في الوقت الذي يتزايد فيه الحديث عن حروب المياه والصراع على الموارد الطبيعية في العديد من مناطق العالم، وبخاصة في الشرق الأوسط الذي يعتبر المنطقة الأفقر مائيا على مستوى العالم، تتفاعل أزمة مياه تهدد الاستقرار العالمي في منطقة آسيا بسبب نُ،درة المياه العذبة في الصين.
ويرى المحلل الإستراتيجي الأمريكي هال براندز أنه في حين أدى التغير المناخي إلى فتح طرق جديدة للتجارة العالمية وكشف عن موارد لم تكن معروفة وصراعات في منطقة القطب الشمالي، فإنه يفتح الباب أمام تهديد كبير للاستقرار الدولي والإقليمي نتيجة النقص الشديد في موارد المياه العذبة في الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد وثالث أكبر قوة عسكرية وأكبر قوة بشرية في العالم، بما يمكن أن يشعل الصراعات داخلها وخارجها.
فخلال العقود القليلة الماضية تحولت الصين إلى قوة اقتصادية وعسكرية عظمى، بفضل الإصلاحات الرأسمالية والنظام التجاري العالمي المُرحِّب بوجودها -رغم الحذر من قوتها- والتركيبة السكانية المواتية. وقد تحولت الصين إلى مصنع للعالم بفضل شبه الاكتفاء الذاتي من الأراضي الزراعية والموارد المائية والكثير من المواد الخام، والتي تم استغلالها بقوة بفضل العمالة الرخيصة هناك.
ولكن يبدو أن التوازن الطبيعي في الصين أصبح شيئاً من الماضي. ففي الكتاب المنتظر صدوره لكل من ميشيل بيكلي وهال براندز تحت عنوان «المنطقة الخطيرة» يقول المؤلفان أن الصين استنفدت الكثير من مواردها «فمنذ عقد واحد، أصبحت الصين أكبر مستورد للمنتجات الزراعية. وانكمشت الأراضي المروية لديها، بسبب عمليات التجريف والاستخدام المُفرط لها. كما أنها تشتري ثلاثة أرباع احتياجاتها النفطية من الخارج، في الوقت الذي أصبحت فيه الولايات المتحدة دولة مُصَدِّرة للطاقة.
وتواجه الصين أزمة مياه بشكل خاص. ففي حين يعيش فيها حوالي 18% من سكان العالم، فإنها تمتلك 7% فقط من موارد المياه العذبة. وتعاني جميع مناطق الصين وبخاصة الشمالية من نُدرة المياه، بدرجة أسوأ من معاناة الشرق الأوسط.
وقد اختفت آلاف الأنهار الصغيرة، في حين أدى التصنيع والتلوث إلى إفساد الكثير من مصادر المياه المتبقية. ولكن بعض التقديرات تقول إن ما بين 80 و90% من المياه الجوفية ونحو نصف مياه الأنهار في الصين ملوثة بدرجة تجعلها غير صالحة للشرب، وأن أكثر من نصف المياه الجوفية ونحو ربع مياه الأنهار غير صالحة للاستخدام في الصناعة أو الزراعة.
ويقول هال براندز في تحليل حديث أن هذه مشكلة مُكلفة. فقد اضطرت الصين إلى توجيه المياه من المناطق الرطبة نسبياً إلى المناطق الأشد جفافا في الشمال. ويقدر الخبراء خسائر الصين نتيجة نُدرة المياه بنحو 100 مليار دولار سنوياً. كما أدى نقص المياه وأساليب الزراعة غير المُستدامة إلى تصحر مساحات واسعة في الصين، كما أصبح نقص إمدادات الطاقة نتيجة تراجع إنتاج محطات الكهرباء المائية أمرا شائعاً فيها.
وخلال الشهر الحالي أعلنت السلطات الصينية أن مدينتي شينشن وجوانغشو الموجودتين في منطقة دلتا نهر بيرل الغنية بالمياه نسبياً ستواجه موجة جفاف حادة خلال العام الجديد.
ويمكن القول أن أزمة المياه في الصين ستكون لها تداعياتها السياسية والاقتصادية الخطيرة، خاصة وأنها تتزامن مع تحديات عديدة أخرى منها تدهور التركيبة السكانية (تزايد عدد المُسنّين) والاضطرابات السياسية وتجميد أو التراجع عن الكثير من الإصلاحات الاقتصادية الأساسية.
وفي عام 2005 قال رئيس وزراء الصين آنذاك، وين جياباو، أن نُدرة المياه تهدد «بقاء الأمة الصينية نفسه». ومؤخراً قال وزير الموارد المائية أن على الصين «القتال من أجل كل نقطة مياه وإلا ستواجه الموت». وبغض النظر عن المبالغة في التصوير، فإن نُدرة الموارد وعدم الاستقرار السياسي يسيران يداً بِيَدّ.
ويرى هال براندز أن الأزمة في الصين قد تتحول إلى توترات خارجية. فبعض المراقبين الغربيين خصوصاً يخشون من لجوء سلطاتها إلى الدخول في مواجهة مع أعداء خارجيين للتغطية على المشكلات الداخلية.
وحتى إذا لم يصل الأمر إلى هذه الدرجة، فإن مشكلات المياه تسبب صراعا سياسيا. فأغلب المياه العذبة في الصين تتركز في مناطق مثل إقليم التيبت الذي استولت عليه الحكومة الصينية بالقوة بعد وصولها إلى الحكم في عام 1949.
وبعد قيامها ببناء سلسلة من السدود العملاقة على نهر ميكونغ، تسببت الصين في موجات جفاف وفيضانات مدمرة في دول جنوب شرق آسيا مثل تايلاند ولاوس اللتين تعتمدان على هذا المجرى المائي. كما أدى تحويل مجرى نهر شينغ يانغ إلى آثار مدمرة في منطقة آسيا الوسطى.
كما أصبحت خطة الصين لإقامة سد كبير في جبال الهيمالايا والذي سيحجز المياه قبل وصولها إلى الهند سبباً لتوتر متزايد، بسبب الأضرار المحتملة لهذا السد بالنسبة للهند وبنغلادش. ويقول المحلل الإستراتيجي الهندي براهما تشيلاني أن «التوسع اٌلإقليمي للصين في منطقة بحر الصين الجنوبي وجبال الهيمالايا، يترافق مع محاولات للسيطرة على الموارد المائية في أحواض الأنهار العابرة للحدود».
المصدر: dpa