، ومساند للوحدة الداخلية، ومساند لنعمل معاً كي يكون لبنان سيداً مستقلاً غير تابع للأجانب، ولنعمل على منع التوطين ومنع التطبيع ومنع كلّ أشكال التنازل أمام الاستكبار العالمي، هذه القضايا تستحق أن نكون معاً ونعمل معا».
وعلى الرغم من توقيع عون مرسوم العقد الاستثنائي للمجلس فإنّ ذلك لن يبرّد حماوة التوتر على خط بعبدا ـ عين التينة، مع تجدد السجال الدستوري ـ السياسي بينهما حول صلاحية الرئاستين بشأن مدة العقد وبنوده.
وفي ردّه على نص مرسوم العقد الاستثنائي الصادر عن بعبدا، أعلن بري في بيان أنّ «المجلس سيد نفسه ولا يقيّده أيّ وصف للمشاريع أو الاقتراحات التي يقرّر مكتب المجلس طرحها، ويعود لرئيس الجمهورية حقّ الردّ بعد صدورها عن الهيئة العامة الى المجلس. هذا حكم الدستور وما استقر عليه الاجتهاد. اقتضى التصويب».
وفيما قرأت مصادر كتلة التنمية والتحرير لـ»البناء» في نص العقد بعض الاستفزاز لرئاسة المجلس ومغالطات دستورية، أوضحت مصادر بعبدا أنّ «المادة 33 من الدستور واضحة، وهي تنص على أنه لرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدّد افتتاحها واختتامها وبرنامجها، وبالتالي يكفي قراءة ما ورد في هذه المادة من أجل التأكيد على أن ليس هناك أيّ مشكلة في مرسوم فتح الدورة الاستثنائية».
وأوضح الخبير الدستوري د. عادل يمين لـ»البناء» أنه «ليس من سلطة أو مؤسسة دستورية سيدة نفسها بصورة مطلقة، بل جميعها خاضعة لأحكام الدستور وللضوابط وللحدود التي رسمها لكل منها، واستناداً لأحكام المادة 31 من الدستور «كل اجتماع يعقده المجلس (النيابي) في غير المواعيد القانونية يُعدّ باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون»، أما المواعيد القانونية لانعقاد البرلمان بحسب يمّين فـ «تعني دورات الانعقاد القانونية، وهي إما عادية ومحدّدة باثنتين بحسب المادة 32 من الدستور، الأولى تبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار حتى آخر أيار، والثانية تبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من تشرين الأول حتى آخر السنة، وإما حكمية عندما يقضي الدستور بالانعقاد الحكمي مثل الحالة التي تستقيل فيها الحكومة أو تُعتبر مستقيلة، وإما استثنائية حيث أجازت المادة 33 من الدستور «لرئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدّد افتتاحها واختتامها وبرنامجها. وعلى رئيس الجمهورية، دعوة المجلس إلى عقود استثنائية إذا طلبت ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه». وبناء عليه يضيف يمّين: «فإنّ النص الدستوري واضح ولا مسوغ للاجتهاد في معرض النص الصريح، وعندما يبادر رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الى دعوة البرلمان الى عقد استثنائي فيكون من اختصاصهما دون سواهما تحديد برنامج العقد ولا يحقّ لهيئة مكتب المجلس النيابي أن تتجاوزه بتاتاً، أما الخلط بين صلاحية وضع برنامج الدورة الاستثنائية وحق رئيس الجمهورية في ردّ القوانين فهو ليس في محله الدستوري ولا الواقعي لأنّ الصلاحيتين منفصلتان والواحدة لا تلغي الثانية».
ومن المتوقع أن يدعو بري الى جلسة تشريعية لمجلس النواب الاثنين المقبل.
وكان ميقاتي زار بعبدا والتقى عون وقال: «في إطار دعوة الرّئيس عون للحوار الوطني، طَلب منّي الاجتماع، وأدليت برأيي ووضعته عنده، وهناك استكمال للحديث».
وعلمت «البناء» أنّ ميقاتي سجل تحفظه خلال اللقاء على انعقاد طاولة الحوار لخشيته أن تتحوّل الى بديل عن مجلس الوزراء، مفضلاً حلّ الأزمة الحكومية قبل انطلاق حوار بعبدا. ولفتت مصادر حكومية الى أنّ ميقاتي أبلغ عون بأن الوقت ليس مناسباً لعقد مؤتمر للحوار لأنه سيؤدي إلى تظهير الخلافات.
من جهته، أجرى الرئيس سعد الحريري اتصالاً بعون أبلغه فيه اعتذاره عن عدم المشاركة بالحوار «لانّ أيّ حوار على هذا المستوى يجب ان يحصل بعد الانتخابات النيابية».
وجاء اتصال الحريري بعد اتصال أجري من القصر الجمهوري ببيت الوسط بشأن اقتراح عون بالدعوة الى مؤتمر حوار وطني.
وأشارت أوساط الحزب التقدمي الاشتراكي لـ»البناء» الى أنّ «الحزب لا يرفض أيّ دعوة للحوار من أيّ جهة أتت، لكن يرى بأنّ الأولوية هي انعقاد مجلس الوزراء». وفيما رجحت مصادر بعبدا لـ»البناء» أن تحضر أغلب الكتل النيابية بالحوار ما عدا كتل القوات والكتائب والمستقبل وبعض خصوم العهد الآخرين، لفتت الى أنّ عون يجري تقييماً لموقف الحريري ويستكمل مواقف رؤساء الكتل النيابية الأخرى لاتخاذ القرار المناسب. إلا أنّ مصادر سياسية تشكك بجدوى الحوار في ظلّ حجم الانقسام السياسي الداخلي وسخونة المشهد الإقليمي، مشيرة لـ»البناء» الى أنّ الحوار قد يفيد بتهدئة المناخ الداخلي المتشنّج ويؤجّل الانهيارات الاقتصادية والمالية والأمنية يخفف من حدتها حتى الانتخابات النيابية واتضاح مشهد المفاوضات والحوارات الإقليمية الدولية وانعكاسها على الساحة اللبنانية.
وسجل الوضع الاقتصادي والمعيشي مزيداً من التدهور مع ارتفاع سعر صرف الدولار الى حدود الـ 30 ألفاً وسط شلل وتخبّط تعيشه القطاعات الوظيفية بسبب أزمتي كورونا وتدني الرواتب وتراجع الدولة عن وعودها بمنح الحقوق للموظفين لا سيما للهيئات التعليمية.
وبعد قرار وزير التّربية عباس الحلبي، بالعودة الآمنة الى المدارس الاثنين المقبل، فشل الاجتماع الذي عقد أمس بين الحلبي ولجان وروابط الأساتذة المتعاقدين كافّة والملاك في التعليم الرسمي للبحث بآلية العودة، وأبلغت اللّجنة الفاعلة بحسب بيان لها وزير التربيّة بقرارها «عدم العودة إلى المدارس وبقاء المدارس والمهنيات مقفلة حتّى تشريع الحقوق وتحويل المستحقّات إلى جيوب الأساتذة». في المقابل أصرّ الحلبي خلال الاجتماع كما أوضح مكتبه على العودة الاثنين، واعداً بـ»الاستمرار في متابعة تحقيق المطالب وفي متابعة تطور الأوضاع الصحية والمعيشية، وصولاً إلى تنفيذ كلّ الوعود»، مشدداً على «الضرر الكبير الذي يلحقه الإضراب بالمدرسة الرسمية، وبتلامذتها وبدورها الوطني والتربوي».
ويبدو أنّ هناك اصراراً حكومياً على قرار العودة الى المدارس، إذ طلب وزير الداخلية بسام مولوي إبلاغ البلديات واتحاداتها وجوب اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين العودة الآمنة للتلاميذ إلى المدارس.
من جهته أطلق نادي قضاة لبنان صرخة، بالقول: «الوضع لم يعد مقبولاً، بل أصبح من المتعذر على القضاة أداء عملهم». مشيراً في بيان إلى أنّ «واقع العمل القضائي متخبّط منذ فترة ليست بقصيرة، وفي كلّ مرة نسأل السؤال من دون أن نلقى جواباً، ونسجّل مطلباً من دون طائل».
وحذر خبراء أمنيون من مخاطر التدهور الاقتصادي والأوضاع المعيشية الصعبة، على الأمن الاجتماعي والميداني، وأشارت مصادر اقتصادية مطلعة لـ»البناء» الى أنّ مشروع البطاقة التمويلية متعثر ولم تؤمّن مصادر تمويله حتى الآن، فضلاً عن أنّ القيمة المادية للبطاقة لم تعد تكفي لسدّ الجزء اليسير من حاجة المواطن بعد ارتفاع سعر صرف الدولار.
ودعا رئيس اتحاد النقل البري بسام طليس خلال جمعية عمومية للسائقين العموميين في الشمال، كلّ القطاعات البرية في لبنان واتحاد النقابات في الاتحاد العمالي، إلى النزول إلى الشارع يوم الخميس المقبل في الثالث عشر من الشهر الجاري في يوم غضب نقابي.
في الموازاة ذلك، أعلن رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر خلال مؤتمر صحافي عن إضراب قطاع النقل الأسبوع المقبل في 13 الشهر الحالي، «لأنه غير معقول ان نبرم اتفاقات حول النقل العام ولا نتقيّد بها. وأيضاً كله ضمن إطار دعم القطاعات وليس رفع الدعم عنها».
على صعيد آخر، أعلنت قيادة الجيش في بيان «دهم منزلَي المواطنين (ن. ب) و(ع. م) في منطقة الغبيري ـ الضاحية الجنوبية، وأوقفتهما لإقدام الأوّل على تشكيل عصابة سلب بقوّة السّلاح بمشاركة آخرين وتجارة أسلحة وذخائر حربيّة، ومشاركتهما في الأحداث الّتي شهدتها منطقة الطيونة».
كما أصدرت قاضية التحقيق الأولى بالتكليف في البقاع أماني سلامة قراراً قضى برفع بلاغ البحث والتحري الصادر في حق رجل الأعمال إبراهيم الصقر بعد أن تقدم الوكيل القانوني المحامي جورج الخوري بطلب رفعه، مشترطة نشر البيان التالي نصه، وتبلغه موعد جلسة الاستجواب التي حدّدت في الأول من شباط المقبل.
المصدر: صحف