هل شعرت يومًا ما باعتبارك كاتبًا أو مدونًا بالاختناق، وبأنك عاجز عن كتابة حرف واحد في مقال أو قصة أو حتى رواية جديدة؟ هل راودك إحساس ممض بأن عقلك متعب وقلمك أو لوحة مفاتيحك غير قادرين على مطاوعتك، وأن «الصفحة الفارغة» تضع مشروعك الإبداعي كله على المحك؟
هي حالة نفسية تدعى «قفلة الكتابة» أو «متلازمة الصفحة الفارغة»، مسَّت كبار الأدباء وعانى منها عددٌ كبير من الكتاب، نتعرف في هذا التقرير على أسبابها، وأشهر الحالات المصابة بها، وأيضا سبل التغلب عليها.
يمكن تعريف متلازمة الصفحة الفارغة بأنها حالة نفسية مرتبطة بالكتابة، لها علاقة بعدم قدرة مؤقتة على البدء أو المتابعة في الكتابة بسبب خوف أو قلق أو عدم وجود إلهام.عندما يفقد المؤلف أو المدون القدرة على إنتاج عمل جديد أو يتعرض عمله الإبداعي للتأخير اللاإرادي، وتتراوح أعراض الحالة بين صعوبة العثور على أفكار أصلية وعدم القدرة على إنتاج عمل مناسب لمدة قد تصل إلى سنوات طويلة.
يختلف الكتاب والمحلّلون في ما إذا كانت هذه الظاهرة موجودة حقًّا، فلكل واحد منهم رأي مخالف للآخر، فالشاعرة «جوليا كاسدورف» مديرة مؤسسة «pen» التي تعقد برامج في الكتابة الإبداعية تقول «نعم، القفلة حقيقية، فعندما تكون مهنة الكتابة مرتبطة ومتشابكة مع هويتك الشخصية أو أن إنتاجك هو ما يضمن لك بقاءك مسيطرًا، فإن هذا يزيد من درجة التوتر، القفلة مقاومة هائلة تُبنى داخل الإنسان يمكن وصفها بخوفٍ مكثَّف».
أمَّا الكاتب «دايفيد تايلور» فله رأيٌ مغاير، إذ يقول «لا أؤمن بقفلة الكاتب، إنها مصطلح عام جدًّا مثل مصطلح آلام الظهر، وتصل درجة عموميّته إلى أن يصبح بلا معنى لتشعب الأعراض والأسباب وكثرة أساليب العلاج تبعًا لسببها».
اجتهد عدد كبير من العلماء والمحللين النفسيين في محاولة لتقديم تفسير منطقي لهذه الحالة، فأرجعها بعضهم إلى التوتُّر النفسي، وصعوبات الحياة، وربطها البعض الآخر بتطرق الكتاب والأدباء السابقين في كتاباتهم لكلِّ شيء في الحياة، ما يمثل صعوبة متجددة ومعتادة أمام كل من يحاول أن يبدع شيئًا جديدًا، ويمكننا أن نضيف أيضًا ضغط العمل ووجود مواعيد محددة لتسليمه، ما قد يُسهم أيضا في تفجير أعراض المتلازمة، ولا ننسى أيضا الأسباب الجسدية التي تسهم في خلق المشكلة، كقلة النوم، وكثرة السهر، والإرهاق العام، وضعف الشهية.
وقد اتفق معظم الكتاب والمبدعين على حصر أسباب إصابتهم بمتلازمة الصفحة الفارغة في الأسباب التالية:
- الإصرار على كتابة كل شيء دفعة واحدة دون أي تخطيط أو دراسة مسبقة.
- عدم وجود معرفة كافية للبدء في موضوع معين، وانعدام مصادر البحث الكافية في الموضوع.
- استهلاك الأفكار الأساسية الجيدة في أعمال سابقة والشعور بعدم القدرة على اختلاق أفكار إبداعية أخرى.
- أسباب جسديّة كما أسلفنا الذكر، ترتبط بقلة النوم والتعب الجسدي والاكتئاب وغيرها.
- أسباب نفسيّة متعلقة بالخوف من الفشل وأحيانًا الخوف أيضا من النجاح، كما أن النقد الداخلي قد يلعب دورًا في تفاقم الوضع إذا تجاوز الحد المسموح به بطريقة غير محتملة.
- قد ترتبط متلازمة الصفحة الفارغة بمكان الكتابة والجو العام الذي يحاول الكاتب ممارسة الكتابة فيه.
- عدم وجود اهتمام كافٍ واستمتاع شخصي بالموضوع الذي يشتغل عليه الكاتب أو المدون.
لا توجد وصفة سحرية للتغلب على متلازمة الصفحة الفارغة، لكن يمكن اتباع عدد من الخطوات التي اتفق الخبراء على نجاعتها وقدرتها على التعامل مع المتلازمة والحد من تأثيرها.
- امتلاك الجرأة للكتابة «السيئة» وعدم البحث بشكل مبالغ فيه عن المثالية المطلقة.
- الكتابة في المواضيع التي تهمّ الكاتب أو المدون، والتي يستمتع بكتابتها.
- الكتابة مع شخص آخر وقراءة المكتوب بصوت عالٍ.
- التحوّل من الكتابة على الحاسوب إلى الورقة والقلم أو العكس.
- ممارسة الرياضة التي تلعب دورًا هامًا في التغلب على المشاعر السلبية.
- تغيير مكان الكتابة.
- تقسيم العمل الكتابي إلى مهمات يسهل تحقيقها.
- الكتابة تحت اسم مستعار، والابتعاد بشكل مؤقت عن ضغط الخوف على سمعة الكاتب الإسمية.
- رسم خارطة ذهنية للأفكار التي سوف تُطرح للمساهمة في دفق الأفكار وترتيبها.
- تجاوز الجزء الذي يعجز الكاتب أو المدون عن كتابته إلى أجزاء أخرى.
- الكتابة عن الكتابة نفسها، وعن عدم القدرة على الكتابة.
المصدر: مواقع