لسنا بصدد الحديث عن الهندسات المالية لحاكمية مصرف لبنان، ولا الجدوى من إقامة ما تُسمَّى “منصَّة صيرفة” التي تتمّ عبرها التداولات المالية اليومية، لكننا نتناول حصراً معاناة اللبنانيين، وبخاصة الموظفين منهم سواء كانوا عسكريين أو مدنيين هذا الشهر، لقبض رواتبهم “المُدولرة”، في أقسى مشهديات القهر النفسي التي يُمكن أن يواجهها مواطن، كي يتسلل الى داخل المصرف لقبض جزءٍ زهيد من عرق تعبه وعذاباته.
نخجل فعلاً الحديث عن بدعة ما يُسمى القرار 161 الصادر عن مصرف لبنان، والمرتبط بالسحوبات النقدية، والبلبلة التي أحدثها هذا القرار من ناحية شموله موظفي القطاع العام، ومن ثم إشاعات المصارف عن أنه يشمل موظفي القطاع الخاص تحت شروط معينة ترتبط بالأرصدة والسحوبات السابقة، وبعد قبض المواطن ما بين 50 و80 دولاراً من راتبه اللبناني “مدولراً” على سعر “صيرفة”، يخرج الى الصيارفة او السوق السوداء لبيع الدولار ، وقد يكسب المواطن في هذه العملية ما بين 200 و 300 ألف ليرة زيادة عن راتبه بالليرة اللبنانية كفارق سعر بين صيرفة والصيارفة، و”تكسب” الدولة المزيد من الناس كتجار عملة في السوق السوداء، ويزدهر الإقتصاد في السوق الرمادية التي لا يُدرك المواطن العادي شيئاً من ألاعيبها وهندساتها المالية!
وبصرف النظر عن القرار 161 الذي مُدِّد العمل به، تذكر تحليلات مالية – سياسية أن الشحّ في السيولة بالليرة اللبنانية هو الذي أدى الى هكذا قرار، وكان يُمكن تحويل هذا الفارق الذي كسبه المواطن في رحلة المساومة بينه وبين المصرف في الداخل، وبينه وبين الصرافين في الخارج، الى حسابات الرواتب للقطاع العام العسكري والمدني على الأقل، بما يوازي الفارق في سوق القطع بين السعر على منصَّة صيرفة وسعر الصرف في السوق السوداء، وينتهي الأمر لو كان الأمر فيه حسن نيَّة، بدل هذه الآلاف المؤلَّفة من الناس التي أنزلوها بأبخس الأثمان الى السوق السوداء لزيادة الضغط النفسي والإقتصادي على الموجوعين!
حكاية القرار 161 ومنصَّة صيرفة قد تكون محددة المدة، لأنها تناولت حصراً موضوع الرواتب بالنسبة لمحدودي بل معدومي الدخل، لكن حكاية المقصلة على أعناق الشعب اللبناني لا تنتهي، لأن كل القرارات الرسمية لم تلامس وجع الناس، سواء لناحية تسعير المواد الأساسية، أو محاضر ضبط متواضعة لا ترقى لمستوى الفلتان في سوق السلع الإستهلاكية والغذائية، من أصغر دكان الى أكبر مجمَّع تجاري، بعض التجار ينحرون الناس بلا رحمة، وبلا حسيب أو رقيب، خاصة أن 22000 متجر ينتشرون على امتداد الخارطة اللبنانية، ومعظمهم “فاتحين على حسابهم” لأن اغلبهم خارج عملية ضبط ورقابة كافية ووافية …
المصدر: خاص